الأحد، 22 يونيو 2014

حقيقة سيناريو الديمقراطية الأمريكي في الوطن العربي



حقيقة سيناريو الديمقراطية الأمريكي في الوطن العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م، خرجت أمريكا بسياسة جديدة للمنطقة سياسة الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، حيث جعلت تطبيقها أحد أهم أهداف سياستها الخارجية، وتزايد الحديث عن قضية الديمقراطية في المنطقة ضمن أجندة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، مؤكدة من باب أن الدول تتحرك صوب الديمقراطية كما أشارت الباحثة الأمريكية جينيفر "أقوى بيان مؤيد للديمقراطية لحد ذلك الوقت"[1]، حيث تزايدت تصريحات وخطب بعض المسؤولين الأمريكيين التي راحت تؤكد على حرص الإدارة الأمريكية على تحرير العالم العربي والإسلامي من الأنظمة الدكتاتورية، ونشر الديمقراطية والحرية فيهما.
إن أهداف المبادرة هو الغزو الثقافي الأمريكي للمنطقة، من خلال تعزيز الديمقراطية في المنطقة وتدعيم جهود الإصلاح الاقتصادي، وتقوية المجتمع المدني، وتوسيع المشاركة السياسية، وتحديث التعليم، وتمكين المرأة...إلخ، فرصد مبلغ 29 مليون دولار لإطلاق هذه المبادرة[2]، لأنه في مرحلة ما قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، لم تشكل الديمقراطية في أي وقت من الأوقات هدفاً للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، لأن مصالح أمريكا في ذلك الوقت قامت على أساس دعم ومساندة نظم تسلطية فردية.
إن الحرب التي تبنتها واشنطن بسياسة ما يسمى الحرب ضد الإرهاب لم يكن لها سوى التأثير السلبي على التطور الديمقراطي في المنطقة، على الأقل، كما فرزت تناقضات جوهرية بخصوص موضوع قضية الديمقراطية تجاهها، هذا من ناحية أخرى، فتجارب التحول الديمقراطي التي جرت منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين، كان دور العوامل الخارجية ثانوي أو مساعد، ونفس الشيء ينطبق على الوطن العربي، خاصة أن تدخل الولايات المتحدة العسكري في بعض الدول من أجل بناء نظم ديمقراطية في مناطق عديدة من العالم منذ بدايات القرن الماضي كانت حالات الإخفاق فيه أكثر من حالات النجاح.         
فالغزو الثقافي يهدف إلى احتلال العقل، بخلاف الغزو العسكري الذي يهدف لاحتلال الأرض، وهو أكثر خطورة من الغزو العسكري، لأن الغزو الثقافي يبدو وكأنه إلقاء ستارة سوداء للواقع أو تجميل له، فيقبل للإخضاع على أنه شيء آخر لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي مثل النمو والاستقلالية والوعي، ولا يزال أمر الغزو الثقافي محيراً لدى الكثيرين، إذ لا ترى فئة من الناس أنه غزو، فتختار له أسماء أخرى، وتروج له فئة ثانية على أنه وسيلة لتبادل الثقافات باعتبار أنه تواصل بين الحضارات الإنسانية، فالغزو الثقافي في واقع الأمر هو غزو من الداخل بدون جيوش لذا فهو أكثر خطورة لأنه يضمن الضعف الذاتي، ودوام الهيمنة.    
وأعلنت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي "أن رسالة أمريكا الحضارية هي نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي"، كما أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون جهازاً لتزييف الوعي لدى العرب والمسلمين تحت اسم مكتب التأثير الاستراتيجي، وتنفيذاً لبرنامج التأهيل تم دعوة 50 سيدة عربية في أربعة عشر بلداً إلى الولايات المتحدة ليخضعن لحملة تثقيف في المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي والمعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، ونظمت لهن لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية[3]، فلم تعد أساليب الغزو الثقافي الأمريكي للعالمين العربي والإسلامي سرية، فمشاهد هذا الغزو أصبحت علنية مرئية يومية لا يأتي على ظهر دبابة، بل يأتي داخل بيته ومكتبه وسيارته، من خلال الإعلام عبر المذياع أو جهاز التلفزيون أو الصحافة، لأنها تسعى إلى تمزيق هذه الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة، حيث يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة فرض المعركة الثقافية الفكرية على الدول العربية، تحت غطاء نشر الديمقراطية وحماية حقوق الاقليات واحترام حقوق الإنسان.
إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في المنطقة العربية ومشروع الشرق الأوسط، تجسد حالة من التناقض بين المبادئ والمصالح، لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية ضحت بالمبادئ الديمقراطية من أجل المصالح أو وظفت المبادئ في خدمة المصالح، كما أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على العديد من الدول لاتخاذ اجراءات غير ديمقراطية ضد أحزاب مشروعة داخلها، وضد حرية الإعلام فيها بذريعة محاربة الإرهاب، إن السياسة الحالية للولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما، عزفت نسبياً عن فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط والوطن العربي خوفاً من وصول أحزاب لا ترغب بها واشنطن، أو هي لا ترغب إدارة أوباما.        
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين



[1]. Windsor Jennifer, Democratization can Combat Terrorism Promoting, The Washington Quarterly, Vol. 26.No. 3, summer, 2003, p. 5.
[2] نص مبادرة باول للشرق الأوسط، اسلام اون لاين، 12-13-2002، ص 1- 8.
[3]  نقلاً عن: علاء عبدالوهاب، خطة لغزو المنطقة العربية بالديمقراطية، صحيفة البيان الامارتية، العدد 987، 25 كانون الأول 2003، ص 3.

الثلاثاء، 10 يونيو 2014

نحو صياغة خطاب ثقافي موحد



نحو صياغة خطاب ثقافي موحد
بقلم: أيمن هشام عزريل
يتفق العديد بدءاً من المثقف إلى المواطن العادي على أن الثقافة عبارة عن حصيلة اجتماعية ومجالاً حيوياً للتعدد والتنوع في مختلف أشكالها التعبيرية والجمالية، وحساسيتها الفكرية، وممارساتها السلوكية والأخلاقية، إلا أن هذا التعدد وهذا التنوع يختلفان من مجتمع إلى آخر في طريقة تدبير كل منهما، تشكل الثقافة ذراع السياسة القوية التي بدونها تفقد السياسة قدرتها في التأثير، كما تشكل الثقافة أيضاً روح الديمقراطية، التي أصبحت ضرورة لازمة لنجاح النظم السياسية في عالم اليوم، وبمثل هذه الرؤية تكون الوحدة اليوم مطلب تاريخي على مختلف الصعد القومية والدولية.
إن الحاجة إلى التزود بمكتسبات الثقافة التقنية المستجدة، ومن ثم استثمارها في تكريس ممارسة ثقافية جديدة لابد أن توازيها حاجة أخرى إلى التزود بمكتسبات ثقافية أصيلة، كانت ثماراً لعقود عديدة من الإبداع والممارسة، إن الثقافة لا تنحصر بعصر محدد، مثلما أنها لا تنحصر بمكان معين دون آخر، مادامت المراجعة النقدية العقلانية هي الفيصل الأساسي في التزود بأي ثقافة أيا كان مصدرها أو زمنها، وذلك تلافياً لأية نزعة مقيتة أو قاتلة، هذه هي القاعدة الذهبية التي يتم اللجوء إليها. والقاعدة تقول أن الاستفادة من الآخر لا تلغي بالضرورة الذات، بل تكملها وتحصنها وتقويها.  
إن الثقافة بمثابة الروح إزاء الجسد، إن العالم الراهن يشهد صراعاً ثقافياً عنيفاً فيه كثير من الاستبداد، بحيث يسع مجالات السياسة والاقتصاد والتقنية مثلما يسع مجالات الفن والأدب والدين واللباس والمعمار وغير ذلك.
ونظراً لأهمية الخطاب الثقافي يستدعي ذلك من الدولة تجذير الروح الثقافية العقلانية المتنورة في إطار الشمولية في خدمة المواطن والوطن، ولتحقيق ذلك تدخل عناصر فاعلة متعددة، منها الدولة في مختلف قطاعاتها المباشرة وغير المباشرة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته وغير ذلك.    
في ضوء ما تقدم، يمكن القول أن تحديد معالم استراتيجية للخطاب الثقافي يستلزم التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن أولاً ومن ثم تدخّل جميع الفاعلين الثقافيين في إطار من الحوار الوطني الديمقراطي المجمع على الأهداف الكبرى الكفيلة بالنهوض بالبلاد نحو آفاق متطورة من الخلق والإبداع، وبالتالي التنمية بمختلف مجالاتها وفروعها.    
وضمن هذا السياق، أن الخطاب الثقافي ليس مجرد عقد ندوة هنا أو تنظيم مهرجان هناك إنه  ضرورة حيوية شاملة لمختلف عناصر الحياة المادية وغير المادية، إن الثقافة روح الشعب والأمة.
وللأهمية التي تحظى بها الثقافة لدى الشعوب، فإن من الطبيعي القول بضرورة تدخل أطراف عدة حكومية وغير حكومية في شكل شراكات نوعية من أجل النهوض بالخطاب، وبالتالي توسيع مجالات الاهتمام به ليشمل الإعلام، والمدرسة، ودور الشباب، والساحات العامة، وغيرها.
إن تثقيف المواطن لهو خير وسيلة لجعله منخرطاً بإيجابية في كل ما يهم شؤون بلاده من تنظيم الأسرة ومحاربة الرشوة وحماية المال العام، والحفاظ على البيئة، كل ذلك يساهم في تربية قيم الجمال لديه، وبالتالي قيم النظام والحب والخير والتسامح، بحيث لا يصير مجرد مستهلك للعالم من حوله بدون استثمار جوانب الاحساس فيه، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم تعميم المبادرات الإيجابية بحيث يستفيد منها عموم أبناء شعبنا على حد سواء.
من خلال هذا يتضح أن المجتمع بكامله بحاجة ماسة إلى مثقفيه، إلى ملاحظاتهم وآرائهم ومواقفهم بخصوص مختلف القضايا التي تهمه، وهكذا الحال فيما يتعلق بالارتقاء بالخطاب الثقافي تجاه قضايا المنطقة العربية، وكل ذلك يتوقف على إفساح المجال لهذا المثقف بالمشاركة في أي حوار كيفما كان موضوعه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وإشراكهم في صناعة القرار الوطني، وأن يحظى بقدر من الاهتمام والاعتبار، حتى ولو كان يعلن رفضه لأي موقف حزبي أو حكومي، عندها يسهم الجميع في صياغة خطاب ثقافي يشاركوا في تنفيذه بوعي ومسؤولية وطنية.        






الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين