الأربعاء، 28 يناير 2015

الهندوسية في الهند

الهندوسية في الهند
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   بدأت الهندوسية على التوحيد، ثم ما لبثت شأنها شأن الكثير من الديانات أن انحرفت عن مسارها التوحيدي، نحو الوثنية والإشراك بالله، وقد بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغاً كبيراً، فقد كان عندهم لكل قوة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه ويستنصرون به عند الشدائد، كالماء، والنار، والجبال، وغيرها، وكانوا يدعون تلك الآلهة لتبارك لهم في ذريتهم، وأموالهم من المواشي، والغلات، والثمار، وتنصرهم على أعدائهم، وعلى هذا كثرت الآلهة عندهم كثرة زائدة، ونتيجة لهذا التصور عن الذات الإلهية صنعت الهندوسية للإله الألوف من التماثيل.
   وطائفة البراهمة، وهي طائفة تعد من أكبر الديانات في الهند (برهما)، البراهمة هم قوم ينسبون إلى رجل منهم يقال له: (براهم)، وكانت تسمى من قبل الهندوسية(1)، وهم قبيلة في الهند، فيهم أشراف أهل الهند، وهم فرقة ضالة كانت تقوم بنفي النبوات، وأن وقوعها أمر مستحيل في حكم العقل، ويفضل البراهمة، إطلاق مصطلح (البرهمية) عليها، بدلاً من مصطلح الهندوسية، لأن الأول يدل على الأصل، وهو الذي ورد في النصوص المقدسة عندهم، فليس هناك أي ذكر لهندي أو هندوسي، ولأن الأخير يشمل كل ما في الهند الحديثة والقديمة من الأديان.
   هي أحدى الديانات الكثيرة المتعددة في الهند، وهي ديانة الهندوس، وبرهما هو أكبر إله يعبدونه في الهند، وللبراهمة كتاب مقدس أسمه الفيدا، وهم أصناف كثيرة، وفرق متعددة(2)، وهم الهنود ، عبدة النار، والعجل الذين جحدوا الألوهية، والرسالة، والأحكام، وما أكثرهم في زماننا(3)، وهم رجال الدين الذين يبينون أحكامه، ويزعمون أنهم خلقوا من رأس إلههم (براهما)، ولذلك كانوا أعلى الناس، لأنهم خلقوا من أعلى الإله، وهم في زعمهم خلاصة الجنس البشري، وعقله المفكر، ورأسه المدبر، لأن الناس عنوان ذلك كله، فهم علاوة الجسم(4).           
   الطبقات عند الهنود، أعلاها طبقة البراهمة، فهؤلاء يولدون مقدسين من بطون أمهاتهم، وكل ما عملوه فهو حق، لا تكتب عليهم سيئة واحدة طول أعمارهم، ولا يجوز أن تخالط طبقة عالية طبقة أخرى أسفل منها، فلا تأكلها، ولا تشاربها، ولا تجالسها، ولا يجمعها معبد واحد، فكل طبقة لها معابدها، ولا يجوز للطبقة السفلى أن تتزوج بأفراد الطبقة العليا، والمسلم عندهم يعتبر نجساً إذا مس طعاماً تنجس ذلك الطعام.
   ويؤمنون بتناسخ الأرواح، أي أن الروح خرجت من الجسم ولا تزال لها أهواء، وشهوات مرتبطة بالعالم المادي لم تتحقق، أو أن الروح خرجت من الجسم، وعليها ديون كثيرة في علاقاتها بالآخرين لابدّ من أدائها، فلا مناص إذاً من أن تستوفي شهواتها في حياة أخرى، وأن تتذوق الروح ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة(5)، ويعني  التناسخ أن الكائن يولد على هذه الأرض وعليها يموت، ولكنه عندما يموت هنا يولد في مكان آخر، وفي هذا المكان التالي يموت ثم يولد من جديد وهكذا، إلا أن هذه العمليات المتتابعة من الولادة والموت، والولادة من جديد، قد تستمر ما دامت دورات الحياة مستمرة، أي قد تدوم إلى مالا نهاية، وتبقى الروح بذلك تنتقل من جسم إلى جسم، أي من سجن إلى سجن، وما دام هدف الحياة الأسمى لدى البراهمية هو الخلاص الأبدي من هذا السجن، تمهيداً للاتحاد مع الروح الكبرى، فقد اعتقدت أن هذا الخلاص ممكن، إذا اقتلع الإنسان بالتزهد كل شهوات نفسه، حيث لن يعود فرداً جزئياً قائماً بذاته، بل يمكنه عندها، أن يتحد في نعيم أسمى مع روح العالم، ويخلص بهذا الاتحاد من العودة إلى الولادة من جديد، ويحقق هدف الحياة السامية(6).
   وهناك فريق من الشعب الهندي، لا يدخل هذه القسمة التي يعتقد بها البراهمة، وهم المنبوذون، وهم الذين يقومون بالأعمال الحقيرة في المدن، وقد حال شأنهم دون اعتبارهم حتى بين الطبقة الدنيا، وهم الخدم، بل يعتقد من البراهمة أن بعض الحيوانات أشرف من بعض، وأن البراهمة مصرح لهم تكذيب جميع كتب الله المنزلة، وتضليل جميع الأنبياء والرسل، وينسبونهم إلى الشعوذة والتحيل والسحر.
   التثليث عقيدة وثنية عرفته البشرية منذ غابر العصور، ذلك أن فكرة تعدد الآلهة ظهرت في البشرية عند أول انحراف عن عقيدة التوحيد الأصلية، ولقد عبد الناس آلهة شتى، وليست البراهمة هي الديانة الهندية القائلة بالتثليث، بل شاركتها البوذية(7)، إن البراهمة قالوا: إن كرشنه ابن براهما، وقالوا: إن كرشنه ابن الله، وهم يصورون آلهتهم بتماثيل، التثليث عند البراهمة كان عند أكثر الأمم الوثنية البائدة جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثي، وإذا أمعنا البصر إلى الهند نرى أن معظم وأشهر عباداتهم اللاهوتية هو التثليث.
   البراهمة وهم من سكان الهند من الطوائف الكافرة، من أهل النار لا شك في ذلك، فمن معتقدات هذه الطائفة الضالة، أن الصيد حرام، وقتله محظور، وذبحه خارج عن الحكمة، ومن يقتل في بلادهم بقرة يقتلونه، ومن ذبح شاة أو دجاجة قتلوه وهجروه، فهم يعيشون على الألبان، والبيض، والحبوب.
   لذلك فالحمد لله على نعمة الإسلام، هذا الدين الأغر الخاتم، فهو دين التوحيد الخالص لله رب العالمين قال تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }، الإخلاص: 1-4، فعلى المسلم دائماً أن يحمد الله تعالى ليل نهار على هذه النعمة الكبرى والمنة العظمى، إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين من خصائص وفضائل، قال سبحانه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، آل عمران: 85.
الهوامش:
1. القرآن الكريم.
2. الأشعري، أبو الحسن على بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى، رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب، تحقيق عبدالله شاكر محمد الجنيدي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1413هـ)، ط1-ج1، ص79.
3. الشنقيطي، أحمد بن محمود بن عبدالوهاب، خبر الواحد حجته، عمادة البحث العلمي بالجامعة العربية الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1422هـ)، ط1-ج1، ص111.
4. السبتي، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي، أبوالفضل، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفيحاء، عمان، (1407هـ)، ط2-ج2، ص607.
5. محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد، خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه واله وصحبه وسلم)، دار الفكر العربي، القاهرة، (1425هـ)، ط1-ج1، ص12.
6. الخطيب، محمد أحمد، (2008)، مقارنة الأديان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، ص403-404.
7. العودات، حسين، (1986)، الموت في الديانات الشرقية عرض تاريخي، دار الفكر، المطبعة العلمية، دمشق، ط1، ص68.
8. الدكتور عبدالقادر بن محمد عطا صوفي، أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، (1424هـ)، ط36-ج1، ص56.          



       

الأحد، 25 يناير 2015

الحوثيون والصراع السياسي في اليمن

الحوثيون والصراع السياسي في اليمن  
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
      تعد الحوثية ظاهرة جديدة في المجتمع اليمني، تشكلت لأسباب متعددة وارتبط نشاطها ببروز تيار الحوثيين، سواء منه الثقافي، أو السياسي، أو العسكري، والذي ظهر في الثمانينات من القرن العشرين، على شكل تيار ثقافي ديني يطرح أفكار ومناهج المذهب الزيدي، باعتباره أحد المذاهب الدينية الرئيسة في اليمن، والذي يتمركز بشكل خاص في محافظة صعده، ولكن هذا التيار سرعان ما بدأ ينهج اتجاهاً سياسياً فكرياً متخذاً من مدينة صعده، مركزاً لنشاطه الفكري، والسياسي، وارتبط تحوله هذا عند تشكيل (اتحاد الشباب) عام 1986، الذي سعى التيار الحوثي من خلاله إلى تأطير نشاطاته التنظيمية بإطار يغلب عليها العمل التثقيفي، وبالذات بين أوساط المذهب الزيدي.
   لقد اضحت الحركة الحوثية، منذ ذلك الوقت، حركة سياسية، فكرية، عسكرية، أطلقت شعارات جديدة تختلف عما كانت ترفعها في بداية الثمانينات، تمحورت حول معاداة الولايات المتحدة الأمريكية، واسرائيل، أقرنتها بشعارات أخرى معادية للحكومة اليمنية، متخذة من تردي الأحوال الاقتصادية، والاجتماعية ذريعة تسند نشاطها، وعززت هذا السلوك بممارسة الفعاليات العسكرية ضد المصالح الحكومية.
   لقد أفرز تمرد الحركة الحوثية منذ عام 2004، وبدء الصراع المسلح ضد الحكومة، والمجتمع اليمني، ومصالحه الاقتصادية، وتركيبته الاجتماعية لغاية 2010، والذي امتد ست مراحل، نتائج خطيرة على الأمن، والاستقرار، والرخاء اليمني، حيث أدى التمرد الحوثي إلى تدويل القضية القائمة، مما سمح بذلك للأطراف الدولية والإقليمية (الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوربا الغربية، وإيران، والسعودية وغيرها)، بالتدخل في شؤون اليمن كل حسب منهجه وأهدافه، فأضعف الوحدة اليمنية القائمة وهيأت البيئة المناسبة لجميع القوى المعادية للوحدة والنظام بالترعرع والنشاط، بالإضافة للخسائر التي حصلت في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية.
   بالرغم من ذلك، فقد سعت الحكومة اليمنية إلى احتواء الأزمة بالطرق السلمية، سواء عن طريق الوساطات الداخلية، أو الوساطات الخارجية، وأبرزها الوساطة القطرية، التي لا زالت قائمة، بالرغم من انقطاعها لفترة، إلا أنها عادت من أجل تحقيق المصالحة وحل المشكلة، مدعومة بإجراءات الحكومة اليمنية لتسهيل الحل السلمي.
   أما أصل الحوثية فنسبة إلى زعيم التمرد الأول (حسين بدر الدين الحوثي)، وهو الذي أشعل فتيل الصراع بينه وبين قوات الحكومة اليمنية، إلا أن هذا التجمع توسعت تحركاته بعد عودة بعض رموز الملكية التي كانت تقطن السعودية، اثر قيام الثورة اليمنية ضد نظام الإمامة عام 1982، وكان من ابرز العائدين (بدر الدين الحوثي)، الذي يعد الزعيم المؤسس للتيار الحوثي والمرشد والمفتي له.
   وتواجه الحكومة اليمنية عدداً كبيراً من التحديات، التي تشكل تهديداً جدياً، للاستقرار الداخلي في اليمن، لا سيما بعد التحولات السياسية التي شهدتها اليمن أسوة بباقي الدول العربية التي شهدت ثورات، وانتفاضات ضد الأنظمة السلطوية فيها، فالعوامل الاقتصادية في اليمن تعد من أبرز الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك، إذ يعد اليمن من أفقر البلاد في العالم العربي، حيث يعيش السكان على أقل من دولارين يومياً، بما في ذلك في معرفة القراءة والكتابة، ويعاني اليمنيون أيضاً نقصاً في البنية التحتية، وسوء في الخدمات المقدمة.
   ويمكن القول بأن الصراع الذي كان دائراً بين الحكومة والحوثيين، قد مثل تحدياً كبيراً للاستقرار الداخلي في اليمن، وساهمت سياسات النظام السابق بشكل كبير في تأجيج ذلك الصراع الذي امتد لأكثر من ستة أعوام، حتى جاءت حكومة الوفاق الوطني بزعامة (عبد ربه منصور هادي)، إذ لم تحاول حكومة هادي معالجة الأسباب التي دفعت إلى قيام صراع، ومواجهات مسلحة بين الحوثيين وبين نظام الرئيس السابق.
   الحركة الحوثية باعتبارها ظاهرة جديدة في الساحة اليمنية، لا بد أن يكون وراء بروزها عوامل شجعت على انتشارها، وأمدتها بعناصر الاستمرار والبقاء على سبيل المثال، البعد الأيديولوجي، وذلك من خلال تنظيم الشباب بتوعيتهم بالخطر الذي يواجه الحوثيين، كذلك العامل القبلي، إذ تشكل الطبيعة القبلية للمجتمع اليمني أحد عناصر التأثير القوية في ظهور الحركة واستمرار الصراع وتأجيجه، العامل الجغرافي، فمعاقل المتمردين الحوثيين موجودة بالمناطق الجبلية المحيطة بمحافظة صعده، شمال غرب اليمن المتاخمة للسعودية، العامل الاقتصادي، اليمن وما تعانيه من ظروف اقتصادية متردية يعد أحد أهم العوامل لقيام الصراع واستمراره، فالصراع القائم في أحد جوانبه صراع من أجل الموارد، أيضاً من العوامل سهولة الحصول على الأسلحة، وجود الأسلحة لدى المواطنين من العوامل المهمة لاستمرار وتيرة القتال، فامتلاك السلاح يشكل أهم الامتيازات الاجتماعية للفرد والقبيلة، لأنه جزء من تركيبة المجتمع اليمني.
   إن التمرد الحوثي، الذي امتد ليمس جوهر الوحدة اليمنية، بتشجيع حركات الانفصال، والمنظمات الإرهابية، حيث شغل تمرد الحوثيين الحكومة عن ممارسة دورها في حماية المجتمع من الإرهاب، وذلك بعد أن وجهت الدولة طاقاتها باتجاه التخلص من تمرد الشمال في صعده، وارتبط هذا التمرد بسلب فرصة التنمية من الشعب اليمني، وذلك من خلال تحويل جهدها المعنوي، والمادي، الذي كان موجهاً نحو البناء والتنمية.    
   يتضح أن تيار الحوثية الذي ظهر على شكل تجمع يضم الشخصيات الزيدية الدينية، والتي تمحورت حول إحداث خلخلة في بناء المجتمع اليمني، معتمدة على قوة طائفية حزبية، هدفه هو تنفيذ الدور الموكل لها بنشر الأفكار المنبثقة من الرؤية الإيرانية للدين والمذهب، وفي النهاية تحقيق مخططها بإعادة نظام حكم الإمامة الذي أسقطته ثورة 1962.
   أن مهمة الحكومة اليمنية قد تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة في تجاوز التحديات والسيطرة عليها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تأكل اليمن، وإلى زعزعة الاستقرار الداخلي، رغم أن اليمن كدولة مرت بمثل تلك الأزمات وتجاوزتها في الماضي، إلا أن التحديات المتشابكة والمعقدة لم يسبق لها مثيل في درجتها ونوعها، في الوقت الذي لا تملك البلاد فيه من الحلول الواقعية لمشاكلها.               
      

                 

الثلاثاء، 13 يناير 2015

الفقر في البلدان العربية

الفقر في البلدان العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
   يدور الكلام حول الفقر والتطرق إلى حيثياته، فالفقر لا ينتهك إلا حرمة الإنسان، ولم يقهر إلا الإنسان، والطامة الكبرى أن الفقر هو من صنع ذلك الإنسان، أن الأمر الجوهري الذي ينبغي أن نعترف به أن ظاهرة الفقر أصبحت تطرق أبواب أغلب الدول العربية مع تباينها، وأن الوضع المتردي للبلدان يبدو جلياً أن الفقراء هم ضحايا الاستغلال واللامساواة، وأن التعامل مع ظاهرة الفقر ينبغي أن يكون أكثر حضوراً في الذهن.
   إذا كان الفقر قديماً في معناه فهو متجدد في كل يوم، يحمل انتكاسات وتراكمات كثيرة للإنسان، في معيشته، ومركزه، وحياته، كله مرتبط بمرض الفقر المعدي، لا نبالغ إن قلنا أن عدد الفقراء في العالم هم أكثر من عدد الأغنياء، أو أصحاب المعيشة البسيطة، أو المتوسطة، إن عالم اليوم يشهد ارتفاعات فلكية في الغلاء، الأمر الذي يهدد عدداً كبيراً من سكان العالم بالفقر، ويخشى الساسة، والأكاديميون من ثورة للجياع على المستوى العالمي، لذا ينصب الاهتمام اليوم على رسم وإتباع السياسات المناسبة للحد من الفقر والجوع في العالم.     
   لذلك كان بروز الفقر الاجتماعي الذي يقصد به عدم المساواة الاجتماعية، وتلك هي معضلة كبيرة، ومن ذلك برزت الاختلافات في تحديد تعريف موحد للفقر، وعلى الرغم من تعدد الآراء ووجهات النظر يبقى الفقر في تصورنا هو حرمان واضح للإنسان من كل شيء، لا يضمن له الحياة، ولا يؤمن مستقبله، ولا يجعله قادراً على الوعي بكل شيء، ولا إنقاذ نفسه من مستنقعات الجهل، والتخلف.
   لقد باتت محفزات الفقر كثيرة، وربما من أهمها هو التخلف، فالتخلف والفقر عنوان واحد، وأصبحت تلك حقيقة لا شك فيها، حيث أن التخلف في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي إلى فقره، ومعيار التخلف والفقر لا يعد بكل تأكيد مجرد قياس مستوى دخل الفرد، وإنما ما يلحق ذلك من تخلف مجتمعي متمثل بقلة الوعي في السيطرة على الحياة واستثمارها، وزيادة الأمية، وعدم استغلال مقدرات الحياة وغيرها بالطرق المثلى.         
   ويمكن القول أن نهب الثروات يمثل أحد الأسباب الرئيسة للفقر والحرمان العام الذي تعيشه مختلف شعوب العالم، مما أدى إلى وجود فئة محرومين وفقراء، كظاهرة اجتماعية إلى جانب فئة متخمة بالثروة؛ الأمر الذي يدل على وجود مقاييس غير عادلة حاكمة في توزيع الثروة على أفراد المجتمع، وبالتالي على خلق الفوارق المجتمعية الحادة بين الفئات والطبقات الاجتماعية، فنهب الثروات دون استغلالها بشكل صحيح وعادل تعمل على زيادة نسب الفقر والفقراء، فهناك دول غنية مثلاً في مواردها ولكنها لا تستغل تلك الموارد بشكل أمثل داخل البلد، بل تحولها إلى الخارج للحصول على فوائد مالية ذي ربح سريع، أو تركز تلك الموارد والثروات في أيدي فئة قليلة من المجتمع؛ الأمر الذي يؤدي إلى اختلالات واضحة في التوازن الاقتصادي، من انخفاض في نصيب الفرد من الناتج فيخلق فارق اجتماعي واضح  ويوسع الفجوة بين فقراء وأغنياء البلد.
   ومن الأسباب الأخرى المحفزة للفقر، الظلم المتصل بالعلاقات الاقتصادية، حيث يتجه إلى رفع اسعار السلع بشكل كبير، أو استيفاء المنافع والخدمات بأجور زهيدة أقل من قيمتها، وفقاً للأسعار الرائجة، أو نوع العمل المبذول، وهي تهدف إلى سحب أموال الناس بالباطل واستغلال طاقات الناس، ونشر سياسة أو ثقافة الإفقار الواضحة، والذي نتيجته الفقر الناشئ من تكالب الناس بعضهم على بعض من أجل كنز الأموال دون المصلحة العامة.
   ومن الملامح أيضاً؛ بناء المجتمع على أسس جاهلية مثل الطبقية (العنصرية)، حيث يتمتع في ذلك فئة محددة من الناس بكل فرص الثراء، في حين تحرم الغالبية من أبسط الحقوق والامتيازات، مؤدية بذلك إلى زيادة في التناقضات والهوة الواسعة بين الطبقة التي أصبحت غنية والأخرى التي مورست عليها عملية الإفقار.
   فأطر العولمة وتداعياتها أصبحت واضحة، فهناك من الدول من ازدادت فقراً وإفقاراً، من هذه الظاهرة العالمية الخطيرة، لأن من سلبياتها سحق الكثير ممن لا يفقهها، وذلك بزيادة الفقر والفقراء فيها سواء كانوا دولاً أو أفراداً وكلاهما سيزدادون فقراً في ظل العولمة.          
   وحقيقة أن ما يؤدي إلى شيوع الفقر بين الناس، أسباب كثيرة أيضاً، مثل انتهاك كرامة الإنسان، وإذلاله على شكل فقر مدقع، وتختلف مسببات الفقر بين مكان وآخر، بحسب الثقافة والسياسات المتبعة في تلك البلدان، وكذلك نوعية التعاملات بين البشر.
   إن عدم مقدرة الفرد على الشراء لإشباع حاجاته بسبب الفقر، يخلق شعوراً بالإحباط والنقص والنقمة وحتى العدوان ضد الاخرين، وبخاصة من هم أغنى منه مادياً، فيدأب بممارسة أمور غير مشروعة كي يعيل نفسه أو يحصل على قوته، ولكن لا يعني ذلك أن جميع الفقراء قد أصبحوا مجرمين، فهناك اختلاف في زوايا التفكير، واختلاف في التركيبة الشخصية التي يحملها الفقير، فنجد أن هناك فقراء يحاولون البقاء في الحياة.
   تبقى مشكلة الفقر بحاجة إلى علاج فردي شخصي مجتمعي، إلا أن الكلام قد أرهق الكثير وحتى الفقراء أنفسهم، وقد شبعوا منه، ولم يشبعوا من الرغيف، وهذا هو الشيء الذي لن يتحقق على الأرض إلا إذا استقام الإنسان، فلماذا تقام مؤتمرات وتعرض تقارير التنمية البشرية سنوياً؟؟؟          



الاثنين، 5 يناير 2015

البطالة في الوطن العربي...



البطالة في الوطن العربي...
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   تعد ظاهرة البطالة هدراً كبيراً  لطاقات المجتمع البشرية العاطلة، التي تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل الاقتصاد الوطني، لذا تمثل قضية خلق فرص عمل جديدة إحدى التحديات الرئيسية التي تحتل أولوية الصعوبات، التي تواجه سوق العمل، مما يتطلب المزيد من الاهتمام بوضع السياسات اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة، والحد من تفاقم معدلاتها، ومحاولة تخفيض نسبتها.   
   تعاني أغلب الاقتصادات العربية من مشكلة تفاقم ظاهرة البطالة، وبشكل متزايد، مما أثر سلباً على معدلات النمو الاقتصادي لديها، وسجل حالات غير قليلة من الفقر، وتدني مستويات المعيشة بالنسبة للسكان، فتحولت بذلك من بلدان منتجة إلى بلدان غارقة في الديون الخارجية، حيث تمثل ظاهرة البطالة موضوعاً هاماً في النقاشات، ولكن معناها الحقيقي لا يعرف دائماً بوضوح، والتعريف الرسمي للبطالة وفقاً لمنظمة العمل الدولية هو "حالة الفرد المتعطل في الوقت الحالي، والذي يبحث عن عمل نشيط لفترة من الزمن يتفق عليها الموظف ورب العمل" وتعتبر ظاهرة البطالة بأشكالها المختلفة أحد المؤشرات الأساسية لتخلف اقتصادات البلدان النامية.
   إن أسباب شيوع ظاهرة البطالة في البلدان النامية والعربية على وجه الخصوص، تعود إلى العديد من الأسباب التي من أهمها، عدم كفاية عناصر الإنتاج المكملة لعنصر العمل في العملية الإنتاجية كالأرض، ورأس المال، والتنظيم التي بتكاملها يمكن أن تتحقق وتستمر العملية الانتاجية، مما يتعذر معه توفير فرص العمل المنتج للطاقة البشرية الفائضة عن العمل، أيضاً تعذر وجود فرص العمل البديلة خارج القطاع الزراعي، وخصوصاً بالنسبة للقطاع الصناعي، الذي استبدل العمل الالي محل العمل اليدوي، إضافة لحاجة القطاع التجاري لرأس المال النادر، ناهيك عن أن القطاعات الإنتاجية عموماً في البلدان العربية تتصف بمحدوديتها وبطء نموها، مما ينتج عنه ضعف قدرتها على استيعاب فائض العمالة الذي يكون مضطراً إلى اللجوء إلى القطاع الزراعي أو بعض النشاطات الخدمية، كذلك ارتفاع معدل نمو السكان خلال فترة السبعينيات والثمانينيات مما أدى الى ظهور كثير من الشباب الذين يبحثون عن العمل.
   ندرة الأيدي العاملة النادرة، والكفؤة، مما تعذر معه استبدال مثل هذا النوع من العمل محل العمل غير الكفوء، مما أدى الى ارتفاع كثافة العمل غير الماهر وسيادته في وحدات الإنتاج، ومن ثم ظهور البطالة المقنعة، كالاعتماد على الهجرة كمصدر رئيس لتوليد العمالة من جانب البلدان المصدرة لليد العاملة، وكمحرك لبناء الهياكل الأساسية، من جانب البلدان المستوردة لليد العاملة، وعندما انتهت الحاجة لاستيراد العمالة وحلول الآلة محل اليد العاملة شاعت البطالة في البلدان المصدرة والمستوردة.
   عانت بعض البلدان العربية من الآثار المباشرة وغير المباشرة من الحروب والمشاكل السياسية، وخاصة خلال العقود المنصرمة، فعملت أغلب تلك البلدان الى زيادة حصة الانفاق العسكري على حساب الانفاق الاستثماري مما شكل عوزاً كبيراً في حاجة تلك البلدان إلى المشاريع الاستثمارية، التي تستقطب الزيادة الحاصلة في الأيدي العاملة، وخاصة بين فئة الخريجين الجدد فتفاقمت ظاهرة البطالة نتيجة لذلك.
   كان من الآثار السلبية التي نتجت عن كثرة الحروب والمنازعات أو حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، زيادة عدد السكان المهاجرين للبلدان العربية الأخرى وخاصة لدول الخليج وسوريا، والأردن، ومصر بحثاً عن الاستقرار، والأمان النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، فأدت تلك الهجرة إلى زيادة مستوى عرض قوة العمل في أسواق تلك الدول، وخاصة في قطاع الخدمات فشاعت ظاهرة البطالة فيها.
   لذا لا بد من توفير الأمن والاستقرار من قبل الجهات المعنية بذلك، ووضع استراتيجية تهدف إلى الإصلاح الاقتصادي القائم على رفع معدلات النمو، مع زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط الدخل الفردي، والحد من هجرة رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية التي لا تهدد أي مصلحة وطنية، كذلك ضرورة تحويل الجامعات إلى مؤسسات إنتاجية تستوعب قسم كبير من طلابها في منشآتها من جهة، وتتبع نظام تعدد الاختصاصات، وإنشاء صندوق يسهم بتمويله أطراف وطنية وإقليمية يقدم المنح، أو القروض ذات الآجال المتوسطة، كما ويسهم في دعم المشاريع الحرفية الفردية والجماعية الصغيرة، إعادة النظر في سياسات التدريب المهني، والفني لمختلف مراحله، وخصوصاً في هذه المرحلة - مرحلة إعادة الأعمار، من أجل أن تتلاءم تلك المخرجات مع متطلبات سوق العمل، وتنظيم ورش عمل محلية عن البطالة في سياق تنمية الموارد البشرية، تتضمن جمع معلومات عن أسواق العمل، وتقديم مقترحات لمعاجلة الاختلالات الهيكلية في تشغيل العاطلين وضع خطط مستقبلية لذلك، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، بتنشيط، وتوسيع المسؤولية عليها، لخلق فرص عمل، وتوليد وظائف تخفف من حدة البطالة والفقر، محاربة الفساد الإداري والمالي، الذي أصبح بشكل أحد معوقات التنمية الشاملة.