نحو صياغة خطاب ثقافي موحد
بقلم: أيمن هشام عزريل
يتفق العديد بدءاً من المثقف إلى المواطن العادي على أن الثقافة
عبارة عن حصيلة اجتماعية ومجالاً حيوياً للتعدد والتنوع في مختلف أشكالها
التعبيرية والجمالية، وحساسيتها الفكرية، وممارساتها السلوكية والأخلاقية، إلا أن
هذا التعدد وهذا التنوع يختلفان من مجتمع إلى آخر في طريقة تدبير كل منهما، تشكل
الثقافة ذراع السياسة القوية التي بدونها تفقد السياسة قدرتها في التأثير، كما
تشكل الثقافة أيضاً روح الديمقراطية، التي أصبحت ضرورة لازمة لنجاح النظم السياسية
في عالم اليوم، وبمثل هذه الرؤية تكون الوحدة اليوم مطلب تاريخي على مختلف الصعد
القومية والدولية.
إن الحاجة إلى التزود بمكتسبات الثقافة التقنية المستجدة، ومن ثم
استثمارها في تكريس ممارسة ثقافية جديدة لابد أن توازيها حاجة أخرى إلى التزود
بمكتسبات ثقافية أصيلة، كانت ثماراً لعقود عديدة من الإبداع والممارسة، إن الثقافة
لا تنحصر بعصر محدد، مثلما أنها لا تنحصر بمكان معين دون آخر، مادامت المراجعة
النقدية العقلانية هي الفيصل الأساسي في التزود بأي ثقافة أيا كان مصدرها أو
زمنها، وذلك تلافياً لأية نزعة مقيتة أو قاتلة، هذه هي القاعدة الذهبية التي يتم
اللجوء إليها. والقاعدة تقول أن الاستفادة من الآخر لا تلغي بالضرورة الذات، بل
تكملها وتحصنها وتقويها.
إن الثقافة بمثابة الروح إزاء الجسد، إن العالم الراهن يشهد صراعاً
ثقافياً عنيفاً فيه كثير من الاستبداد، بحيث يسع مجالات السياسة والاقتصاد
والتقنية مثلما يسع مجالات الفن والأدب والدين واللباس والمعمار وغير ذلك.
ونظراً لأهمية الخطاب الثقافي يستدعي ذلك من الدولة تجذير الروح
الثقافية العقلانية المتنورة في إطار الشمولية في خدمة المواطن والوطن، ولتحقيق
ذلك تدخل عناصر فاعلة متعددة، منها الدولة في مختلف قطاعاتها المباشرة وغير
المباشرة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته وغير ذلك.
في ضوء ما تقدم، يمكن القول أن تحديد معالم استراتيجية للخطاب
الثقافي يستلزم التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن أولاً ومن ثم تدخّل جميع
الفاعلين الثقافيين في إطار من الحوار الوطني الديمقراطي المجمع على الأهداف الكبرى
الكفيلة بالنهوض بالبلاد نحو آفاق متطورة من الخلق والإبداع، وبالتالي التنمية
بمختلف مجالاتها وفروعها.
وضمن هذا السياق، أن الخطاب الثقافي ليس مجرد عقد ندوة هنا أو تنظيم
مهرجان هناك إنه ضرورة حيوية شاملة لمختلف
عناصر الحياة المادية وغير المادية، إن الثقافة روح الشعب والأمة.
وللأهمية التي تحظى بها الثقافة لدى الشعوب، فإن من الطبيعي القول
بضرورة تدخل أطراف عدة حكومية وغير حكومية في شكل شراكات نوعية من أجل النهوض
بالخطاب، وبالتالي توسيع مجالات الاهتمام به ليشمل الإعلام، والمدرسة، ودور
الشباب، والساحات العامة، وغيرها.
إن تثقيف المواطن لهو خير وسيلة لجعله منخرطاً بإيجابية في كل ما يهم
شؤون بلاده من تنظيم الأسرة ومحاربة الرشوة وحماية المال العام، والحفاظ على
البيئة، كل ذلك يساهم في تربية قيم الجمال لديه، وبالتالي قيم النظام والحب والخير
والتسامح، بحيث لا يصير مجرد مستهلك للعالم من حوله بدون استثمار جوانب الاحساس
فيه، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم تعميم المبادرات الإيجابية بحيث يستفيد منها عموم
أبناء شعبنا على حد سواء.
من خلال هذا يتضح أن المجتمع بكامله بحاجة ماسة إلى مثقفيه، إلى
ملاحظاتهم وآرائهم ومواقفهم بخصوص مختلف القضايا التي تهمه، وهكذا الحال فيما
يتعلق بالارتقاء بالخطاب الثقافي تجاه قضايا المنطقة العربية، وكل ذلك يتوقف على
إفساح المجال لهذا المثقف بالمشاركة في أي حوار كيفما كان موضوعه في وسائل الإعلام
المقروءة والمسموعة والمرئية، وإشراكهم في صناعة القرار الوطني، وأن يحظى بقدر من
الاهتمام والاعتبار، حتى ولو كان يعلن رفضه لأي موقف حزبي أو حكومي، عندها يسهم
الجميع في صياغة خطاب ثقافي يشاركوا في تنفيذه بوعي ومسؤولية وطنية.
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق