حقيقة سيناريو الديمقراطية الأمريكي في الوطن
العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م، خرجت أمريكا بسياسة جديدة
للمنطقة سياسة الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، حيث جعلت تطبيقها أحد أهم
أهداف سياستها الخارجية، وتزايد الحديث عن قضية الديمقراطية في المنطقة ضمن أجندة
السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، مؤكدة من باب أن الدول تتحرك صوب الديمقراطية كما
أشارت الباحثة الأمريكية جينيفر "أقوى بيان مؤيد للديمقراطية لحد ذلك
الوقت"[1]،
حيث تزايدت تصريحات وخطب بعض المسؤولين الأمريكيين التي راحت تؤكد على حرص الإدارة
الأمريكية على تحرير العالم العربي والإسلامي من الأنظمة الدكتاتورية، ونشر
الديمقراطية والحرية فيهما.
إن أهداف المبادرة هو الغزو الثقافي الأمريكي للمنطقة، من خلال تعزيز
الديمقراطية في المنطقة وتدعيم جهود الإصلاح الاقتصادي، وتقوية المجتمع المدني،
وتوسيع المشاركة السياسية، وتحديث التعليم، وتمكين المرأة...إلخ، فرصد مبلغ 29
مليون دولار لإطلاق هذه المبادرة[2]،
لأنه في مرحلة ما قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، لم تشكل الديمقراطية في أي وقت
من الأوقات هدفاً للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، لأن مصالح أمريكا في ذلك الوقت
قامت على أساس دعم ومساندة نظم تسلطية فردية.
إن الحرب التي تبنتها واشنطن بسياسة ما يسمى الحرب ضد الإرهاب لم يكن
لها سوى التأثير السلبي على التطور الديمقراطي في المنطقة، على الأقل، كما فرزت
تناقضات جوهرية بخصوص موضوع قضية الديمقراطية تجاهها، هذا من ناحية أخرى، فتجارب
التحول الديمقراطي التي جرت منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين، كان دور
العوامل الخارجية ثانوي أو مساعد، ونفس الشيء ينطبق على الوطن العربي، خاصة أن
تدخل الولايات المتحدة العسكري في بعض الدول من أجل بناء نظم ديمقراطية في مناطق
عديدة من العالم منذ بدايات القرن الماضي كانت حالات الإخفاق فيه أكثر من حالات
النجاح.
فالغزو الثقافي يهدف إلى احتلال العقل، بخلاف الغزو العسكري الذي
يهدف لاحتلال الأرض، وهو أكثر خطورة من الغزو العسكري، لأن الغزو الثقافي يبدو
وكأنه إلقاء ستارة سوداء للواقع أو تجميل له، فيقبل للإخضاع على أنه شيء آخر
لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي مثل النمو والاستقلالية
والوعي، ولا يزال أمر الغزو الثقافي محيراً لدى الكثيرين، إذ لا ترى فئة من الناس
أنه غزو، فتختار له أسماء أخرى، وتروج له فئة ثانية على أنه وسيلة لتبادل الثقافات
باعتبار أنه تواصل بين الحضارات الإنسانية، فالغزو الثقافي في واقع الأمر هو غزو
من الداخل بدون جيوش لذا فهو أكثر خطورة لأنه يضمن الضعف الذاتي، ودوام الهيمنة.
وأعلنت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي "أن رسالة أمريكا
الحضارية هي نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي"، كما أنشأت وزارة الخارجية
الأمريكية والبنتاغون جهازاً لتزييف الوعي لدى العرب والمسلمين تحت اسم مكتب
التأثير الاستراتيجي، وتنفيذاً لبرنامج التأهيل تم دعوة 50 سيدة عربية في أربعة
عشر بلداً إلى الولايات المتحدة ليخضعن لحملة تثقيف في المعهد الديمقراطي الوطني
الأمريكي والمعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، ونظمت
لهن لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية[3]،
فلم تعد أساليب الغزو الثقافي الأمريكي للعالمين العربي والإسلامي سرية، فمشاهد
هذا الغزو أصبحت علنية مرئية يومية لا يأتي على ظهر دبابة، بل يأتي داخل بيته
ومكتبه وسيارته، من خلال الإعلام عبر المذياع أو جهاز التلفزيون أو الصحافة، لأنها
تسعى إلى تمزيق هذه الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة، حيث يسعى الغرب بقيادة
الولايات المتحدة فرض المعركة الثقافية الفكرية على الدول العربية، تحت غطاء نشر
الديمقراطية وحماية حقوق الاقليات واحترام حقوق الإنسان.
إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في
المنطقة العربية ومشروع الشرق الأوسط، تجسد حالة من التناقض بين المبادئ والمصالح،
لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية ضحت بالمبادئ
الديمقراطية من أجل المصالح أو وظفت المبادئ في خدمة المصالح، كما أن الولايات
المتحدة مارست ضغوطاً على العديد من الدول لاتخاذ اجراءات غير ديمقراطية ضد أحزاب
مشروعة داخلها، وضد حرية الإعلام فيها بذريعة محاربة الإرهاب، إن السياسة الحالية
للولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما، عزفت نسبياً عن فرض الديمقراطية في الشرق
الأوسط والوطن العربي خوفاً من وصول أحزاب لا ترغب بها واشنطن، أو هي لا ترغب
إدارة أوباما.
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق