الثلاثاء، 14 أبريل 2015

صراع الفكر والسياسة

صراع الفكر والسياسة
بقلم: د. عدنان عياش وأيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   يمكن القول أن التسامح يعني الاحترام، والقبول، والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة، والانفتاح، والاتصال، وحرية الفكر، والضمير، والمعتقد أنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب وإنما واجب سياسي، وقانوني أيضاً، والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، ويسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، وتمثل هذه الأفكار المقدمات الصحيحة، التي لا يمكن بدونها الحديث عن نتائج، وتقدم على صعيد العلاقات السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية بين الدول، والشعوب، حتى على صعيد البلد الواحد، هذا ما تم الإعلان عنه من الأمم المتحدة حول التسامح، ولكن هذه الأفكار لم يتم تبنيها، والعمل بموجبها.
   فعلى المستوى العالمي، أوضحت التجربة الماركسية – اللينينية، ونموذجها السوفيتي أن ( الماركسية لم تسقط كمنهجية، ولكن سقط مشروعها الراديكالي لتغيير العالم)، والذي دفعه إلى إتباع رؤية تقوم على أن أي نقد يوجه لهذه التجارب هو بمثابة تآمر، وخيانة عظمى لا يمكن السكوت عليها تحت ذريعة مواجهة النظام الرأسمالي، وكان من أبرز نتائج هذا التوجه هو الجمود، والانغلاق، وعدم الانفتاح على الصعيد الداخلي، وهذا ما قاد إلى غياب المبدأ الحاكم في الأحزاب الماركسية– اللينينية ألا وهو مبدأ (المركزية الديمقراطية)، وتراجع الحديث عن ديكتاتورية البروليتاريا باعتبارها الطبقة المؤهلة لقيادة التحولات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية نحو المجتمع الشيوعي لصالح اللجنة المركزية، والأمين العام للحزب، وهذا ما قاد إلى اتساع دور الدولة، وحد من حق النقد، والحوار، وتشخيص الأخطاء، وكان السبب في وأد روح المبادرة، والإبداع.
   أما المعسكر الرأسمالي، فكان يرى في الاتحاد السوفيتي، ودول أوربا الشرقية أنظمة سياسية ديكتاتورية لا تقيم وزناً للديمقراطية، وحقوق الإنسان من خلال تصوير الولايات المتحدة، والغرب كقلعة للحرية.
   وتمحور شكل الصراع بين القوتين العظميين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي في ثلاثة محاور، صراع فكري بين الرأسمالية، والشيوعية بما له من انعكاسات اقتصادية، وسياسية، وصراع عسكري، وبشكل أدق سباق تسلح تقليدي، ونووي بحيث أصبح أي تقدم يحرزه طرف يمثل خسارة للطرف الأخر، وصراع على النفوذ، والحلفاء خاصة في العالم الثالث تبلور في صورة نزاعات إقليمية.
   ولم تكن بلدان العالم الثالث، والوطن العربي على وجه التحديد خارج حلبة هذا الصراع، بل أن هذا الصراع كان في أغلب مراحله بين هذه الشعوب، ومع السياسات الغربية التي كانت تقاتل على مختلف الجبهات من أجل هدف واحد هو مصالحها، والموقف من العرب، أو من الإسلام، أو من أية دولة أخرى في العالم يتغير دائماً، وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى ذلك، عندما تمس مصالح الغرب، أو يكون هناك ما يتهددها.
   وهذا الصراع، وما يزال ضد الغرب، لا كشعوب، وحضارة بل ضد سياسته الاستعمارية وهيمنته الامبريالية، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، أننا نعيش في عالم تنفرد فيه الولايات المتحدة كقوة عظمى ... فالزعامة الأمريكية للعالم سوف تبقى عنصراً لا غنى عنه عبر العقود القادمة، ويضيف أن العالم يحتاج إلى قيادة أمريكا عسكرياً وسياسياً، واقتصادياً، وأكثر من أي شيء أخر يحتاج العالم إلى قيادتنا في مجال الفكر.
    إن عالماً يفتقر إلى العدل وإلى الاعتراف بالآخر، وبحقه في امتلاك خصوصية خاصة به وفي تقرير مصيره سواء كان هذا الآخر فرداً، أو أقلية دينية، أو عرقية، أو كان شعباً، أو أمماً مبني أصلاً على الظلم، فلا معنى لرفع شعار التسامح ما لم يكن مقروناً بالعدل، الذي ينطلق من حق الغير في الاختلاف، والتعبير عن أفكاره وسياساته، وفقاً لقواعد يحددها الغرب وفي ظل ظروف تخدم مصالحه السياسية وأهدافه.
   وعلى صعيد الوطن العربي، فمن وجهة السياسيين العرب، لقد تردد لدى مؤرخي هذه الفترة الجديدة أنها تبدأ بعد الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥، ولذلك سميت فترة ما بعد الحرب على الرغم من كون الحرب حدثاً خارجياً غير منبثق من تاريخ العرب أنفسهم، اكتشفنا أن الاتجاهات الغالبة في الشرق العربي من فكرية، واجتماعية، وسياسية تندرج في مجملها تحت الظاهرة التوفيقية التي تعود بجذورها إلى التوفيقية الإسلامية (الدين والعقل)، وبين مختلف المؤثرات المتباينة، والمتعارضة التي هضمتها الحضارة العربية الإسلامية بعد أن قامت بعملية التوفيق فيما بينها، وعند الوقوف على طبيعة العلاقة فهناك أربعة تيارات سياسة تنازعت فيما بينها طيلة القرن الماضي، وهي التيار القومي، والتيار الليبرالي، والتيار الماركسي، والتيار الإسلامي، كان كل تيار سياسي يشدد على منطلقاته الفكرية، والرؤية السياسية التي يطرحها، فالتيار القومي يشدد على الوحدة العربية لأن تحقيقها سيفضي إلى تحقيق الحرية، والاشتراكية، والتيار الليبرالي يرى أن مشاكل الوطن العربي تكمن في غياب الحرية، والديمقراطية، وللتيار الإسلامي منحى أخر حينما يؤكد أن الحفاظ على الهوية هو المفتاح لحل المشاكل الأخرى، والتيار الماركسي الذي يشدد على هدف الاشتراكية.
   وفي المحصلة النهائية لم يتحقق شيء على أرض الواقع ولا زالت المشكلات على حالها وأصبحنا بعيدين عن الوحدة العربية، وبات الحفاظ على الهوية مهمة شاقة، وعسيرة، وتبخر حلم الاشتراكية، ولم تتحقق الديمقراطية، نحن في حاجة ماسة إلى مستوى جديد، وعال من الجد، وخطاب شامل جامع يعلو على الخطابات الفرعية وإلى رؤية، ومشروع يشمل تحقيق الحريات الأساسية للإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويحقق الأصالة الحضارية.

   ومثل هذا المشروع يتطلب مشاركة واسعة من قبل النخب السياسية، والحزبية الحقيقية في السلطة، وخارجها، ورجال الفكر، والثقافة، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، لأن التحدي الأساسي الذي يواجه العالم العربي، يتعلق بقدرتنا على اللحاق بالركب الحضاري، وهذا يتطلب تقديراً سليماً لحاجاتنا الملحة، ومتطلباتنا الأساسية بشأن التغيير، والتقدم، عبر التطور والوسطية، والاعتدال، وهو ما نطلبه لأنفسنا.

السبت، 28 مارس 2015

اليمن وطريق اللانهاية



اليمن وطريق اللانهاية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   رغم غياب الرئيس السابق علي عبد الله صالح عن السلطة في اليمن للمرة الأولى، إلا أن هناك جدلاً مستمراً ومشروعاً حول مدى النفوذ الذي يتمتع به أو الذي ينبغي أن يتمتع به في الأجهزة الأمنية، والعسكرية، والحكومة، وحزب المؤتمر الشعبي العام، ويشير الواقع إلى أن السلطة التنفيذية في اليمن مشتتة ومنقسمة بين ثلاثة مراكز للقوة ممثلة في عبد ربه منصور هادي وعلي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر، ورغم تمتع عبد ربه منصور هادي من قبل المجتمع الدولي، ودعم العديد من المواطنين الساعين إلى  إنهاء الأزمة، إلا أنه لا يمتلك قاعدة جاهزة للقوة داخل الخدمة المدنية، أو الجيش، والحزب، وعلى النقيض من ذلك يتمتع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر بالولاء والنفوذ داخل الجيش، إلا أن الصعوبات في التنفيذ أشارت إلى وجود عقبات ما زالت قائمة في تحويل السلطة من الأشخاص، والشبكات غير الرسمية إلى مؤسسات الدولة، وانعكاس ذلك بشكل سلبي على الاستقرار الداخلي.
   ومن التحديات الأخرى التي يمكن أن تنعكس سلباً في الاستقرار الداخلي لليمن، قضية اليمن الجنوبي والدعوات المتعلقة بالانفصال من قبل حركة الحراك الجنوبي، فعلى الرغم من اندماج جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع جارتها الشمالية لتكوين الجمهورية العربية اليمنية ، إلا أن اتحادهما حفل بالمشاكل منذ البداية، وأفضى إلى حرب أهلية دموية.
   فترة تولى الرئيس السابق علي عبد الله صالح على السلطة، أطلق في عهده فترة من الاستقرار النسبي بعد سيطرته على الأجهزة الأمنية، والعسكرية، والحزبية، أما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فقد عاشت الأخرى فترات من عدم الاستقرار، نتيجة الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية بسبب التنافس القبلي، وكان هذا الوضع هو الخلفية التي قامت عليها عملية التوحيد، وتزامن إعلان الوحدة اليمنية إلى حد كبير بنهاية الحرب الباردة واكتشاف النفط في المناطق الحدودية، وهو ما وفر الحوافز للتعاون حول مزيد من عمليات التنقيب، وأسست اتفاقية الوحدة الموقعة بين البلدين شراكة متساوية بينهما رغم أن عدد سكان الشمال كان أكبر بكثير، وتم تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من خمسة أشخاص رأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض نائباً للرئيس، وبعد الانتخابات تم تهميش الحزب الاشتراكي اليمني، وتنامت التوترات واندلعت الحرب الأهلية، وكان من نتائج الحرب مصادرة الأراضي والمنازل، كما قام النظام في صنعاء بطرد القادة العسكريين الجنوبيين، وإحالة الكثير منهم إلى التقاعد، وحل الحزب الاشتراكي اليمني.
   ويمكن القول أن الدعوات المطروحة من قبل المعارضة، ربما ستتصاعد مع التحولات السياسية التي تشهدها اليمن، وزوال نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبروز حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة الفوضى التي قد تشهدها اليمن مع مجئ حكومة غير قادرة على إدارة زمام الأمور، واستمرار نفوذ النظام السابق بعد اشتراك قسم من وزراءه في الحكومة الجديدة، وانعكاسات ذلك على الاستقرار الداخلي في اليمن، وما أصبحنا نشهده اليوم من تحالفات وحروب.
   ومن التحديات الأخرى الجديدة التي تواجه اليمن، ولها تأثير على الاستقرار الداخلي، قضية صعدة، ومطالب الحركة الحوثية الداعية إلى إحياء فكرة الإمامة الزيدية من جديد، وتغيير نظام الحكم في اليمن، حيث نادوا بإحياء الزيدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ويزعم أفراد العائلة الحوثية أنهم ينحدرون من سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك يعتبرون أنفسهم سادة هاشميين، ويمكن القول أن هناك العديد من الأسباب، والدوافع التي قادت إلى قيام صراع بين الحوثيين مما وصل إلى حد استخدام القوة المسلحة، ومن تلك الأسباب تراجع الطيف الاجتماعي الذي يمثله الهاشميون والذي شرعنه الزيديون، والإدارة الفاشلة للتعددية الدينية، وغياب الاستثمار في معاقل الزيديين كصعدة.
   واستمرت المواجهات بالتصاعد مع الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بالحصول على الدعم من الخارج، والتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وقتل (حسين الحوثي) زعيم حركة الشباب المؤمن مما دفع الحكومة إلى إعلان الانتصار في صعدة من جانب واحد وهزيمة الحوثيين، وبذلك انتهت المواجهة العسكرية الأولى بين الطرفين بعد أن خلفت ورائها أكثر من ألف قتيل وفقاً للصحافة اليمنية. ونتيجة للضغوط الدولية قبل الطرفان وقفاً لإطلاق النار، ولكنه سرعان ما انهار بعد أربع ساعات فقط من تطبيقه، واستؤنف القتال بقوة، ولعل ما ميز هذه المواجهة عن سابقاتها من المواجهات العسكرية التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لليمن ممثلة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من جانب، وإيران من جانب أخر.
   بالرغم من ذلك، وفي ظل الأوضاع التي تعيشها اليمن، قادت الحركة الحوثية صراعها المسلح, معتمدة شعارات معادية إلى الولايات المتحدة الأمريكية, مع تضمينها بشعارات تتهم الحكومة اليمنية بتبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية.
   والراجح أن تستمر الأزمة بل ستتفاقم وستصدر كل إفرازاتها إلى المنطقة والعالم، لأن الوضع برمته مرجح للتفاقم، وتفاقمه سيؤدي إلى المزيد من التأزم، وفي خضم هذه التطورات المستقبلية ليس بوسع أحد أن يتنبأ بالمصير, أو أن يضع حداً لحدود الكارثة, فاحتمال تفكك وتفسخ الدولة أمر قائم وقد يصعب تجنبه، فربما سيكون علينا مستقبلاً أن نتعايش وأن نتعامل مع وضع غاية في الاضطراب في جنوب شبه الجزيرة العربية.

الجمعة، 20 مارس 2015

مصالح الدول الاقتصادية



مصالح الدول الاقتصادية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   العلاقات الدولية لدولة ما أو مجموعة دول تتأثر بمقدار ارتباطها بالاقتصاد العالمي، فالمواد الأولية والبنية الاقتصادية الداخلية ومستوى الاستيراد والتصدير ومستوى الإنتاج وتطور اقتصاد الدولة، تمثل مؤشرات تشير إلى مد ارتباط اقتصاد الدولة بالاقتصاد الدولي، الذي قلد يتيح للدولة فرص التأثير على السياسات الخارجية لدول أخرى.
   كذلك يتأثر صانع القرار بمدى استغلال الإمكانات الاقتصادية، واستخدامها في التأثير على السلوك السياسي الخارجي للدول الأخرى، وقد أصبحت قضية استغلال الإمكانات والقدرات الاقتصادية الشغل الشاغل لدول العالم، ففي الوقت الذي تستخدم الدول المتطورة تكنولوجياً صناعتها في سبيل التأثير على قرارات الدول التي هي في حاجة إلى صناعتها، فأن الدول الغنية بمواردها الأولية يمكن أن تؤثر على قرار الدول التكنولوجية المتقدمة في سبيل أن تقف إلى جانبها لأجل تحقيق أهدافها ومصالحها القومية.
   من أوضح وأبرز أشكال التأثير الذي مورس من خلال المصالح الاقتصادية هو من خلال اندماج عدد من الشركات الاقتصادية وظهور الشركات المتعددة الجنسية وكانت في كثير من الأحيان صاحبة القرار السياسي الخارجي، فهي تمارس تأثيرها على حكوماتها من جهة، وعلى الدول الأخرى التي تمارس هذه الشركات نشاطاتها فيها من جهة أخرى.
   وبالنظر لما تتمتع به الشركات المتعددة الجنسية من قدرة كبيرة في استثمار القوة التأثيرية للدولة الأم لدعم مصالحها العالمية بحكم القوة السياسية النافذة التي يتمتع بها أصحاب هذه الشركات في بلدانهم فإن بإمكانها توظيف هذه السلطة وبالاتجاه الذي تستطيع فيه هذه الشركات ممارسة شتى أنواع الضغوط وخاصة ضد دول العالم الثالث كالتدخل السياسي والاقتصادي والعسكري وبأشكال مختلفة.
   وقد أصبحت الشركات متعددة الجنسيات أكثر انتشاراً وتأثيراً من السابق، وأخذت ترسي ظاهرة التدويل التي تحول العالم إلى سوق واحد، وهي بذلك تخترق حد ود السيادة الوطنية للدول، ويعدها البعض بديل للواسطة العسكرية في عصر أضحى فيه العامل الاقتصادي أكثر فعالية في العلاقات الدولية.
   وقد قيل أن مناطق التجارة الإقليمية يمكن أن تسهم أسهاماً قوياً في إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد وأن الاتفاقيات الإقليمية للتجارة الحرة يمكن أن تحسن تخصيص الموارد عن طريق توسيع الأسواق وزيادة التدفقات الاستثمارية وتحقيق وفورات الحجم الكبير ولكن تظل هناك مخاوف الركود والركود التضخمي، والعجز عن التنافس، والتحرك انطلاقاً من نزعة تمييزية حمائية ضد الدول غير الأعضاء في التكتل.
   ولقد دخلت العلاقات الاقتصادية والمصالح الاقتصادية الدولية في منافسات شديدة لعل أهمها وأبرزها هي التحولات في العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان من علاقة حلفاء ضمن منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) إلى نوع من المنافسة حول المصالح والمكاسب
الاقتصادية بعد نهاية الحرب الباردة الأمر الذي يهدد بنشوب حرب تجارية كبيرة.
    وفي حالة نشوب مثل هذه الحرب ستمتد أثارها إلى اقتصاديات دول العالم الأخر إذا عرفنا إن الولايات المتحدة واليابان وأوربا تنتج 81 % من إنتاج العالم، وتتاجر عالمياً بالنسبة نفسها تقريباً من حجم التجارة الدولية، ويدر عليها وبالتالي عائدات بالحجم نفسه.
   وعليه فأن استعادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة وفق المنظور الأمريكي وللمحافظة على تفوقها المطلق في النظام الدولي، وردع خصومها المحتملين بما في ذلك القوى الاقتصادية، سيتم من خلال سعيها للاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها في المجال العسكري وتكريسه لمزايا سياسية واقتصادية.
   لقلد تكرست ظاهرة الاعتمادية المتبادلة بين الوحدات الدولية كنتيجة لتشابك المصالح وإضفاء السمة الدولية على القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتوسعت ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لتشمل مجالات اقتصادية وتكنولوجية وأمنية، ولكن ذلك لا يعني انتفاء تقاطع المصالح بينهم.
   الدول تستطيع تحقيق أهداف سياستها الاقتصادية الداخلية انطلاقاً من إمكاناتها الذاتية وبمعزل عن قدرات غيرها.
   إلا إن وجود ظاهرة الاعتمادية المتبادلة لا تعني بالضرورة سيادة التعاون وانتفاء الصراع فضلاً عن أنها تتزامن مع ظاهرة معاكسة لها وهي ظاهرة التبعية والتي يكون أساسها الاعتماد غير المتكافئ بين الدول.
   وقد برزت هذه الظاهرة على نحو أكثر من السابق اقتصادياً وسياسياً وتقنياً بعد تحول وجهة الصراع الدولي من غرب شرق إلى شمال جنوب وهي أحد سمات النظام السياسي الدولي.
   ومثلما آلت كل من الحربين العالميتين إلى أوضاع جديدة، آلت أحداث مطلع التسعينات وخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي وما أعقب ذلك من أحداث إلى واقع دولي جديد.
   وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية على الإمساك بالواقع الدولي الجديد وإخضاعه لسلطتها وحدها منتفعة من ظروف قد تكون غير قابلة للتكرار وذلك حرصاً على تكريس القطبية الأحادية.
   فالعوامل الخارجية التي اتسم بها عصرنا الحالي منذ منتصف الثمانينات حتى وقتنا الحاضر مروراً بانهيار النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي ثم تفكك الدولة فيما بعد، وما أفرزته من أثار ونتائج تطبق على جميع الدول في المجتمع الدولي.
   ولا ننسى أن نذكر أن هذه العوامل الداخلية والخارجية، هي بدون شك مترابطة الواحدة بالأخرى بشكل أو بأخر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تؤثر إحداها على الأخرى، مع الأخذ بالاعتبار تفاوت هذه العوامل في المدى والكثافة.


السبت، 28 فبراير 2015

دوافع الثورة التونسية



دوافع الثورة التونسية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   كان عام 2011، هو عام الثورات العربية أو كما أطلق عليه اسم (الربيع العربي)، الذي وقعت فيه معظم الثورات في الوطن العربي، إلا أن أعنف تلك الثورات وقع في (تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين)، وقد برزت أهمية الموضوع كون تونس مفتاح الثورات التي حدثت في العالم العربي، فالشرارة التي أشعلت الثورات ابتدأت من تونس ثم انتقلت باقي دول الوطن العربي.
   يتضمن الدستور التونسي نضال الشعب التونسي للتخلص من الاستعمار القديم، وتصميم هذا الشعب على توثيق الوحدة القومية، والتمسك بالقيم الإنسانية، والعمل للسلم، والتعاون الدولي الحر، والتعلق بتعاليم الإسلام، ووحدة المغرب الكبير، وانتمائه إلى الأسرة العربية، والتعاون مع الشعوب الإفريقية، وإقامة ديمقراطية تستند إلى مبدأ السيادة الشعبية، والفصل بين السلطات، والنظام الجمهوري، وإقرار المساواة بين المواطنين.
   لقد تبنى نظام بن علي أسلوباً في الحكم قائماً على قتل السياسة، لقاء التبشير بالتنمية الاقتصادية، ورفع المستوى المعيشي للمواطن، أي تبني معادلة التنمية من دون ديمقراطية؛ وبالفعل نجحت تونس في تحقيق معدلات من التنمية تفوق النسب الموجودة في الدول المماثلة،   بفضل تدفق الاستثمارات الأجنبية، والسياحة الخارجية المندرجة في إطار تصور غربي قائم على دعم النموذج التونسي الذي عمل على تسويق صورة النظام الذي تمكن من مواجهة مطالب الحركة الأصولية بالنجاح الاقتصادي.
   إن نقطة ضعف هذا النموذج هو غياب مؤسسات تمتلك الشرعية المطلوبة لمراقبة مسالك المال العام الذي يصرف في برامج التنمية، وهو ما مثل أهم مدخل للفساد المالي، ولاستخدام أسلوب المافيات المنظمة لتجميع الثروة من طريق "الجاه المفيد للمال"، في غياب آليات المراقبة، والمحاسبة المؤسساتية، كما كشف هذا الغياب عن ضعف فظيع في امتلاك الآليات الاقتصادية القادرة على امتصاص تداعيات الأزمة المالية العالمية.
   وهكذا فإن من أبرز الأسباب البنيوية التي ساهمت في تأجيج روح الثورة لدى الشعب التونسي، تدهور الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية المتمثلة في ارتفاع مستويات البطالة، وخاصة في أوساط حاملي الشهادات، وتزايد التفاوت الاجتماعي بين المناطق والجهات، وتركيز الثروة في أيدي فئة محظوظة من الموالين لعائلة الرئيس.
   والسؤال الذي فرض نفسه بعد سقوط بن علي هو هل أن رئيس النظام سقط فقط، بينما ظلت مؤسسات الدكتاتورية والرشوة، وسوء التصرف قائمة؟
   إن هذا التساؤل طرح نفسه بشدة، خاصة أن الحركة الاحتجاجية كانت دون قيادة موحدة، ولا برنامج سياسي، واقتصادي بديل واضح.
   الانقلاب على الدستور، ودفع البلاد نحو سلسلة من الاعتصامات، والاضرابات، والتحركات الاحتجاجية، والمطلبية هدف الاستبعاد النهائي لكل رموز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم تونس في العقدين الماضيين، وعزل كل كوادر الدولة المنتمين إليه، وقد بقيت تلك التحركات شعبية كبيرة في الأسابيع الأولى للقوة، ونجحت في دفع كل الوزراء المنتمين إلى حزب بن علي إلى الاستقالة، وتبعهم محمد الغنوشي رئيس الوزراء، ثم تم حل التجمع الدستوري بقرار قضائي، إلا أن الزخم الذي دفع للاعتصامات المطلبية تراجع، بعد أن برزت مؤشرات اقتصادية، وسياسية، وأمنية سلبية عديدة، من بينها غلق كثير من المصانع والشركات، وركود القطاع السياحي، والخدمات المرتبطة به، بما يعني احتمال مضاعفة عدد العاطلين عن العمل.
   في وقت تحتاج فيه أساساً إلى إصلاحات سياسية، اقتصادية، واجتماعية تؤدي إلى معالجة معضلات البطالة، والخلل في التوازن بين الجهات، أي الأسباب المباشرة التي أدت إلى استشهاد محمد البو عزيزي، ومئات من شباب تونس، في ثورة شجعت جماهير عربية في كل مكان على التفاؤل مجدداً بالتغيير والإصلاح.
   وبخصوص شكل النظام السياسي التونسي هناك جدلاً قائماً اليوم بين دعاة النظام الرئاسي ودعاة النظام البرلماني، وهناك أيضاً النظام المختلط، وهذا الجدل محتدم، على الرغم من إقرار البعض عند وصفهم النظام السياسي التونسي بالقول: إننا إزاء نظام برلماني مشيراً إلى طبيعة العلاقة بين الحكومة المؤقتة، والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والإصلاح السياسي، والانتقال الديمقراطي وطبيعة مهام هذه الهيئة.
   وبالتالي يكون النظام البرلماني المعدل أفضل لتونس، بعد التجربة المريرة طيلة نصف قرن من النظام الرئاسي، الذي أدى بها إلى التخلف، والديكتاتورية، والرئاسة مدى الحياة.
   حصل التغيير، وتغير نظام الحكم، ولكن قسماته الرئيسة ما تزال غير واضحة، ولم يتم إكمال صياغة الدستور، ولا تحديد زمني للانتخابات التي ستنهي المرحلة الانتقالية، وتحدد شكل نظام الحكم القادم، هذا فضلاً عن حالات عدم الاستقرار التي تشهدها تونس بين الحين والأخر كلها مؤشرات على استمرار المرحلة الانتقالية، واستمرارها يعني استمراراً لحالة عدم الاستقرار السياسي.

السبت، 14 فبراير 2015

نبذ سياسة العنف في المجتمع



نبذ سياسة العنف في المجتمع
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   من المعلوم أن العنف يقوم به الأفراد والدولة على حد سواء، فهو قد يقع من جانب أفراد المجتمع، وقد تقوم به الدولة في تعاملها مع مواطنيها أو مع الجماعات التي تمارس مختلف النشاطات في المجتمع، هذا في طبيعة الحال يحدث في حال عجزت الأطراف المختلفة في الإقناع بتغير السلوك، واستنفاذ كل الطرق السلمية، ومهما كان تقييم أعمال العنف يظل مسألة نسبية، ويتوقف على الجهة التي تقوم بالتقييم، وغالباً ما يقيم العنف من منطلقين هما الولاء والشرعية، لعل السبب في هذا هو الصلة الوثيقة بالتقاليد أو الأيديولوجيات السائدة في هذا البلد أو ذاك، ونظرتها إلى استخدام العنف كوسيلة في العمل السياسي، حيث نجد في دول معينة قوات عسكرية واسعة، وكبيرة لكنها لا تقوم بالانقلابات العسكرية، كما هو في البلدان الديمقراطية، وبعض بلدان الدول النامية في الوقت الراهن، وفي بلدان أخرى نجد أن السكان تمتلك أسلحة على نطاق واسع، ومع ذلك لا تحدث اغتيالات سياسية، في حين يحدث العكس في بلدان أخرى، وبالمقابل فإن اللجوء إلى الاغتيال، وأعمال الإرهاب على نطاق واسع الانتشار قد ينشأ عن ايدلوجية معينه تجيد أسلوب العنف في العمل السياسي.
   وبطبيعة الحال إن جميع هذه التشكيلات تتبنى تنظيرات للعنف، وتواجه عنف الدولة بعنف مضاد، وتعمل في الظلام بل وتعتبر نشاطها مشروع، لأنها تسعى إلى تقويض النظام الاجتماعي الذي تدينه كونه لا آنساني، وقائم على الاستلاب حسب مفهومها، والواقع أن أعمال العنف لا يمكن أن تنفصل عن طبيعة الظروف في المجتمعات التي تحدث فيها، إن العصيان في المدن، والانقلابات العسكرية، ومؤتمرات الجمعيات الثورية، والثورات المضادة المدعومة داخلياً، هي جميعاً أمثلة على التمرد أو الثورة، وتتسم كلها بقبول بعض أفراد المجتمع بالعنف لغرض دفع المجتمع نحو التطور، ولكن على أي حال من الأحوال إن مقارنة هذه الأحداث بناءاً على أشكالها الاجتماعية وليس غيرها.
   ووفقاً لذلك، فان الحكومات تسعى إلى تحريم أعمال العنف، وأول خطوة تقوم بها في هذا الشأن أن تجعل كل أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد، والجماعات هي غير قانونية، لكي تحفظ لنفسها احتكار وسائل العنف الكبرى في المجتمع، وعليه فإن العنف لا يقتصر على الأفراد والجماعات، وإنما تستخدمه الدول أيضاً وتمارس القوة بأجهزتها وهيئاتها المختلفة.
   وهنا لابد من أن نفرق بين القوة، والعنف فهما ليسا مفهومين مترادفين، فالعنف يختلط بأنماط كثيرة من السلوكيات في المجتمع التي تتباين فيما بينها من ناحية شدتها أم من ناحية الأشكال التي تتخذها (كالقتل، والتمرد ....الخ)، وعليه فان آثار العنف قد تتنوع من درجة معينة من التوتر الشخصي إلى فعالية جماعات كبيرة من الشغب، وكذلك إلى اللااستقرار السياسي بل وتدمير النظام القائم تدميراً كاملاً، إن العنف الذي يوجه إلى النظام من المحتمل جداً أن يؤدي إلى تصعيد العنف في المجتمع، وليس إلى إجراء تغيرات أساسية في البنية الاجتماعية، ولذلك فإن الحكومة مطالبة بتبرير العنف التي تقوم بها، بنفس الصيغة التي يطالب بها تبرير أعمال العنف التي توجه ضدها، وكلما كانت الحكومة ذات شرعية محددة بمعنى لا يؤيدها الأغلبية من أفراد الشعب، كلما كانت أكثر ميلاً إلى استخدام العنف.
   من المعلوم أن العنف يتخذ أشكالاً متعددة حسب المصدر الذي تنبعث منه، ولا تقتصر ممارسته على الأفراد والجماعات، بل من الممكن أن تمارسه الدولة بصورة منتظمة يسمى (العنف المؤسس)، الذي تستطيع أن تتخذه على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
   إن القوى المتصارعة التي تطمح للسيطرة على العالم أو التأثير به، والمعركة المتزايدة ينحسر فيها تأثير عاملين هما عامل القوة، وعامل المال ليبرز عامل ثالث مهم ينتج المال، والقوة، وليس العكس، وهو ( عامل المعرفة)، لعل هذا يتضح من مقولة الفن توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل)، حيث قال: (في عشرات السنين القادمة سنشهد صراعاً ضخماً من أجل السلطة بين أنصار النزعة العالمية، وبين المدافعين عن السيادة الوطنية، وهو نزاع سيكون موضوعه طبيعة المؤسسات الجديدة المكلفة بتنظيم عمل الأسواق العالمية لرؤوس الأموال، ولكن لن يكون هذا إلا وجهاً من وجوه المجابهة بين النظام الصناعي المشرف على الموت، وبين النظام الاقتصادي الجديد لخلق الثروة الذي هو (قيد النشؤ).
   ومن هنا يمكن الإدراك أن هكذا وضع يخلق نمطاً من الحياة الاجتماعية تنعكس سلباً لدول وشعوب العالم الثالث (الدول النامية)، لأن الدول النامية تتفاوت في مرجعيتها الثقافية، والسياسية، فانطوت فيها تيارات العنف، والتطرف، وعياً منها بأن هذه الأدوات أنجع في الحل، وأعمق في الطرح، والتناول، وأكثر تأثير في عالم اليوم، ومن هنا خلقت تيارات متصارعة داخل هذه الدول أخذت طابع الصراع، والعنف باتجاهين، الأول هو العنف بدافع العامل النفسي الشخصي الذي تولد نتيجة الإحباط، والاستلاب السياسي، إضافة إلى عامل البنية الاجتماعية، وتقاليد المجتمع، كل هذه العوامل شكلت دافعاً لممارسة العنف بمستويات مختلفة.
   لقد رافقت هذه السياسات تغيرات اقتصادية، واجتماعية، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية، وإعلامية مما أدى ذلك إلى معاناة شرائح المجتمع بفعل التضخم المستمر، والتي عجزت هذه الطبقات أن تتكيف مع القيم بفعل تفشي البطالة، وبفعل الفوارق الطبقية الحادة القائمة بينهم، وبين الطبقات الغنية جداً المستفيدة من الانفتاح، لهذا نجد أن الأرض الرخوة باتت جاهزة لنمو العنف بأنواعه سواء المؤسسي الذي تقوده الدول أو على صعيد الشعب أو على مستوى التطرف الديني.