الشفافية في مكافحة الفساد والإصلاح الإداري
بقلم: أيمن هشام عزريل
إن الفساد الإداري مشكلة مجتمعية قبل كل شيء، تمتد عبر الأجيال،
وتتميز بالظهور في جميع المجتمعات، وتصبح ظاهرة مستعصية عندما تشغل مساحة غير ضيقة
من المجتمع، وتتغلغل بين كافة الطبقات مما يهدد البناء الاجتماعي، وينذر بالفوضى،
إن الفساد الإداري المستفحل في مجتمعاتنا العربية له أثاره على مجالات الحياة كافة
فهو يضخ كماً هائلاً من المعوقات في جسم المجتمع، ويشكل تحدياً لجهود أية دولة،
فضلاً عن المال المهدور في جيوب المفسدين.
إن ضعف الوازع الديني والأخلاقي وغياب القيم الدينية الحقيقية
الموجهة للسلوك تزيد من ممارسة الفساد الإداري، فترى هذه الأيام يتردد مصطلح
المحسوبية والواسطة كثيراً، لذا فالفساد يشير إلي وجود خلل متأصل في البناء الاجتماعي
الثقافي القيمي للمجتمع، يقول ابن خلدون أن خلو الناس من الصبغة الدينية يضعفهم
ويخرق عوائدهم فينغمسون في المنكر والمفاسد[1].
الفساد الإداري يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لأن الفساد يصيب
أجهزة الدولة، كما يقول ابن خلدون[2]،
المحسوبية أحد أخطر أمراض الفساد الإداري في العالم أجمع، فلا يوجد مجتمع في دول
العالم مستثنى من هذه الظاهرة وحتى دول العالم الأول، وانتشار المحسوبية واستغلال
النفوذ والواسطة والرشوة كلها تعد من صور الفساد الخطيرة.
إن ما يجري سواء بعلم قادة هذا البلد أو من دون علمهم، يعني ان
النظام يكون مؤيداً للفساد الإداري ويلتزم الصمت، أو أنه يتخذ بحق المؤيدين لمظاهر
الفساد إجراءات تأديبية لقمعهم.
يزداد خطر الفساد الإداري عند اختيار عناصر غير مؤهلة لتشغل مناصب
وظيفية حساسة، ومن أمثلة ذلك تعيين أبناء المسؤولين في مناصب ذات نفوذ، ومؤهلهم
الوحيد في هذا درجة قرابتهم من هذا المسؤول أو ذاك، وبالتالي التجاوز على القوانين
التي ينبغي أن يتساوى أمامها الجميع.
إن دول العالم الثالث تنظر إلى ظاهرة الفساد الإداري على أنها حالة
ورم سرطاني، إن لم يعالج بقوة وبسرعة انتشر في جسم المجتمع، فيصل إلى درجة متقدمة
وحالة ميؤوس منها، لأن المحسوبية والواسطة تنتشر كانتشار النار في الهشيم، مثلما
نلاحظ اليوم أن كثيرين من أصحاب الشهادات العليا أو حملة البكالوريوس عاطلين عن
العمل في حين أن أنصاف المتعلمين يحوزون على مواقع وظيفية متقدمة في الدولة.
ومن أشكال الفساد الإداري التي تكتسي ثوباً قانونياً ما تخصصه بعض
الأحزاب والجماعات لنفسها من مناصب ومقاعد وظيفية أو إيفاد إلى خارج البلد أو
مقاعد للدراسات العليا، وغيرها في مؤسسات الدولة المختلفة لأعضائها، وهذا يتناقض
مع مبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة.
إن أضرار الفساد الإداري كبيرة للغاية، تؤدي إلى تدهور الإنتاج في
المؤسسات الإنتاجية مما يؤدي إلى الهدر العام، وضعف في الأداء، وتغييب الجو
الإبداعي عن بيئة العمل، وتغرس قيم تربوية فاسدة في المجتمع، وتغيب العدالة، ويشعر
المواطن بالغبن الفاحش، ولن يؤدي واجبه بحماسة أو اندفاع، وقد يبلغ اليأس والتذمر بالمواطن
لدرجة أن يعرقل المسارات الوظيفية لمعرفته أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من الظلم
والتعسف، كما تؤدي إلى بث روح الكراهية والحقد في المواطن تجاه المسؤولين الذين لا
يراهم مؤهلين للقيادة أو لإشغال المناصب الوظيفية المتقدمة.
لذلك على القيادات السياسية والإدارية في الدولة، أن تعالج مظاهر الفساد
فيها أولاً، ولا يعقل أن تعالج مظاهر الفساد في الطبقات الوظيفية المتوسطة
والدنيا، والقيادات العليا هي من تمارس الفساد بكل أنواعه.
إذا أردنا أن نرتقي إلى الدول العظمى فعلينا أن نفعل القانون، لأن
الدول النامية أو المتخلفة في صراع دائم مع القانون، فالمسؤول يعيث في الأرض
فساداً، ويسرق الملايين بل المليارات، ولا أحد يحاسبه، فعلاج المشكلة ليس في
اكتشاف الفساد، فهو واضح للعيان، ولكن في إدانة ومحاسبة المقصرين محاسبة فعلية،
ليكونوا عبرة لغيرهم، فلا يكفي أن نعاقب أو نحاسب مدير دائرة على فساده، في حين أن
الوزير يمارس فساده بشكل واسع دون أدنى مساءلة له.
إن شعارات العدل، وحقوق الإنسان، والوطنية وغيرها من الشعارات التي
نسمعها يومياً، ويرددها العقل الظاهري ولا يعمل بها، قد قلبت الحق باطلاً والباطل
حقاً، أننا اليوم بأشد الحاجة إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يسود فيه القانون، وفصل
حقيقي بين السلطات، والتعددية السياسية، وضمانات دستورية وقانونية للجهات
الرقابية، حتى نستطيع التخفيف من الفساد أو القضاء عليه.
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق