السبت، 14 فبراير 2015

نبذ سياسة العنف في المجتمع



نبذ سياسة العنف في المجتمع
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   من المعلوم أن العنف يقوم به الأفراد والدولة على حد سواء، فهو قد يقع من جانب أفراد المجتمع، وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، هذا في طبيعة الحال يحدث في حال عجزت الأطراف المختلفة في الإقناع بتغير السلوك، واستنفاذ كل الطرق السلمية، ومهما كان تقييم أعمال العنف يظل مسألة نسبية، ويتوقف على الجهة التي تقوم بالتقييم، وغالباً ما يقيم العنف من منطلقين هما الولاء والشرعية، لعل السبب في هذا هو الصلة الوثيقة بالتقاليد أو الأيديولوجيات السائدة في هذا البلد أو ذاك، ونظرتها إلى استخدام العنف كوسيلة في العمل السياسي، حيث نجد في دول معينة قوات عسكرية واسعة، وكبيرة لكنها لا تقوم بالانقلابات العسكرية، كما هو في البلدان الديمقراطية، وبعض بلدان الدول النامية في الوقت الراهن، وفي بلدان أخرى نجد أن السكان تمتلك أسلحة على نطاق واسع، ومع ذلك لا تحدث اغتيالات سياسية، في حين يحدث العكس في بلدان أخرى، وبالمقابل فإن اللجوء إلى الاغتيال، وأعمال الإرهاب على نطاق واسع الانتشار قد ينشأ عن ايدلوجية معينه تجيد أسلوب العنف في العمل السياسي.
   وبطبيعة الحال إن جميع هذه التشكيلات تتبنى تنظيرات للعنف، وتواجه عنف الدولة بعنف مضاد، وتعمل في الظلام بل وتعتبر نشاطها مشروع، لأنها تسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي الذي تدينه كونه لا آنساني، وقائم على الاستلاب حسب مفهومها، والواقع أن أعمال العنف لا يمكن أن تنفصل عن طبيعة الظروف في المجتمعات التي تحدث فيها، إن العصيان في المدن، والانقلابات العسكرية، ومؤتمرات الجمعيات الثورية، والثورات المضادة المدعومة داخلياً، هي جميعاً أمثلة على التمرد أو الثورة، وتتسم كلها بقبول بعض أفراد المجتمع بالعنف لغرض دفع المجتمع نحو التطور، ولكن على أي حال من الأحوال إن مقارنة هذه الأحداث بناءاً على أشكالها الاجتماعية وليس غيرها.
   ووفقاً لذلك، فان الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد، والجماعات هي غير قانونية، لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   وهنا لابد من أن نفرق بين القوة، والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل، والتمرد ....الخ)، وعليه فان آثار العنف قد تتنوع من درجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، إن العنف الذي يوجه إلى النظام من المحتمل جداً أن يؤدي إلى تصعيد العنف في المجتمع، وليس إلى إجراء تغيرات أساسية في البنية الاجتماعية، ولذلك فإن الحكومة مطالبة بتبرير العنف التي تقوم بها، بنفس الصيغة التي يطالب بها تبرير أعمال العنف التي توجه ضدها، وكلما كانت الحكومة ذات شرعية محددة بمعنى لا يؤيدها الأغلبية من أفراد الشعب، كلما كانت أكثر ميلاً إلى استخدام العنف.
   من المعلوم أن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، ولا تقتصر ممارسته على الأفراد والجماعات، بل من الممكن أن تمارسه الدولة بصورة منتظمة يسمى (العنف المؤسس)، الذي تستطيع أن تتخذه على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة، وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال، والقوة، وليس العكس، وهو ( عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من مقولة الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل)، حيث قال: (في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت، وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو (قيد النشؤ).
   ومن هنا يمكن الإدراك أن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، لأن الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية، والسياسية، فانطوت فيها تيارات العنف، والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل، وأعمق في الطرح، والتناول، وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع، والعنف باتجاهين، الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط، والاستلاب السياسي، إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية، وتقاليد المجتمع، كل هذه العوامل شكلت دافعاً لممارسة العنف بمستويات مختلفة.
   لقد رافقت هذه السياسات تغيرات اقتصادية، واجتماعية، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية، وإعلامية مما أدى ذلك إلى معاناة شرائح المجتمع بفعل التضخم المستمر، والتي عجزت هذه الطبقات أن تتكيف مع القيم بفعل تفشي البطالة، وبفعل الفوارق الطبقية الحادة القائمة بينهم، وبين الطبقات الغنية جداً المستفيدة من الانفتاح، لهذا نجد أن الأرض الرخوة باتت جاهزة لنمو العنف بأنواعه سواء المؤسسي الذي تقوده الدول أو على صعيد الشعب أو على مستوى التطرف الديني.







      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق