السبت، 26 ديسمبر 2015

التغييرات السياسية

التغييرات السياسية
بقلم: أيمن هشام عزريل
      صالح أحمد أبوليلى
uzrail@hotmail.com
   من المعلوم أن النظام الإقليمي العربي أرتبط منذ نشأته بمنطق الدعوة القومية التي أفرزت قواعد عامة حاكمة للسلوك السياسي العربي الحكومي ولا سيما إزاء جملة من القضايا الكلية العامة مثل قضية الصراع العربي – الإسرائيلي وبناء الوحدة العربية، بحيث أن هذه القواعد العامة الحاكمة استمدت أحكامها من ميثاق الجامعة العربية الذي يركز على التضامن والدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وهو ما تم التعبير عنه إجرائياً من خلال سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات الجماعية مثل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي (1950) واتفاقية الوحدة الاقتصادية (1957) وغيرها من الاتفاقيات والقرارات التي مثلت، من الناحية النظرية، مرجعية للتعاون العربي المشترك.
   لم يتوقف الاختلال في النظام الإقليمي العربي عند حد التعرض للاختراق الأميركي فحسب، بل شهد هذا النظام أيضاً تصاعد الأدوار الاستراتيجية لقوة إقليمية مثل (تركيا وإيران) ممن وجدوا في التغييرات التي أعقبت حرب الخليج الثانية عام (1991) فرصة لبناء توازنات قوة جديدة مع العالم العربي، ومما لا شك فيه أن كلتا الدولتين تمتلكان قدرات وإمكانات كبيرة للتأثير في النظام الإقليمي العربي، فتركيا الساعية للعب دور القوة الإقليمية منذ بداية التسعينيات كانت تواجه بعض العقبات والكوابح أثناء توجهها صوب جمهوريات آسيا الوسطى إذ تصطدم بالمصالح الروسية هناك، أما بخصوص حركتها على الصعيد الأوروبي فلم تثمر التوجهات التركية عن مرونة كافية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل تركيا تبدي تقبل شديد للنظام الشرقي أوسطي الذي ينطوي على مصالح وفرص استراتيجية تمكنها من لعب دور إقليمي وهو ما أسهم في إغناء العلاقات التركية – الإسرائيلية وإحداث نوع من التلاقي والتطابق في المصلحة في بعض الأحيان أريد به تحييد وعزل تأثير قوى مثل (سوريا ومصر) فضلاً عن الإفادة من الفرص التي توفرها سياسة الاحتواء المزدوج التي بدأت إدارة الرئيس كلنتون بتطبيقها تجاه العراق وإيران لإبعاد هذه القوى عن لعب أي دور إقليمي وبالتالي أصبح هذا النظام يتعرض للكثير من الضغوط الخارجية للقوى الإقليمية الصاعدة.
   وكمحصلة نهائية استمر النظام الإقليمي العربي يعاني من الانكفائية والسلبية، ولم تظهر فيه ملامح الصحوة للواقع العربي ولمقتضيات استمراره أو احتمالات ارتقائه الممكنة بحيث صرنا نجده يراوح على صعيد سلوكه الجماعي، فعلاقاته تتسم بقدر من الفوضوية واللا انتظام: نزاعات حدودية وصراعات سياسية، اختلافات أيديولوجية، عدم الاتفاق على جدوى القيام بالتعاون الاقتصادي.
   بيد أنه في أواخر عام (2010) ومع انطلاق حركات الاحتجاج العربي التي تحولت لاحقاً إلى ثورات لتغيير واقع الأنظمة القائمة، نجد أن هذه التركيبة للنظام الإقليمي العربي بدأت تتعرض للتغيير إذ زالت أهم دول الاعتدال وهي مصر كما أن أهم دول الممانعة المتحالفة مع إيران وهي سوريا بدأت تتعرض لضغوط داخلية وخارجية شديدة من الممكن أن تطيح بالرئيس الأسد، وبالمقابل بدأت حركة خارجية إقليمية ودولية لإعادة هندسة الشرق الأوسط والنظام الإقليمي مستغلة في ذلك فراغ القوة وفوضى الانتقال.
   وبشكل عام، بدا أن التغييرات التي تجتاح النظام الإقليمي العربي والتي لعبت فيها الحركات الإسلامية دوراً كبيراً أخذت تصب في صالح القوى الإقليمية بشكل أكبر من السابق، فلم يحدث أن توفرت فرص للقوى الإقليمية للنفاذ إلى قلب العالم العربي والإسهام في إعادة تشكيل سياساته مثلما وفرتها هذه التغييرات، ولعل القراءة المتأنية للمراحل التاريخية التي مرت بها تجارب الدول الإقليمية (إيران وتركيا) للتحكم أو التأثير في تفاعلات المنطقة العربية تقدم رؤية واضحة على أن المرحلة الراهنة تعد لحظة استراتيجية قد لا تتكرر من الممكن أن تحدد مستقبل القوة الأكبر على الصعيد الإقليمي.
   في إطار هذا العرض لحقيقة العلاقات الإقليمية ولطبيعة التنافس القائم ما بين الدور التركي والدور الإيراني، من المؤكد والحال هذه أن الثورات العربية عملت على تحطيم الكثير من موازين القوى الهشة التي كانت تحكم العلاقات العربية مع القوى الإقليمية بحيث أن انهيار النظام في (مصر) وتصدع النظام في (سوريا) بفعل الضغوط الخارجية والداخلية قد مثل فرصة سانحة للقوى الخارجية لتقوية أدوارها في الإقليم العربي.
   إن كل ما تقدم يؤشر أن الصراع ما بين القوى الإقليمية قد اشتد وظهر إلى العلن بشكل واضح من السابق، بيد إن سقوط العديد من الأنظمة العربية جعل من هذا الصراع يمتد وبدأت محاولات متعددة من هذه القوى لمد تأثيرها إلى هذه المناطق الرخوة التي لم تزل تمر بمرحلة انتقالية أو بالأصح لم تزل تعيش في حالة من عدم الاستقرار السياسي.



الاثنين، 14 ديسمبر 2015

دور الرقابة الداخلية على جودة الخدمات المصرفية

دور الرقابة الداخلية على جودة الخدمات المصرفية
The Role of the Internal Control on the Quality of Banking Services
إعداد الباحثين:
أ. أيمن هشام عزريل
أ. صالح أحمد أبوليلى
Ayman H. Uzrail
Saleh A. Abulaila
ماجستير محاسبة
  محاسب قانوني معتمد/CPA
مديرية التربية والتعليم-سلفيت
  قسم الإيرادات-إيلينوي/شيكاغو
Illinois Department of Revenue
إيميل للمراسلة: uzrail@hotmail.com
المقدمة:
   أدى التقدم العملي والتكنولوجي الذي صاحب الألفية الثالثة - القرن الحادي والعشرين - إلى زيادة منشئات الأعمال وزيادة المسؤوليات الملقاة على عاتقها وتحقيق أهدافها، وتعقد المشكلات الإدارية الناتجة عن تنوع نشاطها وزيادة حجم أعمالها، وانتقالها من المحلية إلي العالمية، وتنشيط بورصات الأوراق المحلية والعربية والدولية والعالمية، ومن أجل إعادة الثقة في البيانات المالية، كانت الرقابة الداخلية أمراً حتمياً تقتضيه الإدارة العلمية، وأوصت به منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، والمنظمات المهنية، لحماية حقوق المساهمين والمجتمع والدولة، والحد من المشكلات الاقتصادية.
   يعتبر نظام الرقابة الداخلية في أي شركة بمثابة خط الدفاع الأول الذي يحمي مصالح المساهمين بصفة خاصة وكافة الأطراف ذات الصلة بالشركات، حيث إن نظام الرقابة الداخلية هو النظام الذي يوفر الحماية لعملية إنتاج المعلومات المالية التي يمكن الاعتماد عليها واتخاذ قرارات الاستثمار والائتمان السلمية. (جمعة،2009، ص193).
   هذا وقد تناولت لجنة بازل موضوع الإشراف والرقابة على المصارف في مقرراته، ووصف إطاراً عاماً لتقيم الرقابة الداخلية فيها، وتضمنت ضرورة تعزيز أثر الرقابة الداخلية في هذه المؤسسات حيث أظهرت الدراسات التحليلية أن الحالات المتعلقة بخسائر تلك المؤسسات يمكن تجنبها لو توفرت وطبقت رقابة فعالة فيها. (إبراهيم،2009، ص123).
   حتى تتمكن المصارف من تقديم خدمات مصرفية ذات جودة عالية يستدعي الأمر تدعيم دور الرقابة الداخلية على تلك الخدمات، حيث أن تلك الرقابة تعتبر ركيزة أساسية لدى المصارف في التأثير على جودة الخدمات المصرفية، وذلك للوصول إلى حصة سوقية كبيرة وقدرة تنافسية بشكل أفضل وفقاً للنموذج الذي تم استخدامه من قبل الباحثين لقياس جودة الخدمة المصرفية.
الدراسة:
مفهوم الرقابة:
   عرف روبرت موكلير الرقابة بأنها عبارة عن جهد منظم لوضع معايير الأداء مع أهداف التخطيط لتصميم نظم معلومات تغذية عكسية لمقارنة الانجاز الفعلي بالمعايير المحددة مسبقاً، لتقدير ما إذا كان هناك انحرافات, وتحديد أهميتها ولاتخاذ أي عمل مطلوب للتأكد من أن جميع موارد المنظمة يتم استخدامها بأكثر الطرق فعالية وكفاءة ممكنة في تحقيق أهداف المنظمة. (الجيوسي وجاد الله، 2008، ص174).
   عرفها آخرون بأنها وظيفة للتأكد من الأنشطة توفر لنا النتائج المرغوبة، إن الرقابة تتعلق بوضع هدف وقياس الأداء ، واتخاذ الإجراءات التصحيحية. (العلاق، 2009، ص174).
   لقد عرفت الرقابة بأنها التأكد من أن ما تم انجازه من أنشطة ومهام وأهداف، هو بالضبط ما كان يجب أن يتم ، بما في ذلك تحديد الانحرافات وتشخيصها تمهيداً لمعالجتها (عباس، 2011، ص155).
   لقد أصدر مجمع المحاسبين الأمريكي نشرة خاصة بالرقابة الداخلية، أشار فيها إلى أن الرقابة الداخلية تتضمن خطة التنظيم وكل ما يرتبط بها من الوسائل والمقاييس التي تستخدم في المنشاة بقصد حماية الأصول وضمان الدقة الحسابية للبيانات المحاسبية ومدى الاعتماد عليها، كما تهدف إلى الارتقاء بالكفاية الإنتاجية وتشجيع السير حسب السياسات الإدارية المرسومة وتوفير المعلومات الملائمة للتخطيط واتخاذ القرارات. (الوقاد وديان، 2010، ص170).
   الرقابة الداخلية يتم تصميمها وتشغيلها من أجل معالجة انحرافات ومخاطر الأعمال التي قد تحول دون تحقيق المعايير والأهداف المخططة، وإنها وسيلة لتحقيق غايات وليست غاية في حد ذاتها وإنها تغطي كافة جوانب التنظيم ونشاطاته الداخلية، وتشمل النظام المحاسبي والنظام الإداري والوظائف المرتبطة به، وبذلك أصبحت الرقابة الداخلية بمثابة الوسيلة الفعالة التي تكمن من توفير المعلومات الملائمة، والحماية اللازمة لكافة الأصول وتقييم أداء كافة المستويات الإدارية التابعة لها، والتحقق من الالتزام بالسياسات والقوانين الموضوعة من ثم المساعدة في اتخاذ القرارات المشتقة من أهداف المنشاة.
أهمية الرقابة الداخلية: (الخطيب، 2010، ص13-14)
   تظهر أهمية الرقابة الداخلية على ما تؤديه من اكتشاف الأخطاء والعمل على تصحيحها ومحاولة منعها قبل وقوعها، لكنها أيضاً تلقي الضوء على الايجابيات داخل المنشآت عن طريق اكتشاف الكفاءات الإدارية والتشغيلية، وذلك من خلال تقيم الأداء للعاملين داخل المنشآت، وبالتالي تقدير المجتهدين من خلال الحوافز المادية والمعنوية، مما يدفعهم إلى زيادة الائتمان والإتقان في العمل، وذلك للوصول إلى الأهداف الموضوعية من قبل الإدارة. لقيت الرقابة الداخلية في السنوات الأخيرة عناية كبيرة واهتماماً بالغاً من المحاسبين والمراجعين وإدارة المنشآت وقد ساعد على ذلك عدة عوامل يمكن إيجازها فيما يلي:
أ. تزايد نطاق المشروعات وحجمها مما أدى إلى تعقيد وتشعب هياكلها التنظيمية وحتى يمكن مراقبة العمليات بفاعلية يجب أن تعتمد الإدارة على العديد من التقارير والتحليلات التي توفر فيها درجة عالية من الثقة.
ب. اضطرار الإدارة العليا إلى تفويض السلطات والمسؤوليات إلى المستويات الإدارية الأدنى وجعل الحاجة ملحة إلى ضرورة تطوير الأدوات والوسائل التي تمكن الإدارة العليا من متابعة أعمال المرؤوسين ويطمئنها على التزام إدارات المشروع بالسياسات والتعليمات الموضوعية، وحسن استغلال السلطات الممنوحة.
ج. متطلبات الإدارة إلى بيانات دورية دقيقة، يتعين على إدارة المنشأة الحصول على عدة تقارير دورية عن الأوجه المختلفة للنشاط من أجل اتخاذ القرارات المناسبة واللازمة لتصحيح الانحرافات ورسم سياسة الشركة في المستقبل، لذلك يعتبر من الضروري وجود نظام رقابي سليم يطمئن الإدارة على صحة التقارير التي تقدم لها وتعتمد عليها في اتخاذ قراراتها.
أهداف الرقابة الداخلية:
   تعددت أهداف الرقابة الداخلية وأصبحت تغطي مجالات عديدة أهمها (جمعة، 2005، ص81):
1- حماية أصول المنشأة من أي تلاعب أو اختلاس أو سوء استخدام.
2- التأكد من دقة البيانات المحاسبية المسجلة بالدفاتر من أجل تحديد درجة الاعتماد عليها قبل اتخاذ أي قرارات أو رسم أي خطط مستقبلية.
3- الرقابة على استخدام الموارد المتاحة.
4- زيادة الكفاية الإنتاجية للمنشأة.
5- وضع نظام للسلطات والمسئوليات وتحديد الاختصاصات.
خطوات الرقابة:
   تتطلب وظيفة الرقابة القيام بأربع خطوات أساسية وهي: وضع المعايير، قياس الأداء، مقارنة النتائج، وتصحيح الانحرافات، وهذه الخطوات يمكن استخدامها في أي مجالات الرقابة على الأموال والإجراءات وجودة المنتجات والخدمات.
أولاً- وضع المعايير:
   تعتبر وضع الخطط والمعايير الخطوة الأولى في عملية الرقابة ومع ذلك نظراً لأن الخطط تختلف في درجة تفاصيلها وتعقيدها ونظراً لأن المديرون لا يستطيعون ملاحظة كل شيء فإنه يجب وضع المعايير ومتابعتها، والمعيار هو نموذج أو مستوى الأداء المرغوب تحقيقه، والمعايير هي النقاط المختارة من برنامج الخطة الكلية والتي يتم فيها قياس الأداء لكي يعطي المديرون الإشارات التي توضح لهم كيف تسير الأمور بدون الحاجة إلى مراقبة كل الخطوات في تنفيذ الخطط, ويتم التعبير عن المعايير بمصطلحات مثل: جودة المنتج، الخدمة، الأرباح المكتسبة، المصاريف المستحقة، عدد شكاوي العملاء. (الصيرفي، 2006، ص234).
ثانياً- قياس الأداء:
   تأتي هذه الخطوات بهدف تحديد معايير الأداء وهي قياس العمل الفعلي الذي تم انجازه وتعتمد هذه الخطوة على إمكانية التقييم الموضوعي وعلى المعايير وسهولتها, وبشكل عام يجب أن يتوافر في عملية قياس الأداء الموضوعية ودعم سهولة الاسترشاد بالمعايير الكمية إلا أنها يجب ألا تؤخذ كمسلمات أو كبديل كلي للمقاييس النوعية. (القريوتي، 2009، ص362).
ثالثاً- مقارنة النتائج:
   تعد هذه الخطوات من أهم الخطوات التي تلي عملية قياس الأداء حيث يتم فيها مقارنة العمل المنجز مع ما هو منفذ فعلياً فإذا ظهر من المقارنة أن العمل تم تنفيذه حسب المعيار فإن الأداء يكون خاضعاً للسيطرة أما إذا ظهر من المقارنة أن هناك انحرافاً عن المعيار فإن الأداء يكون خارجاً عن السيطرة, وإذا كان المعيار المستخدم كمياً فإن عملية المقارنة تكون سهلة نسبياً, أما المعيار الوصفي فيجعل عملية المقارنة صعبة إلى حد كبير. (ديري، 2011، ص18).
رابعاً- تصحيح الانحرافات:
   يعد الغرض النهائي الذي تبحث عنه عملية الرقابة هو الكشف عن هذه الانحرافات ومعرفتها والعمل على إصلاحها في الوقت المناسب وبالسرعة الممكنة، ويمكن أن يكون الإجراء التصحيحي عبارة عن تعديل الخطط أو تعديل طبيعة العمل أو استبعاد معوقات العمل أو زيادة عدد الموظفين أو تدريب الموظفين وتنمية مهاراتهم أو إيجاد حوافز فعالة, ولكن وبالرغم من تصحيح الانحرافات فمن الممكن أن تظهر مرة أخرى وذلك لأن المعلومات التي تصل إلى إدارة المنشأة قد تكون غير صحيحة أو ناقصة، وبالتالي يجب معرفة أسباب الانحراف الحقيقية والعمل على تعديلها حتى لا تظهر المشكلات مرة أخرى. (حجاج، 2001، ص 256).
أنواع الرقابة:
   يمكن تقسيم الرقابة إلى أنواع متعددة، وذلك وفقاً للزاوية التي ينظر منها وليس معنى هذا أن لكل نوع من هذه الرقابة أصولاً عملية تختلف في المبادئ العلمية التي تحكم النوع الآخر، ولكن الأصول والمبادئ العلمية التي تحكم عملية الرقابة في مجموعها تكاد تكون واحدة في كل نوع من هذه الأنواع من الرقابة. (الصيرفي، 2006، ص265).
   لذلك تأتي دراسة أنواع الرقابة من خلال معايير مختلفة للرقابة مثل معيار التوقيت، ومعيار الوظيفة، ومعيار المصدر، ومعيار المكان، ومعيار الاستمرارية، ومعيار النشاط ، وقد تختلف أنواعها حسب معيار الشخص الذي يؤديها.
وفيما يلي أنواع الرقابة حسب تلك المعايير:
1. الرقابة من حيت التوقيت: (العامري والغالبي، 2011، ص230)
أ- الرقابة من قبل الانجاز (التنفيذ): وتسمى أحياناً الرقابة القبلية وإشارة إلى أنها تجري قبل البدء بالتنفيذ وتحاول أساساً أن تتجنب الانحرافات والأخطاء قبل وقوعها، فهي رقابة وقائية أو رقابة مبدئية ومن أمثلة هذا النوع من الرقابة ما تقوم به المصارف من تدقيق لملائمة قدرات الزبائن الذين يطلبون القروض قبل الموافقة على منحها, وقد تستعين بعض الشركات بمكاتب التدقيق للتأكد من عدالة وقوة بيانات المركز المالي لبعض الشركات قبل اتخاذ قرار مالي مهم.
ب- الرقابة المتزامنة مع التنفيذ: يركز هذا النوع على ما يجري أثناء التنفيذ لذلك تسمى متزامنة مع التنفيذ والانجاز بموجب هذا النوع يتم التأكد من أن الأعمال تنجز وفق ما يرد في الخطط بهدف حل المشكلات حال وقوعها عند تنفيذها, وتعتبر القيم وثقافة المنظمة من صور الرقابة المتزامنة مع أداء الأفراد بحيث يكون تصرفهم وفق الحدود المرسومة ضمن ثقافة المنظمة وهذا النوع من الأكثر استخداماً من الأنواع الأخرى.
ت- الرقابة بعد التنفيذ: يركز هذا النوع على رقابة المخرجات أو العمل بعد تنفيذه وانتهائه ومحور هذا النمط هو التركيز على النتائج والغايات وليس المدخلات أو سير التنفيذ، والهدف الرئيس هنا هو حل المشكلات ولكن بعد حدوثها ومحاولة تلافي تكرارها مستقبلاً مرة أخرى.
2. الرقابة من حيث الوظيفة: (الذنيبات، 2010، ص178)
أ- الرقابة الداخلية الإدارية: تهدف الرقابة الداخلية الإدارية إلى تحقيق الكفاءة الإنتاجية وتشجيع الالتزام بالسياسات الإدارية ومن الإجراءات التي تضعها الإدارة لتحقيق الرقابة الإدارية:
- الموازنات التخطيطية.
- التكاليف المعيارية.
- الرسوم البيانية والخرائط.
- دراسة الوقت والحركة.
- التقارير الدورية.
- البرامج التدريبية للعاملين.
ب- الرقابة الداخلية المحاسبية: تهدف الرقابة الداخلية إلى ضمان وصحة البيانات المحاسبية, ومن الإجراءات التي يمكن أن تضعها الإدارة لتحقيق هذه الرقابة:
- تحديد المسؤوليات والفصل بين الوظائف المتعارضة في القسم المالي بحيث لا يسمح لأي شخص القيام بعملية واحدة من بدايتها حتى نهايتها.
- عمليات القيد المحاسبي والسجلات الرقابية.
- إعداد موازين المراجعة الدورية.
- إعداد مذكرة تسوية حساب المصرف.
- إتباع نظام الجرد المستمر للمخزون.
- اعتماد قيود التسويات وتصحيح الأخطاء من قبل أشخاص غير الذين قاموا بالإعداد.
ت- الضبط الداخلي: يشمل الضبط الداخلي الخطة التنظيمية وجميع وسائل التنسيق والإجراءات الهادفة إلى حماية أصول المشروع من الاختلاس أو الضياع أو سوء الاستخدام, ومن وسائل الضبط الداخلي التي تضعها الإدارة:
- تقسيم العمل وتحديد المهام.
- المراقبة الذاتية بحيث يخضع عمل كل موظف لمراجعة من قبل موظف آخر.
- تحديد الاختصاصات والسلطات والمسؤوليات.
- استخدام وسائل الرقابة الجدية والمزدوجة.
- التأمين على الممتلكات والموظفين الذين في حوزتهم عهد.
3. الرقابة من حيث المصدر: (عليان، 2007، ص197)
أ- الرقابة الداخلية: وتأتي من داخل المنظمة ويمارسها المسئولون أو الرؤساء أو المديرون على مختلف مستوياتهم الإدارية، وقد يعهد بها أحياناً إلى وحدة إدارية متخصصة بالعملية الرقابية، وتتم الرقابة ضمن هذا النوع على الأفراد وعلى مصادر المعلومات وعلى الخدمات وعلى الأجهزة والأدوات المستخدمة وعلى الأصول وطرق استغلالها وغيرها.
ب- الرقابة الخارجية: وهي التي تقوم بها أجهزة رقابية متخصصة من خارج المنظمة قد تتبع المؤسسة الأم أو الحكومة مثل رقابة دائرة الرقابة والتفتيش على المصارف.
جودة الخدمات المصرفية:
   المصارف الناجحة والمميزة في العالم هي التي تركز على نوعية وجودة تقديم الخدمة أكثر من تركيزها على الخدمة لأن جميع المصارف تتشابه إلى حد بعيد في خدمتها التي تطرحها في الأسواق، لكنها بالتأكيد تختلف فيما بينها من حيث نوعية وكيفية تقديم هذه الخدمات، إذن فالمصارف الناجحة هي التي تضمن استراتيجيتها أهدافاً تركز على توقعات العملاء، وتلبي احتياجاتهم ورغباتهم بما يضمن في النهاية تحقيق هدف تعميق الولاء والانتماء للمصرف ودرجة رضا عالية من قبل العملاء، فيمكن القول أن المصارف الناجحة والأكثر قدرة على المنافسة هي المصارف التي تقدم خدماتها بنوعية وأداء مصرفي متميز معتمدة على قاعدة معلومات وكوادر مؤهلة مصرفياً، وتتمتع بمهارات مميزة تتعامل مع العملاء، وكذلك هي المصارف القادرة على استخدام التكنولوجيا المصرفية المتطورة. (أبوتايه، 2008، ص69).
مفهوم جودة الخدمة:
الجودة في اللغة: من أجاد أي أتى بالجيد من قول أو فعل، وأجاد بالشيء: صيره جيداً والجيد نقيض الرديء، وجاد الشيء جوده بمعنى صار جيداً. (المعجم الوسيط، 1960، ص146).
أما الجودة اصطلاحاً فيقصد بها طبيعة الشيء ودرجة صلاحه. ولقد اخذ هذا المصطلح معاني عديدة، منها التعرف الذي تبنته الجمعية الأمريكية لضبط الجودة، وكذلك يشاركها الرأي نفسه معهد المقاييس القومي الأمريكي، اللذان عرفا الجودة بأنها: مجموعة الخصائص والصفات الخاصة بالمنتج أو الخدمة التي تؤثر قابليتها على إرضاء الزبون المحددة والواضحة والضمنية وتشير الحاجات الضمنية إلى رضا الزبون. (السامرائي، 2007، ص28).
   للجودة أهمية استراتيجية كبيرة سواء على مستوى المستهلكين أو على مستوى الشركات على اختلاف أنشطتها، إذ أنها تمثل احد أهم العوامل الأساسية التي تحدد حجم الطلب على منتجات أو خدمات الشركة.
المراجع:
- إبراهيم، إيهاب نظمي، (2009)، التدقيق القائم على مخاطر الأعمال حداثة وتطور، الطبعة الأولى، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، عمان.
- أبوتايه، صباح محمد، (2008)، التسويق المصرفي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان.
- الجيوسي، محمد رسلان، وجاد الله، جميلة، (2008)، الإدارة علم وتطبيق، الطبعة الثالثة، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان.
- الخطيب، خالد راغب، (2010)، مفاهيم حديثة في الرقابة المالية والداخلية في القطاع العام والخاص، الطبعة الأولى، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، عمان.
- الذنيبات، علي عبدالقادر، (2010)، تدقيق الحسابات في ضوء المعايير الدولية: نظرية وتطبيق، الطبعة الثالثة، المكتبة الوطنية، عمان.
- السامرائي، مهدي صالح، (2007)، إدارة الجودة الشاملة في القطاعين الإنتاجي والخدمي، الطبعة الأولى، دار جرير للنشر والتوزيع، عمان.
- الصيرفي، محمد عبد الفتاح، (2006)، إدارة البنوك، الطبعة الأولى، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان.
- العامري، صالح مهدي، والغالبي، طاهر محسن، (2011)، الإدارة والأعمال، الطبعة الثالثة، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان.
- العلاق، بشير، (2009)، أسس الإدارة الحديثة نظريات ومفاهيم، الطبعة الأولى، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان.
- القريوتي، محمد قاسم, (2009)، مبادئ الإدارة-النظريات والعمليات والوظائف، الطبعة الرابعة، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان.
- الوقاد، سامي محمد، وديان، لؤي محمد، (2010)، تدقيق الحسابات (1)، الطبعة الأولى، مكتبة المجتمع العربي للنشر و التوزيع، عمان.
- جمعة، أحمد حلمي، (2005)، المدخل إلى التدقيق الحديث، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
- جمعة، أحمد حلمي، (2009)، المدخل إلى التدقيق والتأكيد الحديث: الإطار الدولي – أدلة ونتائج التدقيق، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر و التوزيع، عمان.
- حجاج، خليل جعفر، (2001)، محاضرات في إدارة الأعمال، مكتبة القدس للطباعة والنشر والتوزيع، غزة، فلسطين.
- ديري، زاهد محمد، (2011)، الرقابة الإدارية، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان.
- عباس، أنس عبد الباسط، (2011)، إدارة الأعمال وفق منظور معاصر، الطبعة الأولى، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان.
- عليان، ربحي مصطفى، (2007)، أسس الإدارة المعاصرة، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
- مصطفى، إبراهيم، وآخرون، (1960)، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مطبعة مصر، القاهرة.


الأحد، 13 ديسمبر 2015

مبدأ السيادة في ظل المتغيرات

مبدأ السيادة في ظل المتغيرات
بقلم: أيمن هشام عزريل
      صالح أحمد أبوليلى
uzrail@hotmail.com
   يشير ميثاق الأمم المتحدة إلى المساواة بين الدول ويعني هذا من الناحية القانونية الدولية المساواة في الحقوق والالتزامات بين الدول جميعها الأعضاء في المجتمع الدولي، وكانت سيادة الدولة من المبادئ الأساسية للقانون الدولي العام في القرن التاسع عشر، وتؤدي بمعناها التقليدي إلى عدم خضوع الدولة إلا للقواعد القانونية التي وافقت عليها بصورة مسبقة ومن ثم كانت السيادة بمعناها التقليدي، إلا أنه مع تطور الأوضاع العالمية في القرن العشرين عبر حربين عالميتين وحرب باردة، بدأت الغلبة للاتجاه الذي ينادي بتطويع سيادة الدولة المطلقة واخضاعها لقواعد القانون الدولي العام، حيث استمرت العولمة في الظهور ببطء شديد نتيجة التنازع المستمر بين الأيديولوجية الشيوعية والأيديولوجية الرأسمالية، إلى بداية نهاية الحرب الباردة، حيث بانتهاء تلك الحرب تحولت العولمة إلى ظاهرة عالمية.    
   يشاع أن فكرة السيادة ظهرت منذ بروز الدولة الحديثة، وإذا كان البعض يرجع الفضل للمفكر الفرنسي جان بودان 1576م، في تفصيل وتحليل هذا المفهوم وإعطائه هذه الشهرة، يرى البعض أيضاً أن لهذه الفكرة جذور في الفكر الإسلامي. إن فكرة السيادة بمستوياتها المتعددة ظهرت منذ ظهور المجتمعات البشرية وكياناتها السياسية الأولى، إن السيادة واحدة في الدولة إذ لا توجد في الدولة الواحدة أكثر من سيادة واحدة، أي أنه لا يمكن فرض أية التزامات عليها من قبل إرادة أخرى غير إرادة الدولة نفسها وهذا ما يسمى وحدة السيادة، أي توجد في الدولة سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، بمعنى عدم قابلية سيادة الدولة للتجزئة مهما يكن التنظيم الدستوري أو الإداري لهذه الدولة، فلا مجال لغير سلطة عليا واحدة.
   فإذا كانت السلطة في الدولة التقليدية متمركزه كلياً وبشكل مطلق في شخص واحد وهو بمثابه الواهب للخيرات أو الحارم منها فإن دولة القانون أي الدولة العصرية الديمقراطية هي دوله يتم فيها توزيع السلطة واقتسامها لا على أفراد بل على مؤسسات: مؤسسات تشريعية، مؤسسات تنفيذية، مؤسسات قضائية.
   إن نظرية السيادة تعتبر من الركائز الهامة في دراسة النظم السياسية والدستورية، كما أنها لاقت العديد من الانتقادات التي ربطت بينها وبين الأصل التاريخي لنشأتها وارتباطها بالحكم المطلق واستغلال الأنظمة الدكتاتورية لها في تبرير استبدادها غير أن هذه الانتقادات لم تنل من تطورها ورسوخها سواء الداخلي والدولي. 
   فالسيادة بوصفها دعوة سياسية عالية التميز تتعلق بالسيطرة الكلية المنفردة على أرض محددة ومجتمع خاضع لسلطة الدولة السياسية التي يقرها التنظيم الدولي ويعترف بوجودها لم تعد من الثوابت بل تحولت إلى قضية خلافية تخضع لوجهات النظر المختلفة ولعل القاء نظرة على مسرح السياسة الدولية يكشف مقدار التحديات التي تجابه السيادة الوطنية في عالم ما بعد الحرب الباردة لاسيما من قبل القوى المركزية وإن اختلفت مجالات التأثير في السيادة بين الدول حسب وضع الدولة وقوتها.
   وانطلاقاً من أن دولة القانون لا يمكن أن تكون غير الدولة الديمقراطية فنحن بحاجه إلى إرساء وخلق الثقافة الديمقراطية-التي تتيح السير ضمن ركب التطور الجاري في القرن الحادي والعشرين مثلما اتاحت لبلدان كثيرة الرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعلمي فهي تضمن القضاء العادل المستقل وتضييق الخناق على التلاعب بشؤون المجتمع من قبل أفراد أو جماعات وذلك من خلال مؤسسات الرقابة على كل مفاصل الدولة.


الأحد، 6 ديسمبر 2015

السيادة الوطنية والعلاقات الدولية

السيادة الوطنية والعلاقات الدولية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   المترقب للأحداث الصغيرة والكبيرة على السواء يجد أن الخلل والاضطراب في العلاقات الدولية لا بد وأن يقود حتماً لمواجهة شاملة وبعبارة أخرى أن يجد وجهاً للشبه بين الأحداث اليومية المتلاحقة وبين الفترة الزمنية التي سبقت كلاً من الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو كالذي يقول ما أشبه اليوم بالبارحة، فوجه الشبه في هذه الفترة في هذا العالم المضطرب الذي نعيش فيه ونتعايش معه نفس الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية والتي تشكلت خلال سنواتها وحتى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ملامح وأسس النظام الدولي الذي هيمن وسيطر في تلك الفترة حتى لقي ضربته القاضية وهي انهيار الاتحاد السوفيتي وزواله من الخريطة السياسية لعالم اليوم.
   ففي أعقاب الحرب التي يخرج منها منتصر ومهزوم لا بد وأن تترتب نتائج وأثار يبدو بعضها واضحاً للعيان ملموس الأثر فوري التحقق ويستغرق بعضها الآخر وقتاً، يطول أو يقصر، يحاول فيه الفرقاء، وغيرهم أن يضعوا أسساً جديدة للعلاقات فيما بينيهم وأن يثبتوا أوضاعاً إقليمية أو ينشئوا أوضاعاً جديدة بقدر ما تسمح الظروف وفوق هذا وذاك فإن العلاقات الاقتصادية وأوضاع التجارة العالمية تستحوذ اهتماماً خاصاً وتستأثر بجانب كبير من الجهود فالاقتصاد كان وما زال وسيبقى عصباً للسياسة.
   وقد أثبتت التجربة أن القوة الاقتصادية لا تقل عتواً عن القوة العسكرية وتجربة ألمانيا واليابان منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأن هي خير شاهد ودليل وانطلاقاً من هذا نستطيع أن نفسر الكثير مما يدور حولنا في هذا العالم الذي يموج بالاضطرابات فهو في جانب يحاول خلق أوضاع إقليمية جديدة تتفق مع مصالح المنتصرين أو ترضي غيرهم ممن يرتبطون بهم، أو هي محاولات لتثبيت أوضاع إقليمية كانت أو ما زالت تفتقر إلى الشرعية، والكثير مما يدور يحمل في طياته ملامح الصراع لاقتصادي والتنافس على الأسواق والسعي لتأمين المواد الأولية، وإذا كان القانون الدولي قد واجه وما يزال يواجه معضلات وتحديات عصر ما، قد ارتبط القانون الدولي بهذه النظرة رؤية موازية ومماثلة إلى هيئة الأمم المتحدة حتى بدا أن الولايات المتحدة ترغب في تعديل ميثاق الأمم المتحدة واستبداله بميثاق جديد يناسب مقامها الحديث في إطار العلاقات الدولية، وتربعها منفردة كقوة كبرى وحيدة لا ينازعها فيه أحد حتى ولو كان من أقرب حلفائها الأوروبيين ناهيك عن المارد العملاق الأصفر.
   وتصاعد اتجاه يقول أن مبدأ سيادة الدولة يجب أن يفهم في حدود القانون الدولي القائم، وهو ذات المعنى الذي سبق أن اشارت إليه المحكمة الدائمة للعدل الدولي في أحد أحكامها عندما قررت أن على الدولة أن لا تتجاوز الحدود التي رسمها القانون لصلاحيتها، وأن تصرفاتها ضمن تلك الحدود تدخل في سيادتها ، وهو ما يعني أن السيادة فكرة قانونية محدودة ونابعة من القانون الدولي، وخاضعة له، وهو ما شجع على القول بأن مبدأ السيادة قد زال عنه طابعه العتيق المطلق وأن الدولة، في المجتمع الدولي المعاصر، قد أصبحت دولة قانون تلتزم بأحكام دولية حددها القانون الدولي وقواعده العامة، وقد تجاوز البعض هذا الحد إلى القول بأن السيادة في طريقها إلى زوال تحت تأثير المتغيرات الجديدة لتحل محلها فكرة المصلحة العالمية.
   إن المجتمع الدولي اعتاد أن ينصت اليوم لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه إلى الدول بعينها، أذا لم تمتثل لأمور معينة، وهنا تكمن الخطورة الذي يحاول من خلالها أن يخترق ما بقي من السيادة الوطنية على اعتبار أن السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم الراهن وإمساكها بزمام الأمور فيه يفترض بالضرورة إضعاف مبدأ السيادة الوطنية إلى أبعد مدى بحيث لا يكون هذا المبدأ عقبة أمام انسياب قانون دولي أمريكي جديد، يختلف في أسسه ومنطلقاته عن القانون الدولي الذي تواضع المجتمع الدولي على العمل بموجبه والانصياع لأحكامه هذا القانون لا يتوقف طويلاً أمام مبادئ السيادة الوطنية ولا يلقى باللامساواة بين الدول أو لوجوب الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية ولكنه يكثر الحديث عن حقوق الإنسان، وعن الدول التي لا تلتزم بتطبيق أحكام ومعايير حقوق الإنسان ووجوب إنزال العقاب بها وتغيير النظم الحاكمة فيها وهذا ما يدل على أن الأمم المتحدة هي ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية فقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة لإنشاء الأمم المتحدة.
   وأن ما جرى من أحداث الحادي عشر من أيلول وثم حرب أفغانستان والعدوان على العراق جاء لقلب الموقف الأمريكي ازاء الأمم المتحدة رأساً على عقب، ليظهر عجز الأمم المتحدة عجزاً كلياً عن الوقوف في وجه الطموح الأمريكي الجرف لتجاوزها الأمم المتحدة والعمل منفردة وخارج إطار الأمم المتحدة، مما بدا واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تلقى بالأمم المتحدة، فعلى الولايات المتحدة أن تعيد حساباتها على أسس أخرى مختلفة ملتزمة بالشرعية الدولية، والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي حتى لا تنساق مرغمة إلى هذا الموقف الذي يسجله لها تاريخ الأمم المتحدة في صفحاته الأشد سواداً.      
   




الجمعة، 20 نوفمبر 2015

نظرة إلى المستقبل

نظرة إلى المستقبل
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   يعيش الإنسان في الوقت الحاضر في عالم متغير، وتحت تأثيرات اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وسياسية، وقد تعقدت الحياة التي يعيشها الإنسان وتحولت من البسيطة إلى المركبة ولم يعد الإنسان قادراً على تحقيق هدفه، ولم تعد الأهداف قادرة على أن تجلب الطمأنينة والأمن النفسي، إن أكثر الأفراد قدرة على التكيف هم أولئك الذين يستجيبوا لزمانهم ويعيشونه حقاً ويحسون شوقاً وحنيناً للمستقبل ليس قبولاً واستسلاماً لكل أهوال الغد ولا إيماناً أعمى بالتغير من أجل التغيير بحد ذاته، وإنما فضولاً قوياً واندفاعاً نحو معرفة ماذا سيحدث في المستقبل فكلما كان التفكير في المستقبل بموضوعية أكثر كان الواقع أكثر راحة وتأكيداً لمشاعر الاطمئنان والتوازن.
   يتطور قلق المستقبل بشكل تدريجي مع الزمن ومع ازدياد المخاوف والمسببات التي تؤدي
إلى هذا القلق، وتنعكس هذه الحالة وتلك الميول حتماً بشكل سلبي على التطور الاجتماعي – والسياسي في البلد عموماً، مما يؤدي إلى ترك الشباب لوطنهم والهجرة إلى الخارج بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وقلق المستقبل هو ميل فطري للتعامل مع الخوف، ويبدو أن هذه المخاوف تزداد مع الزمن لأن قائمة الأحداث غير السارة كثيرة جداً.    
   يوجد تشابه بين الخوف من الفشل وبين قلق المستقبل، ففي ظل الثورة العلمية والمنافسة الشديدة أصبح من الضروري للفرد أن يجد لنفسه مكاناً مميزاً وقد أشير إلى أن الفشل يؤدي إلى فقدان الفرد الثقة في نفسه وفي الآخرين، كما أن خبرات الفشل المتكررة تجعل الشخص عرضة للقلق ويشعر بعدم الاهتمام والإحجام بصفة عامة عن عمل أهداف واقعية لنفسه، كما ان الأفراد الذين يعانون الخوف من الفشل يفتقدون الدافعية للإنجاز والنجاح حيث يعتقدون أن النجاح يعتمد على الحظ أو على عوامل خارجية وليس على قدراتهم أي إن مركز الضبط لديهم خارجي كما أنهم يشعرون بأنهم غير قادرين على التحكم في مستقبلهم؛ وبالتالي تفتر همتهم، وتقل دافعيتهم، وتحبط رغبتهم بالعمل والنجاح، وهذا ما يخلق حالة من الاستسلام والعجز والميل إلى الرضا بالوضع الراهن دون تحسينه، ومن ثم انخفاض الدافعية للإنجاز.   
   ويؤثر التشاؤم سلباً في سلوك الإنسان وصحته النفسية والجسمية، والنظرة التشاؤمية للمستقبل تجعل الفرد عرضة للاكتئاب واليأس والانتحار، حيث يتصف المكتئبون بتعميمهم الفشل والنظرة السلبية للحياة والذات والمستقبل، و يمكن القول أن من لديه هذه النظرة السلبية للمستقبل قد يترتب على ذلك هبوط روحه المعنوية وتناقص دافعيته للعمل.
   إذا افترضنا أن الأمل هو النقيض لليأس، وإذا افترضنا أن الأمل يتشابه مع التفاؤل (وهو ليس التفاؤل)، من حيث كل منهما نزعة استبشار، وتوقع النتائج الايجابية، إلا أن الأمل حالة من الوجود الإنساني، وإذا كان التفاؤل هو العكاز الذي يستند إليه الفرد عند مواجه الأزمات التي تحول بين الفرد وبين الهدف، فأن الأمل هو إنتاج طرق جديدة إذا فشل المسار الأصلي لتحقيق الهدف.
   وتبدو العلاقة بين الأمل والخوف متفرعة ومرنة، فالأمل أكثر ارتباطاً بالخوف من التفاؤل، فالخوف والأمل مكملان لبعضهما البعض، حيث أن كلاً منهما يتضمن مكونات تتعلق بالمستقبل، وتتضمن هذه العوامل أعباء المعيشة، وأزمة البطالة، وقلة الدخل، وغلاء الأسعار وطغيان الماديات، والعلاقات الاجتماعية القائمة على مبدأ (النفعية).

   وفي ظل هذه التساؤلات يصبح القلق من المستقبل، ومن المجهول واضحاً، حيث يتساءل الفرد: هل سيلحق بهذه المتغيرات، هل سيمتلك الأدوات اللازمة للسيطرة على مستقبله؟ أم أنه سينظر لنفسه والمستقبل والعالم بنظرة توجس وقلق؟ هل ستختفي القيم والتفرد ويبقى لكل واحد فينا خصوصيته أم أنه سيسود الجانب السلبي من العولمة الذي هو تنميط العالم بحيث يصبح العالم كله وحدات متشابهة وهذه الوحدات (البشر) هي أصلاً وحدات اقتصادية لا تتسم بأي خصوصية، وليس لها ذاكرة تاريخية أو أخلاقية، وذلك لتصبح الحدود بلا قيود لأن الخصوصية الثقافية والأخلاقية تعوق الانفتاح العالمي.

الأحد، 1 نوفمبر 2015

تعزيز الوحدة الوطنية

تعزيز الوحدة الوطنية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   إن ما صرنا إليه اليوم من الوهن والهوان ما كان إلا لانتشار آفتين في مجتمعاتنا هما آفتا الجمود والجحود اللتان تمثلان الابتعاد عن المنهج والركون إلى الإفراط والتفريط، فالناظر لطبائع الناس وأفكارهم بمختلف ثقافاتهم ومجتمعاتهم يلاحظ مظاهر التطرف والغلو ليس في التدين- فحسب بل حتى في معاملتهم فيما بينهم وعلاقاتهم الاجتماعية المختلفة الأمر الذي أدى إلى وقوع مزيد من الأزمات- والمشاكل ولا خلاص من ذلك كله إلا بالعودة إلى الاعتدال في جميع الأمور فكراً وسلوكاً.
   أن من التعاريف بالوحدة الوطنية هي طاعة القانون في أطار الحرية الممنوحة منه على أن يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ، والمشكلة الأساسية التي يقتضي إدراكها أن الانقسامات في أي مجتمع حالة طبيعية إذا ما كانت محكمة بضوابط وشروط الصراع السلمي، الهادف للتغيير والإصلاح وهي من سمات المجتمعات الحية المتطلعة للبناء العصري وتجاوز عوامل الفرقة والاختلاف وصولاً للوحدة الوطنية لقيادة العملية السياسية والتعامل مع أزمات البلاد المتعددة بمنظور واحد وبرنامج ومنهاج موحد يمتلك قدرة التعامل مع المشكلات التي تتعرض لها أوضاع البلاد. من خلال ما تقدم نلاحظ إن الوطنية هي شعور عاطفي بالحب للبلد أو الإقليم الذي يعيش عليه الفرد.
   أن المعايير التي تقوم عليها النظم الديمقراطية المعروفة والمألوفة في عالمنا المعاصر (كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية- ألمانيا– سويسرا- البرازيل- الهند وغيرها) تقوم على أساس جغرافي (ولايات– أقاليم– محافظات-… الخ) وليس على أساس قومي عنصري ولا على أساس ديني طائفي. وبقدر تعلق الأمر بفلسطين فإن المطروح اليوم فيما يخص المطالبة بالوحدة الوطنية صيغ متعددة والمطلوب من القوى السياسية والوطنية تفضيل صيغة الديمقراطية لكل فلسطين. من هنا تأتي أهمية الدعوة للجميع للانشغال أساساً بالديمقراطية وبالبناء، وهذا الانشغال سيكون كفيلاً بحل كافة الموضوعات والخلافات.
   تعد قضية ( الوحدة الوطنية) في فلسطين من أعقد المشكلات الحديثة، ويعود ذلك لأسباب عديدة أبرزها: التكوين السياسي، إذ تقع على النظام السياسي وبدرجة أساسية مسئولية تحقيق التعايش السلمي والوحدة الوطنية، فطبيعة النظام السياسي وخياراته وسياساته تلعب أدواراً أساسية إيجاباً أو سلباً في توفير المناخ الوفاقي والتعايش السلمي، أو تفكيكه وتمزيقه، فالنظام السياسي الذي يمثل قيم ومصالح وهوية الجميع، ويلبي حاجاتهم ويشبع رغباتهم ويحقق أعلى درجات العدالة والمساواة فيما بينهم، سيكون قد خطى خطوات متقدمة في طريق تعميق مشاعر الولاء والانتماء للوطن.
   والنظام السياسي الذي ينطلق في سياساته وخياراته من مفهوم الدولة للجميع وبالجميع، ويؤسس وظائفها وأدوارها المختلفة تبعاً لذلك المفهوم، ويفتح مشروعاتها ومؤسساتها وهياكلها ومناصبها ومسؤولياتها لكافة مكونات المجتمع دون تحيز لهذه الفئة أو تهميش لتلك، سيكون قد قطع شوطاً في خلق شعور الإنصاف والعدالة بين مواطنيه. والنظام السياسي الذي يبسط مبدأ الشراكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقة بين المركز والاطراف ويعمل على ترسيخ النظام اللامركزي تحقيقاً للتوازن والتوافق في توزيع الحقوق والواجبات والمهام الوطنية، ويعطي الاطراف والأجزاء هامشاً أوسع في تملك وتسيير المؤسسات الإدارية والوظائف الحياتية ( المعرفة، السلطة، والثروة) سيكون أكثر إقناعاً بإمكانية تحصيل وحدة وطنية حقيقية وإيجابية، وبالمقابل فإن تجارب الأنظمة الدكتاتورية دون استثناء برهنت صعوبة – إن لم يكن استحالة – بناء وحدة وطنية حقيقية ومعتبرة، بل أن شواهد التاريخ البعيدة والقريبة تؤكد بجلاء بأن الأنظمة الدكتاتورية تمثل أقصر الطرق إلى انقسام وتفكك المجتمعات والدول بل وتناصرها وتقاتلها.
   النظام السياسي وحده لا يمكن أن يخلق كل شروط ومتطلبات الوحدة الوطنية، وإنما هو بحاجة إلى جهد الشعب بكافة مكوناته باحتسابه المكون الأساسي للدولة، فالشعب برموزه الدينية والشعبية، وفعالياته السياسية والفئوية، يمثل ركن أساسي وعمود فقري في تعزيز التماسك الداخلي وتعميق خيار التوافق الأهلي، وفق عدد من الالتزامات منها: أن تتهيأ مكونات الشعب المختلفة لقبول بعضها البعض نفسياً وعقلياً وسلوكياً، فالقبول يعني بالضرورة الاعتراف بالأخر وجوداً وفكراً ومشاركة، واحترام ما يحمله من توجه وما يتخذه من مواقف في أي مجال كان، ومن ثم تأتي خطوة هامة تتمثل في تفعيل وتنشيط صيغ التفاعل والتضامن اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ووطنياً، إذ لا تعايش بدون انفتاح وتواصل وتفاعل.
   وهنا تبرز أهمية تأسيس نمط العلاقات بين مكونات الشعب المختلفة على قاعدة التعايش والتساكن والتسامح والتعددية وصيانة حقوق الإنسان والشراكة الوطنية القائمة على قاعدة الوفاق والتفاهم والثقة والمسؤولية المتبادلة الموصلة إلى مفهوم الـ(نحن)، فحقائق الوحدة الوطنية وتجلياتها لن تبرز إلا برسوخ تلك القيم وتجذرها اجتماعياً باحتسابها بوابة توفر الظروف الذاتية والموضوعية لإيجاد مناخ ثقافي ونفسي، وبيئة اجتماعية ووطنية تسمو دوماً فوق كراهية الماضي وتتجاوز استقطابات اللحظة والحدث العابر، وتطوي محطات التوتر والهواجس والشكوك القديمة منها والحديثة، وتتصدى بشكل مباشر أو غير مباشر لدواعي الانقسام والتشرذم، وللنزعات المخلة بالنسيج الوطني ولكل سلوك ينخر جدار الوحدة الوطنية.
   وهنا لامجال لتجاوز الحوار كمقوم أساسي من مقومات الوحدة الوطنية كونه يسبغ شرعية على الاطراف المتحاورة فالحوار مع طرف يعني سياسياً الاعتراف بوجوده، والرغبة في التواصل معه، والحوار كمبدأ وأسلوب ووسيلة لا غنى عنه حاضراً أو مستقبلاً في معالجة المشكلات البينية وتضميد الجروح وتفعيل الحراك السياسي والاجتماعي، فضلاً عن أن الحوار أسلوب مهم للتعرف على القواسم المشتركة وقيم التعايش الأساسية، وبالتالي تحديد المساحات المشتركة التي يجب تنميتها وحمايتها على الدوام، فالعنف كما يقولون يبدأ عندما ينعدم الحوار أو تتعطل ايجابياته.

   وفي الختام إن تحقيق الوحدة الوطنية في مجتمع يتطلب غرس قيم مشتركة لعموم المجتمع بشكل لا تتصادم مع القيم الفرعية لكل جماعة اجتماعية أو تلغيها وإنما تصهرها في بوتقة واحدة لمصلحة المجتمع ككل، وهذا يتطلب جهوداً متواصلة اجتماعياً وسياسياً بشكل يضمن العدالة التوزيعية ويضمن إيصال الحقوق الأساسية لفئات المجتمع كافة دون تفضيل فئة على أخرى، مما يسهم بالمحصلة النهائية في إرساء وتعزيز مقتربات الوحدة الوطنية بين جميع أطياف ومكونات المجتمع الفلسطيني مستقبلاً، الأمر الذي سيؤدي إلى تحفيز مدركات الوحدة الوطنية وتحقيقها بالشكل الأمثل بما يخدم طموحات وتوجهات المجتمع الفلسطيني للمرحلة القادمة.