الاثنين، 8 ديسمبر 2014

التكامل بين نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية

التكامل بين نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية
The Integration of the system of Administrative Knowledge and the System of Accounting Knowledge in the Economic Unit
إعداد:
           أ. أيمن هشام عزريل                       أ. أحمد حسني صوالحة
            ماجستير محاسبة                           بكالوريس إدارة أعمال
      جامعة أليجار الإسلامية-الهند                جامعة النجاح الوطنية – فلسطين
المقدمة:
   تشكل المعلومات – اليوم - مورداً هاماً ورئيساً من موارد الوحدات الاقتصادية؛ في تحقيق الفائدة لمستخدميها، خاصة في ظل عالم يتميز بدرجة عالية من التعقيد والتغير، نتيجة للتطورات التكنولوجية المتسارعة، بحيث يكون لديها نظماً للمعلومات تختص بكل مجال من المجالات التي تمارس فيها وصولاً إلى تحقيق أهدافها العامة، ويؤدي النظامان الرئيسان للمعلومات في أي وحدة اقتصادية المتمثلان بنظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية دوراً مهماً وأساسياً فيها، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة دراسة علاقات التنسيق والترابط والتكامل بينهما، كي لا يكون هناك ازدواجية في العمل من حيث إنتاج المعلومات اللازمة، وكذلك تحقيق الجدوى الاقتصادية من ذلك.
الدراسة:
   إن العلاقة بين تكامل نظم المعلومات وتأثيرها على تحسين عمليات الوحدات الاقتصادية مرتبطة بزيادة مستوى هذا التكامل، فتكامل نظم المعلومات أصبح ذا أهمية عظمى لعدم تكرار الأنشطة ومنع الأخطاء، وتقليل دورة الوقت المستنفذة في تطوير المنتج، وزيادة ثقة المستهلك في المنتج، وهو بهذه الصورة يهدف إلى إثراء عمليات الوحدات الاقتصادية وتحسينها، من خلال تقديم مزيج مركب من المعلومات يدعمها بصورة متواصلة، ومن ثم يمكننا أيضاٌ من مقابلة التحديات والمتغيرات في الأسواق وتنمية دخلها بمرونة عالية.
   وعلى الرغم من تقدم نظم المعلومات وتأصيل مفاهيمها خلال العقدين من القرن الماضي، فإنه مازالت بعض الوحدات الاقتصادية تنظر إليها على أنها نفق مظلم مجهولة عواقبه تخشى الخوض فيه، من خلال الاسترشاد بنظرية النظم، أمكن تطوير منهج جديد للبحث العلمي هو منهج النظم، الذي يقوم على استخدام المفهوم العلمي في حل المشاكل الإدارية، إذ يمثل مفهوم منهج النظم أحد المفاهيم الأساسية في دراسة نظم المعلومات، حيث يشير إلى أن النظام يتكون من مجموعة من العناصر، التي قد تتوافر في كلها أو معظمها كافة مقومات النظام، وتسمى هذه العناصر التي تتوافر فيها مقومات النظام نظماً فرعية (Sub-Systems)، ويسمى النظام الذي يجمعها نظاماٌ رئيساٌ (Overall System)، غير أنه عند مستوى آخر من مستويات التحليل، قد نجد أن أحد هذه النظم الفرعية يتكون هو الآخر من مجموعة أصغر منه من النظم، وهكذا يتحول هذا النظام الفرعي عند هذا المستوى من التحليل إلى نظام رئيسي، وتمثل الأنظمة التي يتكون منها نظماٌ فرعية(1)، وطبقاً لذلك، فإن الوحدة الاقتصادية تعد نظاماً كلياً يتكون من عدة نظم فرعية لعل من أبرزها نظامين هما:
1. نظام المعلومات الإدارية (Management Information System (MIS
2. نظام المعلومات المحاسبية (Accounting Information System (AIS
   ويعرف نظام المعلومات الإدارية (MIS)، على أنه "مجموعة من نظم المعلومات المترابطة التي توفر المعلومات للعمليات والاحتياجات الإدارية"(2).
   وعرف أيضاً على أنه "مجموعة الأجزاء المترابطة التي تعمل مع بعضها بعضاً بصورة متفاعلة لتحويل البيانات إلى معلومات يمكن استخدامها لمساندة الوظائف الإدارية (التخطيط، والرقابة، واتخاذ القرارات، والتنسيق)، والأنشطة التشغيلية في الوحدة الاقتصادية"(3).
   من خلال التعريفين أعلاه، يتضح أن الخاصية المهمة لنظام المعلومات الإدارية تتمثل بشموليته (Inclusiveness)، أي إنه يحيط بكل أنظمة توفير المعلومات في كافة مستويات التنظيم، وهذا ما يؤكد بأنه مجموعة نظم معلومات أكثر من كونه نظاماٌ كلياٌ.
   ويمكن تحديد وظائف نظام المعلومات الإدارية بالاتي:
1. استقبال البيانات المتعلقة بكل شؤون الوحدة الاقتصادية.
2. تحليل البيانات ومعالجتها بواسطة العمليات التشغيلية التي تجري عليها من تبويب، وتصنيف، وتخزين في ملفات خاصة، أو في ذاكرة الحاسوب.
3. توفير المعلومات التي تمثل مخرجات النظام لغرض الاستفادة منها، باعتبارها معلومات يمكن الاستعانة بها في اتخاذ القرارات.
   أما نظام المعلومات المحاسبية (AIS)، بأنه "أحد النظم الفرعية في الوحدة الاقتصادية، يتكون من عدة نظم فرعية تعمل مع بعضها البعض بصورة مترابطة ومتناسقة ومتبادلة، بهدف توفير المعلومات التاريخية والحالية والمستقبلية، المالية وغير المالية، لجميع الجهات التي يهمها أمر الوحدة الاقتصادية، وبما يخدم تحقيق أهدافها"(4).
   وعرف أيضاٌ بأنه "أحد الأنظمة الفرعية في الوحدة الاقتصادية، الذي يختص بجمع، وتبويب، ومعالجة، وتحليل، وتوصيل المعلومات الملائمة لاتخاذ القرارات إلى الأطراف ذات العلاقة"(5).
   من خلال التعريفين أعلاه، يمكن أن نستنتج أن نظام المعلومات المحاسبي هو أحد النظم الفرعية للمعلومات في الوحدة الاقتصادية، يتكون من مجموعة من العناصر والمتمثلة بالمدخلات، والعمليات، والاجراءات، والمخرجات، والتغذية العكسية، وأن هذه العناصر مترابطة فيما بينها، وتسعى إلى تحقيق هدف معين، يعد القوة المحفزة التي تقود النظام وتوجه نشاطه، إن أهداف نظام المعلومات المحاسبي ماهي إلا انعكاس لأهداف الوحدة الاقتصادية، ولأن الوحدة الاقتصادية لا توجد في فراغ، لذا فإن أهدافها وأهداف نظام المعلومات المحاسبي يمكن أن تتغير عبر الزمن بتغير البيئة المحيطة، إلا أنها في كل مدة يجب أن تكون محددة وقابلة للتحديد.
   أما بالنسبة لأهداف نظام المعلومات المحاسبي فيمكن إيجازها بست وظائف رئيسة، كل منها يحتوي على مجموعة من الأنشطة، وهذه الوظائف هي: جمع البيانات، والمحافظة عليها، وإدارتها، وحمايتها، ورقابتها، وإنتاج المعلومات، وتوصيلها إلى مستخدميها(6).
   إن الوظيفتين الأخيرتين تعدان من الوظائف الأساسية، فإذا لم يتمكن النظام من إنجازهما، فإنه يمر بمرحلة التدهور.
   فيما يعرف نظام المعلومات المتكامل (Integration Information System)على أنه:
"النظام الذي تكمل نظمه الفرعية بعضها بعض من خلال عملها بصورة متناسقة ومتبادلة، بحيث يستبعد تكرار توليد المعلومات من أكثر من نظام فرعي، وبما يؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج المعلومات اللازمة للجهات المختلفة، فضلاً عن تقليل الوقت والجهد اللازمين لها"(7).
   وعليه، فإن مفهوم النظام المتكامل للمعلومات الإدارية والمحاسبية، سوف يشير إلى أنه النظام الذي يعمل على تكامل كل من نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية، من خلال التنسيق بين عمليهما وتبادل البيانات والمعلومات التي تنشأ عن كل منهما، وفق قاعدة بيانات موحدة، وبما يؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج المعلومات المستهدفة، وكذلك تقليل الوقت والجهد اللازمين لها(8).
   أما أهمية الحاجة إلى النظام المتكامل للمعلومات الإدارية والمحاسبية في أية وحدة اقتصادية، فتأتي من خلال إمكانية إيجاد علاقات التنسيق، والتبادل، والترابط بين كل من نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية.
   ونظراً لتشابك العلاقات وتعددها بين كل من نظام المعلومات الإدارية ونظام المعلومات المحاسبية، فهناك من يرى من الكتاب والباحثين أن نظام المعلومات المحاسبية هو جزء من نظام المعلومات الإدارية، على اعتبار أن نظام المعلومات المحاسبية يهتم بقياس المعلومات المحاسبية التاريخية بغرض إعداد القوائم المالية للجهات الخارجية، بينما يهتم نظام  المعلومات الإدارية بكل المعلومات اللازمة للإدارة بغرض تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة للوحدة الاقتصادية، وعليه فإن ذلك يمكن أن يوسع مفهوم نظام المعلومات الإدارية ليشمل كل نظم المعلومات بالوحدة الاقتصادية بما فيها نظام المعلومات المحاسبية(9).
   وهناك من يرى أن دور نظام المعلومات المحاسبية ليس مجرد إعداد القوائم المالية لجهات خارج الوحدة الاقتصادية فقط، وإنما يهتم بإعداد التقارير اللازمة لجهات من داخل الوحدة الاقتصادية أيضاً، متمثلة بكافة  أنواع المعلومات التي تحتاجها المستويات الإدارية المختلفة في عمليات التخطيط، والرقابة، واتخاذ القرارات الإدارية، ومن ثم فإن أنصار هذا الرأي يرون أن نظام المعلومات المحاسبية هو النظام الأساس، وأن نظام المعلومات الإدارية هو جزء منه(10).
   يرى آخرون أن نظام المعلومات المحاسبية هو أقدم نظام عرفته المشروعات التجارية والصناعية وغيرها(11)، وأنه يمثل الركيزة الأساسية والمهمة بالنسبة لنظم المعلومات الأخرى في الوحدة الاقتصادية، ونظام المعلومات الإدارية بصورة خاصة، انطلاقاً من الآتي(12):
1. إن نظام المعلومات المحاسبية، هو وحده الذي يمكن الإدارة والجهات الأخرى المعنية من الحصول على صورة وصفية (متكاملة)، وصحيحة عن الوحدة الاقتصادية.
2. يتصل نظام المعلومات المحاسبية بغيره من نظم المعلومات عن طريق مجموعة من قنوات تعتبر حلقات وصل بين مصادر الحصول على المعلومات ومستخدمي هذه المعلومات، وتشكل في مجموعها مسارات النظام الشامل للمعلومات.
3 . يمكّن نظام المعلومات المحاسبية من التعرف على أحداث المستقبل، بدرجة تقرب _ إلى حدٍ ما - من الصحة، وتوجيه الموارد النادرة نحو الاستخدام الأمثل، كما أنه يوفر المقاييس، التي تساعد على تطوير أساليب الرقابة.
   هناك رأي آخر تبنته رابطة المحاسبة الأمريكية من خلال إعداد تقرير يعتبر توفيقياً بين الآراء السابقة، حين اعتبرت أن نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية، نظامان مستقلان لكل منهما وظائفه، ولكن يوجد تداخل بين النظامين يتمثل بـ"محاسبة العمليات  Accounting Operation"، لأن المحاسب يحتاج إلى بيانات عديدة من نظم المعلومات الأخرى في الوحدة الاقتصادية (متمثلة بنظام المعلومات الإدارية)(13).
   واستناداً إلى ما تقدم، يمكن القول بأن هناك ضرورة للتكامل بين نظام المعلومات الإدارية، ونظام المعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية، وأنه يمكن تحقيق هذا التكامل إذا ما تم التعرف على وظائف كل من النظامين، ومن ثم حصر النقاط التي يمكن من خلالها تحقيق هذا
التكامل.
   إن نظام المعلومات المحاسبية، يمكن أن يكون نظاماٌ فاعلاً بصورة أكبر، إذا ما تم التكامل بينه وبين نظام المعلومات الإدارية، وبما يؤدي إلى تحقيق الهدف الشامل للوحدة الاقتصادية وذلك من خلال الآتي:-
   إن نظام المعلومات المحاسبية يمكنه التعبير بصورة مالية وكمية عن كافة البيانات والمعلومات التي يمكن أن يوفرها نظام المعلومات الإدارية، بحيث يكون لها قدرة تفسيرية أكبر عندما يتم استخدامها من قبل متخذي القرارات، سواء في داخل الوحدة الاقتصادية أو خارجها.
   إن إنتاج المعلومات عن طريق نظام المعلومات المحاسبية، سوف يساهم في تقليل الجهد، الذي يمكن أن يبذل في إعداد البيانات والمعلومات اللازمة، فضلاً عن تقليل التكاليف، التي يمكن أن تنفق في تجميع البيانات وتحليلها، ومن ثم إنتاج المعلومات منها، مع إمكانية توفيرها في الوقت المناسب، دون انتظار الحصول عليها من قبل نظام المعلومات الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الازدواجية في عمل النظامين.




















المراجع:
1. الحسون، عادل محمد، والقيسي، خالد ياسين، (1991)، النظم المحاسبية، الجزء الأول، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد.
2. أبوطالب، يحيي محمد، (1986)، المحاسبة الإدارية نظام للمعلومات في مجال التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات، مكتبة عين شمس، القاهرة.
3. Bocij, P. Chaffy, D. Greasley, A. Hiickie, S. (2003), Business information System , 2nd ed., Prentice Hall, USA.
4. يحيي، زياد هاشم، والحبيطي، قاسم محسن، (2003)، نظام المعلومات المحاسبية، وحدة الحدباء، للطباعة والنشر، كلية الحدباء الجامعة، الموصل، العراق.
5. Moscove, S.A., Simkin, M.G., Bagranoff, N.A. (2001), Core Concepts of Accounting Information System, 7th ed., John Wiley & Sons Ltd, England.
6.  Wilkinson, Joseph W. Cerullo, Michael J. Raval, Vasant, (2000), Accounting Information Systems. Essential Concepts. Fourth Edition, John Wiley and Sons, Inc.
7. غلاب، حسن أحمد، (1984)، مدخل إلى نظم المعلومات المحاسبية، مكتبة التجارة والتعاون، القاهرة، مصر.
8. يحيي، والحبيطي، (2003)، مصدر سابق.
9. الدهراوي، كمال الدين مصطفى، ومحمد، سمير كامل، (2000)، نظم المعلومات المحاسبية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية.
10. يحيي، والحبيطي، (2003)، مصدر سابق.
11. عرفة، سعيد محمود، (1984)، الحاسب الإلكتروني ونظم المعلومات الإدارية والمحاسبية، دار الثقافة العربية، القاهرة.
12. Glautier MEW & Underdown B.(1977), Accounting Theory and Practice, Pitman Publishing, London.
13. الدهراوي، ومحمد، (2000)، مصدر سابق.


ظاهرة غياب الطلبة عن المدارس

ظاهرة غياب الطلبة عن المدارس
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   يواجه نظام التعليم في الآونة الأخيرة تحدياً كبيراً، هذا التحدي يجب أن يكون في الاهتمام في تحسين نوعية التعليم، لأن المجتمعات وعلى اختلاف درجات رقيها ومكانتها بين الأمم، تهتم بطلبتها وشبابها، لأنها تعقد عليهم الآمال في تطورها وتقدمها واستقرارها، وانطلاقاً من هذا المفهوم، إن تحسين كفاءة التعليم بات أمراً ضرورياً، ازدادت تلك الأهمية في المجتمعات النامية لحاجة تلك المجتمعات للتسريع في عملية التنمية، والتي تقع بالدرجة الأولى على شبابها وطلبتها، وارتفاع نسبة عدد هذه الفئة العمرية مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى، وهذا ما يجعلنا نرى ذلك في وجوه الجيل الجديد القادم، فالشباب عصب الحياة، هو جيل المستقبل، جيل الأمة والحضارة.
   تعد الحياة الدراسية، هي البيئة الملائمة التي ينمو فيها ذهن الطلاب، إذ توفر المدرسة الفرص الكثيرة الحقيقية للطلاب، من خلال اكتساب الخبرات المتنوعة التي تؤدي إلى تغيير ملحوظ في سلوكهم فكرياً، وعملياً، والنمو بطبيعته عملية مستمرة في الإنسان، يمكن أن تتعثر إذا لم يتوفر لها عنصر الاستمرار، ومعنى ذلك أن الطالب الذي لا يتابع دراسته وتحصيله العلمي بانتظام، فأنه يكون عرضة لعثرات كثيرة في حياته قد تعوقه في الاستمرارية في الحياة، وتعوق نموه النفسي السليم الصحيح، وهذا لا ينعكس على الفرد فحسب، بل تنعكس آثاره لتشمل المجتمع ككل.
   ظاهرة غياب الطلبة في المدارس ما هي إلا واحدة من تلك الأسباب التي قد تعرقل نمو الطالب في هذه المرحلة الحساسة من عمره، ومشكلة غياب الطلبة لها أهميتها وتأثيرها على العملية التعليمية ككل، فلا يتأثر المستوى الأكاديمي للطلبة فحسب، بل يمتد هذا التأثير إلى عدد كثير من الجوانب مثل شعور أعضاء الهيئة التدريسية بالإحباط، وتعرض سير عملهم للفوضى والتعطيل، كذلك الإدارة والمرشد التربوي في المدرسة في البحث عن تفسير لظاهرة الغياب، والعمل على علاجها، مثل الاتصال بأسر الطلبة وتحديد حالات الغياب، التي تتم من دون معرفة الأهل أو من دون عذر مقبول، بل تتجاوز آثار الغياب لتصل مراحل التسرب في المدرسة.
   إن العملية التربوية التعليمية ما هي إلا وحدة واحدة مترابطة لا يمكن الفصل أو التجزئة بينها، فهي تعتمد أساساً على ثلاثة أركان المدرس، والطالب، والمنهاج، والقصور في أي منها يؤثر في الآخر، إذاً فالطالب ليس بمعزل عن أي عامل من العوامل الأخرى، وممارساته لا تؤثر فيه فحسب بل تؤثر في غيره، فهولا يملك مطلق الحرية.
   أن الغياب المتكرر يحدث خللا في أداء المدرس الملتزم بجدول معين لإنهاء منهاجه، مما يجعله تحت ضغط وإجهاد كبير مما يؤثر على باقي الطلبة أيضاً.
   أن مدارسنا بشكل عام تعاني من سلبية بعض أولياء الأمور في متابعة أبنائهم وتحصيلهم العلمي، وترك الحبل على الغارب لإدارة المدرسة لتتحمل التربية مع التعليم، والحقيقة هي أن الآباء لا يدركون ولا يشعرون بمدى الخطر الحقيقي الناجم عن سلبيتهم تجاه أبنائهم، إلا بعد وقوعه سواء كان انحرافاً سلوكياً أو رسوباً دراسياً متكرراً للطالب.
   والغريب في الأمر أن أصابع الاتهام تتجه مباشرة إلى المدرسة واتهامها بالإرااتااطلاب،ةابالاهمال والتسيب، وعدم رعايتها وعنايتها الكاملة للطلاب، ومن أسباب هذه الظاهرة أيضاً، هو تأثير الطلبة على بعضهم البعض في التشجيع على الغياب الجماعي في بعض الحالات، وأيضاً تأثر الطلبة بوسائل الاتصال والتواصل، التي تأخذ معظم وقتهم فيسهرون حتى الصباح. 
   لذا فإنه من الضروري جداً، الوصول إلى معرفة المشكلة، والتعرف على المشكلة المرتبطة بالمنظومة التعليمية التربوية والخاصة بالطلبة، ومن ثم إيجاد الحلول المقترحة لها، من خلال تفعيل دور مجالس الاباء والأمهات مع المدرسين والإدارة، وتعزيز الثقة بين البيت والمدرسة، المتابعة الدقيقة من قبل الإدارة المدرسية للغياب واتخاذ الإجراءات اللازمة وعدم التهاون وعدم السماح بالغياب للطالب إلا بعذر، وذلك باطلاع الطلبة على السياسة التي تنتهجها المدرسة إزاء الغياب وذلك في بداية العام الدراسي، وتعريف الاباء والأمهات بالإجراءات التي يتعرض لها الطالب في حالة غيابه من دون عذر مقبول، من خلال إجراء توعية في وسائل الأعلام المختلفة بشأن أضرار ظاهرة الغياب على الطالب وعلى مستواه التعليمي والتحصيلي والسلوكي، لأن حقيقة التربية هي عملية بناء وإعداد للفرد في المجتمع، فطلبتنا هم الأمل المنشود في تجديد بناء الأمة ونهضتها، فهم شباب الغد وبناة المستقبل.


الأحد، 23 نوفمبر 2014

التحديث والتنمية السياسية العربية




التحديث والتنمية السياسية العربية
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   تعد عملية التحديث والإصلاح السياسي من ضمن عمليات التغيير والحركة المستمرة التي تشهدها المجتمعات المختلفة في العالم، لقد برزت مؤخراً ظاهرة الإصلاح في المجتمع العربي وبرزت عملية التغيير الاجتماعي نحو تحقيق الإصلاح السياسي، أن هذا التطور المصحوب بالتغيير التي تتخذه عملية التنمية والتحديث والإصلاح السياسي، قد يأخذ أشكالاً عديدة ومتفاوتة، فقد يكون على شكل ثورة، وقد يكون مفاجئاً وجذرياً وعنيفا.
   تعد الأمة العربية من الأمم الفريدة في المجتمع الدولي التي حققت وضعاً متقدماً من خلال اسهامها الماضي في الحضارة البشرية أو تردد الحديث عن صفاتها القومية، ولكن بعد سقوط الدولة العرية الإسلامية، نرى سريان التخلف على هذه الأمة ولعدة قرون، ولأجل السيطرة والقضاء على هذا التحدي المتمثل بالتخلف يجب الإسراع بتنمية وتحديث سياسي شامل، أي إجراء عملية تغيير وتقدم جذري في كل مجالات الحياة العربية، وعلى كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وهذا وحده يجعلنا نعيش حضارة العصر بما تحمل من تنمية وتحديث.
   ولأجل السير نحو تحقيق تنمية وتحديث عربي، ينبغي الانطلاق من خصوصية البيئة العربية ليتسنى لنا الإلمام بها لكي نظهر الشخصية العربية في أي خطوة نحققها إلى الأمام، خاصة ونحن نعيش في تجمع مع (إسرائيل) التي يعدها الكثير أوروبا الشرق الأوسط، وكذلك نعيش عقدة التفوق الأوروبي، التي تغذي أطماع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لأجل التوسع وفرض المزيد من التبعية والسيطرة على سياسات الأقطار العربية واقتصادياتها.
   أن كل ذلك يدعونا للقول أن شرط إزاحة التأثير الاستعماري من المنطقة، وإلغاء أو تخفيف تبعية الاقتصاد العربي ومن ثم استثمار الناتج القومي العربي الذي يزيد عن حاجة المجتمع الضرورية في زيادة الإنتاج يجب أن يتم بقوى سياسية تقود التنمية والتحديث السياسي، أي ربط عملية الاستقلال السياسي والاقتصادي بعملية التحرر الذي به تسترد حرية الإرادة الوطنية المهيمنة على القطاعات المسيطرة على الاقتصاد القومي، وثانياً خلق قيادة وطنية قادرة على استثمار وسائل الإنتاج الأساسية، وتوجيه النظام الاقتصادي، وأخيراً إزاحة القواعد العسكرية الموجودة في المنطقة العربية الذي أخذت الدول الخليجية العربية، خاصة بعد أزمة الكويت، تعويض المستعمر عن نفقاته.
   أن شرط التحرر من الاستعمار سوف يكفل مستوى معيشي أفضل لغالبية الشعب العربي وحياة أفضل الى المستوى المادي، والاقتصادي، والثقافي، مما يؤدي إلى وضع أهداف للسياسة الاقتصادية تتجاوز الناتج القومي لتمتد بتحديد أهداف قيمية يتفق عليها المجتمع العربي نفسه، ومن أهمها قيمة الحرية والعدالة الاجتماعية، وقيمة التواصل الإنساني، وبتحقيق هذه القيم، يمكن أن تتحقق معدلات مرتفعة من التنمية والتحديث السياسي الذي يؤمن الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.
   ولأن الأقطار العربية تتميز كل منها بعجز في مورد أو اكثر، فتحقيق عملية التنمية والتحديث في كل قطر من الأقطار العربية، يفرض أن تبحث عن مصادر لاستكمال هذه الموارد، والأولى بها أن تعتمد على موارد بعضها البعض، لأن ذلك يحقق زيادة المنافع لمجموعها، وخاصة أن العالم يسير وفق نظام العالمية، وذلك النظام الذي يمكن بتداخل وتنافس اقتصاديات البلدان الواحدة بالأخرى، وأن هذا التدخل يؤدي إلى تنافس اقتصاديات البلدان المتقدمة الضخمة مع اقتصاديات البلدان العربية الصغيرة التي قد تكون متخلفة، أن ذلك يمكن أن يغري بلداً عربياً في القبول ببعض القيود لأجل الاقتناع بأن المزايا التي سيحققها من جراء هذا الاندماج سيساهم في تعجيل التنمية الاقتصادية والوطنية، خاصة عندما تقتنع الحكومات والرأي العام بضرورة احترام قواعد المشاركة القائمة والوفاء بالتزاماتها، حينئذ يمكن أن يتحقق الكثير من التحديث على المجتمع العربي خاصة عندما توضع صيغ لإقامة مؤسسات إقليمية تكفل بالقضايا الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
   إن نجاح المشاركة السياسية العربية يتوقف على جملة من المستلزمات والقيم الثقافية، فالديمقراطية تفترض إطاراً ثقافياً لها، وهذا الإطار الثقافي يتمثل في عدد من القيم أبرزها العقلانية، أي الايمان بمحورية العقل الانساني في تنظيم المجتمع، وأيضاً الحرية الفردية كقيمة أساسية في المجتمع، وعدم التطرف في الأفكار السياسية نحو الدين والأيديولوجية، وإن كان إخفاق تجارب المشاركة السياسية الشعبية، وديمقراطية تعدد الاتجاهات في الأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية، التي عرفتها بعض الأقطار العربية، بسبب غياب هذا الإطار الثقافي القيمي.
   يمكن اعتبار المشاركة السياسية أهم صيغة للتعبير عن التحديث والإصلاح والتنمية السياسية لأنها تعني إمكانية مساهمة الفرد أو الجماعة، ولكن الذي نراه في أغلبية الأقطار العربية تركز السلطة السياسية، واتخاذ القرار في يد فئة حاكمة، وأن أمر تداول السلطة محتكر بيد الفئة الحاكمة، كما ويتجلى الانفراد بالرأي دون احترام رأي الآخرين، بأنها صيغة مستمرة ودائمة في المجتمع العربي.
   ويمكن أن نرى أن غالبية الأقطار العربية سواء تلك التي لا تعترف بالحياة الحزبية، وتلك التي لها حياة حزبية، بأن الحاكم أو الحزب الذي يمارس السلطة لا يمارس الديمقراطية مع نفسه في حياته الداخلية، ولا تمارس الديمقراطية في التعامل مع الأحزاب الأخرى، مع العلم أن التعامل الديمقراطي بين الاتجاهات السياسية، وهي في المعارضة هو أفضل المدارس لتربية النشوء الديمقراطي.
   أن التحديث والتنمية السياسية في معظم الأقطار العربية تعيش في كساد ضمن هذه المستويات من الديمقراطية، التي تحد الشعب من المشاركة السياسية، مما ساهم في تعميق القطرية وتهيئة السبيل في استمرارية العديد من الأقطار العربية تابعة وذات ولاء، وهذا ما نعيشه في عالمنا العربي المعاصر الذي يتجلى فيه توسع الانشقاقات والانقسامات والتفتيت العربي نتيجة لاستبعاد الشعب عن المشاركة في القرارات السياسية، ولاحتكار السلطة وابقاءها لدى الجيل القديم دون إعطاء الجيل الجديد الفرصة.
أن هذا يدعونا للقول أن الاهتمامات الأخيرة بالإصلاحات السياسية، فهي لم تكن بناء على رغبة القادة السياسيين في البلدان العربية، إنما نتيجة ضغوط خارجية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لنشر نموذجها في الديمقراطية، والعولمة لكي تسيطر على مقدرات الشعوب، بعد أن انتهى دور بعض الزعماء بالنسبة للإدارة الأمريكية، ولم يعد مقبولاً داخلياً وخارجياً، مما جعلها تفكر بتغيير الوجوه لضمان المصالح الأمريكية، فبدأ البعض يتحدث عن مشاركة سياسة، وانتخابات، وتعددية حزبية، والقسم الآخر يفرج عن المعتقلين السياسيين لإرضاء المعارضة السياسية، وأن هذه العملية سوف تفشل إذا ما توفرت النية الحقيقية في الإصلاح، والمشاركة السياسية، والسماح للرأي والرأي الآخر أن يسود في جو هادئ من الحوار، بدلاً من لغة القتل والخطف، والتعذيب، والعنف، والعنف المضاد.

الخميس، 20 نوفمبر 2014

نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد



نحو استراتيجية فاعلة لمكافحة الفساد
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لم تعد ظاهرة الفساد اليوم مجرد مشكلة داخلية تتعلق بدولة ما، بل أصبحت ظاهرة معولمة، وأشكال وأنماط هذه الظاهرة أصبحت معقدة لدرجة يصعب التعرف عليها أحياناً، وتعد هذه الظاهرة من الظواهر الخطيرة التي تواجه الدول، حيث إنها تنخر في جسم المجتمع ابتداءاً بالجانب الأمني، ثم عملية التنمية بكل أنواعها والتي تؤدي إلى عجز الدولة عن مواجهة تحديات إعادة الأعمار وبناء البنى التحتية، فالفساد بمفهومه كما عرفته كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، ظاهرة عالمية ومستمرة، لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها، ففي اللغة يقال (فَسَدَ) الشيء، (يَفسِد) بالضم (فساداً) و (أفسده ففسد) والمفسدة هي ضد المصلحة، والفساد بمفهومه الشامل هو (مرض اجتماعي خطير جداً إذا انتشر في أي مجتمع أنهار المجتمع بجميع مؤسساته العامة والخاصة، مما يؤدي بشكل حتمي إلى زعزعة أمن واستقرار أي بلد في العالم، وهو التلف والخلل والاضطراب، ويعني الحاق الضرر بالأفراد والجماعات وهو ناشئ عن سلوك الإنسان وحده).
   ولا شك أن انتشار ظاهرة الفساد في الأونة الأخيرة بشكل كبير، كان بسبب غياب الحكم الصالح، والمساءلة والشفافية، وتعقيد الأنظمة الإدارية، وضعف القانون والسلطة القضائية، لأنه حتماً إذا توفرت هذه الأمور سوف تقلل من هذه الظاهرة، وحيث أن لهذه الظاهرة أثار وخيمة  ومن بين هذه الأثار هو تأثيرها السلبي على المجتمع بسبب الهدر والضياع في المال العام وسوء استخدام الموارد العامة.
   فمؤسسات المجتمع المدني، تعد السلطة الخامسة من السلطات المدنية، التي أنتجها العقل البشري، لتنظيم شؤون الحياة والمجتمع، فقد جاءت بعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ووجد الإنسان أن هذه السلطات لا يمكن وحدها أن تقوم ببناء مؤسسات الدولة، وجاءت الحاجة إلى إيجاد مؤسسات جديدة فكانت السلطة الرابعة وهي الصحافة والإعلام، ثم السلطة الخامسة مؤسسات المجتمع المدني، فالإسهام في بناء مؤسسات الدولة يحتاج إلى تظافر جميع الجهود والتوجهات والمؤسسات وضمنها مؤسسات المجتمع المدني.
   ويرتبط الفساد بعدم الاستقرار السياسي، حيث أن الفساد مؤشر مستقل مهم يدل على احتمال (تغيير النظام الحاكم) في الدول، حيث أن الفساد واسع الانتشار يؤدي إلى خيبة الأمل الشعبية إزاء الحكومة، على الرغم من العلاقة بين الفساد والحكومة، حتى ولو أمكن قياسها بدقة، فلن تكون علاقة تامة، لأنه سيؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة والحكومة أمام شرائح المجتمع، ويفقدها المصداقية.
    حيث يلحظ المتابع للشأن العربي، أن الكثير من حوادث الفساد والنهب المنظم اقترفها من يسمون انفسهم ممثلو الشعب، الذين وجدوا أنفسهم في مقاعد نيابية صورية للمصادقة على النهب المستبد، فآثروا استغلال مواقعهم للإسراع بقضم ما يستطيعون من كعكة المال العام، تحت ستار مصلحة الوطن والمواطن والحفاظ على المصلحة العامة التي أصبحت في واقعنا العربي مجرد كلمة من التراث بالتحليل نجد أن غالبية البرلمانات العربية أو المجالس التمثيلية لا تحقق الغاية التي انشئت من أجلها فهي في حقيقتها لا تعدو أن تكون مجالس استشارية غالبية أعضائها لم يصلوا إلى المقعد النيابي عن طريق صندوق الاقتراع (وإن كانوا مروا عليه صورياً)، بل أوصلهم رضى سدة الحكم عنهم ومحاباتها لهم، وهذا ما نلمسه في العديد من البلدان العربية، أن يتولى شخص ما رئاسة تلك المجالس لفترة ليست بالقصيرة ولعدة دورات متتالية، يكون على الأغلب أما أحد أعضاء حزب الرئيس الحاكم البارزين، أو قريبه، أو صهره، أو من أفراد عشيرته.. إلى غير ذلك.
   وينطوي هذا المفهوم المتعدد الأبعاد، حتى نتمكن من محاصرة الفساد عند أدنى المستويات، لا بد من تحسين أوضاع صغار الموظفين في الخدمة المدنية، من حيث مستويات الأجور والرواتب، وما يتمتعون به من مزايا عينية إن وجدت، حتى تصبح تلك الأجور والرواتب أداة لـ"العيش الكريم"، مما يساعد في زيادة درجة الحصانة إزاء الفساد والمفسدين، وبما يساعد في القضاء على "الفساد الصغير" بأشكاله وصوره، حتى لا ندفع بهم إلى تعويض ذلك بتقبل الرشاوى وتسهيل بعض المعاملات غير المشروعة، فضلاً عن أن انعدام أو ضعف أجهزة الدولة الرقابية المسؤولة عن متابعة عمل الموظفين في الوزارات والمؤسسات العامة ما يشجع على ممارسة الفساد، وتتجسد مظاهر الفساد لدى البلدان الفقيرة، التي تعاني بالإضافة إلى الفقر والتخلف من مظاهر شتى للفساد تحدث على مستويات عدة.
   وعلى المستوى الاجتماعي، يؤدي الفساد إلى انهيار القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، ويسهم في انتشار عدم المسؤولية والنوايا السلبية لدى الأفراد في المجتمع، ويؤدي كذلك إلى انتشار الجرائم بسبب غياب القيم وعدم تكافؤ الفرص، ويعمق الفساد الشعور بالحقد تجاه السلطة الحاكمة من قبل المتضررين ويزيد من نسبة الفقراء والظلم ويؤدي إلى التراجع في تقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية.
   وبالتالي يصعب نظرياً وعملياً الحد من الفساد ونشر ثقافة الشفافية، فالفساد يشبه السوس الذي ينخر بنى الدولة، لا يمكن ردعه دون وجود مؤسسات سياسية قادرة على ذلك في ظل نظام متماسك للمسائلة والتعددية الحزبية.
   وصفوة القول أن الفساد أو ما يسمى بشرعنته، ظاهرة ذات أسباب سياسية واجتماعية وأخرى مرتبطة بالنظام، ترجع على عدم وضوح الفلسفة القانونية للتشريعات الصادرة والمطبقة في الدولة، أما الجانب القانوني فهو يظهر من خلال تفعيل الدور الرقابي والعقابي لمؤسسات الدولة، وليست هناك وصفة واحدة لمواجهة الفساد، بالنظر لوجود عدد كبير من العوامل التي تقف وراءه، لكن الانطلاق الحقيقي والشجاع في هذه المواجهة العصيبة، يبدأ بإقامة وإرساء نظام ديمقراطي سليم، يؤسس دولة القانون، ويضعها تحت الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ويقر باستقلال القضاء وتداول السلطة، واطلاق حرية الصحافة والرأي والتعبير، من خلال الهيئات التشريعية، والهيئات القضائية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، من منطلق تبنى مفاهيم اصلاحية في مقدمتها مفهوم (مكافحة الفساد بالإصلاح وإعادة التأهيل)، بالاعتماد على استراتيجيات حديثة لمكافحة الفساد.      

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

الهجرة العربية وانعكاساتها

الهجرة العربية وانعكاساتها
بقلم: أيمن هشام عزريل
uzrail@hotmail.com
   لا تزال ظاهرة الهجرة الدولية للعمل بمختلف أبعادها تتسع وتؤثر على تشكل اقتصادات العالم، وقد شهدت هذه الظاهرة تنامياً ملحوظاً على امتداد الزمن إذ يغادر ملايين الأفراد مواطنهم سنوياً، ويمتلك الوطن العربي قدرات بشرية هائلة وكوادر فنية من مختلف المستويات والتخصصات، ولهذه القدرات دورها الفاعل في عملية التنمية والنهضة الحضارية، ولكن هذه الكفاءات تعيش حالة من التهميش والاهمال في بلادها نتيجة نظم سياسية تعيش على المحسوبية والواسطة والصراع البيروقراطي، فتلجأ هذه الكفاءات إلى الهجرة, وتصادف هذه الكفاءات هذه التسهيلات والاغراءات والراحة والرضا المهني في البلدان التي تهاجر إليها.
إن الهجرة ظاهرة حديثة و يرجع السبب في ظهورها إلى الحاجة إلى قيام اقتصاد رأسمالي عالمي شديد التكامل يجعل الناس يرتحلون باستمرار من أجل العمل أو تأهيل القوى العاملة من خلال الدراسة، لاسيما الدراسات العليا المتقدمة والمتخصصة أو اللجوء السياسي، وبلغت مشكلة هجرة العقول العربية والكفاءات العلمية إلى خارج الوطن العربي درجة من الأهمية جعلها أحد القضايا الهامة التي تواجهها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لذا يجب على الدول إتباع السياسات التي تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المجالات الإنتاجية والخدمية ذات القيمة المضافة المرتفعة أو الكثيفة تكنولوجياً، فإذا كان القرن العشرين هو قرن الشهادات فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الكفاءات، فقد أصبحت الشركات والمؤسسات تعطي قدراً أكبر من الاهتمام للكفاءة والخبرة لدى منتسبيها، وعليه فإن الممارسة والمهارة والخبرة العملية تعد اليوم أساساً لتقييم العاملين، إن الحرمان من التعليم أول مراحل الحكم على البشر بالفقر ومن المؤكد أن قلة التحصيل العلمي ورداءة نوعيته ترتبط بقوة بظاهرة الفقر، ويركز قطاع التعليم في تكوين رأس المال البشري والاجتماعي اللازم للنمو الاقتصادي والإنماء الاجتماعي، وأنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية ناجحة ما لم تصاحبها تنمية بشرية والتي تتولى مهمتها التربية والتعليم، وهذه لا يمكن النظر إليها على أنها خدمة استهلاكية.
ليس هناك سبب واحد لهجرة الأدمغة، بل إن هذه الهجرة  نتيجة تفاعل عدة عناصر ومسببات وعلى رأسها الأوضاع الأمنية والسياسية، والتي انعكست بدورها على الاقتصاد والاستثمار والتنمية المستدامة، وعلى خلق فرص عمل جديدة تتماشى مع التحصيل العلمي الحديث، وتواكب التطور التكنولوجي العالمي، كذلك هناك أسباب مهنية مبنية في مجملها على عدم توافر قطاعات عمل لهذه الكفاءات العلمية أو عدم توافر بيئة اجتماعية مدركة يتفاعل فيها الفرد مع نظرائه ومع مجتمع المعرفة في الحقل نفسه، فأن أهم دوافع الهجرة الحالية خصوصاً الدائمة منها تكمن في الأمن السياسي الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على الحركة الاقتصادية والاستثمار وتفعيل السوق وانتاج الوظائف.
إذاً الهجرة تتمثل بالعجز الحاصل في الكوادر العلمية اللازمة لرفع وتيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي، وهذا بدوره يؤثر بشكل مباشر على مستوى الرفاهية، وكذلك تؤدي الهجرة إلى عدم حصول البلاد على أي مردود مالي لقاء ما أنفقته على تعليم الأفراد، وتؤدي الهجرة إلى نتائج اجتماعية تتمثل بتناقص قدرة هذه البلدان في إعداد المؤهلين اللازمين لعمليات التنمية، حيث أن هجرة الكوادر العلمية تحرم الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتأهيلية من الأجهزة والكوادر التي تكون بإمكانها أن تعمل على إعداد المؤهلين محلياً.

من كل ما سبق؛ نتوصل إلى جملة أمور منها، توظيف الأموال في خدمة عملية التنمية والتطور ووضع الخطة العلمية السليمة لتحقيقها، وكذلك توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية الفنية العالية في خدمة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن تحقق هذه الشروط يؤدي إلى السير نحو تحقيق النمو والرفاهية المؤكدة لأبناء الوطن، والشرط هو توظيف القوى العاملة والكوادر الوطنية هو الشرط الأكثر أهمية، للاهتمام بالكفاءات التي تعمل على مراقبة التنمية لتمارس دورها في النهوض بعملية التنمية والتقدم نحو الرفاهية ورفع مستوى المعيشة في هذا البلد، ولابد من توفر فرص عمل للكفاءات، والاستفادة من خبراتهم وكفاءتهم، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لأن هذه المشكلة تعاني منها أكثر أقطار الوطن العربي فأصحاب الكفاءات عندما يسافروا إلى الخارج للتعلم، ويعودوا إلى بلادهم لا يجدوا فرص عمل ومكان مناسب لعملهم، فسوف يهاجروا مرة أخرى للبحث عن العمل في مكان آخر مناسب لاختصاصهم.