السبت، 28 فبراير 2015

دوافع الثورة التونسية



دوافع الثورة التونسية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   كان عام 2011، هو عام الثورات العربية أو كما أطلق عليه اسم (الربيع العربي)، الذي وقعت فيه معظم الثورات في الوطن العربي، إلا أن أعنف تلك الثورات وقع في (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين)، وقد برزت أهمية الموضوع كون تونس مفتاح الثورات التي حدثت في العالم العربي، فالشرارة التي أشعلت الثورات ابتدأت من تونس ثم انتقلت باقي دول الوطن العربي.
   يتضمن الدستور التونسي نضال الشعب التونسي للتخلص من الاستعمار القديم، وتصميم هذا الشعب على توثيق الوحدة القومية، والتمسك بالقيم الإنسانية، والعمل للسلم، والتعاون الدولي الحر، والتعلق بتعاليم الإسلام، ووحدة المغرب الكبير، وانتمائه إلى الأسرة العربية، والتعاون مع الشعوب الإفريقية، وإقامة ديمقراطية تستند إلى مبدأ السيادة الشعبية، والفصل بين السلطات، والنظام الجمهوري، وإقرار المساواة بين المواطنين.
   لقد تبنى نظام بن علي أسلوباً في الحكم قائماً على قتل السياسة، لقاء التبشير بالتنمية الاقتصادية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن، أي تبني معادلة التنمية من دون ديمقراطية؛ وبالفعل نجحت تونس في تحقيق معدلات من التنمية تفوق النسب الموجودة في الدول المماثلة،   بفضل تدفق الاستثمارات الأجنبية، والسياحة الخارجية المندرجة في إطار تصور غربي قائم على دعم النموذج التونسي الذي عمل على تسويق صورة النظام الذي تمكن من مواجهة مطالب الحركة الأصولية بالنجاح الاقتصادي.
   إن نقطة ضعف هذا النموذج هو غياب مؤسسات تمتلك الشرعية المطلوبة لمراقبة مسالك المال العام الذي يصرف في برامج التنمية، وهو ما مثل أهم مدخل للفساد المالي، ولاستخدام أسلوب المافيات المنظمة لتجميع الثروة من طريق "الجاه المفيد للمال"، في غياب آليات المراقبة، والمحاسبة المؤسساتية، كما كشف هذا الغياب عن ضعف فظيع في امتلاك الآليات الاقتصادية القادرة على امتصاص تداعيات الأزمة المالية العالمية.
   وهكذا فإن من أبرز الأسباب البنيوية التي ساهمت في تأجيج روح الثورة لدى الشعب التونسي، تدهور الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية المتمثلة في ارتفاع مستويات البطالة، وخاصة في أوساط حاملي الشهادات، وتزايد التفاوت الاجتماعي بين المناطق والجهات، وتركيز الثروة في أيدي فئة محظوظة من الموالين لعائلة الرئيس.
   والسؤال الذي فرض نفسه بعد سقوط بن علي هو هل أن رئيس النظام سقط فقط، بينما ظلت مؤسسات الدكتاتورية والرشوة، وسوء التصرف قائمة؟
   إن هذا التساؤل طرح نفسه بشدة، خاصة أن الحركة الاحتجاجية كانت دون قيادة موحدة، ولا برنامج سياسي، واقتصادي بديل واضح.
   الانقلاب على الدستور، ودفع البلاد نحو سلسلة من الاعتصامات، والاضرابات، والتحركات الاحتجاجية، والمطلبية هدف الاستبعاد النهائي لكل رموز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم تونس في العقدين الماضيين، وعزل كل كوادر الدولة المنتمين إليه، وقد بقيت تلك التحركات شعبية كبيرة في الأسابيع الأولى للقوة، ونجحت في دفع كل الوزراء المنتمين إلى حزب بن علي إلى الاستقالة، وتبعهم محمد الغنوشي رئيس الوزراء، ثم تم حل التجمع الدستوري بقرار قضائي، إلا أن الزخم الذي دفع للاعتصامات المطلبية تراجع، بعد أن برزت مؤشرات اقتصادية، وسياسية، وأمنية سلبية عديدة، من بينها غلق كثير من المصانع والشركات، وركود القطاع السياحي، والخدمات المرتبطة به، بما يعني احتمال مضاعفة عدد العاطلين عن العمل.
   في وقت تحتاج فيه أساساً إلى إصلاحات سياسية، اقتصادية، واجتماعية تؤدي إلى معالجة معضلات البطالة، والخلل في التوازن بين الجهات، أي الأسباب المباشرة التي أدت إلى استشهاد محمد البو عزيزي، ومئات من شباب تونس، في ثورة شجعت جماهير عربية في كل مكان على التفاؤل مجدداً بالتغيير والإصلاح.
   وبخصوص شكل النظام السياسي التونسي هناك جدلاً قائماً اليوم بين دعاة النظام الرئاسي ودعاة النظام البرلماني، وهناك أيضاً النظام المختلط، وهذا الجدل محتدم، على الرغم من إقرار البعض عند وصفهم النظام السياسي التونسي بالقول: إننا إزاء نظام برلماني مشيراً إلى طبيعة العلاقة بين الحكومة المؤقتة، والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي، والانتقال الديمقراطي وطبيعة مهام هذه الهيئة.
   وبالتالي يكون النظام البرلماني المعدل أفضل لتونس، بعد التجربة المريرة طيلة نصف قرن من النظام الرئاسي، الذي أدى بها إلى التخلف، والديكتاتورية، والرئاسة مدى الحياة.
   حصل التغيير، وتغير نظام الحكم، ولكن قسماته الرئيسة ما تزال غير واضحة، ولم يتم إكمال صياغة الدستور، ولا تحديد زمني للانتخابات التي ستنهي المرحلة الانتقالية، وتحدد شكل نظام الحكم القادم، هذا فضلاً عن حالات عدم الاستقرار التي تشهدها تونس بين الحين والأخر كلها مؤشرات على استمرار المرحلة الانتقالية، واستمرارها يعني استمراراً لحالة عدم الاستقرار السياسي.

السبت، 14 فبراير 2015

نبذ سياسة العنف في المجتمع



نبذ سياسة العنف في المجتمع
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   من المعلوم أن العنف يقوم به الأفراد والدولة على حد سواء، فهو قد يقع من جانب أفراد المجتمع، وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، هذا في طبيعة الحال يحدث في حال عجزت الأطراف المختلفة في الإقناع بتغير السلوك، واستنفاذ كل الطرق السلمية، ومهما كان تقييم أعمال العنف يظل مسألة نسبية، ويتوقف على الجهة التي تقوم بالتقييم، وغالباً ما يقيم العنف من منطلقين هما الولاء والشرعية، لعل السبب في هذا هو الصلة الوثيقة بالتقاليد أو الأيديولوجيات السائدة في هذا البلد أو ذاك، ونظرتها إلى استخدام العنف كوسيلة في العمل السياسي، حيث نجد في دول معينة قوات عسكرية واسعة، وكبيرة لكنها لا تقوم بالانقلابات العسكرية، كما هو في البلدان الديمقراطية، وبعض بلدان الدول النامية في الوقت الراهن، وفي بلدان أخرى نجد أن السكان تمتلك أسلحة على نطاق واسع، ومع ذلك لا تحدث اغتيالات سياسية، في حين يحدث العكس في بلدان أخرى، وبالمقابل فإن اللجوء إلى الاغتيال، وأعمال الإرهاب على نطاق واسع الانتشار قد ينشأ عن ايدلوجية معينه تجيد أسلوب العنف في العمل السياسي.
   وبطبيعة الحال إن جميع هذه التشكيلات تتبنى تنظيرات للعنف، وتواجه عنف الدولة بعنف مضاد، وتعمل في الظلام بل وتعتبر نشاطها مشروع، لأنها تسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي الذي تدينه كونه لا آنساني، وقائم على الاستلاب حسب مفهومها، والواقع أن أعمال العنف لا يمكن أن تنفصل عن طبيعة الظروف في المجتمعات التي تحدث فيها، إن العصيان في المدن، والانقلابات العسكرية، ومؤتمرات الجمعيات الثورية، والثورات المضادة المدعومة داخلياً، هي جميعاً أمثلة على التمرد أو الثورة، وتتسم كلها بقبول بعض أفراد المجتمع بالعنف لغرض دفع المجتمع نحو التطور، ولكن على أي حال من الأحوال إن مقارنة هذه الأحداث بناءاً على أشكالها الاجتماعية وليس غيرها.
   ووفقاً لذلك، فان الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد، والجماعات هي غير قانونية، لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   وهنا لابد من أن نفرق بين القوة، والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل، والتمرد ....الخ)، وعليه فان آثار العنف قد تتنوع من درجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، إن العنف الذي يوجه إلى النظام من المحتمل جداً أن يؤدي إلى تصعيد العنف في المجتمع، وليس إلى إجراء تغيرات أساسية في البنية الاجتماعية، ولذلك فإن الحكومة مطالبة بتبرير العنف التي تقوم بها، بنفس الصيغة التي يطالب بها تبرير أعمال العنف التي توجه ضدها، وكلما كانت الحكومة ذات شرعية محددة بمعنى لا يؤيدها الأغلبية من أفراد الشعب، كلما كانت أكثر ميلاً إلى استخدام العنف.
   من المعلوم أن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، ولا تقتصر ممارسته على الأفراد والجماعات، بل من الممكن أن تمارسه الدولة بصورة منتظمة يسمى (العنف المؤسس)، الذي تستطيع أن تتخذه على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة، وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال، والقوة، وليس العكس، وهو ( عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من مقولة الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل)، حيث قال: (في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت، وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو (قيد النشؤ).
   ومن هنا يمكن الإدراك أن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، لأن الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية، والسياسية، فانطوت فيها تيارات العنف، والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل، وأعمق في الطرح، والتناول، وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع، والعنف باتجاهين، الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط، والاستلاب السياسي، إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية، وتقاليد المجتمع، كل هذه العوامل شكلت دافعاً لممارسة العنف بمستويات مختلفة.
   لقد رافقت هذه السياسات تغيرات اقتصادية، واجتماعية، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية، وإعلامية مما أدى ذلك إلى معاناة شرائح المجتمع بفعل التضخم المستمر، والتي عجزت هذه الطبقات أن تتكيف مع القيم بفعل تفشي البطالة، وبفعل الفوارق الطبقية الحادة القائمة بينهم، وبين الطبقات الغنية جداً المستفيدة من الانفتاح، لهذا نجد أن الأرض الرخوة باتت جاهزة لنمو العنف بأنواعه سواء المؤسسي الذي تقوده الدول أو على صعيد الشعب أو على مستوى التطرف الديني.







      

الأحد، 8 فبراير 2015

الحدود الجغرافية للدول وعلاقات الجوار

الحدود الجغرافية للدول وعلاقات الجوار
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   الحدود أحد مظاهر العلاقات الدولية، ان الحدود مسؤولة عن إقامة العلاقات المكانية التي تختص بدراسة الحدود السياسية، ويتم في هذا المجال تحليل وظائف هذه الحدود، ومدى قبول الدول المشتركة فيها لها، وتوقيعها على الطبيعة، ووصف الحدود، والمظاهر المختلفة التي تسير معها، وأنواعها المختلفة، ومشاكلها إذا كانت لها مشاكل، ومناقشة الملاحة في المياه الإقليمية، ومشاكل الترانزيت بالنسبة للتجارة، والناس، ومما يزيد أهمية الحدود هو أنه يتوقف عليها تحديد الرقعة الأرضية للدول والموارد الطبيعية، وما يترتب عليها من فعاليات اقتصادية، وبشرية، وتحديد المجال الجوي، والمائي، وما في باطن الأرض، وقاع المياه فهي حقاً تحديد للملكية على المستوى الدولي، وتحديد هوية السكان الوطنية، ويظهر أنه بدون الحدود الدولية لا يمكن أن تقوم الدولة بمهامها، ووظائفها إذ أن الحدود الدولية هي التي تحدد أراضي الدولة بوضوح، ومع عدم الإقرار بالحدود الدولية لا يمكن إقرار النظام الدولي الحالي، ويصبح من المستحيل معرفة أين تنتهي سيادة الدولة، وأين ستبدأ الدول الأخرى، ونظراً لارتباط الحدود، والمصالح الاستراتيجية، والاقتصادية فإن الدفاع عنها يمثل أقصى الوظائف الخارجية للدول أهمية.                   
   إن ترسيم الحدود الدولية على أساس الاتفاقيات ولا سيما عندما تحظى تلك الاتفاقيات بتأييد الأطراف لها، فإنها تكون مدعاة لقيام علاقات جوار مستقرة، وهادئة نسبياً، بينما يكون العكس عندما يكون أحد الأطراف غير مقتنع بخط الحدود الدولية، فتكون احتمالات إثارة المشاكل، والمنازعات الحدودية التي ربما تتطور إلى حروب حدودية.
   بالواقع أن الحدود السياسية القائمة بين الدول، كما هو الحال في مناطق عديدة من العالم، إنما تقوم بالفصل بين الجماعات ذات الأصول الثقافية، والحضارية الواحدة، والتي تسكن عند مناطق الحدود، وعلى جوانبها.
   تقسم الحدود من حيث شرعيتها والاعتراف بها: إلى حدود يعترف بها القانون الدولي، كما هو معروف عن معظم الحدود الدولية، وحدود تعترف بها بعض الدول فقط، وبخاصة الدول المجاورة، وهي قسمان: حدود تغيرت مواضعها، ولكن لم يتغير وضعها القانوني مثل بعض الحدود، وفي أوروبا الشرقية، وحدود تعترف بها بعض الدول من الناحية القانونية، وتعدها حدوداً لا تزال قائمة مثل حدود دويلات البلطيق بالنسبة للولايات المتحدة.
   وعلى الرغم من أن الحدود الدولية تستند إلى أساس شرعي وقانوني، إلا أنه قد يصادف أن بعض الدول لا تعترف بشرعيتها، وتدعي بخط حدود مغاير، ومن هنا تبدأ النزاعات الحدودية التي يتطلب حلها مراعاة الواقع الجغرافي، والسكاني، والحقائق التاريخية عند تخطيطها بحيث نصل إلى أعلى قدر من الاتفاق، ورضا الأطراف، وأقل ما يمكن من أسباب التوتر الكامنة في حالة تعذر تجاوزها نهائياً.
   ومع تقديرنا وإدراكنا لصعوبة تحقيق ذلك، إلا أن من شأن التعاون، وعلاقات حسن الجوار، وترسيخ الثقة المتبادلة، والاطمئنان لنوايا كل طرف للطرف الآخر، أن يساعد للتوصل لترسيم للحدود يرضى عنه جميع الأطراف، وإن تباينت درجات الرضى من دولة لأخرى.
   وعلى الرغم من أهمية الاتفاقيات الدولية في تعيين وترسيم الحدود الدولية، إلا أنه لا يمكن أم تنكر أهمية القوة، والعلاقات السياسية في الحفاظ على أمن وحرمة الحدود الدولية، وعليه فإنه إذا ما كانت الحدود ترسي، وتدعم الوضع القانوني للحدود فإن القوة ضرورية لثباتها، واستمرارها.
   يعتقد بعض الجغرافيين السياسيين، بأن أفضل تخطيط للحدود للفصل بين الدول المتباينة في نظمها، وحضارتها، وتركيبها الأنثروبولوجي، هو الذي يتماشى مع الواقع الطوبوغرافي الذي يشكل حداً فاصلاً في أحيان كثيرة، وهذه تسمى بالحدود الطبيعية.
   إن اتفاقيات الحدود الدولية هي الأساس الشرعي، والقانوني للاعتراف المتبادل بين الدول من رسم، وتخطيط الحدود الدولية بينهما، وعلى الرغم من القوة القانونية، والشرعية لاتفاقيات الحدود إلا أن الحدود الدولية، واحترام حرمتها تبقى مرهونة بالعلاقات بين الدول التي تتحكم فيها محددات كثيرة غير اتفاقيات الحدود، وعلى رأسها القوة اللازمة لحفظ تلك الحدود، وحسن إدارة العلاقات الإقليمية، والدولية.      

                                       

حكم الحزب الديمقراطي في تركيا وتسلمه السلطة عام 1950

حكم الحزب الديمقراطي في تركيا وتسلمه السلطة عام 1950
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   ما يهمنا هنا طبيعة السياسة الخارجية التي تبنتها تركيا في ظل حكومة (عدنان مندريس)، مع الدول الإقليمية، والمجاورة، ومنها العراق، ففي ظل تلك الحكومة خرجت تركيا من عزلتها الدولية، والإقليمية، واتجهت نحو إقامة تحالفات انطلاقاً من شعور قادتها المستمر بالخطر الذي يهدد سيادة، وأمن ووحدة الأراضي التركية، ومن هذه التحالفات هو حلف بغداد عام ١٩٥٥، الذي كان العراق أحد مؤسسيه، وعضواً فاعلاً فيه أيضاً، الذي انعكس إيجاباً على علاقات البلدين إذ مهد في حل المشاكل العالقة بينهما.
   استغلت أحزاب المعارضة التركية، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الفشل المتوالي للبرامج الحكومية في معالجة الواقع الاقتصادي ، في الدعوة إلى اجراء انتخابات جديدة ، وقد ظهر اثر ذلك في انتخابات ايار عام ١٩٥٠، إذ تمكن الحزب الديمقراطي بزعامة جلال بايار من الفوز بانتخابات ١٤ أيار عام ١٩٥٠، والتي أدت إلى وصول الحزب إلى سدة الحكم وبموجبها اصبح جلال بايار رئيساً للجمهورية، وعدنان مندريس رئيساً للوزراء، ورفيق كورلتان رئيساً للمجلس الوطني الكبير، وتعهدت الحكومة باتباع برنامج سياسي، واقتصادي أكثر ليبرالية.
   لم يكن فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات، وتسلمه الحكم انعطافه سياسية تقدمية في تاريخ تركيا المعاصر، وإنما كان مظهراً من مظاهر الرغبة في التجديد ولدته دكتاتورية الحزب الواحد التي استمرت أكثر من ربع قرن، حسب قول أحد تقارير المفوضية العراقية في أنقرة(1).
   على أية حال، وجه الحزب الديمقراطي السياسة الداخلية في تركيا طيلة مرحلة الخمسينات، أما السياسة الخارجية فقد كان مميزاً فيها بالرغم من خضوعه للدستور التركي لعام ١٩٢٤، الذي يؤكد فيه قومية السياسة الخارجية، إذ اتسمت فترة تولي الحزب الديمقراطي من الناحية الخارجية بالارتباط مع الغرب بسلسلة من الأحلاف منها الانضمام إلى حلف شمال الاطلسي عام ١٩٥٢، والانضمام إلى حلف البلقان عام ١٩٥٣، وأخيراً الانضمام إلى حلف بغداد عام ١٩٥٥، فضلاً عن الاشتراك مع الولايات المتحدة الامريكية (١٥) دولة حليفة في الحرب الكورية عام ١٩٥٠، وعقد معاهدات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتزامن هذا التوجه مع توجهات إيران نحو الاحلاف أيضاً مما جعل تقاربهما طبيعياً، وقد اكتسبت العلاقات التركية الإيرانية للفترة من عام (١٩٥٠-١٩٥٣)، أهمية تاريخية استثنائية كونها زاخرة بالتطورات الداخلية التي تركت أثراً واضحاً على السياسة الخارجية للبلدين. ركز الحزب الديمقراطي بعد وصوله إلى الحكم في تركيا بمحاولة إعادة جسور العلاقات مع العالم الإسلامي الذي يضم الأقطار العربية بالإضافة إلى إيران وافغانستان، وهو المحيط التي كانت تركزت فيه نشاطات وفعاليات الدولة العثمانية فيما سبق.
   أعلن جلال بايار خلال افتتاحه المجلس الوطني الكبير في الأول من كانون الأول عام ١٩٥٠، عن برنامج حكومته بما يخص السياسة الخارجية قائلاً "أن علاقتنا مع الجارة "إيران تتميز بالصداقة وأن اقتصادنا مع الإيرانيين يزداد متانةً لتشابه السياسة الاقتصادية لبلدينا وأننا نسعى إلى أن تتقوى علاقاتنا في المجالات كافة، ولا تقتصر على مجال واحد فقط".
   وعبرت صحيفة (ظفر) الناطقة باسم الحزب الديمقراطي في الرابع من نيسان عام ١٩٥١، عن رغبة الحزب في تعزيز العلاقات التركية  الإيرانية لأن من شان ذلك (كما ترى الصحيفة المذكورة )، أن يحقق تضامنا بين دول الشرق الأوسط الذي يمكن أن يقف بوجه المد الشيوعي ويتصدى له واستطردت قائلة "أن أي توثيق لعلاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط سيجلب الفوائد السياسية والاقتصادية وغيرها لدول هذه المنطقة التي تواجه تحديات مشتركة".
   وفي العاشر من نيسان عام ١٩٥١، دعا (مجاهد طوبلاك) محرر صحيفة (ظفر) في مقال له إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، لأن تركيا تعد ذلك شاناً خاصاً بها(2).
   إلا أن بعض المحليين السياسيين يرون أن تركيا محكومة في واقع الأمر من قبل الجيش ولا تستطيع في ضوء تلك المعادلة الأحزاب السياسية التركية التمتع بديمقراطية حقيقية حتى وإن حصلت على أغلبية الأصوات في الانتخابات.
   أما موقف الدول العربية، فقد استأثرت أحداث تركيا باهتمام الحكومات العربية، والرأي العام العربي، فأعلنت الحكومة العراقية أنها تعد الحركة العسكرية في تركيا حدثاً داخلياً يهم الأتراك أنفسهم وتستنكر أي تدخل أو ضغط خارجي يوجه إلى تركيا، وقد عقد السفير التركي في بغداد مؤتمراً صحفياً أوضح فيه أسباب الانقلاب ودوافعه، أما الحكومات العربية الأخرى، فقد التزمت الحذر ازاء الأحداث وعدته شأناً داخلياً.
الهوامش:
1. شكلت أربع حكومات متوالية من قبل حزب الشعب الجمهوري استمرت من ٥ آب ١٩٤٦، حتى أيار ١٩٥٠، موعد إجراء الانتخابات العامة، وجميع هذه الحكومات فشلت فشلاً ذريعاً في حل مشكلة الأزمة الاقتصادية مما انعكس على وضع المواطن المعاشي،  للمزيد عن هذا الموضوع أنظر: مصطفى الزين، أتاتورك وخلفاءه، (بيروت: ١٩٨٢)، ص ٢٦٦، العبيدي، المصدر السابق، ص71-91.
2. د. ك. و ملفات البلاط الملكي، ملفه رقم 2739/311، كتاب المفوضية العراقية في أنقرة  رقم 884 في 12/4/1951، إلى وزارة الخارجية العراقية، وثيقة رقم ١١٤ صفحة رقم ٢٠٢.