الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

مقالات محاسبية/المعايير المحاسبية الدولية

المعايير المحاسبية الدولية
International Accounting Standards
إعداد:
أ. أيمن هشام عزريل
ماجستير محاسبة
مقدمـة:
   لقد عنيت عدد من دول العالم بوضع وإصدار المعايير المحاسبية التي تعكس السياسة المحاسبية التي ينتجها مجتمع معين، ويقوم بتطبيقها في قياس، وتوصيل نتائج النشاط الاقتصادي لوحداته الاقتصادية.
   ويذكر أن الاهتمام بالمعايير، قد بدأ في منتصف العشرينيات في الولايات المتحدة، من قبل المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين
 (American Institute of Certified Public Accountants (AICPA))وسوق نيويورك للأوراق المالية عند مناقشتهما للأخطاء في المحاسبة، كما تم إنشاء لجنة الإجراءات المحاسبية Committee on Accounting Procedure (CAP) سنة 1930، بهدف تضيق الخيارات المحاسبية، وقد أصدرت (CAP) سلسلة Accounting Research Bulle تضمنت توصيات عن التطبيقات المحاسبية لبعض الحالات (تشوي، 2004)، وتسارعت التطورات إذ حل مجلس المبادئ المحاسبية  Accounting Standards Board (APB) محل (CAP) ليحل هو الاخر ويستبدل بمجلس معايير المحاسبة المالية
Financial Accounting Standards Board (FASB) سنة 1973، نتيجة للانتقادات التي وجهتها لجنتا True Blood, Wheat بشأن الآراء التي أصدرها (APB) وطريقة عمله، وتركيبة أعضائه، وعدم تفرغهم.
   وفي بريطانيا بدأ الاهتمام بالمعايير المحاسبية سنة 1935، عندما شكلت جمعية البحث المحاسبية المستقلة، (تشوي، 2004)، كما أصدر معهد المحاسبين في انكلترا
 Institute of Charted Accountants in England and Wales (ICAEW) توصيات عن المبادئ المحاسبية، كما أصدر قائمة المقاصد عن المعايير المحاسبية في السبعينات.
Statement of Intent on Accounting Standards in the 1970s.
   إن هذا التطور يعكس أهمية المعايير، كونها تحدد الخصائص التي تتسم بها المعلومات المحاسبية، ومن ثم فهي تعد بمثابة القواعد الأساسية الواجب استخدامها لتقيم نوعية هذه المعلومات، كما تمثل الأسس التي يستند إليها المدقق في إبداء رأيه عن مدى صحة التقارير المالية إذا ما تم إعدادها على وفق تلك المعايير، وهذا يقود إلى تحديد مفهوم المعايير المحاسبية.
الدراسة:
مفهوم المعايير المحاسبية ومدة التزامها وقبولها:
   تناول الكثير من كتاب المحاسبة تعريف المعيار المحاسبي منهم على سبيل المثال Littleton الذي يعرفه (أنه مقياس متفق عليه يهدف للمعالجة المناسبة لحالة محدودة، ويمثل مؤشراً علمياً للمحاسب كما يقلل من المرونة غير الضرورية في التطبيق، ويقلل من خيارات التطبيق أمام الإدارة، (العبد الله، 1992)، وسنكتفي بإيراد أحد التعاريف، وأكثرها شمولية للمعيار المحاسبي، وهو الذي أورده (توفيق، 1987)، يقول المعيار (بيان كتابي يصدره جهاز أو هيئة تنظيمية رسمية أو مهنية يتعلق بعنصر محدد من عناصر القوائم المالية أو نوع معين من أنواع العمليات أو الأحداث المتعلقة بالمركز المالي للمنشأة، ونتائج أعمالها، ويتناول تحديد الأسلوب المناسب لقياس أو عرض أو التعرف إلى هذا العنصر لأغراض تحديد نتائج الأعمال، وبيان المركز المالي للمنشأة بما يحقق المحاسبة لأقصى حد ممكن).
   وتشتمل المعايير في طياتها المجال الذي في إطاره يتم تطبيقها، وذلك بتحديد البيانات التي تخضع لها، إذ ينبغي عند إعداد هذه البيانات الالتزام بتلك المعايير، وقد أصدرت المعايير في هيئة قوانين كما هو الحال في فرنسا، وعندئذ يصبح تطبيقها الزامياً، كما قد تعد من هيئة تعينها الحكومة، وهناك تلتزم الحكومة أيضاً بتطبيق هذه المعايير، وقد تعد من هيئة مهنية كما في الولايات المتحدة إذ يتم إعدادها من FASB، ويتم الالتزام بتطبيقها بشكل غير مباشر، إذ أن هيئة سوق الأوراق المالية Security Exchange Commission (SEC) التابعة للكونجرس الأمريكي، تلزم الشركات المسجلة أسهمها فيها أن تعد بياناتها المالية على وفق المعايير التي يصدرها FASB، كما يلزم AICAP المدققين أن يراجعوا البيانات المالية على وفق المعايير المذكورة انفاً.
   أن معدّي المعايير المحاسبية يتوقعون وجود بعض الحالات التي يتعذر معها التزام المعايير، إذ قد يؤدي ذلك إلى إعداد بيانات مالية لا تعكس بصورة صادقة المركز المالي للمنشأة، ونتيجة أعمالها، لذا يسمح معدو المعايير في مثل هذه الحالات بعدم التزام المعايير مع الافصاح عن ذلك في البيانات المالية نفسها، ومن الأمثلة على ذلك ما تراه
Accounting Standards Committee (ASC) في بريطانيا أن المعايير لا ينظر لها كتشريع شامل لقواعد جامدة تلغي الخبرة، والتفكير لإقرار ما هو منطقي وعادل، إذاً من الصعب وضع قاعدة تنطبق على المستجدات، والحالات الاستثنائية كافة، لذا قد يكون هناك سبب منطقي لعدم توافق تطبيق المعيار على حالة معينة، كما أجازت المادة (102) من قواعد السلوك المهني التي أصدرها AICPA لأعضائه، أن يبدو آرائهم حول البيانات المالية المخالفة للمعايير المحاسبية المتعارف إليها، في حالة وجود ظروف غير اعتيادية تجعل هذه البيانات تعكس صورة مضللة للوضع المالي عند تطبيق تلك المعايير، مع الإشارة إلى مخالفتها للمعايير المحاسبية، وأثر المخالفة، وبيان الأسباب التي تجعل التزام هذه المعايير يفضي إلى صورة قد لا تكون واقعية، (العلاوي، 1992).
   ولقد أثار إعداد المعايير الجدل بين معارض ومؤيد فيذكر(Mc Enroe, 1991)، أنه قد لا يوجد مصطلح في القاموس أقل فهماً وأكثر استخداماً من المبادئ المحاسبية المتعارف عليها GAAP وقد استخدم هذا المصطلح في تقرير المدقق الأمريكي منذ سنة 1939، ثم ما لبث أن استبدل بمصطلح المعايير من قبل لجنة Wheat التي أوصت باستبدال مجلس المبادئ المحاسبية بمجلس معايير المحاسبة المالية سنة 1973.
خصائص المعايير المحاسبية:
   يقترن الحديث عن المعايير المحاسبية في الكثير من الأدبيات ذات العلاقة بإفراد جزء من خصائصها، ومن خلال مراجعة ما أورده كل من (توفيق، 1987)، و(الشيرازي، 1990) تم استخلاص الخصائص الآتية للمعايير:
1- صياغة هذه المعايير في ضوء أهداف المحاسبة المالية، ولا سيما توافر المعلومات المحاسبية لخدمة أهداف المستخدمين، وهذا يستوجب بناء المعايير بالاسترشاد بإطار فكري للمحاسبة.
2- اتساق المعايير مع بعضها، وذلك من خلال رسم خطة متكاملة لبناء المعايير ترتكز على الإطار الفكري للمحاسبة، وتحدد نوعية المعايير التي سيتم إصدارها في الأجلين: القصير والطويل، وتلك التي سيتم بناؤها لخدمة الأهداف المحلية أو الدولية.
3- أن تكون واقعية، إذ تراعي ظروف، وخصائص البيئة التي ستطبق فيها.
4- سهولة فهم المعايير، وقبولها من جانب المستخدمين، وذلك بإشراك الأطراف المتأثرة بها كافة في عملية إعدادها.
5- حيادية المعايير، أي عدم التحيز تجاه بلوغ نتيجة محددة مقدماً، ويلاحظ أن الحياد هنا نسبي، إذ يقصد به استقلال معدّي المعايير قدر الإمكان من أي افتراض مسبق، وأهداف مستخدمي البيانات المالية.
   أن فرصة التنبؤ بالمستقبل المحاسبي لا يمكن أن تتم بمعزل عن الواقع، والماضي، لذلك تم استعراض مراحل التطور في الممارسات المحاسبية عالمياً، لنؤكد على حقيقة علمية مفادها أن الممارسة المتطورة لا يمكن أن تنحصر في بيئة محددة بل أنها ستنتقل من بيئة لأخرى بمعزل عن الخصوصيات المحلية، ويؤكد على ذلك Schroet وأخرون، حيث يقول أن التسجيلات المحاسبية التي تعود إلى آلاف السنين تم العثور عليها في مناطق مختلفة من العالم (Schroet, 2001)، كما نلاحظ انتقال مفردات مالية، ومحاسبية من منشأها الإيطالي إلى باقي دول العالم مثل (Credit, Debit, Cash, Capital, Bank)، كما نلاحظ بأن بريطانيا التي استوردت القيد الثنائي من إيطاليا، التي كانت تقود المحاسبة حتى القرن التاسع عشر عندما تسلمت بريطانيا القيادة من إيطاليا، وصدرت إلى العالم مهنة علم المحاسبة Accountancy Profession، ثم انتقلت هذه القيادة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تظم اليوم أكبر المنظمات المهنية، والأكاديمية العالمية باعتبارها الدولة الصناعية الأولى في العالم اليوم، والتي ساهمت في ترسيخ مفاهيم ترتبط بالمحاسبة الإدارية، كما ساهمت اليابان هي الأخرى بتطور مهنة المحاسبة من خلال استحداث، وتطوير تقنيات الإدارة بالوقت المحدد
(JIT Just-in-time)، ونظرية القيد الثلاثي، وغيرها، (Carper, 2004)، من هنا نستطيع التأكيد على أن تاريخ المحاسبة هو تاريخ مشترك ساهمت فيه العديد من دول العالم، أما المحاسبة كوظيفة فهي نشاط ارتبط مع وجود بيئة الأعمال، وقد وجدت لإثبات الأحداث الخاصة بهذه الأعمال.
التطور التاريخي للفكر المحاسبي عالمياً:
   لغرض تحديد الممارسة الأفضل لا بد من إيجاد أسس علمية لتحديد الممارسة الأفضل عالمياً، وكان هذا هو المقدمة لبناء نظرية للمحاسبة على المستوى العالمي، وحيث أن الفكر المحاسبي لقي اهتماماً واسعاً من قبل الرواد في بداية القرن العشرين ومنهم
(Paton, Moonitzm Littleton, Zimmerman)، ثم لحقهم عدد من الباحثين منهم
 (Ijiri, Vatter, Kam, Belkaoui, Hendriksen, Wolk, Horngren, Solomonson)
   بالإضافة إلى عدد من المنظمات التي ساهمت بإصدار عدد من المعايير التي تحكم التطبيقات المحاسبية حالياً ومنها .AICPA, IFAC, IASC, ICAEW, FASB      
   وعليه مما سبق، يرى بأن المتغيرات البيئية قد ساهمت في تطور الممارسة المحاسبية، وأن هذا التطور كان باتجاه التوحيد للأسس، والمنطلقات الفكرية المنطقية، والذي سيؤدي لتكوين إجراءات واحدة حول العالم، وذلك من خلال ترسيخ الممارسة الأفضل عالمياً، (Redebaugh, 2006)، ونحن اليوم أمام بيئة اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، سياسية واحدة متكاملة أكثر من أي وقت مضى، وعلى المحاسبة كنظام للمعلومات، أن تستجيب لهذه التغيرات من خلال تغيير القواعد المحاسبية The Rule of Accounting بما يتلاءم مع هذه المتطلبات، وذلك لن يتم إلا من خلال تكامل الجهود بين الباحثين، والمنظمات، والحكومات التي تشعر بأهمية مثل هذا التغيير.
   إن البيئة التي تعمل بها المعلومات أصبحت عالمية Global بشكل سريع وتتضمن العولمة: الاقتصادية، البشرية، المالية، الطبيعية بالإضافة إلى عولمة الأسواق Globalization of Market، وعولمة الإنتاج Globalization of Production حيث أصبحت هذه العناصر تنتقل من بيئة إلى أخرى، وضمن أي جزء بالعالم بشكل مريح، وملاءم Conveniently، وسريع من هنا تبدو أهمية مفاهيم المحاسبة الدولية، ودورها في توفير المعلومات الوثيقة الصلة بمتخذي القرارات لمساعدتهم في توزيع الموارد الاقتصادية على الاستخدامات المختلفة، وأن أي خلل في هذه المعلومات سيترتب عليه نتائج غير مثالية للقرارات الاقتصادية على المستوى العالمي.
مفهوم المحاسبة الدولية:
   يمكن تحديد مفهوم المحاسبة الدولية على أنها عملية المساءلة عن الأحداث، والمعاملات الدولية، وإجراء المقارنات بين مختلف المبادئ المحاسبية المطبقة عالمياً، وتنسيق المعايير المستخدمة في توجيه الإجراءات عالمياً، بالإضافة إلى ذلك هي عملية توفير المعلومات لأغراض الإدارة، والسيطرة على العمليات العالمية، (Iqbal, 2002).
   إن مفهوم المحاسبة العالمية أو الكونية هو المفهوم الأوسع لمجال المحاسبة الدولية، حيث يوجه هذا المفهوم المحاسبية الدولية نحو صياغة، ودراسة مجموعة المبادئ المحاسبية المقبولة قبولاً عاماً كونياً، ويندرج الهدف النهائي للمحاسبة العالمية نحو التوحيد التام المطلق Complete or Standardization للمبادئ المحاسبية عالمياً، ويجب إدراك هذا المفهوم كنظام كوني Universal System يمكن تطبيقه في كل دول العالم.
   حيث يتطلب ذلك إنشاء مجموعة موحدة من المبادئ المحاسبية المقبولة، والمطبقة عالمياً، واتفق مع (من يرى بأن هذا الهدف لن نصل إليه في المستقبل القريب، وربما يصنف من قبل البعض على أنه هدف مثالي، وربما غير عملي من قبل أخرين، ويستند هذا الموقف إلى المشاكل التي تواجه عملية التوحيد لتلك المبادئ عالمياً)، أما مفهوم المحاسبة الدولية أو المقارنة فهو يتم بدراسة، وفهم الاختلافات المحلية في المحاسبة، ويهتم بإدراك الاختلافات الدولية في المحاسبة، والقابلية للتأثير على تلك الاختلافات، أي أن هناك إجماعاً حول أن هناك ارتباطاً بين مفهوم المحاسبة الدولية، ومفهوم المحاسبة المقارنة.
   أما المفهوم الآخر للمحاسبة الدولية، فهو المفهوم الذي يرتبط بمجموعة المبادئ، والمعايير المحاسبية لكل دولة من دول العالم، أي الربط بين مفاهيم النظرية المحاسبية، ومفاهيم المحاسبة الدولية أو دراسة للبعد الدولي لنظرية المحاسبة، حيث يهتم هذا المدخل في تحديد كيفية إدارة المحاسبة بسبب المبادئ المتعددة عند دراسة المحاسبة الدولية.. وحيث أن لا وجود لمبادئ محاسبة مفضلة عالمياً، لذا سنركز جهد نظام المحاسبة الدولية على تجميع المبادئ، والطرق، والمعايير المحاسبية لكل دول العالم، وأن الاختلاف بين تلك المفاهيم حسب الدول هو بسبب اختلاف الظروف البيئية الجغرافية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، والتأثيرات القانونية.
   أما مفهوم المحاسبة على الفروع الأجنبية Accounting for Foreign Subsidiaries فهو المفهوم الضيق لمجال المحاسبة الدولية، حيث أنه يخفض المحاسبة الدولية إلى عملية توحيد القوائم المالية بين الشركة الأم، وفروعها، وترجمة العملات الأجنبية إلى العملة المحلية، وهنا ستصاحب هذه العملية ظهور مشاكل تعود إلى اختلاف المبادئ المحاسبية الواجبة الاتباع بالاعتماد على الدولة التي تستخدمها كمرجع Reference للترجمة، وعملية التعديل.
   إن الحلول للمشاكل تكمن في عملية التوحيد حول العالم، والوصول إلى التماثل Uniformity في الوصول إلى النظرية الكونية، أما المفاهيم المرتبطة بالنظرية متعددة الجنسية فهي تقترح احتواء المحاسبة الدولية لكل المبادئ، والمعايير، والتطبيقات لكل دول العالم، ويرتبط هذا المفهوم بمفهوم التوحيد Standardization، ويقود هذا للوصول إلى النظرية متعددة الجنسية، أما المفاهيم التي ترتبط بإجراء المقارنات، والتحليل التصنيفي للأنظمة المحاسبية المحلية، وكما يتم في العلوم الاجتماعية الأخرى كالقانون، السياسة، الاقتصاد، ويقود هذا المفهوم إلى النظرية المقارنة، أما المفاهيم الأخرى التي ترتبط بالمعاملات الدولية فهي تعزيز للتجارة الدولية، وقرارات الاستثمار الدولي، والتي تعزز البناء لعملية المقارنة، ومفاهيم المعلومات المستخدمة في الشركات الأم، وفروعها الأجنبية.
المراجع:
- الشيرازي، عباس مهدي، (1990)، نظرية المحاسبة، الطبعة الأولى، دار السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت.
- العبد الله، رياض جاسم، (1992)، المعايير المحاسبية والبلدان النامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العربي التاسع للمعايير المحاسبية وأدلة التدقيق، عمان.
- العلاوي، عبد السلام عبد الرحمن، (1992)، الالتزام بالمعايير المحاسبية الدولية بين النظرية والواقع، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي العربي التاسع للمعايير المحاسبية وأدلة التدقيق، عمان.
- تشوي، فيدرل، فروست، كارول، مييك، جاري، (2004)، المحاسبة الدولية، دار المريخ.
- توفيق، محمد شريف، (1987)، رؤية مستقبلية نحو المحاور الرئيسية لتطور بناء المعايير المحاسبية في المملكة العربية السعودية، مجلة الإدارة العامة، العدد الخامس، الرياض.
-  Carper, William Brent, (2004), Accounting Theory, spring.
- Iqbal, M. Zafer, (2002), International Accounting Global Perspective, 2nd edition, Thomson Hearing.
- Mc Enroe, jhon E., (1991), Attitudes Towards the Term Generally Accepted Accounting Principles, Accounting and Business Research, spring.
- Redebaugh, Lee h. Gray, Sidney j. and Black Ervina L., (2006), international Accounting and multinational enterprises, 6th edition.
- Schroet, Richard, G. Clark myrtle W. and Cathay, jach M., (2001), Financial Accounting Theory and Analysis, seventh edition.


مقالات محاسبية/التكامل بين نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية

التكامل بين نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية
The Integration of the system of Administrative Knowledge and the System of Accounting Knowledge in the Economic Unit
إعداد:
           أ. أيمن هشام عزريل                       أ. أحمد حسني صوالحة
            ماجستير محاسبة                           بكالوريس إدارة أعمال
      جامعة أليجار الإسلامية-الهند                جامعة النجاح الوطنية – فلسطين
المقدمة:
   تشكل المعلومات – اليوم - مورداً هاماً ورئيساً من موارد الوحدات الاقتصادية؛ في تحقيق الفائدة لمستخدميها، خاصة في ظل عالم يتميز بدرجة عالية من التعقيد والتغير، نتيجة للتطورات التكنولوجية المتسارعة، بحيث يكون لديها نظماً للمعلومات تختص بكل مجال من المجالات التي تمارس فيها وصولاً إلى تحقيق أهدافها العامة، ويؤدي النظامان الرئيسان للمعلومات في أي وحدة اقتصادية المتمثلان بنظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية دوراً مهماً وأساسياً فيها، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة دراسة علاقات التنسيق والترابط والتكامل بينهما، كي لا يكون هناك ازدواجية في العمل من حيث إنتاج المعلومات اللازمة، وكذلك تحقيق الجدوى الاقتصادية من ذلك.
الدراسة:
   إن العلاقة بين تكامل نظم المعلومات وتأثيرها على تحسين عمليات الوحدات الاقتصادية مرتبطة بزيادة مستوى هذا التكامل، فتكامل نظم المعلومات أصبح ذا أهمية عظمى لعدم تكرار الأنشطة ومنع الأخطاء، وتقليل دورة الوقت المستنفذة في تطوير المنتج، وزيادة ثقة المستهلك في المنتج، وهو بهذه الصورة يهدف إلى إثراء عمليات الوحدات الاقتصادية وتحسينها، من خلال تقديم مزيج مركب من المعلومات يدعمها بصورة متواصلة، ومن ثم يمكننا أيضاٌ من مقابلة التحديات والمتغيرات في الأسواق وتنمية دخلها بمرونة عالية.
   وعلى الرغم من تقدم نظم المعلومات وتأصيل مفاهيمها خلال العقدين من القرن الماضي، فإنه مازالت بعض الوحدات الاقتصادية تنظر إليها على أنها نفق مظلم مجهولة عواقبه تخشى الخوض فيه، من خلال الاسترشاد بنظرية النظم، أمكن تطوير منهج جديد للبحث العلمي هو منهج النظم، الذي يقوم على استخدام المفهوم العلمي في حل المشاكل الإدارية، إذ يمثل مفهوم منهج النظم أحد المفاهيم الأساسية في دراسة نظم المعلومات، حيث يشير إلى أن النظام يتكون من مجموعة من العناصر، التي قد تتوافر في كلها أو معظمها كافة مقومات النظام، وتسمى هذه العناصر التي تتوافر فيها مقومات النظام نظماً فرعية (Sub-Systems)، ويسمى النظام الذي يجمعها نظاماٌ رئيساٌ (Overall System)، غير أنه عند مستوى آخر من مستويات التحليل، قد نجد أن أحد هذه النظم الفرعية يتكون هو الآخر من مجموعة أصغر منه من النظم، وهكذا يتحول هذا النظام الفرعي عند هذا المستوى من التحليل إلى نظام رئيسي، وتمثل الأنظمة التي يتكون منها نظماٌ فرعية(1)، وطبقاً لذلك، فإن الوحدة الاقتصادية تعد نظاماً كلياً يتكون من عدة نظم فرعية لعل من أبرزها نظامين هما:
1. نظام المعلومات الإدارية (Management Information System (MIS
2. نظام المعلومات المحاسبية (Accounting Information System (AIS
   ويعرف نظام المعلومات الإدارية (MIS)، على أنه "مجموعة من نظم المعلومات المترابطة التي توفر المعلومات للعمليات والاحتياجات الإدارية"(2).
   وعرف أيضاً على أنه "مجموعة الأجزاء المترابطة التي تعمل مع بعضها بعضاً بصورة متفاعلة لتحويل البيانات إلى معلومات يمكن استخدامها لمساندة الوظائف الإدارية (التخطيط، والرقابة، واتخاذ القرارات، والتنسيق)، والأنشطة التشغيلية في الوحدة الاقتصادية"(3).
   من خلال التعريفين أعلاه، يتضح أن الخاصية المهمة لنظام المعلومات الإدارية تتمثل بشموليته (Inclusiveness)، أي إنه يحيط بكل أنظمة توفير المعلومات في كافة مستويات التنظيم، وهذا ما يؤكد بأنه مجموعة نظم معلومات أكثر من كونه نظاماٌ كلياٌ.
   ويمكن تحديد وظائف نظام المعلومات الإدارية بالاتي:
1. استقبال البيانات المتعلقة بكل شؤون الوحدة الاقتصادية.
2. تحليل البيانات ومعالجتها بواسطة العمليات التشغيلية التي تجري عليها من تبويب، وتصنيف، وتخزين في ملفات خاصة، أو في ذاكرة الحاسوب.
3. توفير المعلومات التي تمثل مخرجات النظام لغرض الاستفادة منها، باعتبارها معلومات يمكن الاستعانة بها في اتخاذ القرارات.
   أما نظام المعلومات المحاسبية (AIS)، بأنه "أحد النظم الفرعية في الوحدة الاقتصادية، يتكون من عدة نظم فرعية تعمل مع بعضها البعض بصورة مترابطة ومتناسقة ومتبادلة، بهدف توفير المعلومات التاريخية والحالية والمستقبلية، المالية وغير المالية، لجميع الجهات التي يهمها أمر الوحدة الاقتصادية، وبما يخدم تحقيق أهدافها"(4).
   وعرف أيضاٌ بأنه "أحد الأنظمة الفرعية في الوحدة الاقتصادية، الذي يختص بجمع، وتبويب، ومعالجة، وتحليل، وتوصيل المعلومات الملائمة لاتخاذ القرارات إلى الأطراف ذات العلاقة"(5).
   من خلال التعريفين أعلاه، يمكن أن نستنتج أن نظام المعلومات المحاسبي هو أحد النظم الفرعية للمعلومات في الوحدة الاقتصادية، يتكون من مجموعة من العناصر والمتمثلة بالمدخلات، والعمليات، والاجراءات، والمخرجات، والتغذية العكسية، وأن هذه العناصر مترابطة فيما بينها، وتسعى إلى تحقيق هدف معين، يعد القوة المحفزة التي تقود النظام وتوجه نشاطه، إن أهداف نظام المعلومات المحاسبي ماهي إلا انعكاس لأهداف الوحدة الاقتصادية، ولأن الوحدة الاقتصادية لا توجد في فراغ، لذا فإن أهدافها وأهداف نظام المعلومات المحاسبي يمكن أن تتغير عبر الزمن بتغير البيئة المحيطة، إلا أنها في كل مدة يجب أن تكون محددة وقابلة للتحديد.
   أما بالنسبة لأهداف نظام المعلومات المحاسبي فيمكن إيجازها بست وظائف رئيسة، كل منها يحتوي على مجموعة من الأنشطة، وهذه الوظائف هي: جمع البيانات، والمحافظة عليها، وإدارتها، وحمايتها، ورقابتها، وإنتاج المعلومات، وتوصيلها إلى مستخدميها(6).
   إن الوظيفتين الأخيرتين تعدان من الوظائف الأساسية، فإذا لم يتمكن النظام من إنجازهما، فإنه يمر بمرحلة التدهور.
   فيما يعرف نظام المعلومات المتكامل (Integration Information System)على أنه:
"النظام الذي تكمل نظمه الفرعية بعضها بعض من خلال عملها بصورة متناسقة ومتبادلة، بحيث يستبعد تكرار توليد المعلومات من أكثر من نظام فرعي، وبما يؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج المعلومات اللازمة للجهات المختلفة، فضلاً عن تقليل الوقت والجهد اللازمين لها"(7).
   وعليه، فإن مفهوم النظام المتكامل للمعلومات الإدارية والمحاسبية، سوف يشير إلى أنه النظام الذي يعمل على تكامل كل من نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية، من خلال التنسيق بين عمليهما وتبادل البيانات والمعلومات التي تنشأ عن كل منهما، وفق قاعدة بيانات موحدة، وبما يؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج المعلومات المستهدفة، وكذلك تقليل الوقت والجهد اللازمين لها(8).
   أما أهمية الحاجة إلى النظام المتكامل للمعلومات الإدارية والمحاسبية في أية وحدة اقتصادية، فتأتي من خلال إمكانية إيجاد علاقات التنسيق، والتبادل، والترابط بين كل من نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية.
   ونظراً لتشابك العلاقات وتعددها بين كل من نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية، فهناك من يرى من الكتاب والباحثين أن نظام المعلومات المحاسبية هو جزء من نظام المعلومات الإدارية، على اعتبار أن نظام المعلومات المحاسبية يهتم بقياس المعلومات المحاسبية التاريخية بغرض إعداد القوائم المالية للجهات الخارجية، بينما يهتم نظام  المعلومات الإدارية بكل المعلومات اللازمة للإدارة بغرض تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة للوحدة الاقتصادية، وعليه فإن ذلك يمكن أن يوسع مفهوم نظام المعلومات الإدارية ليشمل كل نظم المعلومات بالوحدة الاقتصادية بما فيها نظام المعلومات المحاسبية(9).
   وهناك من يرى أن دور نظام المعلومات المحاسبية ليس مجرد إعداد القوائم المالية لجهات خارج الوحدة الاقتصادية فقط، وإنما يهتم بإعداد التقارير اللازمة لجهات من داخل الوحدة الاقتصادية أيضاً، متمثلة بكافة  أنواع المعلومات التي تحتاجها المستويات الإدارية المختلفة في عمليات التخطيط، والرقابة، واتخاذ القرارات الإدارية، ومن ثم فإن أنصار هذا الرأي يرون أن نظام المعلومات المحاسبية هو النظام الأساس، وأن نظام المعلومات الإدارية هو جزء منه(10).
   يرى آخرون أن نظام المعلومات المحاسبية هو أقدم نظام عرفته المشروعات التجارية والصناعية وغيرها(11)، وأنه يمثل الركيزة الأساسية والمهمة بالنسبة لنظم المعلومات الأخرى في الوحدة الاقتصادية، ونظام المعلومات الإدارية بصورة خاصة، انطلاقاً من الآتي(12):
1. إن نظام المعلومات المحاسبية، هو وحده الذي يمكن الإدارة والجهات الأخرى المعنية من الحصول على صورة وصفية (متكاملة)، وصحيحة عن الوحدة الاقتصادية.
2. يتصل نظام المعلومات المحاسبية بغيره من نظم المعلومات عن طريق مجموعة من قنوات تعتبر حلقات وصل بين مصادر الحصول على المعلومات ومستخدمي هذه المعلومات، وتشكل في مجموعها مسارات النظام الشامل للمعلومات.
3 . يمكّن نظام المعلومات المحاسبية من التعرف على أحداث المستقبل، بدرجة تقرب _ إلى حدٍ ما - من الصحة، وتوجيه الموارد النادرة نحو الاستخدام الأمثل، كما أنه يوفر المقاييس، التي تساعد على تطوير أساليب الرقابة.
   هناك رأي آخر تبنته رابطة المحاسبة الأمريكية من خلال إعداد تقرير يعتبر توفيقياً بين الآراء السابقة، حين اعتبرت أن نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية، نظامان مستقلان لكل منهما وظائفه، ولكن يوجد تداخل بين النظامين يتمثل بـ"محاسبة العمليات  Accounting Operation"، لأن المحاسب يحتاج إلى بيانات عديدة من نظم المعلومات الأخرى في الوحدة الاقتصادية (متمثلة بنظام المعلومات الإدارية)(13).
   واستناداً إلى ما تقدم، يمكن القول بأن هناك ضرورة للتكامل بين نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية، وأنه يمكن تحقيق هذا التكامل إذا ما تم التعرف على وظائف كل من النظامين، ومن ثم حصر النقاط التي يمكن من خلالها تحقيق هذاالتكامل.
   إن نظام المعلومات المحاسبية، يمكن أن يكون نظاماٌ فاعلاً بصورة أكبر، إذا ما تم التكامل بينه وبين نظام المعلومات الإدارية، وبما يؤدي إلى تحقيق الهدف الشامل للوحدة الاقتصادية وذلك من خلال الآتي:-
   إن نظام المعلومات المحاسبية يمكنه التعبير بصورة مالية وكمية عن كافة البيانات والمعلومات التي يمكن أن يوفرها نظام المعلومات الإدارية، بحيث يكون لها قدرة تفسيرية أكبر عندما يتم استخدامها من قبل متخذي القرارات، سواء في داخل الوحدة الاقتصادية أو خارجها.
   إن إنتاج المعلومات عن طريق نظام المعلومات المحاسبية، سوف يساهم في تقليل الجهد، الذي يمكن أن يبذل في إعداد البيانات والمعلومات اللازمة، فضلاً عن تقليل التكاليف، التي يمكن أن تنفق في تجميع البيانات وتحليلها، ومن ثم إنتاج المعلومات منها، مع إمكانية توفيرها في الوقت المناسب، دون انتظار الحصول عليها من قبل نظام المعلومات الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الازدواجية في عمل النظامين.

المراجع:
1. الحسون، عادل محمد، والقيسي، خالد ياسين، (1991)، النظم المحاسبية، الجزء الأول، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد.
2. أبوطالب، يحيي محمد، (1986)، المحاسبة الإدارية نظام للمعلومات في مجال التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات، مكتبة عين شمس، القاهرة.
3. Bocij, P. Chaffy, D. Greasley, A. Hiickie, S. (2003), Business information System , 2nd ed., Prentice Hall, USA.
4. يحيي، زياد هاشم، والحبيطي، قاسم محسن، (2003)، نظام المعلومات المحاسبية، وحدة الحدباء، للطباعة والنشر، كلية الحدباء الجامعة، الموصل، العراق.
5. Moscove, S.A., Simkin, M.G., Bagranoff, N.A. (2001), Core Concepts of Accounting Information System, 7th ed., John Wiley & Sons Ltd, England.
6.  Wilkinson, Joseph W. Cerullo, Michael J. Raval, Vasant, (2000), Accounting Information Systems. Essential Concepts. Fourth Edition, John Wiley and Sons, Inc.
7. غلاب، حسن أحمد، (1984)، مدخل إلى نظم المعلومات المحاسبية، مكتبة التجارة والتعاون، القاهرة، مصر.
8. يحيي، والحبيطي، (2003)، مصدر سابق.
9. الدهراوي، كمال الدين مصطفى، ومحمد، سمير كامل، (2000)، نظم المعلومات المحاسبية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية.
10. يحيي، والحبيطي، (2003)، مصدر سابق.
11. عرفة، سعيد محمود، (1984)، الحاسب الإلكتروني ونظم المعلومات الإدارية والمحاسبية، دار الثقافة العربية، القاهرة.
12. Glautier MEW & Underdown B.(1977), Accounting Theory and Practice, Pitman Publishing, London.
13. الدهراوي، ومحمد، (2000)، مصدر سابق.


السبت، 29 أغسطس 2015

النفوذ التركي في كردستان

النفوذ التركي في كردستان
بقلم: أيمن هشام عزريل
   تعاظمت القضية الكردية في السياسة الخارجية التركية منذ الربع الأخير للقرن العشرين، بسبب التطورات الداخلية التي شهدتها الساحة التركية نفسها إثر قيام حزب العمال الكردستاني، والمتغيرات الدولية والإقليمية الكبيرة والخطيرة التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، متمثلة بانهيار المعسكر الشرقي واجتياح العراق للكويت على التوالي، وعليه فقد ترسخت القضية الكردية العراقية في صلب السياسات الاستراتيجية التركية.
   على أية حال اخفق اتفاق أنقرة في ضمان السلام الداخلي لكردستان، وتجدد الاقتتال بين الحزبيين الكرديين، وفي نفس الوقت بدأت انقرة، وبخطى متسارعة، الاقتراب من بغداد اثر تشكيل الاسلاميين قيادة اسلامية التوجه ف تركيا، فاستهلت الحكومة الجديدة اتصالاتها ببغداد بإرسالها وفد وزاري كبير إليها، وجرى الحديث عن عودة جدية للعلاقات بين الطرفين، وبموازاة ذلك فإن تداعيات عملية دخول الجيش العراقي وعناصر المخابرات العراقية اربيل (آب 1996) وباقي تحركات القادة الكرد العراقيين نحو بغداد وطهران كانت بمثابة رسائل ذات تهديد مبطن إلى واشنطن وحلفائها، وهو ما جعل إدارة الرئيس كلنتون تراجع سياستها في مجمل المنطقة وكردستان، في محاولة لحصر الأضرار وتدارك العوامل التي زعزعت سياسات واشنطن في الاحتواء المزدوج قبل انهيار تلك السياسات برمتها، وقد عزز التوجه الامريكي الجديد تصرفات حكومة انقرة الاسلامية التوجه، إذ نتج عن الضغط الشديد التي مارسته على أمريكا، في وقت حرج جداً، عن إيقاف تفويض قوة عملية توفير الراحة O.P.C واستبدالها بعملية العين الساهرة N.W  الأقل أهمية وفعالية بكثير قياساً بالأولى في السهر على مصالح أمريكا في العراق.
   وأمام التحديات الجديدة التي واجهت الإدارة الأمريكية ومنذ النصف الثاني من العام 1996، كثفت وزارة الخارجية الأمريكية دبلوماسيتها وجهودها باتجاه العودة التدريجية إلى المنطقة عبر استراتيجية جديدة قائمة على تحقيق السلام النهائي في كردستان كأساس لنجاح الجهود الأمريكية في إضعاف نظام صدام، توالت لقاءات كبار المسؤولين الأمريكيين بالقادة الكرد، لتتوج في أيلول 1998، بإنهاء الخصومة والاقتتال الداخل نهائياً، بدعوة وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، كل من البارزان والطالبان إلى واشنطن، حيث تم فيها التوقيع على اتفاقية واشنطن في 17 أيلول 1998، والتي ورد فيها إنهاء الاقتتال الداخلي نهائياً، والتزام واشنطن في إقامة كيان سياسي كردي فدرالي ضمن عراق ديمقراطي تعددي وموحد، كما تضمن الاتفاق خارطة طريق بكيفية تحقيق ذلك.
   أثارت الاتفاقية سخط وقلق الساسة والرأي العام التركي على حد سواء، بسبب إبعاد الوسيط التركي عن الجولات الختامية من عمليات التفاوض والتوقيع على الاتفاقية، رغم المحاولات المكثفة والسريعة للإدارة الأمريكية والقادة الكرد في تهدئة خواطر الأتراك وتبديد مخاوفهم، عبر إفهامهم بأن الاتفاقية نتيجة إضافية من نتائج عملية أنقرة.
   راود الساسة الأتراك شكوك مكشوفة ومخاوف جدية من أن تؤدي الاتفاقية في آخر المطاف إلى إقامة دولة كردية في كردستان العراق، وإلى تعقيد عمليات الاجتياح العسكري التركية عبر حدود كردستان العراق في المستقبل، وكردّ فعل على التصرف الأمريكي الأخير، أعلنت أنقرة عن رفع مستوى العلاقات مع بغداد إلى مستوى سفارة، وأطلقت عملية اجتياح عسكري جديدة عبر الحدود مع كردستان في تشرين الثاني 1998، كإعلان متأخر في أنها ما تزال صاحبة كلمة في الشأن الكردي العراقي، ولكن ومنذ اتفاقية واشنطن بدا واضحاً لأي مراقب للشأن التركي انحسار النفوذ والتأثير التركي في كردستان، بل غدا كرد العراق عنصراً اضافياً يقيد سياسة تركيا الخارجية وكذلك الداخلية، وتحولوا من عنصر ساهم على صعيد سياسة تركيا الخارجية في دعم صورة تركيا أوروبياً وعالمياً إلى عنصر ينبه الأمريكان والأوروبيين إلى معاناة كردها الرازحين تحت الأحكام العرفية التركية، وداخلياً من عنصر يساعد على تعزيز أمن تركيا عبر تقويض قوة وفعالية حزب العمال الكردستاني سواء في كردستان أو في داخل تركيا إلى طرف غير معروف الموقف من تهديد حزب العمال الكردستاني الكبير على الأمن القومي التركي، فضلاً عن بث المشاعر الوطنية والأمل مجدداً لدى جميع كرد العالم في إمكانية إقامة كيان قومي سياسي لأحد أكبر شعوب العالم المحروم من ذلك الحق.
   كان تأثيرات اتفاقية واشنطن الإيجابية كبيرة على كردستان داخلياً وخارجياً، فقد ساهمت الاتفاقية في ازدياد النفوذ والحضور الأمريكي في الشأن العراقي عموماً والكردستاني العراقي خصوصاً، بشكل تعزز بفضله موقع إقليم كردستان العراق في أكثر من ناحية فمن جهة انحسر النفوذ التركي، وكذلك الإيراني والعراقي الذي كان يتدخل في الشؤون الداخلية للإقليم، ويشل أعمال الحكومة والبرلمان الكردستانيين، مما كان له إسقاط واضح على تعزيز السلام الأهلي وبالتالي تسارع وتيرة نمو وتطور المؤسساتية وأجهزة الدولة في ذلك الإقليم، ومن الجهة الثانية عبرت الاتفاقية عن تفهم واهتمام أكبر من جانب الإدارة الأمريكية نحو قضية الكرد عموماً، وحقيقة هيأت الاتفاقية أرضية مناسبة للتعاون الأمريكي الكردي (العراقي) الوثيق في مرحلة حرب العراق الأخيرة نيسان 2003.               


الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

ثقافة العنف

ثقافة العنف
بقلم: أيمن هشام عزريل
   بالرغم من التقدم الهائل في شتى مناحي المعرفة والعلوم، إلا أنه لا يبدو أن البشرية قد تعلمت بعد من نتائج ما أحدثته النزاعات والحروب على البشر، فلا تزال تنتهك حقوق وكرامة الإنسان بشكل واسع وإن بنسب متفاوتة، ولعل هذا متأتي من عوامل ذاتية وموضوعية تتميز بها الطبيعة البشرية، ورافق ذلك تقليص انتشار المد الإسلامي ومد نفوذه الذي يتعارض مع الثقافة التي تتبناها الرأسمالية، والتي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
   العنف الذي يقوم به الأفراد والدولة يقع من جانب أفراد المجتمع وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، ووفقاً لذلك فإن الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد والجماعات هي غير قانونية لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   ولا بد هنا من أن نفرق بين القوة والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل،
والتمرد ....الخ) وعليه فإن آثار العنف قد تتنوع بدرجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، أما القوة فهي ترتبط بالسلطة حيث تستخدمها بطريقة شرعية، وضمن نظام اجتماعي معين وعليه فإن السلطة والعنف متعارضان حيث يسود أحدهما بصورة مطلقة فإن الآخر يختفي عن الوجود ويظهر العنف عندما تكون السلطة واقعة في مأزق.
   من المعلوم إن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، فالعنف كان دائماً مقروناً بالدولة منذ نشوئها حتى في الوقت الحاضر، واستخدام العنف بين الدول هو نسبي ومشروط بعوامل كثيرة حضارية واجتماعية وسياسية على اعتبار أن الدولة وجدت لغرض التخلص من الفوضى، أن الدولة ما هي إلا أداة قمع بيد الطبقة الحاكمة المسيطرة في المجتمع.

   وقد يتخذ العنف وفقاً لما يقوم به الأفراد أو الجماعات على شكل تآمر يكون منظم بدرجة عالية، ويسهم في عدد محدد من الأفراد سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، وأحياناً يأخذ صيغ متعددة كصيغة الإرهاب أو صيغة اغتيالات سياسية منظمة أو يحدث التآمر بين العناصر الحاكمة بعضهم ضد بعض، وهذا ما نلاحظه متفاقماً في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار، إلا إن هذا النوع من العنف حتى وإن استطاع إزالة النخبة السياسية فالبديل لها لا يمكن أن يؤدي إلى تغيير الحياة العامة، أما فيما يتعلق الأمر بجماعات الضغط أي الأشخاص التي ترتبط فيما بينهم بعلاقات اجتماعية خاصة ومصالح مشتركة تفرض على أعضائها نمطاً من السلوك الجماعي، هؤلاء يدافعون بالوسائل المتيسرة لديهم وقد تكون علنية أو سرية ويسعون إلى الضغط على هيئات السلطة في الدولة لكي تتخذ قرارات ترعى مصالحهم أو أهدافهم المشتركة، وهذا التجمع أما أن يكون ذات طابع مهني أو ديني أو ثقافي أو مالي أو إداري .. الخ، والميزة المشتركة من كل هذه الأنواع من جماعات الضغط هي نشاطها الموجه دائماً إلى تحقيق مصلحة ضيقة ولا تحمل معنى (المصلحة العامة)، لهذا قد يأخذ العنف في مثل هذه الحالة حرب داخلية، بمعنى العنف السياسي المنظم الذي تصبحه مساهمة شعبيه واسعة موجهة إلى قلب نظام الحكم أو تفكيك الدولة وهذا متأتي طبعاً من الحرمان من العديد من شروط الوجود الاجتماعي، أو أن تكون كفاحاً مسلحاً ضد احتلال أجنبي، وقد يتحول إلى حرب أهلية فيما إذا توفر دعم خارجي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة التي تشكل موضوع تحول السلطة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال والقوة وليس العكس وهو (عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من خلال قول الكاتب الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل) حيث قال: في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو قيد النشأ.
   ومن هنا يمكن الإدراك إن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، حيث بقيت تلك الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية والسياسية فانطوت فيها تيارات العنف والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل وأعمق في الطرح والتناول وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع والعنف باتجاهين الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط والاستلاب السياسي إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية وتقاليد المجتمع، أما العامل الآخر هو العامل النفسي النوعي والتي يرتبط بطبيعة ردة الفعل تجاه الإلغاء والتهميش الذي ولد هو الآخر خوفاً باتجاهين هما الخوف من معتنقي تلك الثقافات والأيديولوجيات (الإسلام كمثال) الذي يصور بأنه يمثل حلقة الصراع مع الغرب، والآخر هو مشكلة الهوية الثقافية الذي تراجع بسبب التقصير بتعريفها إزاء الطرف الأول بشكل علمي أكاديمي منهجي مدروس ومعاصر، ذلك أدى إلى التباين في الإدراك ومن ثم تعزيز الصراع وانتشار ثقافة العنف المتناقضة مع متطلبات النهضة المعاصرة.        










الأحد، 9 أغسطس 2015

حوار الثقافات في المجتمع العربي

حوار الثقافات في المجتمع العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
   في الواقع، لقد طرحت في الأدبيات العربية العديد من التعريفات الخاصة بالثقافة، وكل يتناولها من الزاوية التي يستطيع من خلالها حل اشكالية البحث الذي يعرضه، مع تأكيد مفهوم الثقافة ومقارنتها بالحضارات (أو الثقافات) الأخرى، فالثقافة إذاً هي الكل المعقد المتشابك في الأنظمة التي تتضمن أساليب الحياة المادية والروحية، فهي تتولد من عملية إنتاج الوجود الجماعي بوصفه وجوداً اجتماعياً.
   وينبوعنا العربي- الإسلامي ينبوع صاف معطاء بفكره ومعتقده وأخلاقه ومنظوماته القيمية التي شددت على قيم التسامح والاعتراف بالاختلاف واحترام آراء ومعتقدات الآخر، وأن ذلك كله يشكل نبراساً وأسساً راسخة تستند إليها المؤسسات التعليمية الحكومية والأهلية في إرساء ثقافة للحوار ولغة التسامح والتعايش المشترك، وهذه المهمة تبدو حتمية اليوم وضرورية جداً.
   فالمهمة إذاً هي ليس فقط حشو فكر الفرد بمفردات، ومقررات مجردة وبشكل سطحي، وإنما الاهتمام بدراسة السلوك الإنساني في ماضيه وحاضره، وخلق أنماط متميزة من الوعي والسلوك ومنظومات القيم وقواعد اجتماعية وعقلية تساهم في تعزيز الحوار مع الآخر، المختلف في ثقافته وأنساقه الحضارية: من معتقدات، وعادات، وحتى في طرائق التفكير والسلوك.
   وهناك من يرى في الثقافة بأنها نظرة عامة إلى الوجود والحياة والإنسان، وقد تتجسد في عقيدة أو تعبير فني أو مذهب فكري أو مبادئ تشريعية أو مسلك أخلاقي عملي، وهي البناء العلوي للمجتمع الذي يتألف من الدين والفلسفة والفن والتشريع والقيم باختلاف التجارب والخبرات والمواقف لدى أي شعب من الشعوب والأمم الأخرى، وعليه، فإن هذه العناصر التي يضمها مفهوم الثقافة نجدها تشكل الجوهر الأساسي للثقافة العربية، على الرغم من التعدد في النظم السياسية واختلافاتها في نوعية الحكم، وكيفية ممارسة السلطة وانتقالها، إلا أنها لا يمكن أن تحول دون تركز هذه العناصر في الثقافة الواحدة: بلغتها العربية ومعتقداتها الإسلامية وقيمها السلوكية والمعرفية وتصوراتها الخاصة فيما يتعلق بالوجود الإنساني والتطور الحضاري.
   ومن هنا، فإن الثقافة، بمدلولها الأوسع، موجه للحياة اليومية، من خلال صياغة حركة الوعي لدى الناس وتشكيل ذاكرتهم الثقافية المستمرة التي تختزن كل أفعال الثقافة وتجلياتها من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، فإنتاج الثقافة عملية مستمرة تخترق جميع الحقب التاريخية، وهي ليست موضع جدل على الإطلاق لأنها نتاج عمل دائم، وهي تختزن الذاكرة الجماعية الموروثة من الماضي الفاعل والمساهم في توجيه الأفراد والجماعات في الحاضر، أي ذاكرة السلف تغتني على الدوام بنتاج ثقافي جديد يساعد على عيش الحاضر وصناعة المستقبل.
   لقد أضحى الحوار، وهو النقيض للصراع والخصام والنزاع، وخصوصاً بعد ما شهده العالم في عقد التسعينات من تحولات جذرية في النظم الشمولية، والحروب الأهلية والطائفية بين المذاهب والأديان في يوغسلافيا السابقة والشيشان وغيرها، وما بشر له في الغرب من نظريات صراع الحضارات، ضرورة حياتية لبلوغ الأهداف المشتركة في بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار، ومتبنياً للتنمية المستدامة، وهناك من يرى في الحوار أيضاً، بأنه القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره، والذي يتم من خلال عمليتين هما: الإرسال (التحدث) والاستقبال أو الاستماع فالإسلام يرى بأن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدل كما يطلق عليه، وأنها صفة متلازمة معه تلازم العقل به.
   فثقافة الحوار تكشف إلى أي مدى كانت طروحات (الصراعات الحضارية) (المركزية الأوروبية)، بعيدة عن الواقع، وطرحت لأغراض سياسية وإلى أي مدى تكشف عن المضامين المشتركة بين الثقافات أو الحضارات القائمة، والأديان المتنوعة، وما حدث بينها من صدام وصراع في القرون الماضية، فإن ذلك مرجعه لطبيعة المصالح السياسية والاقتصادية، والتي حاولت توظيف (المشروعية الدينية) على ما تقوم به.
   وإذا كانت ثقافة الحوار تحدد الأرضية المشتركة والمكونة للحضارة الإنسانية، فإن هذه الأرضية لا يمكن تشييدها إلا من خلال الاعتراف المتبادل بالتقاليد المميزة للثقافات الإنسانية المتعددة، ومن ثم التفاعل بين الهويات الثقافية المتعددة والتي تسمح بالتعايش بين مختلف التقاليد الحضارية، وإزالة حالات سوء الإدراك والصورة النمطية التي ترسمها هذه الثقافة تجاه الآخر.
   إن الحوار بين الحضارات هو تعبير عن أبرز قيم الحضارة وسمات الشخصية الإسلامية المتوازنة وهو ضرورة حتمية وواجب أخلاقي وإنساني وشرط مؤكد للتعاون الإيجابي والمثمر للتعايش السلمي والإيمان بالقيم المشتركة الثابتة بين البشر فضلاً عن التكافؤ بين الإرادات والنوايا الحسنة، والاحترام المتبادل والالتزام بالأهداف التي تعزز القيم والمبادئ الإنسانية التي هي القاسم المشترك بين جميع الحضارات والثقافات.








الأحد، 26 يوليو 2015

دور الإعلام في توعية الرأي العام

دور الإعلام في توعية الرأي العام
بقلم: أيمن هشام عزريل
   تسهم وسائل الإعلام في هذه الأيام بدور كبير جداً في تأثيرها على اتجاهات، وتيارات الشعوب، والجمهور خاصة، وتبيان أرائه ومواقفه إزاء جميع القضايا التي تدور من حوله في أي بلد كان، فهذه الوسائل لها أن تسهم بشكل فعال، وإلى حد كبير في بلورة، وتشكيل الرأي العام في تحديد اتجاهاته، وعما يجري حوله في العالم.
   إن وسائل الإعلام ومنها القنوات التلفزيونية الفضائية، ومن خلال برامجها قادرة على تشكيل اتجاهات الرأي العام والتأثير عليه، وذلك من خلال ما تقوم بعرضه من منتجات سياسية، وثقافية، ودينية، واجتماعية، فقد أقيمت بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة تأثير وسائل الإعلام وخصوصاً التلفزيون باعتباره المصدر الرئيس للمعلومات السياسية للناخبين الأمريكيين، وهذا الأمر ليس فقط في أمريكا وإنما في جميع دول العالم كون التلفزيون المصدر الأساسي للمعلومات التي يتزود منها الناس، خصوصاً عندما يتم ربط وسائل الإعلام بالأحداث التي أصبحت في بؤرة الاهتمام برموز لها مكانتها على المسرح السياسي لتمكنهم من اتخاذ مواقف من الأحداث والقضايا المختلفة.
   فالرسائل التي يقوم التلفزيون بنقلها للأفراد لها دور مهم في تشكيل وعيهم تجاه العديد من القضايا والموضوعات السياسية من مختلف جوانبه فهو يساهم في دعم وصياغة رأيه العام تجاه أي قضية معينة، وقد لوحظ في الفترة الأخيرة مدى الارتباط الوثيق، والعلاقة التي تربط بين الرأي العام والتلفزيون وأنهما يشتركان في أن كلاً منهما مقياس للآخر، وأن كليهما مقياس لتحضر الأمم والشعوب.
   للبرامج التلفزيونية الدور الكبير والهام في التكوين الثقافي للفرد والمجتمع، سواء كانت برامج أطفال، أو العائلة، أو كانت برامج سياسية، ثقافية، دينية، اجتماعية، أو ترفيهية، فالبرامج التي يتم بثها لها القدرة على ترك أثرها الثقافي في نفس الفرد والمجتمع سواء بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، أكثر مما تفعله البرامج، والدراسات، والندوات التي يتم عقدها.
   إن تشكيل الاتجاهات عند الشعوب أصبحت من المجالات التي بإمكان وسائل الإعلام القيام بدور كبير بها، فظهرت الكثير من النظريات والنماذج التي تشرح وتفسر هذا الدور، والعوامل التي تؤثر في اتجاهات الأفراد حيث يمكن أن تتطور وتتغير حتى لو لم يهدف ذلك، وهم نادراً ما يسعون لذلك ولكنهم يتعرضون بعض الأحيان لمواقف ومعلومات تجعلهم يفكرون ومن ثم تتغير مشاعرهم تجاه بعض الأشياء، أو القضايا وبالتالي تتطور وتتغير اتجاهاتهم.
   يحتاج تشكيل الاتجاهات للرأي العام عرض مجموعة من الحقائق، والمعلومات، والأحداث حول مواضيع محددة ذات صلة، وعلاقة بالموضوع المراد إيصاله للرأي العام، فهو يساعد في توفير الحقائق اللازمة لمعرفة وجهات النظر المختلفة حول القضايا العامة، وبالتالي تكوين الآراء، والاتجاهات عند الأفراد، والجماعات، والشعوب.
   لقد أضحى الرأي العام ظاهرة لا يمكن لأي نظام سياسي أن يتغاضى عنها مهما كان شكل هذا النظام وطبيعته، فإنه أي النظام السياسي حتى ولو كان لا يمتلك مؤسسات للراي العام وقد يتجاهل وجوده، فذلك لا يعني عدم وجوده، لأنه موجود في حالة كامنة، لذا ليس من الغرابة بشيء أن تكون عملية الاستحواذ على الرأي العام هدفاً لكل سياسة سواء كانت في السلطة أم خارجها غير أن طريقة التعامل السلطوي مع الرأي العام تختلف باختلاف طبيعتها وأهدافها وأشكال مؤسساتها، وأن أول ما يجب ملاحظته بخصوص الرأي العام هو أنه ظاهرة تدور حول مجموعة من القوى النفسية المحركة للمجتمع السياسي، أو أنها تفترض مركزاً للثقل عن طريقه تتحدد أبعاد هذه الحركة، أي إن الرأي العام يكون رد فعل للسلطة والتصورات المرتبطة بها ويرتبط وجوده بتواجد السلطة كحقيقة تصاعدية تكاملية، أو متكاملة، وبهذا فهو نوع من التحرك للقوى النفسية في مواجهة السلطة، أو عملية ممارسة السلطة، لقد أضحت شرعية السلطة، واعطاء المبررات لوجودها، وبشكل خاص في دول العالم الثالث بحاجة أكثر من أي وقت آخر إلى تأييد الرأي العام، وبغض النظر إن كان ذلك يعني خلق الرأي العام من قبل السلطة السياسية التي تنفرد بامتلاكها الوسائل الكفيلة لخلق هذا الرأي، أو يتبنى الرأي العام السابق الموجود على الساحة السياسية، حيث يمكن الاستفادة منه في تحقيق إقناع الفرد بقبول تبريرات صاحب القرار.

   وبالتأكيد أن كل ذلك إنما يعبر عن ممارسة الشرعية السلطوية في أحد أبعادها في ظل ظروف المشاركة السياسية، إذ ينخفض الميل لهذه المشاركة بفعل ظروف التخلف المعروفة لدى بلدان العالم الثالث وكان (أبراهام لنكولن) يقول أنك تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدعهم كل الوقت، في إشارة منه إلى قوة الرأي العام وضرورة عدم تجاهله، أو الاهتمام به.

الأحد، 7 يونيو 2015

اليمن بين الماضي والحاضر

اليمن بين الماضي والحاضر
بقلم: أيمن هشام عزريل
   اليمن وعبر تاريخه الطويل، والمعاصر، شأنه شأن باقي الدول العربية هيمنت عليه تحالفات وقوى خارجية، كان هدفها سلب مقدرات ذلك البلد، وإرثه التاريخي، خرجت أصوات شعبه تطالب بالحرية، والاستقلال، والمستقبل، والوحدة، بعد انقسام طال وقتاً طويلاً، أحدهما شمالي، والآخر جنوبي، لأن طبيعة السياسة التي يشهدها اليمن عبر تاريخه السياسي، ومع ما ينطوي على الحياة السياسية من قوى، وأحزاب، بدأت تأخذ بعداً مختلفاً فرضتها ظروف التقسيم على تلك المسيرة، ودور الحركات الوطنية، حيث كان لكل من شمال اليمن، وجنوبه نطاقه الجغرافي، وحدوده السياسية، ونظامه السياسي، وبنيته الاقتصادية، كما لطبيعة النظامين في كلا الشطرين أجندة مختلفة عن الأخرى في الخصائص السياسية، والجذور الفكرية، والأيديولوجية، والتطلعات السياسية، قبل أن تتهيأ الأوضاع لتحقيق، وحدته الاندماجية.
   والسياسية اليمنية في الشمال كذلك الحال في الجنوب تتأثر، بالتوازنات الإقليمية، والدولية، التي أفرزها الواقع الدولي، وخصوصاً اعتبارات بعض القوى الفاعلة في إقليم الخليج والجزيرة العربية، وما فرضته الأحداث، والتحولات السياسية الكبرى، التي شهدتها حقبة ما بعد الحرب الباردة من حقائق، ومعطيات جديدة كانت لها أثارها العكسية على الساحة السياسية في تلك المنطقة، والتي تمثلت بظهور حراك سياسي اجتماعي، فضلاً عن دور المنظمة الدولية في إقرار مبدأ التدخل الإنساني مطلع تسعينيات القرن الماضي، إذ أضحت قضية الديمقراطية، وحقوق الإنسان، مبدأ مهم من مبادئ القانون الدولي، والدعوة إلى التحديث، والإصلاح السياسي.
   ومنذ قيام الوحدة بين الدولتين عام ١٩٩٠، وما تلاه من تعديلات دستورية في البلاد، كانت نقطة تحول في الحياة اليمنية السياسية، إذ بدأت الحركات الوطنية في البلاد باتجاه الاقتراب من التعددية، والمشاركة السياسية، والذي تعزز فعلياً، ودستورياً من خلال صدور دستور واحد للدولة، وإقرار قانون القوى السياسية في إطارها، وإجراء أول انتخابات رئاسية، وبرلمانية نقلت البلاد من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، والسياسية، ثم واجهت دولة الوحدة تحديات جديدة في السنوات اللاحقة أملتها ظروف داخلية تمثلت بصراع الشركاء السياسيين على السلطة، وأخرى خارجية تمثلت بطبيعة التوازنات الإقليمية، والدولية، والتي ألقت بظلالها على الحياة السياسية برمتها، وكادت أن تعصف بالتجربة الديمقراطية، وبالتعددية السياسية، وحتى بتجربة الوحدة التي ولدت من خلالها تلك التجربة.
   وقد كان العامل الخارجي المتمثل بالدور الأمريكي حاضراً في التطورات السياسية التي جرت في اليمن في السنوات الأخيرة، وتبدو تجليات ذلك في حالة الحرج التي بدت على صانع القرار الأمريكي في اختلال المعادلة السياسية في هذا البلد نتيجة الضغوط التي أملتها معادلات الربح والخسارة في إطار منظومة المبادئ من جهة، والمصالح من جهة أخرى في التعاطي مع نظام الرئيس صالح المتمسك بالسلطة من جهة، والمعارضة المتمثلة بأغلب أطراف جبهة اللقاء المشترك الساعية لإزاحة الرئيس صالح عن السلطة من جهة أخرى.
   إن النقلة النوعية في حياة اليمن السياسية تزامنت مع إعلان دولة الوحدة، وهي الأخرى جاءت بفعل متغيرات إقليمية وداخلية عجلت من قيامها، إذ سجل إعلان الوحدة انعطافة تاريخية باتجاه تطبيع الديمقراطية، والمشاركة السياسية، وإن الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال المرحلة الماضية قد أسهمت في انتهاء حكم الحزبين الحاكمين (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي).. وبذلك يدخل اليمن أول مرة في تاريخه السياسي مرحلة التعددية الحزبية، وقد تعزز ذلك من الناحية الفعلية، والدستورية من خلال صدور دستور دولة الوحدة، الذي منح حق التنظيم السياسي، وحق الأحزاب، والتنظيمات السياسية ممارسة نشاطها إلى جانب الحزبين الحاكمين ثم صدور قانون الانتخابات البرلمانية الذي أقر عام ١٩٩٢، وإجراء أول انتخابات عام ١٩٩٣، تلتها انتخابات عام ١٩٩٧، النيابية بعد إنهاء الحركة الانفصالية التـي فجرها قادة الجنوب عام ١٩٩٤، ثم انتخابات عام ١٩٩٩، تلتها الانتخابات الرئاسية، وكان آخرها انتخابات عام ٢٠٠٦، الرئاسية التي فاز فيها الرئيس علي عبد الله صالح.
   إن المتغيرات، والأحداث التي شهدها النظام السياسي الدولي منذ نهاية عقد الثمانينيات نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي، وكتلتـه الشـرقية–بآثارها السلبية، والإيجابية على شطري اليمن، قد عجلت من قيام دولة الوحدة التي بدأت إرهاصاتها الأولى مطلع سبعينيات القرن الماضي بين مد وجزر، تلك الوحدة فضل خيار الديمقراطية، والمشاركة السياسية موحداً سياسياً التي صنعت نظاماً إذعاناً لمتطلبات الوضع السياسي الدولي، وركوب موجة الديمقراطية التي عمت مناطق كثير ة من العالم الثالث.
   ناهيك عن طبيعة التفاعلات العربية، والتوازنات الإقليمية المطلوبة في النظام الإقليمي العربي، لابد وأن تدفع باتجاه قيام الوحدة اليمنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قادة اليمن الجنوبي أصبحوا خارج تلك التفاعلات مما ولّد الشعور بالعزلة بعد أن فقدوا سندهم الدولي الاتحاد السوفياتي.. مفضلين خيار الانضمام إلى دولة الوحدة.
غير أن اليمن في الوقت الراهن يعيش تحت وطأة أزمات داخلية، وصراعات سياسية من نوع آخر منذ عام ٢٠٠٤، تلك الأزمات التي قد تعصف بوحدته، واستقراره بدءاً بالصراع العسكري الذي يدور بين الحكومة اليمنية، والحوثيين بالحراك السياسي في الجنوب، وسعي بعض قياداته للانفصال عن الشمال، وانتهاءاً بالأزمة الأخطر، المتمثلة بعودة الجماعات المسلحة، التي صعدت من عملياتها منذ عام ٢٠٠٠، بالهجوم على المدمرة (كول) الأمريكية، حتى وصل الحال إلى حد إعلان اليمن مقراً لقيادة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.

   إن التمرد الذي يجري في الشمال، والحراك السياسي في الجنوب، ما كان ليفعل فعله لولا وجود دعم، وتأييد خارجي من قوى إقليمية، ودولية لها أجنداتها المختلفة، ساهمت في إثارتها بين الحين والآخر، ولاسيما الصراع الدائر مع الحوثيين..وفي مقدمة هذه القوى دون شك–إيران، والولايات المتحدة، والسعودية، ومعها دول الخليج العربي–في إطار صراع المصالح الدائر بين تلك القوى، مما سيلقي بظلاله في المستقبل المنظور على الحياة السياسية اليمنية.