صلاحيات الشعب ودوره في صياغة الدستور
بقلم: أيمن هشام عزريل
لقد كان نظام الدولة القانونية الذي يهدف في الأساس لحماية الحقوق
الفردية ووضع القيود على سلطات الحكم، ثمرة تطور طويل في انتشار الوعي الديمقراطي
وتأصيل نظرية الحقوق والحريات العامة، ومع انتشار الثقافة ونمو الوعي العام في دور
الرأي العام كضمانة أخرى لمبدأ الشرعية، فالحكام بات يهددهم سخط الرأي العام مما
يجدون أنفسهم في الغالب مضطرين إلى احترام رأي الشعب والأخذ بتوجيهاته.
إن رأي الشعب يلعب دوراً كبيراً في التشريع، فهو الركيزة التي تقوم
عليها القوانين، وهو الذي يبين احتياجات وآمال الأمة، فرأي الشعب هو الحاكم الفعلي
والمشرع الحقيقي وراعي الحق والحرية، وهو محور الارتكاز في الحياة السياسية
المعاصرة ومصدر التشريع وسلطة الرقابة الشعبية.
فرأي الشعب (العام) يقف كممثل للإرادة العامة للشعب، ومشارك كبير في
صنع القرارات التي تؤثر في حياة المواطنين ومصالحهم، ويمارس الشعب نشاطه السياسي
في المجتمع بقوة وفعالية، بالاستناد إلى روح الديمقراطية من جانب الحاكم والمحكوم،
لذا فإن الذين يمارسون السلطة في أي مجتمع من المجتمعات يعملون أكبر حساب للشعب،
لذا تتجسد مشاركة الشعب في وضع الدستور، الأولي هي المشاركة في عملية إعداد وصياغة
مشروع الدستور، والثانية تتمثل في الموافقة النهائية على مشروع الدستور.
وعلى سبيل المثال، في (20/ايار/1970)، في مصر طلب رئيس الجمهورية
الأسبق أنور السادات من مجلس الأمة المصري أن يقوم بوضع المبادئ الأساسية لدستور
جمهورية مصر العربية، فقام المجلس على أثر ذلك بتشكيل لجنة تحضيرية من بعض أعضائه،
واستعان بصفوة من رجال الدين والقضاء والفكر والرأي، ووضعت اللجنة أمام أعينها
الآراء والمقترحات التي عبرت عنها جماهير الشعب وانتهت إلى وضع مشروع للمبادئ
الأساسية التي يقوم عليها الدستور، وهذا يوضح مدى اسهام الشعب في مرحلة من المراحل
في صياغة وإعداد مشروع الدستور[1].
من خلال الالتزام بالدستور يكون هناك ضمان الحفاظ على وحدة الشعب
والأرض والسيادة مما يعزز الوحدة الوطنية، ويؤكد على التوزيع العادل للثروة
الوطنية، والذي يؤدي بدوره إلى حل المنازعات السياسية وإلى الحد من التوترات
الاجتماعية بين فئات المجتمع، ويؤكد أيضاً على تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون
من ناحية الحقوق والواجبات، أي تطبيق المساواة المتوازنة للحقوق والحريات دون
تمييز.
كما أن مشاركة الشعب في تغيير الدستور تمر بمراحل، وتبين مدى اسهام
الشعب في عملية التغيير، فإما تكون مشاركة الشعب في تغيير الدستور مباشرة، مثال
ذلك، الدستور السويسري عام (1999)، إذ اشترط أن يتم تقديم طلب المراجعة الشاملة من
قبل مائة ألف شخص متمتع بحق التصويت، ويعرض الاقتراح على الاستفتاء الشعبي لمعرفة
رأي الشعب فيه، أو المشاركة غير المباشرة في اقتراح تغيير الدستور، فتكون عن طريق
ممثلي الشعب في \البرلمان.
لذا فإنه بالرغم من ذلك كله لا يعني اهمال دور الشعب والجماهير،
بالرغم من اعتراف معظم الدساتير الحديثة في أكثر من مكان في العالم بقوة رأي الشعب
(الرأي العام)، واحترامه وضرورة التوافق معه، فضلاً عن اهتمامها بإبراز دوره في
إقرارها، بيد أنه يمكن القول أن هذا الحق يتأسس من الواقع والممارسة الفعلية،
ويستند على أساس عملي وواقعي موجود وملموس في الحياة العامة للأمم والشعوب على مر
العصور والأزمنة، فكم من الدساتير أنهيت وعدلت وكم من الحكومات سقطت طبقاً لهذا
الأسلوب.
أن دور الشعوب (الرأي العام) لم يكن غائباً عن مسرح الأحداث
التاريخية للأمم والشعوب، فهو من زاوية له القدرة على إحداث التغييرات الكبرى ورسم
الاتجاهات السياسية في الدولة، ومن زاوية أخرى يلعب دوراً قائداً في إنهاء
الدساتير، كما وجدنا أن الحكومات تعتمد على رأي الشعب في ادخال التغييرات الكبيرة
في المجتمع.
إن رأي الشعب موجود في كافة النظم الديمقراطية أو غيرها، وبالنظر إلى
التجارب العملية قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن راي الشعب (الرأي العام)،
يضمن سيادة القانون ويحميه ويحافظ عليه، فضلاً عن رعايته للحقوق والحريات ومشاركته
في صنع القرارات المصيرية، وفق ضوابط أصولية تمشياً مع مبدأ وحدة الأمة وصيانتها
وتجنب الفتنة وإراقة الدماء بغير ضرورة.
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين
[1] د. رمزي طه الشاعر، "النظرية العامة للقانون الدستوري"،
الطبعة الخامسة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق