السبت، 28 مارس 2015

اليمن وطريق اللانهاية



اليمن وطريق اللانهاية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   رغم غياب الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن السلطة في اليمن للمرة الأولى، إلا أن هناك جدلاً مستمراً ومشروعاً حول مدى النفوذ الذي يتمتع به أو الذي ينبغي أن يتمتع به في الأجهزة الأمنية، والعسكرية، والحكومة، وحزب المؤتمر الشعبي العام، ويشير الواقع إلى أن السلطة التنفيذية في اليمن مشتتة ومنقسمة بين ثلاثة مراكز للقوة ممثلة في عبد ربه منصور هادي وعلي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر، ورغم تمتع عبد ربه منصور هادي من قبل المجتمع الدولي، ودعم العديد من المواطنين الساعين إلى  إنهاء الأزمة، إلا أنه لا يمتلك قاعدة جاهزة للقوة داخل الخدمة المدنية، أو الجيش، والحزب، وعلى النقيض من ذلك يتمتع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر بالولاء والنفوذ داخل الجيش، إلا أن الصعوبات في التنفيذ أشارت إلى وجود عقبات ما زالت قائمة في تحويل السلطة من الأشخاص، والشبكات غير الرسمية إلى مؤسسات الدولة، وانعكاس ذلك بشكل سلبي على الاستقرار الداخلي.
   ومن التحديات الأخرى التي يمكن أن تنعكس سلباً في الاستقرار الداخلي لليمن، قضية اليمن الجنوبي والدعوات المتعلقة بالانفصال من قبل حركة الحراك الجنوبي، فعلى الرغم من اندماج جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع جارتها الشمالية لتكوين الجمهورية العربية اليمنية ، إلا أن اتحادهما حفل بالمشاكل منذ البداية، وأفضى إلى حرب أهلية دموية.
   فترة تولى الرئيس السابق علي عبد الله صالح على السلطة، أطلق في عهده فترة من الاستقرار النسبي بعد سيطرته على الأجهزة الأمنية، والعسكرية، والحزبية، أما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فقد عاشت الأخرى فترات من عدم الاستقرار، نتيجة الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية بسبب التنافس القبلي، وكان هذا الوضع هو الخلفية التي قامت عليها عملية التوحيد، وتزامن إعلان الوحدة اليمنية إلى حد كبير بنهاية الحرب الباردة واكتشاف النفط في المناطق الحدودية، وهو ما وفر الحوافز للتعاون حول مزيد من عمليات التنقيب، وأسست اتفاقية الوحدة الموقعة بين البلدين شراكة متساوية بينهما رغم أن عدد سكان الشمال كان أكبر بكثير، وتم تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من خمسة أشخاص رأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض نائباً للرئيس، وبعد الانتخابات تم تهميش الحزب الاشتراكي اليمني، وتنامت التوترات واندلعت الحرب الأهلية، وكان من نتائج الحرب مصادرة الأراضي والمنازل، كما قام النظام في صنعاء بطرد القادة العسكريين الجنوبيين، وإحالة الكثير منهم إلى التقاعد، وحل الحزب الاشتراكي اليمني.
   ويمكن القول أن الدعوات المطروحة من قبل المعارضة، ربما ستتصاعد مع التحولات السياسية التي تشهدها اليمن، وزوال نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبروز حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة الفوضى التي قد تشهدها اليمن مع مجئ حكومة غير قادرة على إدارة زمام الأمور، واستمرار نفوذ النظام السابق بعد اشتراك قسم من وزراءه في الحكومة الجديدة، وانعكاسات ذلك على الاستقرار الداخلي في اليمن، وما أصبحنا نشهده اليوم من تحالفات وحروب.
   ومن التحديات الأخرى الجديدة التي تواجه اليمن، ولها تأثير على الاستقرار الداخلي، قضية صعدة، ومطالب الحركة الحوثية الداعية إلى إحياء فكرة الإمامة الزيدية من جديد، وتغيير نظام الحكم في اليمن، حيث نادوا بإحياء الزيدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ويزعم أفراد العائلة الحوثية أنهم ينحدرون من سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك يعتبرون أنفسهم سادة هاشميين، ويمكن القول أن هناك العديد من الأسباب، والدوافع التي قادت إلى قيام صراع بين الحوثيين مما وصل إلى حد استخدام القوة المسلحة، ومن تلك الأسباب تراجع الطيف الاجتماعي الذي يمثله الهاشميون والذي شرعنه الزيديون، والإدارة الفاشلة للتعددية الدينية، وغياب الاستثمار في معاقل الزيديين كصعدة.
   واستمرت المواجهات بالتصاعد مع الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بالحصول على الدعم من الخارج، والتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وقتل (حسين الحوثي) زعيم حركة الشباب المؤمن مما دفع الحكومة إلى إعلان الانتصار في صعدة من جانب واحد وهزيمة الحوثيين، وبذلك انتهت المواجهة العسكرية الأولى بين الطرفين بعد أن خلفت ورائها أكثر من ألف قتيل وفقاً للصحافة اليمنية. ونتيجة للضغوط الدولية قبل الطرفان وقفاً لإطلاق النار، ولكنه سرعان ما انهار بعد أربع ساعات فقط من تطبيقه، واستؤنف القتال بقوة، ولعل ما ميز هذه المواجهة عن سابقاتها من المواجهات العسكرية التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لليمن ممثلة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من جانب، وإيران من جانب أخر.
   بالرغم من ذلك، وفي ظل الأوضاع التي تعيشها اليمن، قادت الحركة الحوثية صراعها المسلح, معتمدة شعارات معادية إلى الولايات المتحدة الأمريكية, مع تضمينها بشعارات تتهم الحكومة اليمنية بتبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية.
   والراجح أن تستمر الأزمة بل ستتفاقم وستصدر كل إفرازاتها إلى المنطقة والعالم، لأن الوضع برمته مرجح للتفاقم، وتفاقمه سيؤدي إلى المزيد من التأزم، وفي خضم هذه التطورات المستقبلية ليس بوسع أحد أن يتنبأ بالمصير, أو أن يضع حداً لحدود الكارثة, فاحتمال تفكك وتفسخ الدولة أمر قائم وقد يصعب تجنبه، فربما سيكون علينا مستقبلاً أن نتعايش وأن نتعامل مع وضع غاية في الاضطراب في جنوب شبه الجزيرة العربية.

الجمعة، 20 مارس 2015

مصالح الدول الاقتصادية



مصالح الدول الاقتصادية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   العلاقات الدولية لدولة ما أو مجموعة دول تتأثر بمقدار ارتباطها بالاقتصاد العالمي، فالمواد الأولية والبنية الاقتصادية الداخلية ومستوى الاستيراد والتصدير ومستوى الإنتاج وتطور اقتصاد الدولة، تمثل مؤشرات تشير إلى مد ارتباط اقتصاد الدولة بالاقتصاد الدولي، الذي قلد يتيح للدولة فرص التأثير على السياسات الخارجية لدول أخرى.
   كذلك يتأثر صانع القرار بمدى استغلال الإمكانات الاقتصادية، واستخدامها في التأثير على السلوك السياسي الخارجي للدول الأخرى، وقد أصبحت قضية استغلال الإمكانات والقدرات الاقتصادية الشغل الشاغل لدول العالم، ففي الوقت الذي تستخدم الدول المتطورة تكنولوجياً صناعتها في سبيل التأثير على قرارات الدول التي هي في حاجة إلى صناعتها، فأن الدول الغنية بمواردها الأولية يمكن أن تؤثر على قرار الدول التكنولوجية المتقدمة في سبيل أن تقف إلى جانبها لأجل تحقيق أهدافها ومصالحها القومية.
   من أوضح وأبرز أشكال التأثير الذي مورس من خلال المصالح الاقتصادية هو من خلال اندماج عدد من الشركات الاقتصادية وظهور الشركات المتعددة الجنسية وكانت في كثير من الأحيان صاحبة القرار السياسي الخارجي، فهي تمارس تأثيرها على حكوماتها من جهة، وعلى الدول الأخرى التي تمارس هذه الشركات نشاطاتها فيها من جهة أخرى.
   وبالنظر لما تتمتع به الشركات المتعددة الجنسية من قدرة كبيرة في استثمار القوة التأثيرية للدولة الأم لدعم مصالحها العالمية بحكم القوة السياسية النافذة التي يتمتع بها أصحاب هذه الشركات في بلدانهم فإن بإمكانها توظيف هذه السلطة وبالاتجاه الذي تستطيع فيه هذه الشركات ممارسة شتى أنواع الضغوط وخاصة ضد دول العالم الثالث كالتدخل السياسي والاقتصادي والعسكري وبأشكال مختلفة.
   وقد أصبحت الشركات متعددة الجنسيات أكثر انتشاراً وتأثيراً من السابق، وأخذت ترسي ظاهرة التدويل التي تحول العالم إلى سوق واحد، وهي بذلك تخترق حد ود السيادة الوطنية للدول، ويعدها البعض بديل للواسطة العسكرية في عصر أضحى فيه العامل الاقتصادي أكثر فعالية في العلاقات الدولية.
   وقد قيل أن مناطق التجارة الإقليمية يمكن أن تسهم أسهاماً قوياً في إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد وأن الاتفاقيات الإقليمية للتجارة الحرة يمكن أن تحسن تخصيص الموارد عن طريق توسيع الأسواق وزيادة التدفقات الاستثمارية وتحقيق وفورات الحجم الكبير ولكن تظل هناك مخاوف الركود والركود التضخمي، والعجز عن التنافس، والتحرك انطلاقاً من نزعة تمييزية حمائية ضد الدول غير الأعضاء في التكتل.
   ولقد دخلت العلاقات الاقتصادية والمصالح الاقتصادية الدولية في منافسات شديدة لعل أهمها وأبرزها هي التحولات في العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان من علاقة حلفاء ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) إلى نوع من المنافسة حول المصالح والمكاسب
الاقتصادية بعد نهاية الحرب الباردة الأمر الذي يهدد بنشوب حرب تجارية كبيرة.
    وفي حالة نشوب مثل هذه الحرب ستمتد أثارها إلى اقتصاديات دول العالم الأخر إذا عرفنا إن الولايات المتحدة واليابان وأوربا تنتج 81 % من إنتاج العالم، وتتاجر عالمياً بالنسبة نفسها تقريباً من حجم التجارة الدولية، ويدر عليها وبالتالي عائدات بالحجم نفسه.
   وعليه فأن استعادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة وفق المنظور الأمريكي وللمحافظة على تفوقها المطلق في النظام الدولي، وردع خصومها المحتملين بما في ذلك القوى الاقتصادية، سيتم من خلال سعيها للاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها في المجال العسكري وتكريسه لمزايا سياسية واقتصادية.
   لقلد تكرست ظاهرة الاعتمادية المتبادلة بين الوحدات الدولية كنتيجة لتشابك المصالح وإضفاء السمة الدولية على القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتوسعت ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لتشمل مجالات اقتصادية وتكنولوجية وأمنية، ولكن ذلك لا يعني انتفاء تقاطع المصالح بينهم.
   الدول تستطيع تحقيق أهداف سياستها الاقتصادية الداخلية انطلاقاً من إمكاناتها الذاتية وبمعزل عن قدرات غيرها.
   إلا إن وجود ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لا تعني بالضرورة سيادة التعاون وانتفاء الصراع فضلاً عن أنها تتزامن مع ظاهرة معاكسة لها وهي ظاهرة التبعية والتي يكون أساسها الاعتماد غير المتكافئ بين الدول.
   وقد برزت هذه الظاهرة على نحو أكثر من السابق اقتصادياً وسياسياً وتقنياً بعد تحول وجهة الصراع الدولي من غرب شرق إلى شمال جنوب وهي أحد سمات النظام السياسي الدولي.
   ومثلما آلت كل من الحربين العالميتين إلى أوضاع جديدة، آلت أحداث مطلع التسعينات وخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي وما أعقب ذلك من أحداث إلى واقع دولي جديد.
   وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية على الإمساك بالواقع الدولي الجديد وإخضاعه لسلطتها وحدها منتفعة من ظروف قد تكون غير قابلة للتكرار وذلك حرصاً على تكريس القطبية الأحادية.
   فالعوامل الخارجية التي اتسم بها عصرنا الحالي منذ منتصف الثمانينات حتى وقتنا الحاضر مروراً بانهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي ثم تفكك الدولة فيما بعد، وما أفرزته من أثار ونتائج تطبق على جميع الدول في المجتمع الدولي.
   ولا ننسى أن نذكر أن هذه العوامل الداخلية والخارجية، هي بدون شك مترابطة الواحدة بالأخرى بشكل أو بأخر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تؤثر إحداها على الأخرى، مع الأخذ بالاعتبار تفاوت هذه العوامل في المدى والكثافة.