السبت، 28 فبراير 2015

دوافع الثورة التونسية



دوافع الثورة التونسية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   كان عام 2011، هو عام الثورات العربية أو كما أطلق عليه اسم (الربيع العربي)، الذي وقعت فيه معظم الثورات في الوطن العربي، إلا أن أعنف تلك الثورات وقع في (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين)، وقد برزت أهمية الموضوع كون تونس مفتاح الثورات التي حدثت في العالم العربي، فالشرارة التي أشعلت الثورات ابتدأت من تونس ثم انتقلت باقي دول الوطن العربي.
   يتضمن الدستور التونسي نضال الشعب التونسي للتخلص من الاستعمار القديم، وتصميم هذا الشعب على توثيق الوحدة القومية، والتمسك بالقيم الإنسانية، والعمل للسلم، والتعاون الدولي الحر، والتعلق بتعاليم الإسلام، ووحدة المغرب الكبير، وانتمائه إلى الأسرة العربية، والتعاون مع الشعوب الإفريقية، وإقامة ديمقراطية تستند إلى مبدأ السيادة الشعبية، والفصل بين السلطات، والنظام الجمهوري، وإقرار المساواة بين المواطنين.
   لقد تبنى نظام بن علي أسلوباً في الحكم قائماً على قتل السياسة، لقاء التبشير بالتنمية الاقتصادية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن، أي تبني معادلة التنمية من دون ديمقراطية؛ وبالفعل نجحت تونس في تحقيق معدلات من التنمية تفوق النسب الموجودة في الدول المماثلة،   بفضل تدفق الاستثمارات الأجنبية، والسياحة الخارجية المندرجة في إطار تصور غربي قائم على دعم النموذج التونسي الذي عمل على تسويق صورة النظام الذي تمكن من مواجهة مطالب الحركة الأصولية بالنجاح الاقتصادي.
   إن نقطة ضعف هذا النموذج هو غياب مؤسسات تمتلك الشرعية المطلوبة لمراقبة مسالك المال العام الذي يصرف في برامج التنمية، وهو ما مثل أهم مدخل للفساد المالي، ولاستخدام أسلوب المافيات المنظمة لتجميع الثروة من طريق "الجاه المفيد للمال"، في غياب آليات المراقبة، والمحاسبة المؤسساتية، كما كشف هذا الغياب عن ضعف فظيع في امتلاك الآليات الاقتصادية القادرة على امتصاص تداعيات الأزمة المالية العالمية.
   وهكذا فإن من أبرز الأسباب البنيوية التي ساهمت في تأجيج روح الثورة لدى الشعب التونسي، تدهور الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية المتمثلة في ارتفاع مستويات البطالة، وخاصة في أوساط حاملي الشهادات، وتزايد التفاوت الاجتماعي بين المناطق والجهات، وتركيز الثروة في أيدي فئة محظوظة من الموالين لعائلة الرئيس.
   والسؤال الذي فرض نفسه بعد سقوط بن علي هو هل أن رئيس النظام سقط فقط، بينما ظلت مؤسسات الدكتاتورية والرشوة، وسوء التصرف قائمة؟
   إن هذا التساؤل طرح نفسه بشدة، خاصة أن الحركة الاحتجاجية كانت دون قيادة موحدة، ولا برنامج سياسي، واقتصادي بديل واضح.
   الانقلاب على الدستور، ودفع البلاد نحو سلسلة من الاعتصامات، والاضرابات، والتحركات الاحتجاجية، والمطلبية هدف الاستبعاد النهائي لكل رموز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم تونس في العقدين الماضيين، وعزل كل كوادر الدولة المنتمين إليه، وقد بقيت تلك التحركات شعبية كبيرة في الأسابيع الأولى للقوة، ونجحت في دفع كل الوزراء المنتمين إلى حزب بن علي إلى الاستقالة، وتبعهم محمد الغنوشي رئيس الوزراء، ثم تم حل التجمع الدستوري بقرار قضائي، إلا أن الزخم الذي دفع للاعتصامات المطلبية تراجع، بعد أن برزت مؤشرات اقتصادية، وسياسية، وأمنية سلبية عديدة، من بينها غلق كثير من المصانع والشركات، وركود القطاع السياحي، والخدمات المرتبطة به، بما يعني احتمال مضاعفة عدد العاطلين عن العمل.
   في وقت تحتاج فيه أساساً إلى إصلاحات سياسية، اقتصادية، واجتماعية تؤدي إلى معالجة معضلات البطالة، والخلل في التوازن بين الجهات، أي الأسباب المباشرة التي أدت إلى استشهاد محمد البو عزيزي، ومئات من شباب تونس، في ثورة شجعت جماهير عربية في كل مكان على التفاؤل مجدداً بالتغيير والإصلاح.
   وبخصوص شكل النظام السياسي التونسي هناك جدلاً قائماً اليوم بين دعاة النظام الرئاسي ودعاة النظام البرلماني، وهناك أيضاً النظام المختلط، وهذا الجدل محتدم، على الرغم من إقرار البعض عند وصفهم النظام السياسي التونسي بالقول: إننا إزاء نظام برلماني مشيراً إلى طبيعة العلاقة بين الحكومة المؤقتة، والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي، والانتقال الديمقراطي وطبيعة مهام هذه الهيئة.
   وبالتالي يكون النظام البرلماني المعدل أفضل لتونس، بعد التجربة المريرة طيلة نصف قرن من النظام الرئاسي، الذي أدى بها إلى التخلف، والديكتاتورية، والرئاسة مدى الحياة.
   حصل التغيير، وتغير نظام الحكم، ولكن قسماته الرئيسة ما تزال غير واضحة، ولم يتم إكمال صياغة الدستور، ولا تحديد زمني للانتخابات التي ستنهي المرحلة الانتقالية، وتحدد شكل نظام الحكم القادم، هذا فضلاً عن حالات عدم الاستقرار التي تشهدها تونس بين الحين والأخر كلها مؤشرات على استمرار المرحلة الانتقالية، واستمرارها يعني استمراراً لحالة عدم الاستقرار السياسي.

السبت، 14 فبراير 2015

نبذ سياسة العنف في المجتمع



نبذ سياسة العنف في المجتمع
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   من المعلوم أن العنف يقوم به الأفراد والدولة على حد سواء، فهو قد يقع من جانب أفراد المجتمع، وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، هذا في طبيعة الحال يحدث في حال عجزت الأطراف المختلفة في الإقناع بتغير السلوك، واستنفاذ كل الطرق السلمية، ومهما كان تقييم أعمال العنف يظل مسألة نسبية، ويتوقف على الجهة التي تقوم بالتقييم، وغالباً ما يقيم العنف من منطلقين هما الولاء والشرعية، لعل السبب في هذا هو الصلة الوثيقة بالتقاليد أو الأيديولوجيات السائدة في هذا البلد أو ذاك، ونظرتها إلى استخدام العنف كوسيلة في العمل السياسي، حيث نجد في دول معينة قوات عسكرية واسعة، وكبيرة لكنها لا تقوم بالانقلابات العسكرية، كما هو في البلدان الديمقراطية، وبعض بلدان الدول النامية في الوقت الراهن، وفي بلدان أخرى نجد أن السكان تمتلك أسلحة على نطاق واسع، ومع ذلك لا تحدث اغتيالات سياسية، في حين يحدث العكس في بلدان أخرى، وبالمقابل فإن اللجوء إلى الاغتيال، وأعمال الإرهاب على نطاق واسع الانتشار قد ينشأ عن ايدلوجية معينه تجيد أسلوب العنف في العمل السياسي.
   وبطبيعة الحال إن جميع هذه التشكيلات تتبنى تنظيرات للعنف، وتواجه عنف الدولة بعنف مضاد، وتعمل في الظلام بل وتعتبر نشاطها مشروع، لأنها تسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي الذي تدينه كونه لا آنساني، وقائم على الاستلاب حسب مفهومها، والواقع أن أعمال العنف لا يمكن أن تنفصل عن طبيعة الظروف في المجتمعات التي تحدث فيها، إن العصيان في المدن، والانقلابات العسكرية، ومؤتمرات الجمعيات الثورية، والثورات المضادة المدعومة داخلياً، هي جميعاً أمثلة على التمرد أو الثورة، وتتسم كلها بقبول بعض أفراد المجتمع بالعنف لغرض دفع المجتمع نحو التطور، ولكن على أي حال من الأحوال إن مقارنة هذه الأحداث بناءاً على أشكالها الاجتماعية وليس غيرها.
   ووفقاً لذلك، فان الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد، والجماعات هي غير قانونية، لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   وهنا لابد من أن نفرق بين القوة، والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل، والتمرد ....الخ)، وعليه فان آثار العنف قد تتنوع من درجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، إن العنف الذي يوجه إلى النظام من المحتمل جداً أن يؤدي إلى تصعيد العنف في المجتمع، وليس إلى إجراء تغيرات أساسية في البنية الاجتماعية، ولذلك فإن الحكومة مطالبة بتبرير العنف التي تقوم بها، بنفس الصيغة التي يطالب بها تبرير أعمال العنف التي توجه ضدها، وكلما كانت الحكومة ذات شرعية محددة بمعنى لا يؤيدها الأغلبية من أفراد الشعب، كلما كانت أكثر ميلاً إلى استخدام العنف.
   من المعلوم أن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، ولا تقتصر ممارسته على الأفراد والجماعات، بل من الممكن أن تمارسه الدولة بصورة منتظمة يسمى (العنف المؤسس)، الذي تستطيع أن تتخذه على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة، وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال، والقوة، وليس العكس، وهو ( عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من مقولة الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل)، حيث قال: (في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت، وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو (قيد النشؤ).
   ومن هنا يمكن الإدراك أن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، لأن الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية، والسياسية، فانطوت فيها تيارات العنف، والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل، وأعمق في الطرح، والتناول، وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع، والعنف باتجاهين، الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط، والاستلاب السياسي، إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية، وتقاليد المجتمع، كل هذه العوامل شكلت دافعاً لممارسة العنف بمستويات مختلفة.
   لقد رافقت هذه السياسات تغيرات اقتصادية، واجتماعية، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية، وإعلامية مما أدى ذلك إلى معاناة شرائح المجتمع بفعل التضخم المستمر، والتي عجزت هذه الطبقات أن تتكيف مع القيم بفعل تفشي البطالة، وبفعل الفوارق الطبقية الحادة القائمة بينهم، وبين الطبقات الغنية جداً المستفيدة من الانفتاح، لهذا نجد أن الأرض الرخوة باتت جاهزة لنمو العنف بأنواعه سواء المؤسسي الذي تقوده الدول أو على صعيد الشعب أو على مستوى التطرف الديني.







      

الأحد، 8 فبراير 2015

الحدود الجغرافية للدول وعلاقات الجوار

الحدود الجغرافية للدول وعلاقات الجوار
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   الحدود أحد مظاهر العلاقات الدولية، ان الحدود مسؤولة عن إقامة العلاقات المكانية التي تختص بدراسة الحدود السياسية، ويتم في هذا المجال تحليل وظائف هذه الحدود، ومدى قبول الدول المشتركة فيها لها، وتوقيعها على الطبيعة، ووصف الحدود، والمظاهر المختلفة التي تسير معها، وأنواعها المختلفة، ومشاكلها إذا كانت لها مشاكل، ومناقشة الملاحة في المياه الإقليمية، ومشاكل الترانزيت بالنسبة للتجارة، والناس، ومما يزيد أهمية الحدود هو أنه يتوقف عليها تحديد الرقعة الأرضية للدول والموارد الطبيعية، وما يترتب عليها من فعاليات اقتصادية، وبشرية، وتحديد المجال الجوي، والمائي، وما في باطن الأرض، وقاع المياه فهي حقاً تحديد للملكية على المستوى الدولي، وتحديد هوية السكان الوطنية، ويظهر أنه بدون الحدود الدولية لا يمكن أن تقوم الدولة بمهامها، ووظائفها إذ أن الحدود الدولية هي التي تحدد أراضي الدولة بوضوح، ومع عدم الإقرار بالحدود الدولية لا يمكن إقرار النظام الدولي الحالي، ويصبح من المستحيل معرفة أين تنتهي سيادة الدولة، وأين ستبدأ الدول الأخرى، ونظراً لارتباط الحدود، والمصالح الاستراتيجية، والاقتصادية فإن الدفاع عنها يمثل أقصى الوظائف الخارجية للدول أهمية.                   
   إن ترسيم الحدود الدولية على أساس الاتفاقيات ولا سيما عندما تحظى تلك الاتفاقيات بتأييد الأطراف لها، فإنها تكون مدعاة لقيام علاقات جوار مستقرة، وهادئة نسبياً، بينما يكون العكس عندما يكون أحد الأطراف غير مقتنع بخط الحدود الدولية، فتكون احتمالات إثارة المشاكل، والمنازعات الحدودية التي ربما تتطور إلى حروب حدودية.
   بالواقع أن الحدود السياسية القائمة بين الدول، كما هو الحال في مناطق عديدة من العالم، إنما تقوم بالفصل بين الجماعات ذات الأصول الثقافية، والحضارية الواحدة، والتي تسكن عند مناطق الحدود، وعلى جوانبها.
   تقسم الحدود من حيث شرعيتها والاعتراف بها: إلى حدود يعترف بها القانون الدولي، كما هو معروف عن معظم الحدود الدولية، وحدود تعترف بها بعض الدول فقط، وبخاصة الدول المجاورة، وهي قسمان: حدود تغيرت مواضعها، ولكن لم يتغير وضعها القانوني مثل بعض الحدود، وفي أوروبا الشرقية، وحدود تعترف بها بعض الدول من الناحية القانونية، وتعدها حدوداً لا تزال قائمة مثل حدود دويلات البلطيق بالنسبة للولايات المتحدة.
   وعلى الرغم من أن الحدود الدولية تستند إلى أساس شرعي وقانوني، إلا أنه قد يصادف أن بعض الدول لا تعترف بشرعيتها، وتدعي بخط حدود مغاير، ومن هنا تبدأ النزاعات الحدودية التي يتطلب حلها مراعاة الواقع الجغرافي، والسكاني، والحقائق التاريخية عند تخطيطها بحيث نصل إلى أعلى قدر من الاتفاق، ورضا الأطراف، وأقل ما يمكن من أسباب التوتر الكامنة في حالة تعذر تجاوزها نهائياً.
   ومع تقديرنا وإدراكنا لصعوبة تحقيق ذلك، إلا أن من شأن التعاون، وعلاقات حسن الجوار، وترسيخ الثقة المتبادلة، والاطمئنان لنوايا كل طرف للطرف الآخر، أن يساعد للتوصل لترسيم للحدود يرضى عنه جميع الأطراف، وإن تباينت درجات الرضى من دولة لأخرى.
   وعلى الرغم من أهمية الاتفاقيات الدولية في تعيين وترسيم الحدود الدولية، إلا أنه لا يمكن أم تنكر أهمية القوة، والعلاقات السياسية في الحفاظ على أمن وحرمة الحدود الدولية، وعليه فإنه إذا ما كانت الحدود ترسي، وتدعم الوضع القانوني للحدود فإن القوة ضرورية لثباتها، واستمرارها.
   يعتقد بعض الجغرافيين السياسيين، بأن أفضل تخطيط للحدود للفصل بين الدول المتباينة في نظمها، وحضارتها، وتركيبها الأنثروبولوجي، هو الذي يتماشى مع الواقع الطوبوغرافي الذي يشكل حداً فاصلاً في أحيان كثيرة، وهذه تسمى بالحدود الطبيعية.
   إن اتفاقيات الحدود الدولية هي الأساس الشرعي، والقانوني للاعتراف المتبادل بين الدول من رسم، وتخطيط الحدود الدولية بينهما، وعلى الرغم من القوة القانونية، والشرعية لاتفاقيات الحدود إلا أن الحدود الدولية، واحترام حرمتها تبقى مرهونة بالعلاقات بين الدول التي تتحكم فيها محددات كثيرة غير اتفاقيات الحدود، وعلى رأسها القوة اللازمة لحفظ تلك الحدود، وحسن إدارة العلاقات الإقليمية، والدولية.      

                                       

حكم الحزب الديمقراطي في تركيا وتسلمه السلطة عام 1950

حكم الحزب الديمقراطي في تركيا وتسلمه السلطة عام 1950
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   ما يهمنا هنا طبيعة السياسة الخارجية التي تبنتها تركيا في ظل حكومة (عدنان مندريس)، مع الدول الإقليمية، والمجاورة، ومنها العراق، ففي ظل تلك الحكومة خرجت تركيا من عزلتها الدولية، والإقليمية، واتجهت نحو إقامة تحالفات انطلاقاً من شعور قادتها المستمر بالخطر الذي يهدد سيادة، وأمن ووحدة الأراضي التركية، ومن هذه التحالفات هو حلف بغداد عام ١٩٥٥، الذي كان العراق أحد مؤسسيه، وعضواً فاعلاً فيه أيضاً، الذي انعكس إيجاباً على علاقات البلدين إذ مهد في حل المشاكل العالقة بينهما.
   استغلت أحزاب المعارضة التركية، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الفشل المتوالي للبرامج الحكومية في معالجة الواقع الاقتصادي ، في الدعوة إلى اجراء انتخابات جديدة ، وقد ظهر اثر ذلك في انتخابات ايار عام ١٩٥٠، إذ تمكن الحزب الديمقراطي بزعامة جلال بايار من الفوز بانتخابات ١٤ أيار عام ١٩٥٠، والتي أدت إلى وصول الحزب إلى سدة الحكم وبموجبها اصبح جلال بايار رئيساً للجمهورية، وعدنان مندريس رئيساً للوزراء، ورفيق كورلتان رئيساً للمجلس الوطني الكبير، وتعهدت الحكومة باتباع برنامج سياسي، واقتصادي أكثر ليبرالية.
   لم يكن فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات، وتسلمه الحكم انعطافه سياسية تقدمية في تاريخ تركيا المعاصر، وإنما كان مظهراً من مظاهر الرغبة في التجديد ولدته دكتاتورية الحزب الواحد التي استمرت أكثر من ربع قرن، حسب قول أحد تقارير المفوضية العراقية في أنقرة(1).
   على أية حال، وجه الحزب الديمقراطي السياسة الداخلية في تركيا طيلة مرحلة الخمسينات، أما السياسة الخارجية فقد كان مميزاً فيها بالرغم من خضوعه للدستور التركي لعام ١٩٢٤، الذي يؤكد فيه قومية السياسة الخارجية، إذ اتسمت فترة تولي الحزب الديمقراطي من الناحية الخارجية بالارتباط مع الغرب بسلسلة من الأحلاف منها الانضمام إلى حلف شمال الاطلسي عام ١٩٥٢، والانضمام إلى حلف البلقان عام ١٩٥٣، وأخيراً الانضمام إلى حلف بغداد عام ١٩٥٥، فضلاً عن الاشتراك مع الولايات المتحدة الامريكية (١٥) دولة حليفة في الحرب الكورية عام ١٩٥٠، وعقد معاهدات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتزامن هذا التوجه مع توجهات إيران نحو الاحلاف أيضاً مما جعل تقاربهما طبيعياً، وقد اكتسبت العلاقات التركية الإيرانية للفترة من عام (١٩٥٠-١٩٥٣)، أهمية تاريخية استثنائية كونها زاخرة بالتطورات الداخلية التي تركت أثراً واضحاً على السياسة الخارجية للبلدين. ركز الحزب الديمقراطي بعد وصوله إلى الحكم في تركيا بمحاولة إعادة جسور العلاقات مع العالم الإسلامي الذي يضم الأقطار العربية بالإضافة إلى إيران وافغانستان، وهو المحيط التي كانت تركزت فيه نشاطات وفعاليات الدولة العثمانية فيما سبق.
   أعلن جلال بايار خلال افتتاحه المجلس الوطني الكبير في الأول من كانون الأول عام ١٩٥٠، عن برنامج حكومته بما يخص السياسة الخارجية قائلاً "أن علاقتنا مع الجارة "إيران تتميز بالصداقة وأن اقتصادنا مع الإيرانيين يزداد متانةً لتشابه السياسة الاقتصادية لبلدينا وأننا نسعى إلى أن تتقوى علاقاتنا في المجالات كافة، ولا تقتصر على مجال واحد فقط".
   وعبرت صحيفة (ظفر) الناطقة باسم الحزب الديمقراطي في الرابع من نيسان عام ١٩٥١، عن رغبة الحزب في تعزيز العلاقات التركية  الإيرانية لأن من شان ذلك (كما ترى الصحيفة المذكورة )، أن يحقق تضامنا بين دول الشرق الأوسط الذي يمكن أن يقف بوجه المد الشيوعي ويتصدى له واستطردت قائلة "أن أي توثيق لعلاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط سيجلب الفوائد السياسية والاقتصادية وغيرها لدول هذه المنطقة التي تواجه تحديات مشتركة".
   وفي العاشر من نيسان عام ١٩٥١، دعا (مجاهد طوبلاك) محرر صحيفة (ظفر) في مقال له إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، لأن تركيا تعد ذلك شاناً خاصاً بها(2).
   إلا أن بعض المحليين السياسيين يرون أن تركيا محكومة في واقع الأمر من قبل الجيش ولا تستطيع في ضوء تلك المعادلة الأحزاب السياسية التركية التمتع بديمقراطية حقيقية حتى وإن حصلت على أغلبية الأصوات في الانتخابات.
   أما موقف الدول العربية، فقد استأثرت أحداث تركيا باهتمام الحكومات العربية، والرأي العام العربي، فأعلنت الحكومة العراقية أنها تعد الحركة العسكرية في تركيا حدثاً داخلياً يهم الأتراك أنفسهم وتستنكر أي تدخل أو ضغط خارجي يوجه إلى تركيا، وقد عقد السفير التركي في بغداد مؤتمراً صحفياً أوضح فيه أسباب الانقلاب ودوافعه، أما الحكومات العربية الأخرى، فقد التزمت الحذر ازاء الأحداث وعدته شأناً داخلياً.
الهوامش:
1. شكلت أربع حكومات متوالية من قبل حزب الشعب الجمهوري استمرت من ٥ آب ١٩٤٦، حتى أيار ١٩٥٠، موعد إجراء الانتخابات العامة، وجميع هذه الحكومات فشلت فشلاً ذريعاً في حل مشكلة الأزمة الاقتصادية مما انعكس على وضع المواطن المعاشي،  للمزيد عن هذا الموضوع أنظر: مصطفى الزين، أتاتورك وخلفاءه، (بيروت: ١٩٨٢)، ص ٢٦٦، العبيدي، المصدر السابق، ص71-91.
2. د. ك. و ملفات البلاط الملكي، ملفه رقم 2739/311، كتاب المفوضية العراقية في أنقرة  رقم 884 في 12/4/1951، إلى وزارة الخارجية العراقية، وثيقة رقم ١١٤ صفحة رقم ٢٠٢.














                                       

الأربعاء، 28 يناير 2015

الهندوسية في الهند

الهندوسية في الهند
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
   بدأت الهندوسية على التوحيد، ثم ما لبثت شأنها شأن الكثير من الديانات أن انحرفت عن مسارها التوحيدي، نحو الوثنية والإشراك بالله، وقد بلغ تعدد الآلهة عند الهنود مبلغاً كبيراً، فقد كان عندهم لكل قوة طبيعية تنفعهم أو تضرهم إله يعبدونه ويستنصرون به عند الشدائد، كالماء، والنار، والجبال، وغيرها، وكانوا يدعون تلك الآلهة لتبارك لهم في ذريتهم، وأموالهم من المواشي، والغلات، والثمار، وتنصرهم على أعدائهم، وعلى هذا كثرت الآلهة عندهم كثرة زائدة، ونتيجة لهذا التصور عن الذات الإلهية صنعت الهندوسية للإله الألوف من التماثيل.
   وطائفة البراهمة، وهي طائفة تعد من أكبر الديانات في الهند (برهما)، البراهمة هم قوم ينسبون إلى رجل منهم يقال له: (براهم)، وكانت تسمى من قبل الهندوسية(1)، وهم قبيلة في الهند، فيهم أشراف أهل الهند، وهم فرقة ضالة كانت تقوم بنفي النبوات، وأن وقوعها أمر مستحيل في حكم العقل، ويفضل البراهمة، إطلاق مصطلح (البرهمية) عليها، بدلاً من مصطلح الهندوسية، لأن الأول يدل على الأصل، وهو الذي ورد في النصوص المقدسة عندهم، فليس هناك أي ذكر لهندي أو هندوسي، ولأن الأخير يشمل كل ما في الهند الحديثة والقديمة من الأديان.
   هي أحدى الديانات الكثيرة المتعددة في الهند، وهي ديانة الهندوس، وبرهما هو أكبر إله يعبدونه في الهند، وللبراهمة كتاب مقدس أسمه الفيدا، وهم أصناف كثيرة، وفرق متعددة(2)، وهم الهنود ، عبدة النار، والعجل الذين جحدوا الألوهية، والرسالة، والأحكام، وما أكثرهم في زماننا(3)، وهم رجال الدين الذين يبينون أحكامه، ويزعمون أنهم خلقوا من رأس إلههم (براهما)، ولذلك كانوا أعلى الناس، لأنهم خلقوا من أعلى الإله، وهم في زعمهم خلاصة الجنس البشري، وعقله المفكر، ورأسه المدبر، لأن الناس عنوان ذلك كله، فهم علاوة الجسم(4).           
   الطبقات عند الهنود، أعلاها طبقة البراهمة، فهؤلاء يولدون مقدسين من بطون أمهاتهم، وكل ما عملوه فهو حق، لا تكتب عليهم سيئة واحدة طول أعمارهم، ولا يجوز أن تخالط طبقة عالية طبقة أخرى أسفل منها، فلا تأكلها، ولا تشاربها، ولا تجالسها، ولا يجمعها معبد واحد، فكل طبقة لها معابدها، ولا يجوز للطبقة السفلى أن تتزوج بأفراد الطبقة العليا، والمسلم عندهم يعتبر نجساً إذا مس طعاماً تنجس ذلك الطعام.
   ويؤمنون بتناسخ الأرواح، أي أن الروح خرجت من الجسم ولا تزال لها أهواء، وشهوات مرتبطة بالعالم المادي لم تتحقق، أو أن الروح خرجت من الجسم، وعليها ديون كثيرة في علاقاتها بالآخرين لابدّ من أدائها، فلا مناص إذاً من أن تستوفي شهواتها في حياة أخرى، وأن تتذوق الروح ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة(5)، ويعني  التناسخ أن الكائن يولد على هذه الأرض وعليها يموت، ولكنه عندما يموت هنا يولد في مكان آخر، وفي هذا المكان التالي يموت ثم يولد من جديد وهكذا، إلا أن هذه العمليات المتتابعة من الولادة والموت، والولادة من جديد، قد تستمر ما دامت دورات الحياة مستمرة، أي قد تدوم إلى مالا نهاية، وتبقى الروح بذلك تنتقل من جسم إلى جسم، أي من سجن إلى سجن، وما دام هدف الحياة الأسمى لدى البراهمية هو الخلاص الأبدي من هذا السجن، تمهيداً للاتحاد مع الروح الكبرى، فقد اعتقدت أن هذا الخلاص ممكن، إذا اقتلع الإنسان بالتزهد كل شهوات نفسه، حيث لن يعود فرداً جزئياً قائماً بذاته، بل يمكنه عندها، أن يتحد في نعيم أسمى مع روح العالم، ويخلص بهذا الاتحاد من العودة إلى الولادة من جديد، ويحقق هدف الحياة السامية(6).
   وهناك فريق من الشعب الهندي، لا يدخل هذه القسمة التي يعتقد بها البراهمة، وهم المنبوذون، وهم الذين يقومون بالأعمال الحقيرة في المدن، وقد حال شأنهم دون اعتبارهم حتى بين الطبقة الدنيا، وهم الخدم، بل يعتقد من البراهمة أن بعض الحيوانات أشرف من بعض، وأن البراهمة مصرح لهم تكذيب جميع كتب الله المنزلة، وتضليل جميع الأنبياء والرسل، وينسبونهم إلى الشعوذة والتحيل والسحر.
   التثليث عقيدة وثنية عرفته البشرية منذ غابر العصور، ذلك أن فكرة تعدد الآلهة ظهرت في البشرية عند أول انحراف عن عقيدة التوحيد الأصلية، ولقد عبد الناس آلهة شتى، وليست البراهمة هي الديانة الهندية القائلة بالتثليث، بل شاركتها البوذية(7)، إن البراهمة قالوا: إن كرشنه ابن براهما، وقالوا: إن كرشنه ابن الله، وهم يصورون آلهتهم بتماثيل، التثليث عند البراهمة كان عند أكثر الأمم الوثنية البائدة جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثي، وإذا أمعنا البصر إلى الهند نرى أن معظم وأشهر عباداتهم اللاهوتية هو التثليث.
   البراهمة وهم من سكان الهند من الطوائف الكافرة، من أهل النار لا شك في ذلك، فمن معتقدات هذه الطائفة الضالة، أن الصيد حرام، وقتله محظور، وذبحه خارج عن الحكمة، ومن يقتل في بلادهم بقرة يقتلونه، ومن ذبح شاة أو دجاجة قتلوه وهجروه، فهم يعيشون على الألبان، والبيض، والحبوب.
   لذلك فالحمد لله على نعمة الإسلام، هذا الدين الأغر الخاتم، فهو دين التوحيد الخالص لله رب العالمين قال تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }، الإخلاص: 1-4، فعلى المسلم دائماً أن يحمد الله تعالى ليل نهار على هذه النعمة الكبرى والمنة العظمى، إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين من خصائص وفضائل، قال سبحانه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، آل عمران: 85.
الهوامش:
1. القرآن الكريم.
2. الأشعري، أبو الحسن على بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى بن أبي بردة بن أبي موسى، رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب، تحقيق عبدالله شاكر محمد الجنيدي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1413هـ)، ط1-ج1، ص79.
3. الشنقيطي، أحمد بن محمود بن عبدالوهاب، خبر الواحد حجته، عمادة البحث العلمي بالجامعة العربية الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، (1422هـ)، ط1-ج1، ص111.
4. السبتي، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبي، أبوالفضل، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفيحاء، عمان، (1407هـ)، ط2-ج2، ص607.
5. محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد، خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه واله وصحبه وسلم)، دار الفكر العربي، القاهرة، (1425هـ)، ط1-ج1، ص12.
6. الخطيب، محمد أحمد، (2008)، مقارنة الأديان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، ص403-404.
7. العودات، حسين، (1986)، الموت في الديانات الشرقية عرض تاريخي، دار الفكر، المطبعة العلمية، دمشق، ط1، ص68.
8. الدكتور عبدالقادر بن محمد عطا صوفي، أثر الملل والنحل القديمة في بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، (1424هـ)، ط36-ج1، ص56.          



       

الأحد، 25 يناير 2015

الحوثيون والصراع السياسي في اليمن

الحوثيون والصراع السياسي في اليمن  
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.co
      تعد الحوثية ظاهرة جديدة في المجتمع اليمني، تشكلت لأسباب متعددة وارتبط نشاطها ببروز تيار الحوثيين، سواء منه الثقافي، أو السياسي، أو العسكري، والذي ظهر في الثمانينات من القرن العشرين، على شكل تيار ثقافي ديني يطرح أفكار ومناهج المذهب الزيدي، باعتباره أحد المذاهب الدينية الرئيسة في اليمن، والذي يتمركز بشكل خاص في محافظة صعده، ولكن هذا التيار سرعان ما بدأ ينهج اتجاهاً سياسياً فكرياً متخذاً من مدينة صعده، مركزاً لنشاطه الفكري، والسياسي، وارتبط تحوله هذا عند تشكيل (اتحاد الشباب) عام 1986، الذي سعى التيار الحوثي من خلاله إلى تأطير نشاطاته التنظيمية بإطار يغلب عليها العمل التثقيفي، وبالذات بين أوساط المذهب الزيدي.
   لقد اضحت الحركة الحوثية، منذ ذلك الوقت، حركة سياسية، فكرية، عسكرية، أطلقت شعارات جديدة تختلف عما كانت ترفعها في بداية الثمانينات، تمحورت حول معاداة الولايات المتحدة الأمريكية، واسرائيل، أقرنتها بشعارات أخرى معادية للحكومة اليمنية، متخذة من تردي الأحوال الاقتصادية، والاجتماعية ذريعة تسند نشاطها، وعززت هذا السلوك بممارسة الفعاليات العسكرية ضد المصالح الحكومية.
   لقد أفرز تمرد الحركة الحوثية منذ عام 2004، وبدء الصراع المسلح ضد الحكومة، والمجتمع اليمني، ومصالحه الاقتصادية، وتركيبته الاجتماعية لغاية 2010، والذي امتد ست مراحل، نتائج خطيرة على الأمن، والاستقرار، والرخاء اليمني، حيث أدى التمرد الحوثي إلى تدويل القضية القائمة، مما سمح بذلك للأطراف الدولية والإقليمية (الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوربا الغربية، وإيران، والسعودية وغيرها)، بالتدخل في شؤون اليمن كل حسب منهجه وأهدافه، فأضعف الوحدة اليمنية القائمة وهيأت البيئة المناسبة لجميع القوى المعادية للوحدة والنظام بالترعرع والنشاط، بالإضافة للخسائر التي حصلت في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية.
   بالرغم من ذلك، فقد سعت الحكومة اليمنية إلى احتواء الأزمة بالطرق السلمية، سواء عن طريق الوساطات الداخلية، أو الوساطات الخارجية، وأبرزها الوساطة القطرية، التي لا زالت قائمة، بالرغم من انقطاعها لفترة، إلا أنها عادت من أجل تحقيق المصالحة وحل المشكلة، مدعومة بإجراءات الحكومة اليمنية لتسهيل الحل السلمي.
   أما أصل الحوثية فنسبة إلى زعيم التمرد الأول (حسين بدر الدين الحوثي)، وهو الذي أشعل فتيل الصراع بينه وبين قوات الحكومة اليمنية، إلا أن هذا التجمع توسعت تحركاته بعد عودة بعض رموز الملكية التي كانت تقطن السعودية، اثر قيام الثورة اليمنية ضد نظام الإمامة عام 1982، وكان من ابرز العائدين (بدر الدين الحوثي)، الذي يعد الزعيم المؤسس للتيار الحوثي والمرشد والمفتي له.
   وتواجه الحكومة اليمنية عدداً كبيراً من التحديات، التي تشكل تهديداً جدياً، للاستقرار الداخلي في اليمن، لا سيما بعد التحولات السياسية التي شهدتها اليمن أسوة بباقي الدول العربية التي شهدت ثورات، وانتفاضات ضد الأنظمة السلطوية فيها، فالعوامل الاقتصادية في اليمن تعد من أبرز الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك، إذ يعد اليمن من أفقر البلاد في العالم العربي، حيث يعيش السكان على أقل من دولارين يومياً، بما في ذلك في معرفة القراءة والكتابة، ويعاني اليمنيون أيضاً نقصاً في البنية التحتية، وسوء في الخدمات المقدمة.
   ويمكن القول بأن الصراع الذي كان دائراً بين الحكومة والحوثيين، قد مثل تحدياً كبيراً للاستقرار الداخلي في اليمن، وساهمت سياسات النظام السابق بشكل كبير في تأجيج ذلك الصراع الذي امتد لأكثر من ستة أعوام، حتى جاءت حكومة الوفاق الوطني بزعامة (عبد ربه منصور هادي)، إذ لم تحاول حكومة هادي معالجة الأسباب التي دفعت إلى قيام صراع، ومواجهات مسلحة بين الحوثيين وبين نظام الرئيس السابق.
   الحركة الحوثية باعتبارها ظاهرة جديدة في الساحة اليمنية، لا بد أن يكون وراء بروزها عوامل شجعت على انتشارها، وأمدتها بعناصر الاستمرار والبقاء على سبيل المثال، البعد الأيديولوجي، وذلك من خلال تنظيم الشباب بتوعيتهم بالخطر الذي يواجه الحوثيين، كذلك العامل القبلي، إذ تشكل الطبيعة القبلية للمجتمع اليمني أحد عناصر التأثير القوية في ظهور الحركة واستمرار الصراع وتأجيجه، العامل الجغرافي، فمعاقل المتمردين الحوثيين موجودة بالمناطق الجبلية المحيطة بمحافظة صعده، شمال غرب اليمن المتاخمة للسعودية، العامل الاقتصادي، اليمن وما تعانيه من ظروف اقتصادية متردية يعد أحد أهم العوامل لقيام الصراع واستمراره، فالصراع القائم في أحد جوانبه صراع من أجل الموارد، أيضاً من العوامل سهولة الحصول على الأسلحة، وجود الأسلحة لدى المواطنين من العوامل المهمة لاستمرار وتيرة القتال، فامتلاك السلاح يشكل أهم الامتيازات الاجتماعية للفرد والقبيلة، لأنه جزء من تركيبة المجتمع اليمني.
   إن التمرد الحوثي، الذي امتد ليمس جوهر الوحدة اليمنية، بتشجيع حركات الانفصال، والمنظمات الإرهابية، حيث شغل تمرد الحوثيين الحكومة عن ممارسة دورها في حماية المجتمع من الإرهاب، وذلك بعد أن وجهت الدولة طاقاتها باتجاه التخلص من تمرد الشمال في صعده، وارتبط هذا التمرد بسلب فرصة التنمية من الشعب اليمني، وذلك من خلال تحويل جهدها المعنوي، والمادي، الذي كان موجهاً نحو البناء والتنمية.    
   يتضح أن تيار الحوثية الذي ظهر على شكل تجمع يضم الشخصيات الزيدية الدينية، والتي تمحورت حول إحداث خلخلة في بناء المجتمع اليمني، معتمدة على قوة طائفية حزبية، هدفه هو تنفيذ الدور الموكل لها بنشر الأفكار المنبثقة من الرؤية الإيرانية للدين والمذهب، وفي النهاية تحقيق مخططها بإعادة نظام حكم الإمامة الذي أسقطته ثورة 1962.
   أن مهمة الحكومة اليمنية قد تبدو صعبة، إن لم تكن مستحيلة في تجاوز التحديات والسيطرة عليها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تأكل اليمن، وإلى زعزعة الاستقرار الداخلي، رغم أن اليمن كدولة مرت بمثل تلك الأزمات وتجاوزتها في الماضي، إلا أن التحديات المتشابكة والمعقدة لم يسبق لها مثيل في درجتها ونوعها، في الوقت الذي لا تملك البلاد فيه من الحلول الواقعية لمشاكلها.               
      

                 

الثلاثاء، 13 يناير 2015

الفقر في البلدان العربية

الفقر في البلدان العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
   يدور الكلام حول الفقر والتطرق إلى حيثياته، فالفقر لا ينتهك إلا حرمة الإنسان، ولم يقهر إلا الإنسان، والطامة الكبرى أن الفقر هو من صنع ذلك الإنسان، أن الأمر الجوهري الذي ينبغي أن نعترف به أن ظاهرة الفقر أصبحت تطرق أبواب أغلب الدول العربية مع تباينها، وأن الوضع المتردي للبلدان يبدو جلياً أن الفقراء هم ضحايا الاستغلال واللامساواة، وأن التعامل مع ظاهرة الفقر ينبغي أن يكون أكثر حضوراً في الذهن.
   إذا كان الفقر قديماً في معناه فهو متجدد في كل يوم، يحمل انتكاسات وتراكمات كثيرة للإنسان، في معيشته، ومركزه، وحياته، كله مرتبط بمرض الفقر المعدي، لا نبالغ إن قلنا أن عدد الفقراء في العالم هم أكثر من عدد الأغنياء، أو أصحاب المعيشة البسيطة، أو المتوسطة، إن عالم اليوم يشهد ارتفاعات فلكية في الغلاء، الأمر الذي يهدد عدداً كبيراً من سكان العالم بالفقر، ويخشى الساسة، والأكاديميون من ثورة للجياع على المستوى العالمي، لذا ينصب الاهتمام اليوم على رسم وإتباع السياسات المناسبة للحد من الفقر والجوع في العالم.     
   لذلك كان بروز الفقر الاجتماعي الذي يقصد به عدم المساواة الاجتماعية، وتلك هي معضلة كبيرة، ومن ذلك برزت الاختلافات في تحديد تعريف موحد للفقر، وعلى الرغم من تعدد الآراء ووجهات النظر يبقى الفقر في تصورنا هو حرمان واضح للإنسان من كل شيء، لا يضمن له الحياة، ولا يؤمن مستقبله، ولا يجعله قادراً على الوعي بكل شيء، ولا إنقاذ نفسه من مستنقعات الجهل، والتخلف.
   لقد باتت محفزات الفقر كثيرة، وربما من أهمها هو التخلف، فالتخلف والفقر عنوان واحد، وأصبحت تلك حقيقة لا شك فيها، حيث أن التخلف في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي إلى فقره، ومعيار التخلف والفقر لا يعد بكل تأكيد مجرد قياس مستوى دخل الفرد، وإنما ما يلحق ذلك من تخلف مجتمعي متمثل بقلة الوعي في السيطرة على الحياة واستثمارها، وزيادة الأمية، وعدم استغلال مقدرات الحياة وغيرها بالطرق المثلى.         
   ويمكن القول أن نهب الثروات يمثل أحد الأسباب الرئيسة للفقر والحرمان العام الذي تعيشه مختلف شعوب العالم، مما أدى إلى وجود فئة محرومين وفقراء، كظاهرة اجتماعية إلى جانب فئة متخمة بالثروة؛ الأمر الذي يدل على وجود مقاييس غير عادلة حاكمة في توزيع الثروة على أفراد المجتمع، وبالتالي على خلق الفوارق المجتمعية الحادة بين الفئات والطبقات الاجتماعية، فنهب الثروات دون استغلالها بشكل صحيح وعادل تعمل على زيادة نسب الفقر والفقراء، فهناك دول غنية مثلاً في مواردها ولكنها لا تستغل تلك الموارد بشكل أمثل داخل البلد، بل تحولها إلى الخارج للحصول على فوائد مالية ذي ربح سريع، أو تركز تلك الموارد والثروات في أيدي فئة قليلة من المجتمع؛ الأمر الذي يؤدي إلى اختلالات واضحة في التوازن الاقتصادي، من انخفاض في نصيب الفرد من الناتج فيخلق فارق اجتماعي واضح  ويوسع الفجوة بين فقراء وأغنياء البلد.
   ومن الأسباب الأخرى المحفزة للفقر، الظلم المتصل بالعلاقات الاقتصادية، حيث يتجه إلى رفع اسعار السلع بشكل كبير، أو استيفاء المنافع والخدمات بأجور زهيدة أقل من قيمتها، وفقاً للأسعار الرائجة، أو نوع العمل المبذول، وهي تهدف إلى سحب أموال الناس بالباطل واستغلال طاقات الناس، ونشر سياسة أو ثقافة الإفقار الواضحة، والذي نتيجته الفقر الناشئ من تكالب الناس بعضهم على بعض من أجل كنز الأموال دون المصلحة العامة.
   ومن الملامح أيضاً؛ بناء المجتمع على أسس جاهلية مثل الطبقية (العنصرية)، حيث يتمتع في ذلك فئة محددة من الناس بكل فرص الثراء، في حين تحرم الغالبية من أبسط الحقوق والامتيازات، مؤدية بذلك إلى زيادة في التناقضات والهوة الواسعة بين الطبقة التي أصبحت غنية والأخرى التي مورست عليها عملية الإفقار.
   فأطر العولمة وتداعياتها أصبحت واضحة، فهناك من الدول من ازدادت فقراً وإفقاراً، من هذه الظاهرة العالمية الخطيرة، لأن من سلبياتها سحق الكثير ممن لا يفقهها، وذلك بزيادة الفقر والفقراء فيها سواء كانوا دولاً أو أفراداً وكلاهما سيزدادون فقراً في ظل العولمة.          
   وحقيقة أن ما يؤدي إلى شيوع الفقر بين الناس، أسباب كثيرة أيضاً، مثل انتهاك كرامة الإنسان، وإذلاله على شكل فقر مدقع، وتختلف مسببات الفقر بين مكان وآخر، بحسب الثقافة والسياسات المتبعة في تلك البلدان، وكذلك نوعية التعاملات بين البشر.
   إن عدم مقدرة الفرد على الشراء لإشباع حاجاته بسبب الفقر، يخلق شعوراً بالإحباط والنقص والنقمة وحتى العدوان ضد الاخرين، وبخاصة من هم أغنى منه مادياً، فيدأب بممارسة أمور غير مشروعة كي يعيل نفسه أو يحصل على قوته، ولكن لا يعني ذلك أن جميع الفقراء قد أصبحوا مجرمين، فهناك اختلاف في زوايا التفكير، واختلاف في التركيبة الشخصية التي يحملها الفقير، فنجد أن هناك فقراء يحاولون البقاء في الحياة.
   تبقى مشكلة الفقر بحاجة إلى علاج فردي شخصي مجتمعي، إلا أن الكلام قد أرهق الكثير وحتى الفقراء أنفسهم، وقد شبعوا منه، ولم يشبعوا من الرغيف، وهذا هو الشيء الذي لن يتحقق على الأرض إلا إذا استقام الإنسان، فلماذا تقام مؤتمرات وتعرض تقارير التنمية البشرية سنوياً؟؟؟