الجمعة، 20 نوفمبر 2015

نظرة إلى المستقبل

نظرة إلى المستقبل
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   يعيش الإنسان في الوقت الحاضر في عالم متغير، وتحت تأثيرات اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وسياسية، وقد تعقدت الحياة التي يعيشها الإنسان وتحولت من البسيطة إلى المركبة ولم يعد الإنسان قادراً على تحقيق هدفه، ولم تعد الأهداف قادرة على أن تجلب الطمأنينة والأمن النفسي، إن أكثر الأفراد قدرة على التكيف هم أولئك الذين يستجيبوا لزمانهم ويعيشونه حقاً ويحسون شوقاً وحنيناً للمستقبل ليس قبولاً واستسلاماً لكل أهوال الغد ولا إيماناً أعمى بالتغير من أجل التغيير بحد ذاته، وإنما فضولاً قوياً واندفاعاً نحو معرفة ماذا سيحدث في المستقبل فكلما كان التفكير في المستقبل بموضوعية أكثر كان الواقع أكثر راحة وتأكيداً لمشاعر الاطمئنان والتوازن.
   يتطور قلق المستقبل بشكل تدريجي مع الزمن ومع ازدياد المخاوف والمسببات التي تؤدي
إلى هذا القلق، وتنعكس هذه الحالة وتلك الميول حتماً بشكل سلبي على التطور الاجتماعي – والسياسي في البلد عموماً، مما يؤدي إلى ترك الشباب لوطنهم والهجرة إلى الخارج بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وقلق المستقبل هو ميل فطري للتعامل مع الخوف، ويبدو أن هذه المخاوف تزداد مع الزمن لأن قائمة الأحداث غير السارة كثيرة جداً.    
   يوجد تشابه بين الخوف من الفشل وبين قلق المستقبل، ففي ظل الثورة العلمية والمنافسة الشديدة أصبح من الضروري للفرد أن يجد لنفسه مكاناً مميزاً وقد أشير إلى أن الفشل يؤدي إلى فقدان الفرد الثقة في نفسه وفي الآخرين، كما أن خبرات الفشل المتكررة تجعل الشخص عرضة للقلق ويشعر بعدم الاهتمام والإحجام بصفة عامة عن عمل أهداف واقعية لنفسه، كما ان الأفراد الذين يعانون الخوف من الفشل يفتقدون الدافعية للإنجاز والنجاح حيث يعتقدون أن النجاح يعتمد على الحظ أو على عوامل خارجية وليس على قدراتهم أي إن مركز الضبط لديهم خارجي كما أنهم يشعرون بأنهم غير قادرين على التحكم في مستقبلهم؛ وبالتالي تفتر همتهم، وتقل دافعيتهم، وتحبط رغبتهم بالعمل والنجاح، وهذا ما يخلق حالة من الاستسلام والعجز والميل إلى الرضا بالوضع الراهن دون تحسينه، ومن ثم انخفاض الدافعية للإنجاز.   
   ويؤثر التشاؤم سلباً في سلوك الإنسان وصحته النفسية والجسمية، والنظرة التشاؤمية للمستقبل تجعل الفرد عرضة للاكتئاب واليأس والانتحار، حيث يتصف المكتئبون بتعميمهم الفشل والنظرة السلبية للحياة والذات والمستقبل، و يمكن القول أن من لديه هذه النظرة السلبية للمستقبل قد يترتب على ذلك هبوط روحه المعنوية وتناقص دافعيته للعمل.
   إذا افترضنا أن الأمل هو النقيض لليأس، وإذا افترضنا أن الأمل يتشابه مع التفاؤل (وهو ليس التفاؤل)، من حيث كل منهما نزعة استبشار، وتوقع النتائج الايجابية، إلا أن الأمل حالة من الوجود الإنساني، وإذا كان التفاؤل هو العكاز الذي يستند إليه الفرد عند مواجه الأزمات التي تحول بين الفرد وبين الهدف، فأن الأمل هو إنتاج طرق جديدة إذا فشل المسار الأصلي لتحقيق الهدف.
   وتبدو العلاقة بين الأمل والخوف متفرعة ومرنة، فالأمل أكثر ارتباطاً بالخوف من التفاؤل، فالخوف والأمل مكملان لبعضهما البعض، حيث أن كلاً منهما يتضمن مكونات تتعلق بالمستقبل، وتتضمن هذه العوامل أعباء المعيشة، وأزمة البطالة، وقلة الدخل، وغلاء الأسعار وطغيان الماديات، والعلاقات الاجتماعية القائمة على مبدأ (النفعية).

   وفي ظل هذه التساؤلات يصبح القلق من المستقبل، ومن المجهول واضحاً، حيث يتساءل الفرد: هل سيلحق بهذه المتغيرات، هل سيمتلك الأدوات اللازمة للسيطرة على مستقبله؟ أم أنه سينظر لنفسه والمستقبل والعالم بنظرة توجس وقلق؟ هل ستختفي القيم والتفرد ويبقى لكل واحد فينا خصوصيته أم أنه سيسود الجانب السلبي من العولمة الذي هو تنميط العالم بحيث يصبح العالم كله وحدات متشابهة وهذه الوحدات (البشر) هي أصلاً وحدات اقتصادية لا تتسم بأي خصوصية، وليس لها ذاكرة تاريخية أو أخلاقية، وذلك لتصبح الحدود بلا قيود لأن الخصوصية الثقافية والأخلاقية تعوق الانفتاح العالمي.

الأحد، 1 نوفمبر 2015

تعزيز الوحدة الوطنية

تعزيز الوحدة الوطنية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   إن ما صرنا إليه اليوم من الوهن والهوان ما كان إلا لانتشار آفتين في مجتمعاتنا هما آفتا الجمود والجحود اللتان تمثلان الابتعاد عن المنهج والركون إلى الإفراط والتفريط، فالناظر لطبائع الناس وأفكارهم بمختلف ثقافاتهم ومجتمعاتهم يلاحظ مظاهر التطرف والغلو ليس في التدين- فحسب بل حتى في معاملتهم فيما بينهم وعلاقاتهم الاجتماعية المختلفة الأمر الذي أدى إلى وقوع مزيد من الأزمات- والمشاكل ولا خلاص من ذلك كله إلا بالعودة إلى الاعتدال في جميع الأمور فكراً وسلوكاً.
   أن من التعاريف بالوحدة الوطنية هي طاعة القانون في أطار الحرية الممنوحة منه على أن يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ، والمشكلة الأساسية التي يقتضي إدراكها أن الانقسامات في أي مجتمع حالة طبيعية إذا ما كانت محكمة بضوابط وشروط الصراع السلمي، الهادف للتغيير والإصلاح وهي من سمات المجتمعات الحية المتطلعة للبناء العصري وتجاوز عوامل الفرقة والاختلاف وصولاً للوحدة الوطنية لقيادة العملية السياسية والتعامل مع أزمات البلاد المتعددة بمنظور واحد وبرنامج ومنهاج موحد يمتلك قدرة التعامل مع المشكلات التي تتعرض لها أوضاع البلاد. من خلال ما تقدم نلاحظ إن الوطنية هي شعور عاطفي بالحب للبلد أو الإقليم الذي يعيش عليه الفرد.
   أن المعايير التي تقوم عليها النظم الديمقراطية المعروفة والمألوفة في عالمنا المعاصر (كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية- ألمانيا– سويسرا- البرازيل- الهند وغيرها) تقوم على أساس جغرافي (ولايات– أقاليم– محافظات-… الخ) وليس على أساس قومي عنصري ولا على أساس ديني طائفي. وبقدر تعلق الأمر بفلسطين فإن المطروح اليوم فيما يخص المطالبة بالوحدة الوطنية صيغ متعددة والمطلوب من القوى السياسية والوطنية تفضيل صيغة الديمقراطية لكل فلسطين. من هنا تأتي أهمية الدعوة للجميع للانشغال أساساً بالديمقراطية وبالبناء، وهذا الانشغال سيكون كفيلاً بحل كافة الموضوعات والخلافات.
   تعد قضية ( الوحدة الوطنية) في فلسطين من أعقد المشكلات الحديثة، ويعود ذلك لأسباب عديدة أبرزها: التكوين السياسي، إذ تقع على النظام السياسي وبدرجة أساسية مسئولية تحقيق التعايش السلمي والوحدة الوطنية، فطبيعة النظام السياسي وخياراته وسياساته تلعب أدواراً أساسية إيجاباً أو سلباً في توفير المناخ الوفاقي والتعايش السلمي، أو تفكيكه وتمزيقه، فالنظام السياسي الذي يمثل قيم ومصالح وهوية الجميع، ويلبي حاجاتهم ويشبع رغباتهم ويحقق أعلى درجات العدالة والمساواة فيما بينهم، سيكون قد خطى خطوات متقدمة في طريق تعميق مشاعر الولاء والانتماء للوطن.
   والنظام السياسي الذي ينطلق في سياساته وخياراته من مفهوم الدولة للجميع وبالجميع، ويؤسس وظائفها وأدوارها المختلفة تبعاً لذلك المفهوم، ويفتح مشروعاتها ومؤسساتها وهياكلها ومناصبها ومسؤولياتها لكافة مكونات المجتمع دون تحيز لهذه الفئة أو تهميش لتلك، سيكون قد قطع شوطاً في خلق شعور الإنصاف والعدالة بين مواطنيه. والنظام السياسي الذي يبسط مبدأ الشراكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقة بين المركز والاطراف ويعمل على ترسيخ النظام اللامركزي تحقيقاً للتوازن والتوافق في توزيع الحقوق والواجبات والمهام الوطنية، ويعطي الاطراف والأجزاء هامشاً أوسع في تملك وتسيير المؤسسات الإدارية والوظائف الحياتية ( المعرفة، السلطة، والثروة) سيكون أكثر إقناعاً بإمكانية تحصيل وحدة وطنية حقيقية وإيجابية، وبالمقابل فإن تجارب الأنظمة الدكتاتورية دون استثناء برهنت صعوبة – إن لم يكن استحالة – بناء وحدة وطنية حقيقية ومعتبرة، بل أن شواهد التاريخ البعيدة والقريبة تؤكد بجلاء بأن الأنظمة الدكتاتورية تمثل أقصر الطرق إلى انقسام وتفكك المجتمعات والدول بل وتناصرها وتقاتلها.
   النظام السياسي وحده لا يمكن أن يخلق كل شروط ومتطلبات الوحدة الوطنية، وإنما هو بحاجة إلى جهد الشعب بكافة مكوناته باحتسابه المكون الأساسي للدولة، فالشعب برموزه الدينية والشعبية، وفعالياته السياسية والفئوية، يمثل ركن أساسي وعمود فقري في تعزيز التماسك الداخلي وتعميق خيار التوافق الأهلي، وفق عدد من الالتزامات منها: أن تتهيأ مكونات الشعب المختلفة لقبول بعضها البعض نفسياً وعقلياً وسلوكياً، فالقبول يعني بالضرورة الاعتراف بالأخر وجوداً وفكراً ومشاركة، واحترام ما يحمله من توجه وما يتخذه من مواقف في أي مجال كان، ومن ثم تأتي خطوة هامة تتمثل في تفعيل وتنشيط صيغ التفاعل والتضامن اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ووطنياً، إذ لا تعايش بدون انفتاح وتواصل وتفاعل.
   وهنا تبرز أهمية تأسيس نمط العلاقات بين مكونات الشعب المختلفة على قاعدة التعايش والتساكن والتسامح والتعددية وصيانة حقوق الإنسان والشراكة الوطنية القائمة على قاعدة الوفاق والتفاهم والثقة والمسؤولية المتبادلة الموصلة إلى مفهوم الـ(نحن)، فحقائق الوحدة الوطنية وتجلياتها لن تبرز إلا برسوخ تلك القيم وتجذرها اجتماعياً باحتسابها بوابة توفر الظروف الذاتية والموضوعية لإيجاد مناخ ثقافي ونفسي، وبيئة اجتماعية ووطنية تسمو دوماً فوق كراهية الماضي وتتجاوز استقطابات اللحظة والحدث العابر، وتطوي محطات التوتر والهواجس والشكوك القديمة منها والحديثة، وتتصدى بشكل مباشر أو غير مباشر لدواعي الانقسام والتشرذم، وللنزعات المخلة بالنسيج الوطني ولكل سلوك ينخر جدار الوحدة الوطنية.
   وهنا لامجال لتجاوز الحوار كمقوم أساسي من مقومات الوحدة الوطنية كونه يسبغ شرعية على الاطراف المتحاورة فالحوار مع طرف يعني سياسياً الاعتراف بوجوده، والرغبة في التواصل معه، والحوار كمبدأ وأسلوب ووسيلة لا غنى عنه حاضراً أو مستقبلاً في معالجة المشكلات البينية وتضميد الجروح وتفعيل الحراك السياسي والاجتماعي، فضلاً عن أن الحوار أسلوب مهم للتعرف على القواسم المشتركة وقيم التعايش الأساسية، وبالتالي تحديد المساحات المشتركة التي يجب تنميتها وحمايتها على الدوام، فالعنف كما يقولون يبدأ عندما ينعدم الحوار أو تتعطل ايجابياته.

   وفي الختام إن تحقيق الوحدة الوطنية في مجتمع يتطلب غرس قيم مشتركة لعموم المجتمع بشكل لا تتصادم مع القيم الفرعية لكل جماعة اجتماعية أو تلغيها وإنما تصهرها في بوتقة واحدة لمصلحة المجتمع ككل، وهذا يتطلب جهوداً متواصلة اجتماعياً وسياسياً بشكل يضمن العدالة التوزيعية ويضمن إيصال الحقوق الأساسية لفئات المجتمع كافة دون تفضيل فئة على أخرى، مما يسهم بالمحصلة النهائية في إرساء وتعزيز مقتربات الوحدة الوطنية بين جميع أطياف ومكونات المجتمع الفلسطيني مستقبلاً، الأمر الذي سيؤدي إلى تحفيز مدركات الوحدة الوطنية وتحقيقها بالشكل الأمثل بما يخدم طموحات وتوجهات المجتمع الفلسطيني للمرحلة القادمة.