الأحد، 23 نوفمبر 2014

التحديث والتنمية السياسية العربية




التحديث والتنمية السياسية العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   تعد عملية التحديث والإصلاح السياسي من ضمن عمليات التغيير والحركة المستمرة التي تشهدها المجتمعات المختلفة في العالم، لقد برزت مؤخراً ظاهرة الإصلاح في المجتمع العربي وبرزت عملية التغيير الاجتماعي نحو تحقيق الإصلاح السياسي، أن هذا التطور المصحوب بالتغيير التي تتخذه عملية التنمية والتحديث والإصلاح السياسي، قد يأخذ أشكالاً عديدة ومتفاوتة، فقد يكون على شكل ثورة، وقد يكون مفاجئاً وجذرياً وعنيفا.
   تعد الأمة العربية من الأمم الفريدة في المجتمع الدولي التي حققت وضعاً متقدماً من خلال اسهامها الماضي في الحضارة البشرية أو تردد الحديث عن صفاتها القومية، ولكن بعد سقوط الدولة العرية الإسلامية، نرى سريان التخلف على هذه الأمة ولعدة قرون، ولأجل السيطرة والقضاء على هذا التحدي المتمثل بالتخلف يجب الإسراع بتنمية وتحديث سياسي شامل، أي إجراء عملية تغيير وتقدم جذري في كل مجالات الحياة العربية، وعلى كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وهذا وحده يجعلنا نعيش حضارة العصر بما تحمل من تنمية وتحديث.
   ولأجل السير نحو تحقيق تنمية وتحديث عربي، ينبغي الانطلاق من خصوصية البيئة العربية ليتسنى لنا الإلمام بها لكي نظهر الشخصية العربية في أي خطوة نحققها إلى الأمام، خاصة ونحن نعيش في تجمع مع (إسرائيل) التي يعدها الكثير أوروبا الشرق الأوسط، وكذلك نعيش عقدة التفوق الأوروبي، التي تغذي أطماع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لأجل التوسع وفرض المزيد من التبعية والسيطرة على سياسات الأقطار العربية واقتصادياتها.
   أن كل ذلك يدعونا للقول أن شرط إزاحة التأثير الاستعماري من المنطقة، وإلغاء أو تخفيف تبعية الاقتصاد العربي ومن ثم استثمار الناتج القومي العربي الذي يزيد عن حاجة المجتمع الضرورية في زيادة الإنتاج يجب أن يتم بقوى سياسية تقود التنمية والتحديث السياسي، أي ربط عملية الاستقلال السياسي والاقتصادي بعملية التحرر الذي به تسترد حرية الإرادة الوطنية المهيمنة على القطاعات المسيطرة على الاقتصاد القومي، وثانياً خلق قيادة وطنية قادرة على استثمار وسائل الإنتاج الأساسية، وتوجيه النظام الاقتصادي، وأخيراً إزاحة القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة العربية الذي أخذت الدول الخليجية العربية، خاصة بعد أزمة الكويت، تعويض المستعمر عن نفقاته.
   أن شرط التحرر من الاستعمار سوف يكفل مستوى معيشي أفضل لغالبية الشعب العربي وحياة أفضل الى المستوى المادي، والاقتصادي، والثقافي، مما يؤدي إلى وضع أهداف للسياسة الاقتصادية تتجاوز الناتج القومي لتمتد بتحديد أهداف قيمية يتفق عليها المجتمع العربي نفسه، ومن أهمها قيمة الحرية والعدالة الاجتماعية، وقيمة التواصل الإنساني، وبتحقيق هذه القيم، يمكن أن تتحقق معدلات مرتفعة من التنمية والتحديث السياسي الذي يؤمن الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.
   ولأن الأقطار العربية تتميز كل منها بعجز في مورد أو اكثر، فتحقيق عملية التنمية والتحديث في كل قطر من الأقطار العربية، يفرض أن تبحث عن مصادر لاستكمال هذه الموارد، والأولى بها أن تعتمد على موارد بعضها البعض، لأن ذلك يحقق زيادة المنافع لمجموعها، وخاصة أن العالم يسير وفق نظام العالمية، وذلك النظام الذي يمكن بتداخل وتنافس اقتصاديات البلدان الواحدة بالأخرى، وأن هذا التدخل يؤدي إلى تنافس اقتصاديات البلدان المتقدمة الضخمة مع اقتصاديات البلدان العربية الصغيرة التي قد تكون متخلفة، أن ذلك يمكن أن يغري بلداً عربياً في القبول ببعض القيود لأجل الاقتناع بأن المزايا التي سيحققها من جراء هذا الاندماج سيساهم في تعجيل التنمية الاقتصادية والوطنية، خاصة عندما تقتنع الحكومات والرأي العام بضرورة احترام قواعد المشاركة القائمة والوفاء بالتزاماتها، حينئذ يمكن أن يتحقق الكثير من التحديث على المجتمع العربي خاصة عندما توضع صيغ لإقامة مؤسسات إقليمية تكفل بالقضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
   إن نجاح المشاركة السياسية العربية يتوقف على جملة من المستلزمات والقيم الثقافية، فالديمقراطية تفترض إطاراً ثقافياً لها، وهذا الإطار الثقافي يتمثل في عدد من القيم أبرزها العقلانية، أي الايمان بمحورية العقل الانساني في تنظيم المجتمع، وأيضاً الحرية الفردية كقيمة أساسية في المجتمع، وعدم التطرف في الأفكار السياسية نحو الدين والأيديولوجية، وإن كان إخفاق تجارب المشاركة السياسية الشعبية، وديمقراطية تعدد الاتجاهات في الأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية، التي عرفتها بعض الأقطار العربية، بسبب غياب هذا الإطار الثقافي القيمي.
   يمكن اعتبار المشاركة السياسية أهم صيغة للتعبير عن التحديث والإصلاح والتنمية السياسية لأنها تعني إمكانية مساهمة الفرد أو الجماعة، ولكن الذي نراه في أغلبية الأقطار العربية تركز السلطة السياسية، واتخاذ القرار في يد فئة حاكمة، وأن أمر تداول السلطة محتكر بيد الفئة الحاكمة، كما ويتجلى الانفراد بالرأي دون احترام رأي الآخرين، بأنها صيغة مستمرة ودائمة في المجتمع العربي.
   ويمكن أن نرى أن غالبية الأقطار العربية سواء تلك التي لا تعترف بالحياة الحزبية، وتلك التي لها حياة حزبية، بأن الحاكم أو الحزب الذي يمارس السلطة لا يمارس الديمقراطية مع نفسه في حياته الداخلية، ولا تمارس الديمقراطية في التعامل مع الأحزاب الأخرى، مع العلم أن التعامل الديمقراطي بين الاتجاهات السياسية، وهي في المعارضة هو أفضل المدارس لتربية النشوء الديمقراطي.
   أن التحديث والتنمية السياسية في معظم الأقطار العربية تعيش في كساد ضمن هذه المستويات من الديمقراطية، التي تحد الشعب من المشاركة السياسية، مما ساهم في تعميق القطرية وتهيئة السبيل في استمرارية العديد من الأقطار العربية تابعة وذات ولاء، وهذا ما نعيشه في عالمنا العربي المعاصر الذي يتجلى فيه توسع الانشقاقات والانقسامات والتفتيت العربي نتيجة لاستبعاد الشعب عن المشاركة في القرارات السياسية، ولاحتكار السلطة وابقاءها لدى الجيل القديم دون إعطاء الجيل الجديد الفرصة.
أن هذا يدعونا للقول أن الاهتمامات الأخيرة بالإصلاحات السياسية، فهي لم تكن بناء على رغبة القادة السياسيين في البلدان العربية، إنما نتيجة ضغوط خارجية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لنشر نموذجها في الديمقراطية، والعولمة لكي تسيطر على مقدرات الشعوب، بعد أن انتهى دور بعض الزعماء بالنسبة للإدارة الأمريكية، ولم يعد مقبولاً داخلياً وخارجياً، مما جعلها تفكر بتغيير الوجوه لضمان المصالح الأمريكية، فبدأ البعض يتحدث عن مشاركة سياسة، وانتخابات، وتعددية حزبية، والقسم الآخر يفرج عن المعتقلين السياسيين لإرضاء المعارضة السياسية، وأن هذه العملية سوف تفشل إذا ما توفرت النية الحقيقية في الإصلاح، والمشاركة السياسية، والسماح للرأي والرأي الآخر أن يسود في جو هادئ من الحوار، بدلاً من لغة القتل والخطف، والتعذيب، والعنف، والعنف المضاد.

الخميس، 20 نوفمبر 2014

نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد



نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لم تعد ظاهرة الفساد اليوم مجرد مشكلة داخلية تتعلق بدولة ما، بل أصبحت ظاهرة معولمة، وأشكال وأنماط هذه الظاهرة أصبحت معقدة لدرجة يصعب التعرف عليها أحياناً، وتعد هذه الظاهرة من الظواهر الخطيرة التي تواجه الدول، حيث إنها تنخر في جسم المجتمع ابتداءاً بالجانب الأمني، ثم عملية التنمية بكل أنواعها والتي تؤدي إلى عجز الدولة عن مواجهة تحديات إعادة الأعمار وبناء البنى التحتية، فالفساد بمفهومه كما عرفته كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، ظاهرة عالمية ومستمرة، لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها، ففي اللغة يقال (فَسَدَ) الشيء، (يَفسِد) بالضم (فساداً) و (أفسده ففسد) والمفسدة هي ضد المصلحة، والفساد بمفهومه الشامل هو (مرض اجتماعي خطير جداً إذا انتشر في أي مجتمع أنهار المجتمع بجميع مؤسساته العامة والخاصة، مما يؤدي بشكل حتمي إلى زعزعة أمن واستقرار أي بلد في العالم، وهو التلف والخلل والاضطراب، ويعني الحاق الضرر بالأفراد والجماعات وهو ناشئ عن سلوك الإنسان وحده).
   ولا شك أن انتشار ظاهرة الفساد في الأونة الأخيرة بشكل كبير، كان بسبب غياب الحكم الصالح، والمساءلة والشفافية، وتعقيد الأنظمة الإدارية، وضعف القانون والسلطة القضائية، لأنه حتماً إذا توفرت هذه الأمور سوف تقلل من هذه الظاهرة، وحيث أن لهذه الظاهرة أثار وخيمة  ومن بين هذه الأثار هو تأثيرها السلبي على المجتمع بسبب الهدر والضياع في المال العام وسوء استخدام الموارد العامة.
   فمؤسسات المجتمع المدني، تعد السلطة الخامسة من السلطات المدنية، التي أنتجها العقل البشري، لتنظيم شؤون الحياة والمجتمع، فقد جاءت بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووجد الإنسان أن هذه السلطات لا يمكن وحدها أن تقوم ببناء مؤسسات الدولة، وجاءت الحاجة إلى إيجاد مؤسسات جديدة فكانت السلطة الرابعة وهي الصحافة والإعلام، ثم السلطة الخامسة مؤسسات المجتمع المدني، فالإسهام في بناء مؤسسات الدولة يحتاج إلى تظافر جميع الجهود والتوجهات والمؤسسات وضمنها مؤسسات المجتمع المدني.
   ويرتبط الفساد بعدم الاستقرار السياسي، حيث أن الفساد مؤشر مستقل مهم يدل على احتمال (تغيير النظام الحاكم) في الدول، حيث أن الفساد واسع الانتشار يؤدي إلى خيبة الأمل الشعبية إزاء الحكومة، على الرغم من العلاقة بين الفساد والحكومة، حتى ولو أمكن قياسها بدقة، فلن تكون علاقة تامة، لأنه سيؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة والحكومة أمام شرائح المجتمع، ويفقدها المصداقية.
    حيث يلحظ المتابع للشأن العربي، أن الكثير من حوادث الفساد والنهب المنظم اقترفها من يسمون انفسهم ممثلو الشعب، الذين وجدوا أنفسهم في مقاعد نيابية صورية للمصادقة على النهب المستبد، فآثروا استغلال مواقعهم للإسراع بقضم ما يستطيعون من كعكة المال العام، تحت ستار مصلحة الوطن والمواطن والحفاظ على المصلحة العامة التي أصبحت في واقعنا العربي مجرد كلمة من التراث بالتحليل نجد أن غالبية البرلمانات العربية أو المجالس التمثيلية لا تحقق الغاية التي انشئت من أجلها فهي في حقيقتها لا تعدو أن تكون مجالس استشارية غالبية أعضائها لم يصلوا إلى المقعد النيابي عن طريق صندوق الاقتراع (وإن كانوا مروا عليه صورياً)، بل أوصلهم رضى سدة الحكم عنهم ومحاباتها لهم، وهذا ما نلمسه في العديد من البلدان العربية، أن يتولى شخص ما رئاسة تلك المجالس لفترة ليست بالقصيرة ولعدة دورات متتالية، يكون على الأغلب أما أحد أعضاء حزب الرئيس الحاكم البارزين، أو قريبه، أو صهره، أو من أفراد عشيرته.. إلى غير ذلك.
   وينطوي هذا المفهوم المتعدد الأبعاد، حتى نتمكن من محاصرة الفساد عند أدنى المستويات، لا بد من تحسين أوضاع صغار الموظفين في الخدمة المدنية، من حيث مستويات الأجور والرواتب، وما يتمتعون به من مزايا عينية إن وجدت، حتى تصبح تلك الأجور والرواتب أداة لـ"العيش الكريم"، مما يساعد في زيادة درجة الحصانة إزاء الفساد والمفسدين، وبما يساعد في القضاء على "الفساد الصغير" بأشكاله وصوره، حتى لا ندفع بهم إلى تعويض ذلك بتقبل الرشاوى وتسهيل بعض المعاملات غير المشروعة، فضلاً عن أن انعدام أو ضعف أجهزة الدولة الرقابية المسؤولة عن متابعة عمل الموظفين في الوزارات والمؤسسات العامة ما يشجع على ممارسة الفساد، وتتجسد مظاهر الفساد لدى البلدان الفقيرة، التي تعاني بالإضافة إلى الفقر والتخلف من مظاهر شتى للفساد تحدث على مستويات عدة.
   وعلى المستوى الاجتماعي، يؤدي الفساد إلى انهيار القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، ويسهم في انتشار عدم المسؤولية والنوايا السلبية لدى الأفراد في المجتمع، ويؤدي كذلك إلى انتشار الجرائم بسبب غياب القيم وعدم تكافؤ الفرص، ويعمق الفساد الشعور بالحقد تجاه السلطة الحاكمة من قبل المتضررين ويزيد من نسبة الفقراء والظلم ويؤدي إلى التراجع في تقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية.
   وبالتالي يصعب نظرياً وعملياً الحد من الفساد ونشر ثقافة الشفافية، فالفساد يشبه السوس الذي ينخر بنى الدولة، لا يمكن ردعه دون وجود مؤسسات سياسية قادرة على ذلك في ظل نظام متماسك للمسائلة والتعددية الحزبية.
   وصفوة القول أن الفساد أو ما يسمى بشرعنته، ظاهرة ذات أسباب سياسية واجتماعية وأخرى مرتبطة بالنظام، ترجع على عدم وضوح الفلسفة القانونية للتشريعات الصادرة والمطبقة في الدولة، أما الجانب القانوني فهو يظهر من خلال تفعيل الدور الرقابي والعقابي لمؤسسات الدولة، وليست هناك وصفة واحدة لمواجهة الفساد، بالنظر لوجود عدد كبير من العوامل التي تقف وراءه، لكن الانطلاق الحقيقي والشجاع في هذه المواجهة العصيبة، يبدأ بإقامة وإرساء نظام ديمقراطي سليم، يؤسس دولة القانون، ويضعها تحت الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ويقر باستقلال القضاء وتداول السلطة، واطلاق حرية الصحافة والرأي والتعبير، من خلال الهيئات التشريعية، والهيئات القضائية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، من منطلق تبنى مفاهيم اصلاحية في مقدمتها مفهوم (مكافحة الفساد بالإصلاح وإعادة التأهيل)، بالاعتماد على استراتيجيات حديثة لمكافحة الفساد.      

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

الهجرة العربية وانعكاساتها

الهجرة العربية وانعكاساتها
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لا تزال ظاهرة الهجرة الدولية للعمل بمختلف أبعادها تتسع وتؤثر على تشكل اقتصادات العالم، وقد شهدت هذه الظاهرة تنامياً ملحوظاً على امتداد الزمن إذ يغادر ملايين الأفراد مواطنهم سنوياً، ويمتلك الوطن العربي قدرات بشرية هائلة وكوادر فنية من مختلف المستويات والتخصصات، ولهذه القدرات دورها الفاعل في عملية التنمية والنهضة الحضارية، ولكن هذه الكفاءات تعيش حالة من التهميش والاهمال في بلادها نتيجة نظم سياسية تعيش على المحسوبية والواسطة والصراع البيروقراطي، فتلجأ هذه الكفاءات إلى الهجرة, وتصادف هذه الكفاءات هذه التسهيلات والاغراءات والراحة والرضا المهني في البلدان التي تهاجر إليها.
إن الهجرة ظاهرة حديثة و يرجع السبب في ظهورها إلى الحاجة إلى قيام اقتصاد رأسمالي عالمي شديد التكامل يجعل الناس يرتحلون باستمرار من أجل العمل أو تأهيل القوى العاملة من خلال الدراسة، لاسيما الدراسات العليا المتقدمة والمتخصصة أو اللجوء السياسي، وبلغت مشكلة هجرة العقول العربية والكفاءات العلمية إلى خارج الوطن العربي درجة من الأهمية جعلها أحد القضايا الهامة التي تواجهها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لذا يجب على الدول إتباع السياسات التي تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المجالات الإنتاجية والخدمية ذات القيمة المضافة المرتفعة أو الكثيفة تكنولوجياً، فإذا كان القرن العشرين هو قرن الشهادات فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الكفاءات، فقد أصبحت الشركات والمؤسسات تعطي قدراً أكبر من الاهتمام للكفاءة والخبرة لدى منتسبيها، وعليه فإن الممارسة والمهارة والخبرة العملية تعد اليوم أساساً لتقييم العاملين، إن الحرمان من التعليم أول مراحل الحكم على البشر بالفقر ومن المؤكد أن قلة التحصيل العلمي ورداءة نوعيته ترتبط بقوة بظاهرة الفقر، ويركز قطاع التعليم في تكوين رأس المال البشري والاجتماعي اللازم للنمو الاقتصادي والإنماء الاجتماعي، وأنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ناجحة ما لم تصاحبها تنمية بشرية والتي تتولى مهمتها التربية والتعليم، وهذه لا يمكن النظر إليها على أنها خدمة استهلاكية.
ليس هناك سبب واحد لهجرة الأدمغة، بل إن هذه الهجرة  نتيجة تفاعل عدة عناصر ومسببات وعلى رأسها الأوضاع الأمنية والسياسية، والتي انعكست بدورها على الاقتصاد والاستثمار والتنمية المستدامة، وعلى خلق فرص عمل جديدة تتماشى مع التحصيل العلمي الحديث، وتواكب التطور التكنولوجي العالمي، كذلك هناك أسباب مهنية مبنية في مجملها على عدم توافر قطاعات عمل لهذه الكفاءات العلمية أو عدم توافر بيئة اجتماعية مدركة يتفاعل فيها الفرد مع نظرائه ومع مجتمع المعرفة في الحقل نفسه، فأن أهم دوافع الهجرة الحالية خصوصاً الدائمة منها تكمن في الأمن السياسي الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على الحركة الاقتصادية والاستثمار وتفعيل السوق وانتاج الوظائف.
إذاً الهجرة تتمثل بالعجز الحاصل في الكوادر العلمية اللازمة لرفع وتيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهذا بدوره يؤثر بشكل مباشر على مستوى الرفاهية، وكذلك تؤدي الهجرة إلى عدم حصول البلاد على أي مردود مالي لقاء ما أنفقته على تعليم الأفراد، وتؤدي الهجرة إلى نتائج اجتماعية تتمثل بتناقص قدرة هذه البلدان في إعداد المؤهلين اللازمين لعمليات التنمية، حيث أن هجرة الكوادر العلمية تحرم الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتأهيلية من الأجهزة والكوادر التي تكون بإمكانها أن تعمل على إعداد المؤهلين محلياً.

من كل ما سبق؛ نتوصل إلى جملة أمور منها، توظيف الأموال في خدمة عملية التنمية والتطور ووضع الخطة العلمية السليمة لتحقيقها، وكذلك توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية الفنية العالية في خدمة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن تحقق هذه الشروط يؤدي إلى السير نحو تحقيق النمو والرفاهية المؤكدة لأبناء الوطن، والشرط هو توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية هو الشرط الأكثر أهمية، للاهتمام بالكفاءات التي تعمل على مراقبة التنمية لتمارس دورها في النهوض بعملية التنمية والتقدم نحو الرفاهية ورفع مستوى المعيشة في هذا البلد، ولابد من توفر فرص عمل للكفاءات، والاستفادة من خبراتهم وكفاءتهم، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لأن هذه المشكلة تعاني منها أكثر أقطار الوطن العربي فأصحاب الكفاءات عندما يسافروا إلى الخارج للتعلم، ويعودوا إلى بلادهم لا يجدوا فرص عمل ومكان مناسب لعملهم، فسوف يهاجروا مرة أخرى للبحث عن العمل في مكان آخر مناسب لاختصاصهم.

الأحد، 2 نوفمبر 2014

أسواق المال العربية بعد الأزمة العالمية

أسواق المال العربية بعد الأزمة العالمية
 بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   الأزمة المالية ليست بالظاهرة الحديثة في الاقتصاد العالمي، فقد شهد العالم منذ ستينيات القرن التاسـع عشر عدة انهيارات مالية في انكلترا كونها المركز المالي الأساسي في العام في حينها، ثم تبعتها أزمـات حـادة في أوربا (1907-1913) في بداية القرن المنصرم ترتب عليها الحرب العالمية الأولى، ثم حدث الانهيار المالي الذي خلف الكساد العظيم (1929-1933)، والتي هزت العالم الصناعي بشكل عام والاقتصاد الأمريكي بشكل خاص تعرض خلالها لسنوات مضاربة حادة في أسواق العقارات وتصاعد أسعار الأسهم وانفجار الفقاعات المـصرفية (1930-1933)، والتي تجلت بإفلاس بعض المصارف الكبيرة والصغيرة منها، والتي وجدت حلولها بـضبط الـسياسات الاقتصادية ومن خلال التدخل الحكومي (النظرية الكترية)، بينما سجلت أزمة التـضخم الركـودي (1974-1975) مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية بدأت بعدها مرحلة الليبرالية الجديدة القائمة على الانفتـاح الاقتصادي والتحرر المالي والذي تمثل بالتشابك والترابط شبة الكامل بين الأنظمة المالية والنقدية لمختلف الدول ولتبدء أزمات المديونية في العالم النامي وغيرها من أزمات شهدها عقد التسعينات كان أعنفها الأزمة الأسـيوية (1997)، وليشهد الاقتصاد العالمي في 15/09/2008، أزمة اقتصادية حقيقية اعتبرها المحللـون هـي الأعنـف والأقوى منذ أزمة الكساد الكبير، والشيء الذي يذكر، إن الأزمة المالية أصبحت أكثر تكراراً وأسرع انتـشاراً وأثقل حجماً عما كانت عليه سابقاً، كما أنها تختلف من حيث مسبباتها، ولكنها تتـشابه في كونها تنتـهي إلى ظاهرة ومن ثم يبدأ الانهيار الا وهو وجود دين كبير (Debt) والذي يفوق طاقة الاقتصاد ولا يـبرره النـشاط الحقيقي، وتتشابه أيضاً في النتائج التي تتبعها وهو ترسب وركود اقتصادي وهبوط الإنتاج والبطالة وهي أخطـر المشاكل .
 والأسواق المالية كغيرها من الأسواق الأخرى ليس بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية ولا سيما أنها بدأت في القطاع المالي وهو من أكثر الأسواق تأثراً بما يحدث من اضطرابات على المستوى العالمي لما يتميـز بـه مـن خصائص ذات حساسية عالية بما يحدث للاقتصاد العالمي من تطورات تذكر، وعلى ما تقدم، هدف هذا البحث وبشكل رئيس إلى البحث في أثر الأزمة المالية المعاصرة على أسواق المال العربية خلال نهاية عام 2008، وكـذلك بعد عام من الأزمة المالية.