الاثنين، 20 أكتوبر 2014

ثورة التكنولوجيا وأثرها على الأسرة العربية


ثورة التكنولوجيا وأثرها على الأسرة العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
يتفق الجميع ولا سيما علماء الاجتماع على أن الأسرة هي عماد المجتمع، والمجتمع كما يذهب (تارد) إلى أنه جملة أفراد يحاكي بعضهم بعضاً، أو يلتقون في صفات مشتركة موروثة من نموذج واحد قديم، وهذه هي الذرية الاجتماعية، والحقيقة أن المجتمع يقوم على أفراده وعلى العلاقات القائمة بينهم، ولكنه شيء آخر غير هؤلاء الأفراد وغير تلك العلاقات، ولكل مجتمع ثقافته ونظمه، وعاداته وتقاليده، وله صور شتى كالأسرة، والعشيرة، والقبيلة، والأمة، والشعب، وهو يشملها جميعاً، ولكنه أن أُطلق أخذ في أوسع معانيه، ترتبط المجتمعات عادة بعدد من المعايير أو الأعراف المتخذة كمعايير هي آداب التصرف والحياة والتفكير المحددة اجتماعياً، والمعاقب على تجاوزها اجتماعياً، فالمعيار الاجتماعي هو مستوى العادات والتقاليد والتوجهات المشتركة، الذي تبلغه جماعة، وتتخذه بمثابة قوة موجهة لسلوكها أو تصرفها، ويمكن اعتبار المعيار الاجتماعي بمثابة المرجعية الذاتية للجماعات المعينة، ومن ضمن هذه الجماعات الأسرة، وإذا ما تعرضت هذه المعايير إلى تغيير خارجي ولا سيما من قبل وسائل الثورة المعلوماتية أو إلى تبديل بمرور الزمن وبإرادة أفراد الأسرة والمجتمع فهنا مكمن الخطر الذي يهدد هوية المجتمع، إذا ما حدث وتم ضرب أو تهديد منظومة القيم أو المعايير الاجتماعية والتي هي بمثابة مبادئ عامة يتمسك بها الأفراد تمسكاً شديداً بحيث تؤثر على سلوكهم وتجعلهم يتميزون بالتطابق والتشابه، سيكون هناك صراع ما بين منظومة قيم الداخل والقيم الوافدة من الخارج عبر آليات الثورة المعلوماتية أو بمعنى آخر يحدث صراع بين نوعين من الثقافة (ثقافة الداخل وثقافة الخارج)، لقد أضحت اليوم تكنولوجيا المعلومات وتحديداً تكنولوجيا الاتصال القطار الذي استقلته العولمة لتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية، وقبل ذلك كله الأهداف الثقافية التي تسعى أو تمهد لترويض العقول من أجل عدم تعارض الأهداف السياسية والاقتصادية، ومن هنا يتم التمهيد لنسف المعايير الاجتماعية من مبادئ وقيم وعادات والتي يتمسك بها الفرد والأسرة والمجتمع، ومن أجل تحقيق ذلك فإن تكنولوجيا المعلومات أو الثورة المعلوماتية تؤثر على هوية الفرد والأسرة العربية عبر عدد من الآليات تحرير إرادة الشعوب من القيود الاجتماعية والثقافية والفكرية التي يعتقد منظرو العولمة بأنها تعيق تقبلها للثقافة الجديدة عن طريق الاستخدام الموجه للكلمات والصور، وفي ذلك يرى هربرت شيللر أن السيطرة على البشر وعلى المجتمعات تتطلب في الحاضر وقبل كل شيء الاستخدام الموجه للإعلام، فمهما كان جبروت القوة التي يمكن استخدامها ضد شعب ما فإنها لا تفيد على المدى البعيد، إلا إذا تمكن المجتمع المسيطر من أن يجعل أهدافه مقبولة على الأقل، إن لم تكن جذابة بالنسبة لهؤلاء الذين يسعى لإخضاعهم، فالحالة الشعورية لسكان بلد ما لها دورها الملموس في تحديد سلوكهم الاجتماعي ونهجهم الثقافي، تعويد العقول على مشاهدة ومعايشة الأنماط المغربة للثقافة الجديدة بإحكام السيطرة على المعلومات وتوظيفها وتعميقها وفقاً لمواصفات محددة وبمقومات تم اختبارها عملياً لتعتاد الشعوب عليها وعلى مشاهدتها عن طريق التكرار غير الملل، هذا التعويد يمكن في ظل ظروف معينة أن يلحق بالصحة العقلية للإنسان فيصبح أسيراً لعاداته، إعادة تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب على نمط الحياة الغربية وحثها على المشاركة فيها على نحو نشط يحقق على المدى قولبة الإنسان بحسب النموذج الاجتماعي الغربي، تعزيز فكرة الانخراط النشط في الثقافة الجديدة عن طريق إبراز مظهرها الخارجي والثناء على كل من يتبناها ويعمل بموجبها، بما يشجع الانتماء إليها، وعلى اعتبار أنها أسلوب للحياة العصرية المهتمة بآخر تقليعات العصر، وبالأشكال الجديدة للمأكولات والمشروبات والمتعة والترفيه والإنفاق في إطار يتجاوب مع حاجة الرأسمالية إلى زيادة الاستهلاك من جهة، والتأكيد على قيم المجتمع الرأسمالي من جهة أخرى.

وفقاً لما سبق، هناك تساؤل مهم يتبادر إلى الذهن مفاده؛ إلى أي مدى سيكون تأثير الثورة المعلوماتية على هوية الفرد والأسرة العربية مستقبلاً؟

الأحد، 12 أكتوبر 2014

التنمية العربية – في بناء الدولة والأمة في الوطن العربي

التنمية العربية – في بناء الدولة والأمة في الوطن العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   إن هاجس الخوف من المجهول لازم الإنسان منذ القدم وحتى يومنا الحاضر، وذلك بحكم معاناته من مشكلات مستديمة يقاوم بعضها ويستسلم لبعضها ويحل بعضها، فلكل زمان ومكان مشكلاته وظروفه التي تتجدد وتتعقد لتظهر بأشكال وطرائق جديدة، على الرغم مما حققه الإنسان من تقدم تقني على مستوى الاتصالات والمواصلات، والاكتشافات على مستوى الصحة والغذاء... وغيرها، وبالرجوع إلى الخطوات الفكرية التي حققها الإنسان على مستوى التنمية، نجد أن نظريات التنمية مع اختلاف اتجاهاتها، لم تكن وليدة المدة التي انقسم فيها العالم إلى دول صناعية متقدمة وأخرى نامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل تمتد جذورها إلى الإسهامات النظرية والعناية المبكرة لعلم الاجتماع على يد روّاده الأوائل الذين أعطوا جلّ عنايتهم لقضية النمو والتطور نحو مراحل أكثر تقدماً، مقارنةً بالمراحل التي ميّزت المجتمعات في مراحل ما قبل النهضة الأوربية، وظلت تلك النظريات حتى الثلاثينيات من القرن الماضي تبدو أكثر التصاقاً بالتجربة التاريخية للمجتمعات الأوربية وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تأثرت نظريات التنمية ب(مدرسة التحديث) التي استندت في منهجها إلى تحليلات دوركهايم وماكس فيبر وأطروحاتهم لمفهوم التطور الاجتماعي الذي ينطوي على تغيرات تتدرج وفق مراحل وأنظمة محددة لا بدّ من استنفادها، وفي المرحلة نفسها ظهرت مدرسة ثانية أطلق عليها (مدرسة التبعية والتخلّف) التي استمدت أفكارها من أطروحات كارل ماركس، فهي ترى أن حالة التخّلف وما يصاحبها من قيود ما هي إلا نتيجة للعلاقات غير المتكافئة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، بحكم القيود والموانع المفروضة على الدول النامية للحيلولة بينها وبين التطور للأفضل وقد ترجع جذور الفكر الاشتراكي إلى عصور قديمة، فمثالية أفلاطون المبنية على النخبة الموهوبة ذات المواصفات الاجتماعية والسياسية المتميزة من الناس هي في الأساس اشتراكية أرستقراطية، فقد شهدت المجتمعات على اختلاف مراحلها حركات عدّة رفضت ظروف الظلم والاستعباد، ودعت إلى مجتمع جديد قوامه العدالة والمساواة كثورة العبيد في روما وثورات الزنوج والقرامطة في العصر العباسي وغيرها من الحركات الشعبية التي استمدت قواها من الديانات السماوية التي تكلّف بها الأنبياء والرسل بأوقات وظروف زمنية متعاقبة، خاصة تلك المبادئ التي جسّدتها الديانتان المسيحية والإسلامية.
   أن الإمام علي رضي الله عنه كان يرى الفقر والظلم متغيرين يزعزعان بنية العائلة والمجتمع والدولة، ولذا أعطى الأولوية لمعالجتها لتكون مدخلاً لتحقيق التنمية البشرية، وذلك من خلال مقولتين شهيرتين له، هما: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" و"أعجب لجائع كيف لا يخرج شاهراً سيفه..."، وتوماس كمبانيلا وهو المفكر الإنكليزي الإنساني النزعة الذي نادى ببناء مجتمع خالٍ من مظاهر الاستغلال وسلطة المال، وغيرهم.
   وأوربياً سادت الأفكار الاشتراكية في نهاية القرن الثامن عشر بوصفها رد فعل على التفاوت الطبقي الذي أفرزته الرأسمالية، فقد طرح عدد من المفكرين الأوربيين مبادئ تهدف إلى إقامة فلسفة اشتراكية تستند إلى الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وانتقدوا الظروف التي خلفتها الثورة الصناعية، وما ترتب عليها من نمط إنتاجي رأسمالي أفرز العديد من المظاهر كالبؤس والحرمان والاستغلال.
   ولغرض إيقاف ما تتعرض له التنمية العربية من تخبّط وتراجع وعدم الذهاب إلى المجهول، والحيلولة دون إعادة إنتاج القديم حاضراً، بمعنى أن العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل تنتظم تاريخياً بحيث يكون تفاعل الحاضر مع التاريخ تفاعلاً وظيفياً وبمستوى المسؤولية، شاطباً فيها الماضي بإملاءاته الظالمة، ومجسداً لمستقبل خالٍ من التأزم والعقد، إذن فالمناصرة الجماعية هي الوسيلة لخلق النظام القادر على بث العدل والمساواة بين أبناء المجتمع، وأن الفردية ظالمة لنفسها لا تجني إلا الغرائز، وعليه يجب أن تكون المشاركة فعالة وقادرة على تحقيق أهدافها، بحيث يكون الاختيار قائماً على الأصلح والأهلية والكفاءة في تحقيق المسيرة الوطنية وفق الالتزام بالثوابت والمبادئ التي تجسدها الأمة ودينها الحنيف، لذا فنحن بحاجة إلى أشخاص يتميزون بالمعرفة وبالحكمة والإخلاص، ولهم ممارسة فعلية في نقل الأقوال إلى أفعال، ولهم انتماء وطني فوق الولاءات القاصرة والعاجزة عن خدمة الوطن والأمة.

   إن الله وحد بين الأنصار المهاجرين، بحكم تمسكهم بدينهم وبنبيهم وقرآنهم، فتحقق لهم النصر تلو النصر على الرغم من قلّتهم وكثرة عدوهم، واليوم بابتعادهم شيئاً فشيئاً عن عقيدتهم وعنايتهم بالمسائل التاريخية على حساب المسائل العقائدية، دبّ فيهم الضعف وابتعدوا شيئاً فشيئاً عن دينهم، والله قادر على أن يوحدهم من جديد إذا غيّروا ما بأنفسهم، وإذا ما تابوا واستغفروا وحلّت عليهم نعمة الله.