الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

ثقافة العنف

ثقافة العنف
بقلم: أيمن هشام عزريل
   بالرغم من التقدم الهائل في شتى مناحي المعرفة والعلوم، إلا أنه لا يبدو أن البشرية قد تعلمت بعد من نتائج ما أحدثته النزاعات والحروب على البشر، فلا تزال تنتهك حقوق وكرامة الإنسان بشكل واسع وإن بنسب متفاوتة، ولعل هذا متأتي من عوامل ذاتية وموضوعية تتميز بها الطبيعة البشرية، ورافق ذلك تقليص انتشار المد الإسلامي ومد نفوذه الذي يتعارض مع الثقافة التي تتبناها الرأسمالية، والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
   العنف الذي يقوم به الأفراد والدولة يقع من جانب أفراد المجتمع وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، ووفقاً لذلك فإن الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد والجماعات هي غير قانونية لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   ولا بد هنا من أن نفرق بين القوة والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل،
والتمرد ....الخ) وعليه فإن آثار العنف قد تتنوع بدرجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، أما القوة فهي ترتبط بالسلطة حيث تستخدمها بطريقة شرعية، وضمن نظام اجتماعي معين وعليه فإن السلطة والعنف متعارضان حيث يسود أحدهما بصورة مطلقة فإن الآخر يختفي عن الوجود ويظهر العنف عندما تكون السلطة واقعة في مأزق.
   من المعلوم إن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، فالعنف كان دائماً مقروناً بالدولة منذ نشوئها حتى في الوقت الحاضر، واستخدام العنف بين الدول هو نسبي ومشروط بعوامل كثيرة حضارية واجتماعية وسياسية على اعتبار أن الدولة وجدت لغرض التخلص من الفوضى، أن الدولة ما هي إلا أداة قمع بيد الطبقة الحاكمة المسيطرة في المجتمع.

   وقد يتخذ العنف وفقاً لما يقوم به الأفراد أو الجماعات على شكل تآمر يكون منظم بدرجة عالية، ويسهم في عدد محدد من الأفراد سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، وأحياناً يأخذ صيغ متعددة كصيغة الإرهاب أو صيغة اغتيالات سياسية منظمة أو يحدث التآمر بين العناصر الحاكمة بعضهم ضد بعض، وهذا ما نلاحظه متفاقماً في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار، إلا إن هذا النوع من العنف حتى وإن استطاع إزالة النخبة السياسية فالبديل لها لا يمكن أن يؤدي إلى تغيير الحياة العامة، أما فيما يتعلق الأمر بجماعات الضغط أي الأشخاص التي ترتبط فيما بينهم بعلاقات اجتماعية خاصة ومصالح مشتركة تفرض على أعضائها نمطاً من السلوك الجماعي، هؤلاء يدافعون بالوسائل المتيسرة لديهم وقد تكون علنية أو سرية ويسعون إلى الضغط على هيئات السلطة في الدولة لكي تتخذ قرارات ترعى مصالحهم أو أهدافهم المشتركة، وهذا التجمع أما أن يكون ذات طابع مهني أو ديني أو ثقافي أو مالي أو إداري .. الخ، والميزة المشتركة من كل هذه الأنواع من جماعات الضغط هي نشاطها الموجه دائماً إلى تحقيق مصلحة ضيقة ولا تحمل معنى (المصلحة العامة)، لهذا قد يأخذ العنف في مثل هذه الحالة حرب داخلية، بمعنى العنف السياسي المنظم الذي تصبحه مساهمة شعبيه واسعة موجهة إلى قلب نظام الحكم أو تفكيك الدولة وهذا متأتي طبعاً من الحرمان من العديد من شروط الوجود الاجتماعي، أو أن تكون كفاحاً مسلحاً ضد احتلال أجنبي، وقد يتحول إلى حرب أهلية فيما إذا توفر دعم خارجي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة التي تشكل موضوع تحول السلطة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال والقوة وليس العكس وهو (عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من خلال قول الكاتب الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل) حيث قال: في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو قيد النشأ.
   ومن هنا يمكن الإدراك إن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، حيث بقيت تلك الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية والسياسية فانطوت فيها تيارات العنف والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل وأعمق في الطرح والتناول وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع والعنف باتجاهين الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط والاستلاب السياسي إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية وتقاليد المجتمع، أما العامل الآخر هو العامل النفسي النوعي والتي يرتبط بطبيعة ردة الفعل تجاه الإلغاء والتهميش الذي ولد هو الآخر خوفاً باتجاهين هما الخوف من معتنقي تلك الثقافات والأيديولوجيات (الإسلام كمثال) الذي يصور بأنه يمثل حلقة الصراع مع الغرب، والآخر هو مشكلة الهوية الثقافية الذي تراجع بسبب التقصير بتعريفها إزاء الطرف الأول بشكل علمي أكاديمي منهجي مدروس ومعاصر، ذلك أدى إلى التباين في الإدراك ومن ثم تعزيز الصراع وانتشار ثقافة العنف المتناقضة مع متطلبات النهضة المعاصرة.        










الأحد، 9 أغسطس 2015

حوار الثقافات في المجتمع العربي

حوار الثقافات في المجتمع العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
   في الواقع، لقد طرحت في الأدبيات العربية العديد من التعريفات الخاصة بالثقافة، وكل يتناولها من الزاوية التي يستطيع من خلالها حل اشكالية البحث الذي يعرضه، مع تأكيد مفهوم الثقافة ومقارنتها بالحضارات (أو الثقافات) الأخرى، فالثقافة إذاً هي الكل المعقد المتشابك في الأنظمة التي تتضمن أساليب الحياة المادية والروحية، فهي تتولد من عملية إنتاج الوجود الجماعي بوصفه وجوداً اجتماعياً.
   وينبوعنا العربي- الإسلامي ينبوع صاف معطاء بفكره ومعتقده وأخلاقه ومنظوماته القيمية التي شددت على قيم التسامح والاعتراف بالاختلاف واحترام آراء ومعتقدات الآخر، وأن ذلك كله يشكل نبراساً وأسساً راسخة تستند إليها المؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية في إرساء ثقافة للحوار ولغة التسامح والتعايش المشترك، وهذه المهمة تبدو حتمية اليوم وضرورية جداً.
   فالمهمة إذاً هي ليس فقط حشو فكر الفرد بمفردات، ومقررات مجردة وبشكل سطحي، وإنما الاهتمام بدراسة السلوك الإنساني في ماضيه وحاضره، وخلق أنماط متميزة من الوعي والسلوك ومنظومات القيم وقواعد اجتماعية وعقلية تساهم في تعزيز الحوار مع الآخر، المختلف في ثقافته وأنساقه الحضارية: من معتقدات، وعادات، وحتى في طرائق التفكير والسلوك.
   وهناك من يرى في الثقافة بأنها نظرة عامة إلى الوجود والحياة والإنسان، وقد تتجسد في عقيدة أو تعبير فني أو مذهب فكري أو مبادئ تشريعية أو مسلك أخلاقي عملي، وهي البناء العلوي للمجتمع الذي يتألف من الدين والفلسفة والفن والتشريع والقيم باختلاف التجارب والخبرات والمواقف لدى أي شعب من الشعوب والأمم الأخرى، وعليه، فإن هذه العناصر التي يضمها مفهوم الثقافة نجدها تشكل الجوهر الأساسي للثقافة العربية، على الرغم من التعدد في النظم السياسية واختلافاتها في نوعية الحكم، وكيفية ممارسة السلطة وانتقالها، إلا أنها لا يمكن أن تحول دون تركز هذه العناصر في الثقافة الواحدة: بلغتها العربية ومعتقداتها الإسلامية وقيمها السلوكية والمعرفية وتصوراتها الخاصة فيما يتعلق بالوجود الإنساني والتطور الحضاري.
   ومن هنا، فإن الثقافة، بمدلولها الأوسع، موجه للحياة اليومية، من خلال صياغة حركة الوعي لدى الناس وتشكيل ذاكرتهم الثقافية المستمرة التي تختزن كل أفعال الثقافة وتجلياتها من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، فإنتاج الثقافة عملية مستمرة تخترق جميع الحقب التاريخية، وهي ليست موضع جدل على الإطلاق لأنها نتاج عمل دائم، وهي تختزن الذاكرة الجماعية الموروثة من الماضي الفاعل والمساهم في توجيه الأفراد والجماعات في الحاضر، أي ذاكرة السلف تغتني على الدوام بنتاج ثقافي جديد يساعد على عيش الحاضر وصناعة المستقبل.
   لقد أضحى الحوار، وهو النقيض للصراع والخصام والنزاع، وخصوصاً بعد ما شهده العالم في عقد التسعينات من تحولات جذرية في النظم الشمولية، والحروب الأهلية والطائفية بين المذاهب والأديان في يوغسلافيا السابقة والشيشان وغيرها، وما بشر له في الغرب من نظريات صراع الحضارات، ضرورة حياتية لبلوغ الأهداف المشتركة في بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار، ومتبنياً للتنمية المستدامة، وهناك من يرى في الحوار أيضاً، بأنه القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره، والذي يتم من خلال عمليتين هما: الإرسال (التحدث) والاستقبال أو الاستماع فالإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدل كما يطلق عليه، وأنها صفة متلازمة معه تلازم العقل به.
   فثقافة الحوار تكشف إلى أي مدى كانت طروحات (الصراعات الحضارية) (المركزية الأوروبية)، بعيدة عن الواقع، وطرحت لأغراض سياسية وإلى أي مدى تكشف عن المضامين المشتركة بين الثقافات أو الحضارات القائمة، والأديان المتنوعة، وما حدث بينها من صدام وصراع في القرون الماضية، فإن ذلك مرجعه لطبيعة المصالح السياسية والاقتصادية، والتي حاولت توظيف (المشروعية الدينية) على ما تقوم به.
   وإذا كانت ثقافة الحوار تحدد الأرضية المشتركة والمكونة للحضارة الإنسانية، فإن هذه الأرضية لا يمكن تشييدها إلا من خلال الاعتراف المتبادل بالتقاليد المميزة للثقافات الإنسانية المتعددة، ومن ثم التفاعل بين الهويات الثقافية المتعددة والتي تسمح بالتعايش بين مختلف التقاليد الحضارية، وإزالة حالات سوء الإدراك والصورة النمطية التي ترسمها هذه الثقافة تجاه الآخر.
   إن الحوار بين الحضارات هو تعبير عن أبرز قيم الحضارة وسمات الشخصية الإسلامية المتوازنة وهو ضرورة حتمية وواجب أخلاقي وإنساني وشرط مؤكد للتعاون الإيجابي والمثمر للتعايش السلمي والإيمان بالقيم المشتركة الثابتة بين البشر فضلاً عن التكافؤ بين الإرادات والنوايا الحسنة، والاحترام المتبادل والالتزام بالأهداف التي تعزز القيم والمبادئ الإنسانية التي هي القاسم المشترك بين جميع الحضارات والثقافات.








الأحد، 26 يوليو 2015

دور الإعلام في توعية الرأي العام

دور الإعلام في توعية الرأي العام
بقلم: أيمن هشام عزريل
   تسهم وسائل الإعلام في هذه الأيام بدور كبير جداً في تأثيرها على اتجاهات، وتيارات الشعوب، والجمهور خاصة، وتبيان أرائه ومواقفه إزاء جميع القضايا التي تدور من حوله في أي بلد كان، فهذه الوسائل لها أن تسهم بشكل فعال، وإلى حد كبير في بلورة، وتشكيل الرأي العام في تحديد اتجاهاته، وعما يجري حوله في العالم.
   إن وسائل الإعلام ومنها القنوات التلفزيونية الفضائية، ومن خلال برامجها قادرة على تشكيل اتجاهات الرأي العام والتأثير عليه، وذلك من خلال ما تقوم بعرضه من منتجات سياسية، وثقافية، ودينية، واجتماعية، فقد أقيمت بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة تأثير وسائل الإعلام وخصوصاً التلفزيون باعتباره المصدر الرئيس للمعلومات السياسية للناخبين الأمريكيين، وهذا الأمر ليس فقط في أمريكا وإنما في جميع دول العالم كون التلفزيون المصدر الأساسي للمعلومات التي يتزود منها الناس، خصوصاً عندما يتم ربط وسائل الإعلام بالأحداث التي أصبحت في بؤرة الاهتمام برموز لها مكانتها على المسرح السياسي لتمكنهم من اتخاذ مواقف من الأحداث والقضايا المختلفة.
   فالرسائل التي يقوم التلفزيون بنقلها للأفراد لها دور مهم في تشكيل وعيهم تجاه العديد من القضايا والموضوعات السياسية من مختلف جوانبه فهو يساهم في دعم وصياغة رأيه العام تجاه أي قضية معينة، وقد لوحظ في الفترة الأخيرة مدى الارتباط الوثيق، والعلاقة التي تربط بين الرأي العام والتلفزيون وأنهما يشتركان في أن كلاً منهما مقياس للآخر، وأن كليهما مقياس لتحضر الأمم والشعوب.
   للبرامج التلفزيونية الدور الكبير والهام في التكوين الثقافي للفرد والمجتمع، سواء كانت برامج أطفال، أو العائلة، أو كانت برامج سياسية، ثقافية، دينية، اجتماعية، أو ترفيهية، فالبرامج التي يتم بثها لها القدرة على ترك أثرها الثقافي في نفس الفرد والمجتمع سواء بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، أكثر مما تفعله البرامج، والدراسات، والندوات التي يتم عقدها.
   إن تشكيل الاتجاهات عند الشعوب أصبحت من المجالات التي بإمكان وسائل الإعلام القيام بدور كبير بها، فظهرت الكثير من النظريات والنماذج التي تشرح وتفسر هذا الدور، والعوامل التي تؤثر في اتجاهات الأفراد حيث يمكن أن تتطور وتتغير حتى لو لم يهدف ذلك، وهم نادراً ما يسعون لذلك ولكنهم يتعرضون بعض الأحيان لمواقف ومعلومات تجعلهم يفكرون ومن ثم تتغير مشاعرهم تجاه بعض الأشياء، أو القضايا وبالتالي تتطور وتتغير اتجاهاتهم.
   يحتاج تشكيل الاتجاهات للرأي العام عرض مجموعة من الحقائق، والمعلومات، والأحداث حول مواضيع محددة ذات صلة، وعلاقة بالموضوع المراد إيصاله للرأي العام، فهو يساعد في توفير الحقائق اللازمة لمعرفة وجهات النظر المختلفة حول القضايا العامة، وبالتالي تكوين الآراء، والاتجاهات عند الأفراد، والجماعات، والشعوب.
   لقد أضحى الرأي العام ظاهرة لا يمكن لأي نظام سياسي أن يتغاضى عنها مهما كان شكل هذا النظام وطبيعته، فإنه أي النظام السياسي حتى ولو كان لا يمتلك مؤسسات للراي العام وقد يتجاهل وجوده، فذلك لا يعني عدم وجوده، لأنه موجود في حالة كامنة، لذا ليس من الغرابة بشيء أن تكون عملية الاستحواذ على الرأي العام هدفاً لكل سياسة سواء كانت في السلطة أم خارجها غير أن طريقة التعامل السلطوي مع الرأي العام تختلف باختلاف طبيعتها وأهدافها وأشكال مؤسساتها، وأن أول ما يجب ملاحظته بخصوص الرأي العام هو أنه ظاهرة تدور حول مجموعة من القوى النفسية المحركة للمجتمع السياسي، أو أنها تفترض مركزاً للثقل عن طريقه تتحدد أبعاد هذه الحركة، أي إن الرأي العام يكون رد فعل للسلطة والتصورات المرتبطة بها ويرتبط وجوده بتواجد السلطة كحقيقة تصاعدية تكاملية، أو متكاملة، وبهذا فهو نوع من التحرك للقوى النفسية في مواجهة السلطة، أو عملية ممارسة السلطة، لقد أضحت شرعية السلطة، واعطاء المبررات لوجودها، وبشكل خاص في دول العالم الثالث بحاجة أكثر من أي وقت آخر إلى تأييد الرأي العام، وبغض النظر إن كان ذلك يعني خلق الرأي العام من قبل السلطة السياسية التي تنفرد بامتلاكها الوسائل الكفيلة لخلق هذا الرأي، أو يتبنى الرأي العام السابق الموجود على الساحة السياسية، حيث يمكن الاستفادة منه في تحقيق إقناع الفرد بقبول تبريرات صاحب القرار.

   وبالتأكيد أن كل ذلك إنما يعبر عن ممارسة الشرعية السلطوية في أحد أبعادها في ظل ظروف المشاركة السياسية، إذ ينخفض الميل لهذه المشاركة بفعل ظروف التخلف المعروفة لدى بلدان العالم الثالث وكان (أبراهام لنكولن) يقول أنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدعهم كل الوقت، في إشارة منه إلى قوة الرأي العام وضرورة عدم تجاهله، أو الاهتمام به.

الأحد، 7 يونيو 2015

اليمن بين الماضي والحاضر

اليمن بين الماضي والحاضر
بقلم: أيمن هشام عزريل
   اليمن وعبر تاريخه الطويل، والمعاصر، شأنه شأن باقي الدول العربية هيمنت عليه تحالفات وقوى خارجية، كان هدفها سلب مقدرات ذلك البلد، وإرثه التاريخي، خرجت أصوات شعبه تطالب بالحرية، والاستقلال، والمستقبل، والوحدة، بعد انقسام طال وقتاً طويلاً، أحدهما شمالي، والآخر جنوبي، لأن طبيعة السياسة التي يشهدها اليمن عبر تاريخه السياسي، ومع ما ينطوي على الحياة السياسية من قوى، وأحزاب، بدأت تأخذ بعداً مختلفاً فرضتها ظروف التقسيم على تلك المسيرة، ودور الحركات الوطنية، حيث كان لكل من شمال اليمن، وجنوبه نطاقه الجغرافي، وحدوده السياسية، ونظامه السياسي، وبنيته الاقتصادية، كما لطبيعة النظامين في كلا الشطرين أجندة مختلفة عن الأخرى في الخصائص السياسية، والجذور الفكرية، والأيديولوجية، والتطلعات السياسية، قبل أن تتهيأ الأوضاع لتحقيق، وحدته الاندماجية.
   والسياسية اليمنية في الشمال كذلك الحال في الجنوب تتأثر، بالتوازنات الإقليمية، والدولية، التي أفرزها الواقع الدولي، وخصوصاً اعتبارات بعض القوى الفاعلة في إقليم الخليج والجزيرة العربية، وما فرضته الأحداث، والتحولات السياسية الكبرى، التي شهدتها حقبة ما بعد الحرب الباردة من حقائق، ومعطيات جديدة كانت لها أثارها العكسية على الساحة السياسية في تلك المنطقة، والتي تمثلت بظهور حراك سياسي اجتماعي، فضلاً عن دور المنظمة الدولية في إقرار مبدأ التدخل الإنساني مطلع تسعينيات القرن الماضي، إذ أضحت قضية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، مبدأ مهم من مبادئ القانون الدولي، والدعوة إلى التحديث، والإصلاح السياسي.
   ومنذ قيام الوحدة بين الدولتين عام ١٩٩٠، وما تلاه من تعديلات دستورية في البلاد، كانت نقطة تحول في الحياة اليمنية السياسية، إذ بدأت الحركات الوطنية في البلاد باتجاه الاقتراب من التعددية، والمشاركة السياسية، والذي تعزز فعلياً، ودستورياً من خلال صدور دستور واحد للدولة، وإقرار قانون القوى السياسية في إطارها، وإجراء أول انتخابات رئاسية، وبرلمانية نقلت البلاد من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، والسياسية، ثم واجهت دولة الوحدة تحديات جديدة في السنوات اللاحقة أملتها ظروف داخلية تمثلت بصراع الشركاء السياسيين على السلطة، وأخرى خارجية تمثلت بطبيعة التوازنات الإقليمية، والدولية، والتي ألقت بظلالها على الحياة السياسية برمتها، وكادت أن تعصف بالتجربة الديمقراطية، وبالتعددية السياسية، وحتى بتجربة الوحدة التي ولدت من خلالها تلك التجربة.
   وقد كان العامل الخارجي المتمثل بالدور الأمريكي حاضراً في التطورات السياسية التي جرت في اليمن في السنوات الأخيرة، وتبدو تجليات ذلك في حالة الحرج التي بدت على صانع القرار الأمريكي في اختلال المعادلة السياسية في هذا البلد نتيجة الضغوط التي أملتها معادلات الربح والخسارة في إطار منظومة المبادئ من جهة، والمصالح من جهة أخرى في التعاطي مع نظام الرئيس صالح المتمسك بالسلطة من جهة، والمعارضة المتمثلة بأغلب أطراف جبهة اللقاء المشترك الساعية لإزاحة الرئيس صالح عن السلطة من جهة أخرى.
   إن النقلة النوعية في حياة اليمن السياسية تزامنت مع إعلان دولة الوحدة، وهي الأخرى جاءت بفعل متغيرات إقليمية وداخلية عجلت من قيامها، إذ سجل إعلان الوحدة انعطافة تاريخية باتجاه تطبيع الديمقراطية، والمشاركة السياسية، وإن الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال المرحلة الماضية قد أسهمت في انتهاء حكم الحزبين الحاكمين (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي).. وبذلك يدخل اليمن أول مرة في تاريخه السياسي مرحلة التعددية الحزبية، وقد تعزز ذلك من الناحية الفعلية، والدستورية من خلال صدور دستور دولة الوحدة، الذي منح حق التنظيم السياسي، وحق الأحزاب، والتنظيمات السياسية ممارسة نشاطها إلى جانب الحزبين الحاكمين ثم صدور قانون الانتخابات البرلمانية الذي أقر عام ١٩٩٢، وإجراء أول انتخابات عام ١٩٩٣، تلتها انتخابات عام ١٩٩٧، النيابية بعد إنهاء الحركة الانفصالية التـي فجرها قادة الجنوب عام ١٩٩٤، ثم انتخابات عام ١٩٩٩، تلتها الانتخابات الرئاسية، وكان آخرها انتخابات عام ٢٠٠٦، الرئاسية التي فاز فيها الرئيس علي عبد الله صالح.
   إن المتغيرات، والأحداث التي شهدها النظام السياسي الدولي منذ نهاية عقد الثمانينيات نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، وكتلتـه الشـرقية–بآثارها السلبية، والإيجابية على شطري اليمن، قد عجلت من قيام دولة الوحدة التي بدأت إرهاصاتها الأولى مطلع سبعينيات القرن الماضي بين مد وجزر، تلك الوحدة فضل خيار الديمقراطية، والمشاركة السياسية موحداً سياسياً التي صنعت نظاماً إذعاناً لمتطلبات الوضع السياسي الدولي، وركوب موجة الديمقراطية التي عمت مناطق كثير ة من العالم الثالث.
   ناهيك عن طبيعة التفاعلات العربية، والتوازنات الإقليمية المطلوبة في النظام الإقليمي العربي، لابد وأن تدفع باتجاه قيام الوحدة اليمنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قادة اليمن الجنوبي أصبحوا خارج تلك التفاعلات مما ولّد الشعور بالعزلة بعد أن فقدوا سندهم الدولي الاتحاد السوفياتي.. مفضلين خيار الانضمام إلى دولة الوحدة.
غير أن اليمن في الوقت الراهن يعيش تحت وطأة أزمات داخلية، وصراعات سياسية من نوع آخر منذ عام ٢٠٠٤، تلك الأزمات التي قد تعصف بوحدته، واستقراره بدءاً بالصراع العسكري الذي يدور بين الحكومة اليمنية، والحوثيين بالحراك السياسي في الجنوب، وسعي بعض قياداته للانفصال عن الشمال، وانتهاءاً بالأزمة الأخطر، المتمثلة بعودة الجماعات المسلحة، التي صعدت من عملياتها منذ عام ٢٠٠٠، بالهجوم على المدمرة (كول) الأمريكية، حتى وصل الحال إلى حد إعلان اليمن مقراً لقيادة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

   إن التمرد الذي يجري في الشمال، والحراك السياسي في الجنوب، ما كان ليفعل فعله لولا وجود دعم، وتأييد خارجي من قوى إقليمية، ودولية لها أجنداتها المختلفة، ساهمت في إثارتها بين الحين والآخر، ولاسيما الصراع الدائر مع الحوثيين..وفي مقدمة هذه القوى دون شك–إيران، والولايات المتحدة، والسعودية، ومعها دول الخليج العربي–في إطار صراع المصالح الدائر بين تلك القوى، مما سيلقي بظلاله في المستقبل المنظور على الحياة السياسية اليمنية.

الاثنين، 25 مايو 2015

العولمة وانعكاساتها على الوطن العربي


العولمة وانعكاساتها على الوطن العربي
بقلم: د. عدنان عياش وأيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   العولمة هي أيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته، وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في استعمال السوق العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية فـي نظمهـا، وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية، وكذلك في إعطاء كل الأهمية، والأولويـة للإعـلام لإحـداث التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.
 فالعولمة إذن سلوك وأداء وهي تفعيل وتنفيذ لنظم المصالح بين الناس يعتبر الجانب السياسي هو الأكثر حساسية للتغيرات التي فرضتها العولمة، على اعتبار أنه الأكثر ارتباطاً بالتطورات الاقتصادية، فالولايات المتحدة الأمريكية سعت لأن تنفرد بالشأن العالمي دون أن يكون هناك منافساً لها في إصدار القرارات، أو قطباً أخر يعيد للعالم التوازن المطلوب، فسعت إلى الحفاظ على مصالحها، دون أن تقيم اعتبار لأي دولة غيرها من خلال تبنيها نموذجاً يراعى مصالحها، ويحرص عليها، لاسيما بعد دخول سياسة اقتصادية جديدة يمكن اعتبارها الوسيلة التي سيتم وقتها فرز الأنظمة السياسة القائمة، ترمي إلى استلاب الدول، أو الحكومات بمعناها الواسع حقها المشروع في القيام بواجباتها، ومسؤولياتها التقليدية المعروفة.
  ومن الجدير بالذكر أن تعبير "العولمة" في التداول السياسي قد طرح من قبل كتاب "بريجسكي" بعنوان "بين عصرين: دور أمريكا في العـصر الإلكترونـي"، وقـد طـرح هـذا المصطلح بعد تقدم وسائل الاتصالات الهاتفية بين الدول، وجاءت شبكات الانترنيت بوساطة الكومبيوتر لتضيف مبرراً آخر لتعزيز فكرة "العولمة"
   كما إن نتائج الاتصال للعولمة مثل شبكة الانترنت، أدت إلى نتائج بالغة الأهمية في إشاعة مقولات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ونشأة المجتمع المدني العالمي، مما قاد إلى إيجاد جماعات سياسية معارضة قامت بعرض برامجها السياسية على شبكة الانترنت، وحظيت بالقبول من قبل الشعوب العربية، إلا أنه في الوقت ذاته أدى ذلك إلى الاصطدام نحو القيم، والأفكار السائدة في المجتمعات العربية، مما أدى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار، فالأمة العربية عاشت سنوات عصيبة من التوتر، والقطيعة، والأزمات فيما بينها، وفترات أخرى، تضامنية، وتعاونية، وكان للمتغيرات الداخلية، والخارجية أثرها في ذلك، فقد أسهمت قوى العولمة في خلق الأزمات، والعمل على تصاعدها بين الدول العربية بعضها ببعض، مما نتج عن هذه الأزمات، قطع العلاقات الدبلوماسية، وتجميد العلاقات الاقتصادية بين قطر وآخر، وغلق المعابر الحدودية، فضلاً عن طرد العمالة، وعلى الرغم من هذا التأزم الذي قد يكون من ورائه أسباب داخلية، إلا انه يبقى لقوى العولمة الخارجية دوراً أساسياً في تأجيج، وتصعيد حدة الخلافات العربية العربية، والعمل على تعميق تبعية عدد من الأقطار العربية إلى العالم العربي.
   فالولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها بما يمتلكون من إمكانات اقتصادية هائلة، وشركات متعددة الجنسيات، استطاعوا على تقليص النظام الإقليمي العربي، وقدرته المستقلة على الحركة إزاء الوضع الدولي الراهن، ومتغيراته السريعة، لذلك ارتبطت حقبة الدخول في العولمة إلى النظام الإقليمي العربي بحقبة كارثية تميزت بنمو اتجاهين عميقين، أولهما: التدخلات الخارجية التي سعت إلى إجبار البلدان العربية على الخروج من الحقبة الوطنية، سواء كان بالطرق السياسية، وما تعنيه من ضغوط، وزعزعة في الاستقرار، أو بالقوة التي استخدمتها لتفكيك الدول، والنظم القومية، وبوسائل دموية، أما الاتجاه الثاني: تنامي سياسات عبرت عن ردود أفعال وقتية، مفتقرة إلى الرؤية الشمولية والبصيرة، والقائمة على استجابات عشوائية، ولا عقلانية لنخب مشتتة، ومنقسمة على نفسها، ولقطاعات رأي عام ضائع عموماً وبعيد عن إدراك طبيعة الرهانات، والمشاكل المطروحة، والتحديات الحقيقية، عندها وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الأوضاع العربية الراهنة، الوقت المناسب لإثبات وجودها ودورها في قيادة النظام الدولي وتمثيله، وهو التحول الذي عجزت فيه أغلب القيادات العربية عن إدراكه، وحساب تداعياته على الأمن القومي العربي، فأصبح تعبير التنازل عن جزء من السيادة في عقد التسعينيات من القرن العشرين، حقيقة واضحة في أطروحات السياسة الأمريكية، بل حتى الأمم المتحدة تحدثت عن ما يسمى بالسيادة المرنة، فجميع السياسات الوطنية هي سياسات عادة تكون تحت سيطرة الدولة داخل إطار البلد الواحد، ونتيجة لظاهرة العولمة السياسية بدأت تلك السيطرة تتحول من يد السلطة الوطنية في البلد، إلى المؤسسات الاقتصادية، والمالية، والدولية، والشركات العالمية التي بدأت تؤثر في عمق السياسات الوطنية، وتقييد سبل الحكومات، والحد من طموحاتها في ميدان السياسات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، مما جعل الحكومات العربية تفقد قدرتها على صنع سياساتها الوطنية الداخلية والخارجية بصورة مستقلة.
   إن ظاهرة العولمة السياسية لا تقل خطورة عن انعكاسات ظاهرة العولمة الاقتصادية على واقع الوطن العربي، ذلك لأن هذه الظاهرة ما هي إلا مشروع مستقبلي، لأنها تعتبر مرحلة تطورية لاحقة لظاهرة العولمة الاقتصادية، والثقافية التي سوف تؤدي إلى قيام عالم بلا حدود، ولا سياسة، وهو الهدف النهائي لظاهرة العولمة السياسية، فتحقيق العولمة الاقتصادية، والثقافية، سيسهل قيام عولمة سياسية التي في ظلها سيتغير مفهوم الدولة والسيادة، عن طريق تغيير الولاء للوطن والأمة، وإحلال محله ولاءات جديدة، ومثل هذه السياسة تؤدي بالنتيجة إلى إلغاء سيادة الدول، وانتهاك حدودها، واستقلالها، وسيكون تطبيق ذلك باستخدام كافة أنواع التدخل الاقتصادي، والسياسي فيها، وحتى لو استدعى ذلك الأمر اللجوء إلى استخدام القوة بكافة أشكاله، وأساليبه.
   فالولايات المتحدة الأمريكية التي تتواجد قواتها في الخليج العربي بجيوشها، وأساطيلها الحربية، وقواعدها العسكرية، تحاول تركيع جميع الأقطار العربية التي ترفض سياساتها، ومن ذلك دعوتها لإسقاط بعض الأنظمة العربية بالقوة المسلحة، ودعم حركات المعارضة ضدها، مثل سوريا في الوقت الحاضر، وليبيا سابقاً، بذريعة محاربة الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والدعوة للديمقراطية، والتعددية الحزبية، كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الأقطار العربية، وإجبارها على انتهاج سياسة موالية لها، وبالتالي فإن وصول الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع القطب الاستراتيجي العالمي، جعلها تنفرد بقيادة الشرق الأوسط، ومنها المنطقة العربية من خلال دعوتها لشرق أوسط جديد يقوم على تبني المبادئ الأمريكية التي ترى فيها الولايات المتحدة الأمريكية تطوراً للديمقراطية، وتحقيقاً لمصالحها في المنطقة، ساعية إلى تهميش كل من لا يستطيع أن يتماشى مع النظام الذي وضعته، والخضوع له.

   ومن أجل لملمة الوضع العربي من جديد أفراداً، وشعوباً، وأنظمة، ومواجهة العولمة بكل ما تحويه من أثار سلبية، يتطلب حركة قوية تقلب الاتجاه، وتستعيد المبادرة لجعل حركة الإصلاح من الداخل خاضعة لحاجات المجتمع العربي، ومرتبطة بتحقيق أهدافه، ومطالبه، بتفعيل عناصر القوة المتاحة في النظام العربي، والإصرار على عدم الوصول إلى درجة فقدان الهوية القومية التي تشكل العمود الفقري لهذا النظام، ومحاولة إيجاد أجندة قطرية، وإقليمية معاً لمواكبة العولمة، والحد من أثارها السلبية، ومحاولة الاستفادة منها، وتسخيرها لصالح البلدان، والشعوب العربية، وصولاً إلى مشروع حضاري ينسجم مع معطيات الوحدة، والعدالة، والتنمية، والديمقراطية، والاستقلال، والحفاظ على الأصالة، والتراث، وحفظ الكرامة.

السبت، 9 مايو 2015

الشعب المصري وإصلاح المؤسسات

الشعب المصري وإصلاح المؤسسات
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
  
   يتميز النظام السياسي المصري بأنه نظام رئاسي، وبأنه نظام قائم على تعدد المؤسسات السياسية الرسمية، وهي:
أولاً: المؤسسة التشريعية وهي صاحبة حق التشريع، وتتكون من مجلس الشعب وهو هيئة شعبية منتخبة وفقاً للقانون الذي يحدد نظام الانتخاب، والدوائر الانتخابية، أما اختصاصاته فهي مناقشة القوانين المقدمة من الحكومة، وإقرار السياسة العامة للدولة، ووضع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة، ويمارس المجلس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، كما يتمتع بحق سحب الثقة من أحد نواب رئيس الوزراء أو الوزراء بعد استجوابه، ثانياً: المؤسسة التنفيذية وتتمثل في رئيس الجمهورية والحكومة؛ فرئيس الجمهورية هو قمة السلطة التنفيذية، ويشارك مجلس الوزراء في وضع السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للشرطة، ورئيس مجلس الدفاع الوطني، وراعي الحدود بين سلطات الدولة، والمسئول الأول عن الوحدة الوطنية وسلامة الوطن، وأداء مؤسسات الدولة.
   عرفت مصر الأحزاب السياسة بمعناها الحديث في القرن التاسع عشر، تعبيراً لتفاعلات اجتماعية، واقتصادية، وفكرية معينة شهدتها في تلك المرحلة، والتي شهدت أيضاً نشأة وتطور مؤسسات الحكم الحديثة في مصر، وبدأت هذه الأحزاب في تشكيل جمعيات اجتماعية وسياسية، تبين أنها ليست فعالة فهي ليست وسيلة سلمية لتسوية الصراع على السلطة إذ قاطعها الكثير من القوى السياسية، وليست آلية للتداول على المناصب السياسية العليا، ولم يكن هدفها توعية وتثقيف المواطنين وتجنيد السياسيين والقادة، وعلى العكس من ذلك فكانت أهدافها إضفاء شرعية شعبية زائفة، وتعبئة الجماهير وراء الحكام، وصرف أنظارهم عن الإصلاحات السياسية الحقيقية، والتخفيف من حدة ضغوط المعارضين المنادين بالإصلاح في الداخل، وضغوط المطالبين باحترام حقوق الإنسان في الداخل والخارج، فأصبحت ونتيجة للقيود المفروضة مجرد آلية من آليات النظام الحاكم.
   ولو نظرنا إلى خارطة الأحزاب السياسية في مصر؛ نلاحظ وجود حزب حاكم (الحزب الوطني الديمقراطي)، وأحزاب أخرى معارضة، فالحزب الحاكم هو المسيطر ويصفه البعض بالحزب المهيمن، رغم تعدد الأحزاب، ويلاحظ أن الحزب تغلب عليه الطبقة الوسطى مع عدد من رجال الأعمال، وخلوه لقاعدة جماهيرية واسعة، كما يعاني من غياب فكري واضح فمنهم ذو ميول (علمانية، متدينين، تقدمية، عروبية...) مما أدى إلى انتشار حالة الفوضى الداخلية وغياب التكوين والمهارات السياسية عن الكثير من أعضائه، بل وغياب لقيمة العمل الجماعي والمؤسسي عن أدائه.
   إن هذه التجربة الحزبية لم تعبر عن تعددية حقيقية بسبب الولادة القيصرية للأحزاب السياسية، وسيطرة حزب الحكومة على الحكم، واحتفاظه بالأغلبية المطلقة، وعدم الفصل بين الحزب الحاكم والدولة أو بين رئاسة الحزب ورئاسة الدولة.
   إن عملية الإصلاح السياسي تدفع بها مجموعة من المؤثرات، والمتغيرات الداخلية والخارجية، هذه المؤثرات تتباين في مدى قوتها وتأثيرها في تحقيق حالة الإصلاح السياسي، بما يتضمنه من توسيع قاعدة المشاركة السياسية، ونشر الثقافة السياسية الديمقراطية واعتماد آلية سلمية لتداول السلطات.
   إن هنالك حقائق هامة نابعة من واقع المجتمع المصري التي يجب إدراكها، والتعامل معها ومعالجتها عند الشروع بأي عملية تنموية إصلاحية، حقائق شكلت على فترات طويلة مضت عقبات وعوائق حالت دون تحقيق الإصلاح المنشود.
   إن الشعب المصري أصبح اليوم في أمس الحاجة إلى عملية تنمية جذرية تهدف إلى تحديث هيكله، وإصلاح مؤسساته ومعالجة أمراضه، وتجاوز حالات الركود، والتخلف فيه، وتفادي الضغوط الخارجية التي تطالب بإصلاحات سريعة مرتجلة، قد تتسبب في إحداث انهيارات وانقسامات.
   ويمكن القول أن مصر يمكن أن تحقق تعددية سياسية حقيقية، إذا ما أبعدت الأحزاب والمكونات الأخرى عن القيود القانونية، وسمحت لها بالعمل السياسي الحر غير المقيد وابتعدت السلطة الحاكمة عن الهيمنة على مؤسسات الحكم.





الثلاثاء، 14 أبريل 2015

صراع الفكر والسياسة

صراع الفكر والسياسة
بقلم: د. عدنان عياش وأيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   يمكن القول أن التسامح يعني الاحترام، والقبول، والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة، والانفتاح، والاتصال، وحرية الفكر، والضمير، والمعتقد أنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب وإنما واجب سياسي، وقانوني أيضاً، والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، ويسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، وتمثل هذه الأفكار المقدمات الصحيحة، التي لا يمكن بدونها الحديث عن نتائج، وتقدم على صعيد العلاقات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية بين الدول، والشعوب، حتى على صعيد البلد الواحد، هذا ما تم الإعلان عنه من الأمم المتحدة حول التسامح، ولكن هذه الأفكار لم يتم تبنيها، والعمل بموجبها.
   فعلى المستوى العالمي، أوضحت التجربة الماركسية – اللينينية، ونموذجها السوفيتي أن ( الماركسية لم تسقط كمنهجية، ولكن سقط مشروعها الراديكالي لتغيير العالم)، والذي دفعه إلى إتباع رؤية تقوم على أن أي نقد يوجه لهذه التجارب هو بمثابة تآمر، وخيانة عظمى لا يمكن السكوت عليها تحت ذريعة مواجهة النظام الرأسمالي، وكان من أبرز نتائج هذا التوجه هو الجمود، والانغلاق، وعدم الانفتاح على الصعيد الداخلي، وهذا ما قاد إلى غياب المبدأ الحاكم في الأحزاب الماركسية– اللينينية ألا وهو مبدأ (المركزية الديمقراطية)، وتراجع الحديث عن ديكتاتورية البروليتاريا باعتبارها الطبقة المؤهلة لقيادة التحولات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية نحو المجتمع الشيوعي لصالح اللجنة المركزية، والأمين العام للحزب، وهذا ما قاد إلى اتساع دور الدولة، وحد من حق النقد، والحوار، وتشخيص الأخطاء، وكان السبب في وأد روح المبادرة، والإبداع.
   أما المعسكر الرأسمالي، فكان يرى في الاتحاد السوفيتي، ودول أوربا الشرقية أنظمة سياسية ديكتاتورية لا تقيم وزناً للديمقراطية، وحقوق الإنسان من خلال تصوير الولايات المتحدة، والغرب كقلعة للحرية.
   وتمحور شكل الصراع بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي في ثلاثة محاور، صراع فكري بين الرأسمالية، والشيوعية بما له من انعكاسات اقتصادية، وسياسية، وصراع عسكري، وبشكل أدق سباق تسلح تقليدي، ونووي بحيث أصبح أي تقدم يحرزه طرف يمثل خسارة للطرف الأخر، وصراع على النفوذ، والحلفاء خاصة في العالم الثالث تبلور في صورة نزاعات إقليمية.
   ولم تكن بلدان العالم الثالث، والوطن العربي على وجه التحديد خارج حلبة هذا الصراع، بل أن هذا الصراع كان في أغلب مراحله بين هذه الشعوب، ومع السياسات الغربية التي كانت تقاتل على مختلف الجبهات من أجل هدف واحد هو مصالحها، والموقف من العرب، أو من الإسلام، أو من أية دولة أخرى في العالم يتغير دائماً، وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى ذلك، عندما تمس مصالح الغرب، أو يكون هناك ما يتهددها.
   وهذا الصراع، وما يزال ضد الغرب، لا كشعوب، وحضارة بل ضد سياسته الاستعمارية وهيمنته الامبريالية، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، أننا نعيش في عالم تنفرد فيه الولايات المتحدة كقوة عظمى ... فالزعامة الأمريكية للعالم سوف تبقى عنصراً لا غنى عنه عبر العقود القادمة، ويضيف أن العالم يحتاج إلى قيادة أمريكا عسكرياً وسياسياً، واقتصادياً، وأكثر من أي شيء أخر يحتاج العالم إلى قيادتنا في مجال الفكر.
    إن عالماً يفتقر إلى العدل وإلى الاعتراف بالآخر، وبحقه في امتلاك خصوصية خاصة به وفي تقرير مصيره سواء كان هذا الآخر فرداً، أو أقلية دينية، أو عرقية، أو كان شعباً، أو أمماً مبني أصلاً على الظلم، فلا معنى لرفع شعار التسامح ما لم يكن مقروناً بالعدل، الذي ينطلق من حق الغير في الاختلاف، والتعبير عن أفكاره وسياساته، وفقاً لقواعد يحددها الغرب وفي ظل ظروف تخدم مصالحه السياسية وأهدافه.
   وعلى صعيد الوطن العربي، فمن وجهة السياسيين العرب، لقد تردد لدى مؤرخي هذه الفترة الجديدة أنها تبدأ بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥، ولذلك سميت فترة ما بعد الحرب على الرغم من كون الحرب حدثاً خارجياً غير منبثق من تاريخ العرب أنفسهم، اكتشفنا أن الاتجاهات الغالبة في الشرق العربي من فكرية، واجتماعية، وسياسية تندرج في مجملها تحت الظاهرة التوفيقية التي تعود بجذورها إلى التوفيقية الإسلامية (الدين والعقل)، وبين مختلف المؤثرات المتباينة، والمتعارضة التي هضمتها الحضارة العربية الإسلامية بعد أن قامت بعملية التوفيق فيما بينها، وعند الوقوف على طبيعة العلاقة فهناك أربعة تيارات سياسة تنازعت فيما بينها طيلة القرن الماضي، وهي التيار القومي، والتيار الليبرالي، والتيار الماركسي، والتيار الإسلامي، كان كل تيار سياسي يشدد على منطلقاته الفكرية، والرؤية السياسية التي يطرحها، فالتيار القومي يشدد على الوحدة العربية لأن تحقيقها سيفضي إلى تحقيق الحرية، والاشتراكية، والتيار الليبرالي يرى أن مشاكل الوطن العربي تكمن في غياب الحرية، والديمقراطية، وللتيار الإسلامي منحى أخر حينما يؤكد أن الحفاظ على الهوية هو المفتاح لحل المشاكل الأخرى، والتيار الماركسي الذي يشدد على هدف الاشتراكية.
   وفي المحصلة النهائية لم يتحقق شيء على أرض الواقع ولا زالت المشكلات على حالها وأصبحنا بعيدين عن الوحدة العربية، وبات الحفاظ على الهوية مهمة شاقة، وعسيرة، وتبخر حلم الاشتراكية، ولم تتحقق الديمقراطية، نحن في حاجة ماسة إلى مستوى جديد، وعال من الجد، وخطاب شامل جامع يعلو على الخطابات الفرعية وإلى رؤية، ومشروع يشمل تحقيق الحريات الأساسية للإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويحقق الأصالة الحضارية.

   ومثل هذا المشروع يتطلب مشاركة واسعة من قبل النخب السياسية، والحزبية الحقيقية في السلطة، وخارجها، ورجال الفكر، والثقافة، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، لأن التحدي الأساسي الذي يواجه العالم العربي، يتعلق بقدرتنا على اللحاق بالركب الحضاري، وهذا يتطلب تقديراً سليماً لحاجاتنا الملحة، ومتطلباتنا الأساسية بشأن التغيير، والتقدم، عبر التطور والوسطية، والاعتدال، وهو ما نطلبه لأنفسنا.