السبت، 29 أغسطس 2015

النفوذ التركي في كردستان

النفوذ التركي في كردستان
بقلم: أيمن هشام عزريل
   تعاظمت القضية الكردية في السياسة الخارجية التركية منذ الربع الأخير للقرن العشرين، بسبب التطورات الداخلية التي شهدتها الساحة التركية نفسها إثر قيام حزب العمال الكردستاني، والمتغيرات الدولية والإقليمية الكبيرة والخطيرة التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، متمثلة بانهيار المعسكر الشرقي واجتياح العراق للكويت على التوالي، وعليه فقد ترسخت القضية الكردية العراقية في صلب السياسات الاستراتيجية التركية.
   على أية حال اخفق اتفاق أنقرة في ضمان السلام الداخلي لكردستان، وتجدد الاقتتال بين الحزبيين الكرديين، وفي نفس الوقت بدأت انقرة، وبخطى متسارعة، الاقتراب من بغداد اثر تشكيل الاسلاميين قيادة اسلامية التوجه ف تركيا، فاستهلت الحكومة الجديدة اتصالاتها ببغداد بإرسالها وفد وزاري كبير إليها، وجرى الحديث عن عودة جدية للعلاقات بين الطرفين، وبموازاة ذلك فإن تداعيات عملية دخول الجيش العراقي وعناصر المخابرات العراقية اربيل (آب 1996) وباقي تحركات القادة الكرد العراقيين نحو بغداد وطهران كانت بمثابة رسائل ذات تهديد مبطن إلى واشنطن وحلفائها، وهو ما جعل إدارة الرئيس كلنتون تراجع سياستها في مجمل المنطقة وكردستان، في محاولة لحصر الأضرار وتدارك العوامل التي زعزعت سياسات واشنطن في الاحتواء المزدوج قبل انهيار تلك السياسات برمتها، وقد عزز التوجه الامريكي الجديد تصرفات حكومة انقرة الاسلامية التوجه، إذ نتج عن الضغط الشديد التي مارسته على أمريكا، في وقت حرج جداً، عن إيقاف تفويض قوة عملية توفير الراحة O.P.C واستبدالها بعملية العين الساهرة N.W  الأقل أهمية وفعالية بكثير قياساً بالأولى في السهر على مصالح أمريكا في العراق.
   وأمام التحديات الجديدة التي واجهت الإدارة الأمريكية ومنذ النصف الثاني من العام 1996، كثفت وزارة الخارجية الأمريكية دبلوماسيتها وجهودها باتجاه العودة التدريجية إلى المنطقة عبر استراتيجية جديدة قائمة على تحقيق السلام النهائي في كردستان كأساس لنجاح الجهود الأمريكية في إضعاف نظام صدام، توالت لقاءات كبار المسؤولين الأمريكيين بالقادة الكرد، لتتوج في أيلول 1998، بإنهاء الخصومة والاقتتال الداخل نهائياً، بدعوة وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، كل من البارزان والطالبان إلى واشنطن، حيث تم فيها التوقيع على اتفاقية واشنطن في 17 أيلول 1998، والتي ورد فيها إنهاء الاقتتال الداخلي نهائياً، والتزام واشنطن في إقامة كيان سياسي كردي فدرالي ضمن عراق ديمقراطي تعددي وموحد، كما تضمن الاتفاق خارطة طريق بكيفية تحقيق ذلك.
   أثارت الاتفاقية سخط وقلق الساسة والرأي العام التركي على حد سواء، بسبب إبعاد الوسيط التركي عن الجولات الختامية من عمليات التفاوض والتوقيع على الاتفاقية، رغم المحاولات المكثفة والسريعة للإدارة الأمريكية والقادة الكرد في تهدئة خواطر الأتراك وتبديد مخاوفهم، عبر إفهامهم بأن الاتفاقية نتيجة إضافية من نتائج عملية أنقرة.
   راود الساسة الأتراك شكوك مكشوفة ومخاوف جدية من أن تؤدي الاتفاقية في آخر المطاف إلى إقامة دولة كردية في كردستان العراق، وإلى تعقيد عمليات الاجتياح العسكري التركية عبر حدود كردستان العراق في المستقبل، وكردّ فعل على التصرف الأمريكي الأخير، أعلنت أنقرة عن رفع مستوى العلاقات مع بغداد إلى مستوى سفارة، وأطلقت عملية اجتياح عسكري جديدة عبر الحدود مع كردستان في تشرين الثاني 1998، كإعلان متأخر في أنها ما تزال صاحبة كلمة في الشأن الكردي العراقي، ولكن ومنذ اتفاقية واشنطن بدا واضحاً لأي مراقب للشأن التركي انحسار النفوذ والتأثير التركي في كردستان، بل غدا كرد العراق عنصراً اضافياً يقيد سياسة تركيا الخارجية وكذلك الداخلية، وتحولوا من عنصر ساهم على صعيد سياسة تركيا الخارجية في دعم صورة تركيا أوروبياً وعالمياً إلى عنصر ينبه الأمريكان والأوروبيين إلى معاناة كردها الرازحين تحت الأحكام العرفية التركية، وداخلياً من عنصر يساعد على تعزيز أمن تركيا عبر تقويض قوة وفعالية حزب العمال الكردستاني سواء في كردستان أو في داخل تركيا إلى طرف غير معروف الموقف من تهديد حزب العمال الكردستاني الكبير على الأمن القومي التركي، فضلاً عن بث المشاعر الوطنية والأمل مجدداً لدى جميع كرد العالم في إمكانية إقامة كيان قومي سياسي لأحد أكبر شعوب العالم المحروم من ذلك الحق.
   كان تأثيرات اتفاقية واشنطن الإيجابية كبيرة على كردستان داخلياً وخارجياً، فقد ساهمت الاتفاقية في ازدياد النفوذ والحضور الأمريكي في الشأن العراقي عموماً والكردستاني العراقي خصوصاً، بشكل تعزز بفضله موقع إقليم كردستان العراق في أكثر من ناحية فمن جهة انحسر النفوذ التركي، وكذلك الإيراني والعراقي الذي كان يتدخل في الشؤون الداخلية للإقليم، ويشل أعمال الحكومة والبرلمان الكردستانيين، مما كان له إسقاط واضح على تعزيز السلام الأهلي وبالتالي تسارع وتيرة نمو وتطور المؤسساتية وأجهزة الدولة في ذلك الإقليم، ومن الجهة الثانية عبرت الاتفاقية عن تفهم واهتمام أكبر من جانب الإدارة الأمريكية نحو قضية الكرد عموماً، وحقيقة هيأت الاتفاقية أرضية مناسبة للتعاون الأمريكي الكردي (العراقي) الوثيق في مرحلة حرب العراق الأخيرة نيسان 2003.               


الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

ثقافة العنف

ثقافة العنف
بقلم: أيمن هشام عزريل
   بالرغم من التقدم الهائل في شتى مناحي المعرفة والعلوم، إلا أنه لا يبدو أن البشرية قد تعلمت بعد من نتائج ما أحدثته النزاعات والحروب على البشر، فلا تزال تنتهك حقوق وكرامة الإنسان بشكل واسع وإن بنسب متفاوتة، ولعل هذا متأتي من عوامل ذاتية وموضوعية تتميز بها الطبيعة البشرية، ورافق ذلك تقليص انتشار المد الإسلامي ومد نفوذه الذي يتعارض مع الثقافة التي تتبناها الرأسمالية، والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
   العنف الذي يقوم به الأفراد والدولة يقع من جانب أفراد المجتمع وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، ووفقاً لذلك فإن الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد والجماعات هي غير قانونية لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   ولا بد هنا من أن نفرق بين القوة والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل،
والتمرد ....الخ) وعليه فإن آثار العنف قد تتنوع بدرجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، أما القوة فهي ترتبط بالسلطة حيث تستخدمها بطريقة شرعية، وضمن نظام اجتماعي معين وعليه فإن السلطة والعنف متعارضان حيث يسود أحدهما بصورة مطلقة فإن الآخر يختفي عن الوجود ويظهر العنف عندما تكون السلطة واقعة في مأزق.
   من المعلوم إن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، فالعنف كان دائماً مقروناً بالدولة منذ نشوئها حتى في الوقت الحاضر، واستخدام العنف بين الدول هو نسبي ومشروط بعوامل كثيرة حضارية واجتماعية وسياسية على اعتبار أن الدولة وجدت لغرض التخلص من الفوضى، أن الدولة ما هي إلا أداة قمع بيد الطبقة الحاكمة المسيطرة في المجتمع.

   وقد يتخذ العنف وفقاً لما يقوم به الأفراد أو الجماعات على شكل تآمر يكون منظم بدرجة عالية، ويسهم في عدد محدد من الأفراد سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، وأحياناً يأخذ صيغ متعددة كصيغة الإرهاب أو صيغة اغتيالات سياسية منظمة أو يحدث التآمر بين العناصر الحاكمة بعضهم ضد بعض، وهذا ما نلاحظه متفاقماً في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار، إلا إن هذا النوع من العنف حتى وإن استطاع إزالة النخبة السياسية فالبديل لها لا يمكن أن يؤدي إلى تغيير الحياة العامة، أما فيما يتعلق الأمر بجماعات الضغط أي الأشخاص التي ترتبط فيما بينهم بعلاقات اجتماعية خاصة ومصالح مشتركة تفرض على أعضائها نمطاً من السلوك الجماعي، هؤلاء يدافعون بالوسائل المتيسرة لديهم وقد تكون علنية أو سرية ويسعون إلى الضغط على هيئات السلطة في الدولة لكي تتخذ قرارات ترعى مصالحهم أو أهدافهم المشتركة، وهذا التجمع أما أن يكون ذات طابع مهني أو ديني أو ثقافي أو مالي أو إداري .. الخ، والميزة المشتركة من كل هذه الأنواع من جماعات الضغط هي نشاطها الموجه دائماً إلى تحقيق مصلحة ضيقة ولا تحمل معنى (المصلحة العامة)، لهذا قد يأخذ العنف في مثل هذه الحالة حرب داخلية، بمعنى العنف السياسي المنظم الذي تصبحه مساهمة شعبيه واسعة موجهة إلى قلب نظام الحكم أو تفكيك الدولة وهذا متأتي طبعاً من الحرمان من العديد من شروط الوجود الاجتماعي، أو أن تكون كفاحاً مسلحاً ضد احتلال أجنبي، وقد يتحول إلى حرب أهلية فيما إذا توفر دعم خارجي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة التي تشكل موضوع تحول السلطة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال والقوة وليس العكس وهو (عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من خلال قول الكاتب الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل) حيث قال: في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو قيد النشأ.
   ومن هنا يمكن الإدراك إن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، حيث بقيت تلك الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية والسياسية فانطوت فيها تيارات العنف والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل وأعمق في الطرح والتناول وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع والعنف باتجاهين الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط والاستلاب السياسي إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية وتقاليد المجتمع، أما العامل الآخر هو العامل النفسي النوعي والتي يرتبط بطبيعة ردة الفعل تجاه الإلغاء والتهميش الذي ولد هو الآخر خوفاً باتجاهين هما الخوف من معتنقي تلك الثقافات والأيديولوجيات (الإسلام كمثال) الذي يصور بأنه يمثل حلقة الصراع مع الغرب، والآخر هو مشكلة الهوية الثقافية الذي تراجع بسبب التقصير بتعريفها إزاء الطرف الأول بشكل علمي أكاديمي منهجي مدروس ومعاصر، ذلك أدى إلى التباين في الإدراك ومن ثم تعزيز الصراع وانتشار ثقافة العنف المتناقضة مع متطلبات النهضة المعاصرة.        










الأحد، 9 أغسطس 2015

حوار الثقافات في المجتمع العربي

حوار الثقافات في المجتمع العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
   في الواقع، لقد طرحت في الأدبيات العربية العديد من التعريفات الخاصة بالثقافة، وكل يتناولها من الزاوية التي يستطيع من خلالها حل اشكالية البحث الذي يعرضه، مع تأكيد مفهوم الثقافة ومقارنتها بالحضارات (أو الثقافات) الأخرى، فالثقافة إذاً هي الكل المعقد المتشابك في الأنظمة التي تتضمن أساليب الحياة المادية والروحية، فهي تتولد من عملية إنتاج الوجود الجماعي بوصفه وجوداً اجتماعياً.
   وينبوعنا العربي- الإسلامي ينبوع صاف معطاء بفكره ومعتقده وأخلاقه ومنظوماته القيمية التي شددت على قيم التسامح والاعتراف بالاختلاف واحترام آراء ومعتقدات الآخر، وأن ذلك كله يشكل نبراساً وأسساً راسخة تستند إليها المؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية في إرساء ثقافة للحوار ولغة التسامح والتعايش المشترك، وهذه المهمة تبدو حتمية اليوم وضرورية جداً.
   فالمهمة إذاً هي ليس فقط حشو فكر الفرد بمفردات، ومقررات مجردة وبشكل سطحي، وإنما الاهتمام بدراسة السلوك الإنساني في ماضيه وحاضره، وخلق أنماط متميزة من الوعي والسلوك ومنظومات القيم وقواعد اجتماعية وعقلية تساهم في تعزيز الحوار مع الآخر، المختلف في ثقافته وأنساقه الحضارية: من معتقدات، وعادات، وحتى في طرائق التفكير والسلوك.
   وهناك من يرى في الثقافة بأنها نظرة عامة إلى الوجود والحياة والإنسان، وقد تتجسد في عقيدة أو تعبير فني أو مذهب فكري أو مبادئ تشريعية أو مسلك أخلاقي عملي، وهي البناء العلوي للمجتمع الذي يتألف من الدين والفلسفة والفن والتشريع والقيم باختلاف التجارب والخبرات والمواقف لدى أي شعب من الشعوب والأمم الأخرى، وعليه، فإن هذه العناصر التي يضمها مفهوم الثقافة نجدها تشكل الجوهر الأساسي للثقافة العربية، على الرغم من التعدد في النظم السياسية واختلافاتها في نوعية الحكم، وكيفية ممارسة السلطة وانتقالها، إلا أنها لا يمكن أن تحول دون تركز هذه العناصر في الثقافة الواحدة: بلغتها العربية ومعتقداتها الإسلامية وقيمها السلوكية والمعرفية وتصوراتها الخاصة فيما يتعلق بالوجود الإنساني والتطور الحضاري.
   ومن هنا، فإن الثقافة، بمدلولها الأوسع، موجه للحياة اليومية، من خلال صياغة حركة الوعي لدى الناس وتشكيل ذاكرتهم الثقافية المستمرة التي تختزن كل أفعال الثقافة وتجلياتها من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، فإنتاج الثقافة عملية مستمرة تخترق جميع الحقب التاريخية، وهي ليست موضع جدل على الإطلاق لأنها نتاج عمل دائم، وهي تختزن الذاكرة الجماعية الموروثة من الماضي الفاعل والمساهم في توجيه الأفراد والجماعات في الحاضر، أي ذاكرة السلف تغتني على الدوام بنتاج ثقافي جديد يساعد على عيش الحاضر وصناعة المستقبل.
   لقد أضحى الحوار، وهو النقيض للصراع والخصام والنزاع، وخصوصاً بعد ما شهده العالم في عقد التسعينات من تحولات جذرية في النظم الشمولية، والحروب الأهلية والطائفية بين المذاهب والأديان في يوغسلافيا السابقة والشيشان وغيرها، وما بشر له في الغرب من نظريات صراع الحضارات، ضرورة حياتية لبلوغ الأهداف المشتركة في بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار، ومتبنياً للتنمية المستدامة، وهناك من يرى في الحوار أيضاً، بأنه القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره، والذي يتم من خلال عمليتين هما: الإرسال (التحدث) والاستقبال أو الاستماع فالإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدل كما يطلق عليه، وأنها صفة متلازمة معه تلازم العقل به.
   فثقافة الحوار تكشف إلى أي مدى كانت طروحات (الصراعات الحضارية) (المركزية الأوروبية)، بعيدة عن الواقع، وطرحت لأغراض سياسية وإلى أي مدى تكشف عن المضامين المشتركة بين الثقافات أو الحضارات القائمة، والأديان المتنوعة، وما حدث بينها من صدام وصراع في القرون الماضية، فإن ذلك مرجعه لطبيعة المصالح السياسية والاقتصادية، والتي حاولت توظيف (المشروعية الدينية) على ما تقوم به.
   وإذا كانت ثقافة الحوار تحدد الأرضية المشتركة والمكونة للحضارة الإنسانية، فإن هذه الأرضية لا يمكن تشييدها إلا من خلال الاعتراف المتبادل بالتقاليد المميزة للثقافات الإنسانية المتعددة، ومن ثم التفاعل بين الهويات الثقافية المتعددة والتي تسمح بالتعايش بين مختلف التقاليد الحضارية، وإزالة حالات سوء الإدراك والصورة النمطية التي ترسمها هذه الثقافة تجاه الآخر.
   إن الحوار بين الحضارات هو تعبير عن أبرز قيم الحضارة وسمات الشخصية الإسلامية المتوازنة وهو ضرورة حتمية وواجب أخلاقي وإنساني وشرط مؤكد للتعاون الإيجابي والمثمر للتعايش السلمي والإيمان بالقيم المشتركة الثابتة بين البشر فضلاً عن التكافؤ بين الإرادات والنوايا الحسنة، والاحترام المتبادل والالتزام بالأهداف التي تعزز القيم والمبادئ الإنسانية التي هي القاسم المشترك بين جميع الحضارات والثقافات.