الخميس، 20 نوفمبر 2014

نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد



نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لم تعد ظاهرة الفساد اليوم مجرد مشكلة داخلية تتعلق بدولة ما، بل أصبحت ظاهرة معولمة، وأشكال وأنماط هذه الظاهرة أصبحت معقدة لدرجة يصعب التعرف عليها أحياناً، وتعد هذه الظاهرة من الظواهر الخطيرة التي تواجه الدول، حيث إنها تنخر في جسم المجتمع ابتداءاً بالجانب الأمني، ثم عملية التنمية بكل أنواعها والتي تؤدي إلى عجز الدولة عن مواجهة تحديات إعادة الأعمار وبناء البنى التحتية، فالفساد بمفهومه كما عرفته كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، ظاهرة عالمية ومستمرة، لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها، ففي اللغة يقال (فَسَدَ) الشيء، (يَفسِد) بالضم (فساداً) و (أفسده ففسد) والمفسدة هي ضد المصلحة، والفساد بمفهومه الشامل هو (مرض اجتماعي خطير جداً إذا انتشر في أي مجتمع أنهار المجتمع بجميع مؤسساته العامة والخاصة، مما يؤدي بشكل حتمي إلى زعزعة أمن واستقرار أي بلد في العالم، وهو التلف والخلل والاضطراب، ويعني الحاق الضرر بالأفراد والجماعات وهو ناشئ عن سلوك الإنسان وحده).
   ولا شك أن انتشار ظاهرة الفساد في الأونة الأخيرة بشكل كبير، كان بسبب غياب الحكم الصالح، والمساءلة والشفافية، وتعقيد الأنظمة الإدارية، وضعف القانون والسلطة القضائية، لأنه حتماً إذا توفرت هذه الأمور سوف تقلل من هذه الظاهرة، وحيث أن لهذه الظاهرة أثار وخيمة  ومن بين هذه الأثار هو تأثيرها السلبي على المجتمع بسبب الهدر والضياع في المال العام وسوء استخدام الموارد العامة.
   فمؤسسات المجتمع المدني، تعد السلطة الخامسة من السلطات المدنية، التي أنتجها العقل البشري، لتنظيم شؤون الحياة والمجتمع، فقد جاءت بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووجد الإنسان أن هذه السلطات لا يمكن وحدها أن تقوم ببناء مؤسسات الدولة، وجاءت الحاجة إلى إيجاد مؤسسات جديدة فكانت السلطة الرابعة وهي الصحافة والإعلام، ثم السلطة الخامسة مؤسسات المجتمع المدني، فالإسهام في بناء مؤسسات الدولة يحتاج إلى تظافر جميع الجهود والتوجهات والمؤسسات وضمنها مؤسسات المجتمع المدني.
   ويرتبط الفساد بعدم الاستقرار السياسي، حيث أن الفساد مؤشر مستقل مهم يدل على احتمال (تغيير النظام الحاكم) في الدول، حيث أن الفساد واسع الانتشار يؤدي إلى خيبة الأمل الشعبية إزاء الحكومة، على الرغم من العلاقة بين الفساد والحكومة، حتى ولو أمكن قياسها بدقة، فلن تكون علاقة تامة، لأنه سيؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة والحكومة أمام شرائح المجتمع، ويفقدها المصداقية.
    حيث يلحظ المتابع للشأن العربي، أن الكثير من حوادث الفساد والنهب المنظم اقترفها من يسمون انفسهم ممثلو الشعب، الذين وجدوا أنفسهم في مقاعد نيابية صورية للمصادقة على النهب المستبد، فآثروا استغلال مواقعهم للإسراع بقضم ما يستطيعون من كعكة المال العام، تحت ستار مصلحة الوطن والمواطن والحفاظ على المصلحة العامة التي أصبحت في واقعنا العربي مجرد كلمة من التراث بالتحليل نجد أن غالبية البرلمانات العربية أو المجالس التمثيلية لا تحقق الغاية التي انشئت من أجلها فهي في حقيقتها لا تعدو أن تكون مجالس استشارية غالبية أعضائها لم يصلوا إلى المقعد النيابي عن طريق صندوق الاقتراع (وإن كانوا مروا عليه صورياً)، بل أوصلهم رضى سدة الحكم عنهم ومحاباتها لهم، وهذا ما نلمسه في العديد من البلدان العربية، أن يتولى شخص ما رئاسة تلك المجالس لفترة ليست بالقصيرة ولعدة دورات متتالية، يكون على الأغلب أما أحد أعضاء حزب الرئيس الحاكم البارزين، أو قريبه، أو صهره، أو من أفراد عشيرته.. إلى غير ذلك.
   وينطوي هذا المفهوم المتعدد الأبعاد، حتى نتمكن من محاصرة الفساد عند أدنى المستويات، لا بد من تحسين أوضاع صغار الموظفين في الخدمة المدنية، من حيث مستويات الأجور والرواتب، وما يتمتعون به من مزايا عينية إن وجدت، حتى تصبح تلك الأجور والرواتب أداة لـ"العيش الكريم"، مما يساعد في زيادة درجة الحصانة إزاء الفساد والمفسدين، وبما يساعد في القضاء على "الفساد الصغير" بأشكاله وصوره، حتى لا ندفع بهم إلى تعويض ذلك بتقبل الرشاوى وتسهيل بعض المعاملات غير المشروعة، فضلاً عن أن انعدام أو ضعف أجهزة الدولة الرقابية المسؤولة عن متابعة عمل الموظفين في الوزارات والمؤسسات العامة ما يشجع على ممارسة الفساد، وتتجسد مظاهر الفساد لدى البلدان الفقيرة، التي تعاني بالإضافة إلى الفقر والتخلف من مظاهر شتى للفساد تحدث على مستويات عدة.
   وعلى المستوى الاجتماعي، يؤدي الفساد إلى انهيار القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، ويسهم في انتشار عدم المسؤولية والنوايا السلبية لدى الأفراد في المجتمع، ويؤدي كذلك إلى انتشار الجرائم بسبب غياب القيم وعدم تكافؤ الفرص، ويعمق الفساد الشعور بالحقد تجاه السلطة الحاكمة من قبل المتضررين ويزيد من نسبة الفقراء والظلم ويؤدي إلى التراجع في تقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية.
   وبالتالي يصعب نظرياً وعملياً الحد من الفساد ونشر ثقافة الشفافية، فالفساد يشبه السوس الذي ينخر بنى الدولة، لا يمكن ردعه دون وجود مؤسسات سياسية قادرة على ذلك في ظل نظام متماسك للمسائلة والتعددية الحزبية.
   وصفوة القول أن الفساد أو ما يسمى بشرعنته، ظاهرة ذات أسباب سياسية واجتماعية وأخرى مرتبطة بالنظام، ترجع على عدم وضوح الفلسفة القانونية للتشريعات الصادرة والمطبقة في الدولة، أما الجانب القانوني فهو يظهر من خلال تفعيل الدور الرقابي والعقابي لمؤسسات الدولة، وليست هناك وصفة واحدة لمواجهة الفساد، بالنظر لوجود عدد كبير من العوامل التي تقف وراءه، لكن الانطلاق الحقيقي والشجاع في هذه المواجهة العصيبة، يبدأ بإقامة وإرساء نظام ديمقراطي سليم، يؤسس دولة القانون، ويضعها تحت الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ويقر باستقلال القضاء وتداول السلطة، واطلاق حرية الصحافة والرأي والتعبير، من خلال الهيئات التشريعية، والهيئات القضائية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، من منطلق تبنى مفاهيم اصلاحية في مقدمتها مفهوم (مكافحة الفساد بالإصلاح وإعادة التأهيل)، بالاعتماد على استراتيجيات حديثة لمكافحة الفساد.      

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

الهجرة العربية وانعكاساتها

الهجرة العربية وانعكاساتها
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لا تزال ظاهرة الهجرة الدولية للعمل بمختلف أبعادها تتسع وتؤثر على تشكل اقتصادات العالم، وقد شهدت هذه الظاهرة تنامياً ملحوظاً على امتداد الزمن إذ يغادر ملايين الأفراد مواطنهم سنوياً، ويمتلك الوطن العربي قدرات بشرية هائلة وكوادر فنية من مختلف المستويات والتخصصات، ولهذه القدرات دورها الفاعل في عملية التنمية والنهضة الحضارية، ولكن هذه الكفاءات تعيش حالة من التهميش والاهمال في بلادها نتيجة نظم سياسية تعيش على المحسوبية والواسطة والصراع البيروقراطي، فتلجأ هذه الكفاءات إلى الهجرة, وتصادف هذه الكفاءات هذه التسهيلات والاغراءات والراحة والرضا المهني في البلدان التي تهاجر إليها.
إن الهجرة ظاهرة حديثة و يرجع السبب في ظهورها إلى الحاجة إلى قيام اقتصاد رأسمالي عالمي شديد التكامل يجعل الناس يرتحلون باستمرار من أجل العمل أو تأهيل القوى العاملة من خلال الدراسة، لاسيما الدراسات العليا المتقدمة والمتخصصة أو اللجوء السياسي، وبلغت مشكلة هجرة العقول العربية والكفاءات العلمية إلى خارج الوطن العربي درجة من الأهمية جعلها أحد القضايا الهامة التي تواجهها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لذا يجب على الدول إتباع السياسات التي تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المجالات الإنتاجية والخدمية ذات القيمة المضافة المرتفعة أو الكثيفة تكنولوجياً، فإذا كان القرن العشرين هو قرن الشهادات فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الكفاءات، فقد أصبحت الشركات والمؤسسات تعطي قدراً أكبر من الاهتمام للكفاءة والخبرة لدى منتسبيها، وعليه فإن الممارسة والمهارة والخبرة العملية تعد اليوم أساساً لتقييم العاملين، إن الحرمان من التعليم أول مراحل الحكم على البشر بالفقر ومن المؤكد أن قلة التحصيل العلمي ورداءة نوعيته ترتبط بقوة بظاهرة الفقر، ويركز قطاع التعليم في تكوين رأس المال البشري والاجتماعي اللازم للنمو الاقتصادي والإنماء الاجتماعي، وأنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ناجحة ما لم تصاحبها تنمية بشرية والتي تتولى مهمتها التربية والتعليم، وهذه لا يمكن النظر إليها على أنها خدمة استهلاكية.
ليس هناك سبب واحد لهجرة الأدمغة، بل إن هذه الهجرة  نتيجة تفاعل عدة عناصر ومسببات وعلى رأسها الأوضاع الأمنية والسياسية، والتي انعكست بدورها على الاقتصاد والاستثمار والتنمية المستدامة، وعلى خلق فرص عمل جديدة تتماشى مع التحصيل العلمي الحديث، وتواكب التطور التكنولوجي العالمي، كذلك هناك أسباب مهنية مبنية في مجملها على عدم توافر قطاعات عمل لهذه الكفاءات العلمية أو عدم توافر بيئة اجتماعية مدركة يتفاعل فيها الفرد مع نظرائه ومع مجتمع المعرفة في الحقل نفسه، فأن أهم دوافع الهجرة الحالية خصوصاً الدائمة منها تكمن في الأمن السياسي الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على الحركة الاقتصادية والاستثمار وتفعيل السوق وانتاج الوظائف.
إذاً الهجرة تتمثل بالعجز الحاصل في الكوادر العلمية اللازمة لرفع وتيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهذا بدوره يؤثر بشكل مباشر على مستوى الرفاهية، وكذلك تؤدي الهجرة إلى عدم حصول البلاد على أي مردود مالي لقاء ما أنفقته على تعليم الأفراد، وتؤدي الهجرة إلى نتائج اجتماعية تتمثل بتناقص قدرة هذه البلدان في إعداد المؤهلين اللازمين لعمليات التنمية، حيث أن هجرة الكوادر العلمية تحرم الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتأهيلية من الأجهزة والكوادر التي تكون بإمكانها أن تعمل على إعداد المؤهلين محلياً.

من كل ما سبق؛ نتوصل إلى جملة أمور منها، توظيف الأموال في خدمة عملية التنمية والتطور ووضع الخطة العلمية السليمة لتحقيقها، وكذلك توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية الفنية العالية في خدمة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن تحقق هذه الشروط يؤدي إلى السير نحو تحقيق النمو والرفاهية المؤكدة لأبناء الوطن، والشرط هو توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية هو الشرط الأكثر أهمية، للاهتمام بالكفاءات التي تعمل على مراقبة التنمية لتمارس دورها في النهوض بعملية التنمية والتقدم نحو الرفاهية ورفع مستوى المعيشة في هذا البلد، ولابد من توفر فرص عمل للكفاءات، والاستفادة من خبراتهم وكفاءتهم، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لأن هذه المشكلة تعاني منها أكثر أقطار الوطن العربي فأصحاب الكفاءات عندما يسافروا إلى الخارج للتعلم، ويعودوا إلى بلادهم لا يجدوا فرص عمل ومكان مناسب لعملهم، فسوف يهاجروا مرة أخرى للبحث عن العمل في مكان آخر مناسب لاختصاصهم.

الأحد، 2 نوفمبر 2014

أسواق المال العربية بعد الأزمة العالمية

أسواق المال العربية بعد الأزمة العالمية
 بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   الأزمة المالية ليست بالظاهرة الحديثة في الاقتصاد العالمي، فقد شهد العالم منذ ستينيات القرن التاسـع عشر عدة انهيارات مالية في انكلترا كونها المركز المالي الأساسي في العام في حينها، ثم تبعتها أزمـات حـادة في أوربا (1907-1913) في بداية القرن المنصرم ترتب عليها الحرب العالمية الأولى، ثم حدث الانهيار المالي الذي خلف الكساد العظيم (1929-1933)، والتي هزت العالم الصناعي بشكل عام والاقتصاد الأمريكي بشكل خاص تعرض خلالها لسنوات مضاربة حادة في أسواق العقارات وتصاعد أسعار الأسهم وانفجار الفقاعات المـصرفية (1930-1933)، والتي تجلت بإفلاس بعض المصارف الكبيرة والصغيرة منها، والتي وجدت حلولها بـضبط الـسياسات الاقتصادية ومن خلال التدخل الحكومي (النظرية الكترية)، بينما سجلت أزمة التـضخم الركـودي (1974-1975) مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية بدأت بعدها مرحلة الليبرالية الجديدة القائمة على الانفتـاح الاقتصادي والتحرر المالي والذي تمثل بالتشابك والترابط شبة الكامل بين الأنظمة المالية والنقدية لمختلف الدول ولتبدء أزمات المديونية في العالم النامي وغيرها من أزمات شهدها عقد التسعينات كان أعنفها الأزمة الأسـيوية (1997)، وليشهد الاقتصاد العالمي في 15/09/2008، أزمة اقتصادية حقيقية اعتبرها المحللـون هـي الأعنـف والأقوى منذ أزمة الكساد الكبير، والشيء الذي يذكر، إن الأزمة المالية أصبحت أكثر تكراراً وأسرع انتـشاراً وأثقل حجماً عما كانت عليه سابقاً، كما أنها تختلف من حيث مسبباتها، ولكنها تتـشابه في كونها تنتـهي إلى ظاهرة ومن ثم يبدأ الانهيار الا وهو وجود دين كبير (Debt) والذي يفوق طاقة الاقتصاد ولا يـبرره النـشاط الحقيقي، وتتشابه أيضاً في النتائج التي تتبعها وهو ترسب وركود اقتصادي وهبوط الإنتاج والبطالة وهي أخطـر المشاكل .
 والأسواق المالية كغيرها من الأسواق الأخرى ليس بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية ولا سيما أنها بدأت في القطاع المالي وهو من أكثر الأسواق تأثراً بما يحدث من اضطرابات على المستوى العالمي لما يتميـز بـه مـن خصائص ذات حساسية عالية بما يحدث للاقتصاد العالمي من تطورات تذكر، وعلى ما تقدم، هدف هذا البحث وبشكل رئيس إلى البحث في أثر الأزمة المالية المعاصرة على أسواق المال العربية خلال نهاية عام 2008، وكـذلك بعد عام من الأزمة المالية.

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

ثورة التكنولوجيا وأثرها على الأسرة العربية


ثورة التكنولوجيا وأثرها على الأسرة العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
يتفق الجميع ولا سيما علماء الاجتماع على أن الأسرة هي عماد المجتمع، والمجتمع كما يذهب (تارد) إلى أنه جملة أفراد يحاكي بعضهم بعضاً، أو يلتقون في صفات مشتركة موروثة من نموذج واحد قديم، وهذه هي الذرية الاجتماعية، والحقيقة أن المجتمع يقوم على أفراده وعلى العلاقات القائمة بينهم، ولكنه شيء آخر غير هؤلاء الأفراد وغير تلك العلاقات، ولكل مجتمع ثقافته ونظمه، وعاداته وتقاليده، وله صور شتى كالأسرة، والعشيرة، والقبيلة، والأمة، والشعب، وهو يشملها جميعاً، ولكنه أن أُطلق أخذ في أوسع معانيه، ترتبط المجتمعات عادة بعدد من المعايير أو الأعراف المتخذة كمعايير هي آداب التصرف والحياة والتفكير المحددة اجتماعياً، والمعاقب على تجاوزها اجتماعياً، فالمعيار الاجتماعي هو مستوى العادات والتقاليد والتوجهات المشتركة، الذي تبلغه جماعة، وتتخذه بمثابة قوة موجهة لسلوكها أو تصرفها، ويمكن اعتبار المعيار الاجتماعي بمثابة المرجعية الذاتية للجماعات المعينة، ومن ضمن هذه الجماعات الأسرة، وإذا ما تعرضت هذه المعايير إلى تغيير خارجي ولا سيما من قبل وسائل الثورة المعلوماتية أو إلى تبديل بمرور الزمن وبإرادة أفراد الأسرة والمجتمع فهنا مكمن الخطر الذي يهدد هوية المجتمع، إذا ما حدث وتم ضرب أو تهديد منظومة القيم أو المعايير الاجتماعية والتي هي بمثابة مبادئ عامة يتمسك بها الأفراد تمسكاً شديداً بحيث تؤثر على سلوكهم وتجعلهم يتميزون بالتطابق والتشابه، سيكون هناك صراع ما بين منظومة قيم الداخل والقيم الوافدة من الخارج عبر آليات الثورة المعلوماتية أو بمعنى آخر يحدث صراع بين نوعين من الثقافة (ثقافة الداخل وثقافة الخارج)، لقد أضحت اليوم تكنولوجيا المعلومات وتحديداً تكنولوجيا الاتصال القطار الذي استقلته العولمة لتحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية، وقبل ذلك كله الأهداف الثقافية التي تسعى أو تمهد لترويض العقول من أجل عدم تعارض الأهداف السياسية والاقتصادية، ومن هنا يتم التمهيد لنسف المعايير الاجتماعية من مبادئ وقيم وعادات والتي يتمسك بها الفرد والأسرة والمجتمع، ومن أجل تحقيق ذلك فإن تكنولوجيا المعلومات أو الثورة المعلوماتية تؤثر على هوية الفرد والأسرة العربية عبر عدد من الآليات تحرير إرادة الشعوب من القيود الاجتماعية والثقافية والفكرية التي يعتقد منظرو العولمة بأنها تعيق تقبلها للثقافة الجديدة عن طريق الاستخدام الموجه للكلمات والصور، وفي ذلك يرى هربرت شيللر أن السيطرة على البشر وعلى المجتمعات تتطلب في الحاضر وقبل كل شيء الاستخدام الموجه للإعلام، فمهما كان جبروت القوة التي يمكن استخدامها ضد شعب ما فإنها لا تفيد على المدى البعيد، إلا إذا تمكن المجتمع المسيطر من أن يجعل أهدافه مقبولة على الأقل، إن لم تكن جذابة بالنسبة لهؤلاء الذين يسعى لإخضاعهم، فالحالة الشعورية لسكان بلد ما لها دورها الملموس في تحديد سلوكهم الاجتماعي ونهجهم الثقافي، تعويد العقول على مشاهدة ومعايشة الأنماط المغربة للثقافة الجديدة بإحكام السيطرة على المعلومات وتوظيفها وتعميقها وفقاً لمواصفات محددة وبمقومات تم اختبارها عملياً لتعتاد الشعوب عليها وعلى مشاهدتها عن طريق التكرار غير الملل، هذا التعويد يمكن في ظل ظروف معينة أن يلحق بالصحة العقلية للإنسان فيصبح أسيراً لعاداته، إعادة تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب على نمط الحياة الغربية وحثها على المشاركة فيها على نحو نشط يحقق على المدى قولبة الإنسان بحسب النموذج الاجتماعي الغربي، تعزيز فكرة الانخراط النشط في الثقافة الجديدة عن طريق إبراز مظهرها الخارجي والثناء على كل من يتبناها ويعمل بموجبها، بما يشجع الانتماء إليها، وعلى اعتبار أنها أسلوب للحياة العصرية المهتمة بآخر تقليعات العصر، وبالأشكال الجديدة للمأكولات والمشروبات والمتعة والترفيه والإنفاق في إطار يتجاوب مع حاجة الرأسمالية إلى زيادة الاستهلاك من جهة، والتأكيد على قيم المجتمع الرأسمالي من جهة أخرى.

وفقاً لما سبق، هناك تساؤل مهم يتبادر إلى الذهن مفاده؛ إلى أي مدى سيكون تأثير الثورة المعلوماتية على هوية الفرد والأسرة العربية مستقبلاً؟

الأحد، 12 أكتوبر 2014

التنمية العربية – في بناء الدولة والأمة في الوطن العربي

التنمية العربية – في بناء الدولة والأمة في الوطن العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   إن هاجس الخوف من المجهول لازم الإنسان منذ القدم وحتى يومنا الحاضر، وذلك بحكم معاناته من مشكلات مستديمة يقاوم بعضها ويستسلم لبعضها ويحل بعضها، فلكل زمان ومكان مشكلاته وظروفه التي تتجدد وتتعقد لتظهر بأشكال وطرائق جديدة، على الرغم مما حققه الإنسان من تقدم تقني على مستوى الاتصالات والمواصلات، والاكتشافات على مستوى الصحة والغذاء... وغيرها، وبالرجوع إلى الخطوات الفكرية التي حققها الإنسان على مستوى التنمية، نجد أن نظريات التنمية مع اختلاف اتجاهاتها، لم تكن وليدة المدة التي انقسم فيها العالم إلى دول صناعية متقدمة وأخرى نامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل تمتد جذورها إلى الإسهامات النظرية والعناية المبكرة لعلم الاجتماع على يد روّاده الأوائل الذين أعطوا جلّ عنايتهم لقضية النمو والتطور نحو مراحل أكثر تقدماً، مقارنةً بالمراحل التي ميّزت المجتمعات في مراحل ما قبل النهضة الأوربية، وظلت تلك النظريات حتى الثلاثينيات من القرن الماضي تبدو أكثر التصاقاً بالتجربة التاريخية للمجتمعات الأوربية وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تأثرت نظريات التنمية ب(مدرسة التحديث) التي استندت في منهجها إلى تحليلات دوركهايم وماكس فيبر وأطروحاتهم لمفهوم التطور الاجتماعي الذي ينطوي على تغيرات تتدرج وفق مراحل وأنظمة محددة لا بدّ من استنفادها، وفي المرحلة نفسها ظهرت مدرسة ثانية أطلق عليها (مدرسة التبعية والتخلّف) التي استمدت أفكارها من أطروحات كارل ماركس، فهي ترى أن حالة التخّلف وما يصاحبها من قيود ما هي إلا نتيجة للعلاقات غير المتكافئة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية، بحكم القيود والموانع المفروضة على الدول النامية للحيلولة بينها وبين التطور للأفضل وقد ترجع جذور الفكر الاشتراكي إلى عصور قديمة، فمثالية أفلاطون المبنية على النخبة الموهوبة ذات المواصفات الاجتماعية والسياسية المتميزة من الناس هي في الأساس اشتراكية أرستقراطية، فقد شهدت المجتمعات على اختلاف مراحلها حركات عدّة رفضت ظروف الظلم والاستعباد، ودعت إلى مجتمع جديد قوامه العدالة والمساواة كثورة العبيد في روما وثورات الزنوج والقرامطة في العصر العباسي وغيرها من الحركات الشعبية التي استمدت قواها من الديانات السماوية التي تكلّف بها الأنبياء والرسل بأوقات وظروف زمنية متعاقبة، خاصة تلك المبادئ التي جسّدتها الديانتان المسيحية والإسلامية.
   أن الإمام علي رضي الله عنه كان يرى الفقر والظلم متغيرين يزعزعان بنية العائلة والمجتمع والدولة، ولذا أعطى الأولوية لمعالجتها لتكون مدخلاً لتحقيق التنمية البشرية، وذلك من خلال مقولتين شهيرتين له، هما: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" و"أعجب لجائع كيف لا يخرج شاهراً سيفه..."، وتوماس كمبانيلا وهو المفكر الإنكليزي الإنساني النزعة الذي نادى ببناء مجتمع خالٍ من مظاهر الاستغلال وسلطة المال، وغيرهم.
   وأوربياً سادت الأفكار الاشتراكية في نهاية القرن الثامن عشر بوصفها رد فعل على التفاوت الطبقي الذي أفرزته الرأسمالية، فقد طرح عدد من المفكرين الأوربيين مبادئ تهدف إلى إقامة فلسفة اشتراكية تستند إلى الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وانتقدوا الظروف التي خلفتها الثورة الصناعية، وما ترتب عليها من نمط إنتاجي رأسمالي أفرز العديد من المظاهر كالبؤس والحرمان والاستغلال.
   ولغرض إيقاف ما تتعرض له التنمية العربية من تخبّط وتراجع وعدم الذهاب إلى المجهول، والحيلولة دون إعادة إنتاج القديم حاضراً، بمعنى أن العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل تنتظم تاريخياً بحيث يكون تفاعل الحاضر مع التاريخ تفاعلاً وظيفياً وبمستوى المسؤولية، شاطباً فيها الماضي بإملاءاته الظالمة، ومجسداً لمستقبل خالٍ من التأزم والعقد، إذن فالمناصرة الجماعية هي الوسيلة لخلق النظام القادر على بث العدل والمساواة بين أبناء المجتمع، وأن الفردية ظالمة لنفسها لا تجني إلا الغرائز، وعليه يجب أن تكون المشاركة فعالة وقادرة على تحقيق أهدافها، بحيث يكون الاختيار قائماً على الأصلح والأهلية والكفاءة في تحقيق المسيرة الوطنية وفق الالتزام بالثوابت والمبادئ التي تجسدها الأمة ودينها الحنيف، لذا فنحن بحاجة إلى أشخاص يتميزون بالمعرفة وبالحكمة والإخلاص، ولهم ممارسة فعلية في نقل الأقوال إلى أفعال، ولهم انتماء وطني فوق الولاءات القاصرة والعاجزة عن خدمة الوطن والأمة.

   إن الله وحد بين الأنصار المهاجرين، بحكم تمسكهم بدينهم وبنبيهم وقرآنهم، فتحقق لهم النصر تلو النصر على الرغم من قلّتهم وكثرة عدوهم، واليوم بابتعادهم شيئاً فشيئاً عن عقيدتهم وعنايتهم بالمسائل التاريخية على حساب المسائل العقائدية، دبّ فيهم الضعف وابتعدوا شيئاً فشيئاً عن دينهم، والله قادر على أن يوحدهم من جديد إذا غيّروا ما بأنفسهم، وإذا ما تابوا واستغفروا وحلّت عليهم نعمة الله.

الأحد، 28 سبتمبر 2014

الثقافة العربية...إلى أين؟

الثقافة العربية...إلى أين؟
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
كشف تقرير عربي سنوي عن التنمية الثقافية تعلنه مؤسسة الفكر العربي، عن تدني معدل الالتحاق بالتعليم عربياً، مقارنة بدول العالم وانخفاض معدل الكتب المنشورة عربياً، وكذلك انخفاض معدل القراءة، ووفقاً للتقرير الذي تم إعلانه من القاهرة والذي شارك في رعايته المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز الخليج للأبحاث، أن هناك كتاب يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل 500 إنجليزي ولكل 900 ألماني.
أي إن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4%، من معدل القراءة في إنجلترا، فالتقرير علي صعيد ملف التعليم مثلاً يعالج قضية الجودة التعليمية ويقدم بالأرقام والتحليلات المقارنة مختلف عناصر العملية التعليمية في الجامعات العربية مقارنة مع الجامعات الأجنبية، حيث يكشف التقرير أن معدل الالتحاق بالتعليم في الدول العربية لا يتجاوز 21.8%، بينما يصل في كوريا الجنوبية إلى 91%، وأستراليا 72%، إسرائيل 58%، ويبلغ أعلى معدل لالتحاق الإناث بالتعليم في الإمارات 76%، والبحرين 68%، ولبنان 62%، بينما في مصر 45%، والسعودية 49%، اليمن 25%، واللافت أن متوسط معدل التحاق الإناث بالتعليم في الدول العربية 49%، يزيد عن معدله في اليابان (45%)!، وكوريا الجنوبية (37 %)، وتركيا (42 %). وعلى مستوى كفاية عدد الأساتذة في التعليم العالي إلى عدد الطلاب، فإن متوسط النسبة في العالم العربي هي أستاذ جامعي لكل 24 طالباً، بينما في اليابان أستاذ جامعي لكل 8 طلاب فقط، وفي أمريكا أستاذ جامعي لكل 13 طالب.
كما يعالج التقرير أيضاً ظاهرة الإقبال الملحوظ من جانب الطلاب العرب على دراسة الإنسانيات والعلوم الاجتماعية مقارنة بدراسة العلوم التطبيقية والبحثية ومدى انعكاسات هذا الخلل، حيث يكشف عن أن دراسة الإنسانيات والعلوم الاجتماعية في مصر تبلغ نسبتها 79%، من مجموع الملتحقين بالتعليم الجامعي، وهي أعلى نسبة في العالم العربي.
وعلى صعيد ملف الإعلام العربي تضمن التقرير رصداً كمياً وكيفياً لوسائل الإعلام الإلكتروني ومدى الحضور العربي من حيث اللغة وعدد المواقع وعدد الزوار المتصفحين على شبكة الإنترنت وكرس الملف القضايا والظواهر الثقافية في العالم العربي مثل: الثقافة العربية الأم والثقافات الفرعية، وأزمة القراءة والتواصل، ودور المال في دعم الإبداع العربي، والثقافة العربية المتوسطية؛ وثقافة المنفى، والثقافة العربية وتحديات الإعلام.
اكما اهتم التقرير بموضوع الصناعات الثقافية في العالم العربي، التي لا تتوافر عنها إحصائيات دقيقة لما تمثله في الدخل القومي بينما تشكل هذه الصناعات الثقافية ما بين 5% و10%، من قيمة المنتجات في العالم، أما على صعيد دوافع استخدام الإنترنت لدى المواطن العربي، فيأتي دافع الترفيه أولاً بنسبة 46%، بينما دافع التماس المعلومات يبلغ 26%، وأعلى معدل لنسبة استخدام الإنترنت إلى عدد السكان عل المستوى العربي في الإمارات 33%، وقطر 26%، بينما يبلغ في مصر 7%، والسعودية 11%، وسوريا 7%.
عندما نتحدث عن نظام الذات والثقافة فنحن نعني أنماط التفكير والتربية والتأهيل والإنتاج والتداول التي نشأت في حقبة زمنية معينة وتطورت بتأثير مجموعة من الخيارات الثقافية الواعية وغير الواعية التي يقوم بها فاعلون اجتماعية، وبحسب مصالحهم الاجتماعية والسياسية، وأهمهم في دولنا الحديثة، أولئك الذين يتحكمون بمقاليد الأمور الثقافية والتربوية والموارد العامة، ولعل السمة الغالبة على هذه الثقافة في البلاد العربية هي عدم الاكتمال أو النضج الذي يتجلى في ضعف وهشاشة النظم العقلية من فلسفات وعلوم.

والاستنتاج بأننا اليوم أمة متخلفة في ميدان العلم والثقافة والاختراعات وعدد العلماء والمتعلمين، بالمقارنة مع المعطيات المتداولة مع الدول المتقدمة علمياً وثقافياً وتقنياً.

السبت، 20 سبتمبر 2014

الإصلاح السياسي في الدول العربية



الإصلاح السياسي في الدول العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
إن قضية الإصلاح في العالم العربي قد أصبحت ضرورة هامة وخاصة مع تطلعات الشعوب ورغبتها في تحقيق إصلاح حقيقي وتزداد أهميته مع انتشار موجة التحول الديمقراطي على مستوى العالم بأكمله وخاصة في ظل العولمة وانهيار الفواصل ين الدول المختلفة والنوايا الخفية وراء المبادرات والضغوط الأمريكية للإصلاح ومدى صلاحيتها للتطبيق في العالم العربي، يجب على عملية الإصلاح أن تتناول العديد من الزوايا، ابتداء من تشخيص كل الحالات ومختلف المتغيرات، وسبل وطرق الإصلاح، ثم التحديات والسيناريوهات.
أصبحت قضية الإصلاح السياسي في الوقت الراهن في الدول العربية، وتحديداً بعد أحداث 11 أيلول 2001، واحدة من أهم القضايا التي تدور حولها النقاشات والحوارات وتختلف حولها الآراء ويجرى النظر إليها والشغل الشاغل للكثير من السياسيين العرب، ولعل السبب وراء هذا الاهتمام هي الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على الأنظمة العربية التي ترى أنها لا تنسجم مع الرؤيا الأمريكية للديمقراطية، واتهامها لبعض هذه الدول بدعمها للإرهاب، فأطلقت مصطلح "محور الشر" على كل من (العراق وإيران وسوريا وأفغانستان وكوريا الشمالية)، وعلى هذا الأساس قامت بغزو أفغانستان في عام 2002 ومحاربة نظام طالبان الذي لا تنسجم أفكاره والديمقراطية الأمريكية، ثم وعلى نفس المبدأ قامت بغزو العراق عام 2003 واحتلاله وإسقاط النظام فيه بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، سعت الولايات المتحدة وبشكل كبير إلى تعزيز سطوتها على الأنظمة العربية الخارجة عن سيطرتها بعد أحداث 11 أيلول، حيث اتخذت مما جرى وسيلة وذريعة للدخول بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الدول العربية، ومحاولة احتواء المنطقة من خلال المجيء بأنظمة موالية للسياسة الأمريكية.
عندما نتحدث عن الإصلاح السياسي الذي انتهجته بعض الدول العربية، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، هل أن الإصلاح السياسي الذي شهدته بعض الدول العربية نابع من الحاجة إلى التغيير، أم إن هذا التغيير نابع من الضغوط الأمريكية؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرك أولا طبيعة هذه التغييرات ومدى جدواها, إذ أن الكثير من الدول العربية قامت بإدخال إصلاحات شكلية لا تمس هيكلية النظام السياسي القائم, كتوسيع مقاعد البرلمان أو السماح بمشاركة النساء في البرلمان وإصدار بعض القوانين التي تدعو إلى تعددية حزبية تتمثل في إيجاد أحزاب جديدة منشقة عن الأحزاب الرئيسية والى غير ذلك من الإصلاحات التي لا تمس جوهر العملية السياسية، وهو ما يتعارض مع الطموحات التي يأملها العديد من السياسيين من خارج العملية السياسية، في إحداث إصلاحات حقيقية تتمثل في المشاركة في صنع القرار السياسي وأجراء انتخابات دورية لاختيار الحكومة ورئيس جديد للبلاد وغيرها من الإصلاحات.
فنشأت لذلك معادلة سياسية طرفها الأول بعض الأنظمة العربية التي مضى على وجودها عقود طويلة وتمسكها بسدة الحكم وعدم تأقلمها مع المتغيرات التي شهدها العالم، والطرف الآخر هو الإصلاحات الشكلية التي تسعى بعض الحكومات العربية إلى إدخالها من أجل إرضاء الأجندة الأمريكية التي تقف وراء الدعوة إلى الإصلاح.
هذه الإصلاحات لها أهمية علي المستوي السياسي وكذلك علي المستوى الاجتماعي والاقتصادي وأبضا الثقافي، قد يتجسد هذا السيناريو في مبادرات محدودة لكن بقدم بتغطيات إعلامية مكثفة، ومثل هذه الإصلاحات متواجدة بكثرة في العالم العربي، يمكن أن تكون أبضاً في مستوي متوسط (محاولات إصلاح التعليم والصحة)، أيضاً وأخيراً يمكن القيام ببعض الإصلاحات المتجذرة والتي تخص مستويات مهمة وفاعلة، كتقاسم السلطات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وغير ذلك.