السبت، 5 يوليو 2014

العولمة


العولمة
بقلم: أيمن هشام عزريل
ﺗزاﯾد اﺳﺗﺧدام مﺻطلح اﻟﻌوﻟﻣﺔ ﻓﻲ اﻷدﺑﯾﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾـﺔ واﻟﻔﻛرﯾـﺔ واﻹﻋﻼﻣﯾـﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـرة ﺗﻌﺑﯾـرا ﻋــن ﻋﻣﻠﯾـﺎت اﻟﺗﻐﯾﯾــر اﻟﺣﺎﺻـﻠﺔ ﻓــﻲ ﻣﻔﺎﺻـل اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﯾوﻣﯾـﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣــﻊ، ﻓـﺿﻼ ﻋــن ﻛوﻧـﻪ ﯾﻣﺛــل ﻋﻣﻠﯾـﺔ ﻣــﺳﺗﻣرة ﯾﻣﻛن رﺻدﻫﺎ ﺑﺎﺳﺗﺧدام ﻣؤﺷرات ﻛﻣﯾﺔ وﻛﯾﻔﯾﺔ ﻓـﻲ ﻣﺟـﺎﻻت اﻟـﺳﯾﺎﺳﺔ واﻻﻗﺗـﺻﺎد واﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ واﻹﻋـﻼم واﻻﺗـﺻﺎﻻت، وﯾﻌـد اﻟﻛﺗـﺎب
اﻟﻐرﺑﯾــون ﻣــن أواﺋــل أوﻟﺋــك اﻟــذﯾن ﺗﻌــﺎﻣﻠوا ﻣــﻊ ﻣﻔﻬــوم اﻟﻌوﻟﻣــﺔ، ﻷن ﻫــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة اﻧﺑﻌﺛــت ﻓــﻲ اﻷﺳــﺎس ﻋــن اﻟﻧظــﺎم اﻟرأﺳــﻣﺎﻟﻲ اﻟﻐرﺑﻲ، وﺑرزت ﺗﻌرﯾﻔﺎت ﻋدﯾدة ﻓـﻲ اﻟﻐـرب ﻟﻠدﻻﻟـﺔ ﻋﻠﯾﻬـﺎ وﻣﻌظـم ﻫـذﻩ اﻟﺗﻌرﯾﻔـﺎت ﺗـرى أن اﻟﻌوﻟﻣـﺔ ﻫـﻲ اﻧـدﻣﺎج أﺳـواق اﻟﻌـﺎﻟم واﻧﺗﻘﺎل اﻷﻣوال واﻟﻘـوى اﻟﻌﺎﻣﻠـﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓـﺎت ﺑﺣرﯾـﺔ، وﺗﻣﺎﺛـل اﻟـﺳﻠﻊ اﻟﻣـﺳﺗﻬﻠﻛﺔ ﻓـﻲ ﻋـدة دول، واﻧﺣـﺳﺎر اﻟـﺳﯾﺎدة اﻟوطﻧﯾـﺔ، وﺗراﺟـﻊ اﻟﻘﯾود اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ، واﻧﺿﻐﺎط اﻟزﻣـﺎن واﻟﻣﻛـﺎن وﺗﻌـﺎظم اﻟـوﻋﻲ ﻓـﻲ اﻟﻌـﺎﻟم، واﺷـﺗداد اﻟـﺷﻌور ﺑـﻪ، إن ﻣﻌظم اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت ذات اﻟﻣرﺟﻌﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت اﻟﻌوﻟﻣـﺔ، ﯾﺟﻣﻌﻬـﺎ ﻗﺎﺳـم ﻣـﺷﺗرك ﻫـو أﻧﻬـﺎ ﺗﻌﻛـس اﻟـﺻﻔﺔ اﻟﺑرﯾﺋـﺔ ﻟﻠﻌوﻟﻣﺔ، وﺗﻣﯾز اﻟﺟﺎﻧب اﻻﻗﺗﺻﺎدي وﺗﺑرزﻩ ﻋﻠﻰ ﺟواﻧب أﺧرى ﻓﺑﯾﻧﻣـــﺎ ﯾطﻠـــق "إﺳـــﻣﺎﻋﯾل ﺻـــﺑري ﻋﺑـــد اﷲ"[1] ﻋﻠـــﻰ اﻟﻌوﻟﻣـــﺔ ﻣـــﺻطﻠﺢ اﻟﻛوﻛﺑـــﺔ وﯾﻘـــﺻد ﺑﻬـــﺎ اﻟﺗـــداﺧل اﻟواﺿـــﺢ ﻷﻣـــور اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻻﺟﺗﻣﺎع واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﺳﻠوك دون اﻋﺗداد ﯾذﻛر ﺑﺎﻟﺣدود اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠدول ذات اﻟﺳﯾﺎدة أو اﻻﻧﺗﻣﺎء إﻟـﻰ وطـن ﻣﺣدد أو دوﻟـﺔ ﻣـﺎ ودون ﺣﺎﺟـﺔ إﻟـﻰ إﺟـراءات ﺣﻛوﻣﯾـﺔ، أﻣــﺎ "ﺟــﻼل أﻣــﯾن"[2] ﻓﯾــذﻫب إﻟــﻰ ﺗﻌرﯾــف اﻟﻌوﻟﻣــﺔ ﻣــن ﺧــﻼل ﻋﻧﺎﺻــرﻫﺎ اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ واﻟﺗــﻲ ﺗﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ ازدﯾــﺎد اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ ﺑﯾن اﻷﻣم ﺳواء اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺑﺎدل اﻟﺳﻠﻊ واﻟﺧدﻣﺎت أو ﻓﻲ اﻧﺗﻘﺎل رؤوس اﻷﻣوال أو ﻓﻲ اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﻌﻠوﻣـﺎت واﻷﻓﻛـﺎر أو ﻓﻲ ﺗﺄﺛر أﻣﺔ ﺑﻘﯾم ﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﻣم وﻋﺎداﺗﻬﺎ.
تطﺎﻟب اﻟﻌوﻟﻣﺔ ﺑﺎﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوﯾﯾن ﺛﻘﺎﻓﯾﯾن ورﻓض ﻣﺳﺗوى ﺛﺎﻟث، ﻓﻬﻲ ﺗؤﻛد ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓـﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾـﺔ ﻛﻣـﺎ ﺗؤﻛـد ﻋﻠـﻰ اﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ اﻟﻣﺣدودة واﻟﺗﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ أن ﺗﺗﻌﺎﯾش ﻓـﻲ ظـل اﻟﻘـﯾم واﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـﺔ، ﻟﻛﻧﻬـﺎ ﺗـرﻓض ﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻷﻣـﺔ واﻟدوﻟـﺔ، اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﻣـﺳﺗﻧدة إﻟـﻰ اﻟـدﯾن واﻟﺗـراث، وﻫــو ﻣـﺎ ﯾﻌﻧـﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾـك اﻟﺛﻘــﺎﻓﻲ ﻟﻠﻌـﺎﻟم ﻹﻋـﺎدة ﺻـﯾﺎﻏﺗﻪ، اﻟﻌوﻟﻣـــﺔ ﻫــــﻲ ﺗوﺳــــﯾﻊ ﻟﻠﺣداﺛـــﺔ ﻣــــن ﻧطـــﺎق اﻟﻣﺟﺗﻣــــﻊ إﻟــــﻰ ﻧطـــﺎق اﻟﻌــــﺎﻟم، وأﻧﻬـــﺎ ﺗﻛﺛﯾــــف ﻟﻠﻌﻼﻗــــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻌﺎﻟم ﺑطرق ﺗﺟﻌل اﻷﺣداث اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ ﺗﺗـﺷﻛل ﺑﻔﻌـل اﻷﺣـداث اﻟﺗـﻲ ﺗﻘـﻊ ﻋﻠـﻰ ﻣـﺳﺎﻓﺎت ﺑﻌﯾـدة واﻟﻌﻛـس ﺻـــﺣﯾﺢ.
ﺿــرورة اﻟﻌﻣــل ﻋﻠــﻰ ﻗﯾــﺎم ﻧﻬــﺿﺔ وطﻧﯾــﺔ ﺗﻌﺗﻣــد ﻣــداﺧل ﺟدﯾــدة وﻓرﺻــﺎ ﺗــﺗﻼءم ﻣــﻊ طﺑﯾﻌــﺔ ﻋــﺻر اﻟﻌوﻟﻣــﺔ وﺗﺣــدﯾﺎﺗﻬﺎ، وﻣﺎ ﻧﺣﺗﺎﺟﻪ ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ﻣن ﻣوﻗﻊ اﻟﻔﺎﻋل ﻓﯾﻪ ﻻ ﯾﻘﺗـﺻر ﻋﻠـﻰ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻗﯾـﺎدات ﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻣﺗﻧورة ﻓﺣﺳب، ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻫﻣﯾﺔ ذﻟك، ﺑـل – أﯾـﺿﺎ–- ﻣؤﺳـﺳﺎت ﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ واﻗﺗـﺻﺎدﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾـﺔ، وﺟﺎﻣﻌـﺎت رﺻـﯾﻧﺔ وﻣﻌﺎﺻـرة وﻣراﻛــز أﺑﺣــﺎث ﻋﻠﻣﯾــﺔ ﺗــﺳﻬم ﻓــﻲ ﺑﻧــﺎء اﻟﻣﻌرﻓــﺔ واﻟﺗﻘــدم وﺗوﻟﯾــد ﺛﻘﺎﻓــﺔ ﻣﻌﺎﺻــرة ﻓــﻲ ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺣــر وﻗــﺎدر ﻋﻠــﻰ اﻻﺳــﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻣﺗطﻠﺑــﺎت اﻹﺻــﻼح واﻟﺗﺣــدﯾث واطــﻼق ﻧﻬــﺿﺔ وطﻧﯾــﺔ ﺟــدﯾرة ﺑﺎﻻرﺗﻘــﺎء ﻟﻣواﺟﻬــﺔ ﺗﺣــدﯾﺎت ﻋــﺻر اﻟﻌوﻟﻣــﺔ.
ذلك أن اﻟﻣــﺷروع اﻟﻧﻬﺿوي ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻌوﻟﻣﺔ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﻘوﻣﺎت ﺟدﯾدة ﺗﺗﺟﺎوز دور اﻟﻔرد إﻟﻰ دور اﻟﻣؤﺳﺳﺎت واﻟدول، وﯾﺗطﻠب ﺗﻧﻔﯾذﻩ ﺗﻛﺎﻣـل أدوار اﻟﻣﻘوﻣــﺎت اﻟﺛﻼﺛــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻌــد رﻛــﺎﺋز ﺿــرورﯾﺔ ﻟﻧﺟﺎﺣــﻪ، وﻫــﻲ اﻹﻧــﺳﺎن اﻟﻌربي اﻟﻣﺛﻘــف واﻟﻣــزود ﺑﻌﻠــوم وﻣﻌــﺎرف وﺗﻘﻧﯾــﺎت ﻋـــﺻرﯾﺔ، واﻟﻣؤﺳـــﺳﺎت اﻷﻛﺎدﯾﻣﯾـــﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾـــﺔ واﻟﻣﺎﻟﯾـــﺔ اﻟوطﻧﯾـــﺔ اﻟﺗـــﻲ ﺗرﻋـــﻰ اﻹﺑـــداع ﻋﻠـــﻰ أﻧواﻋـــﻪ وﺗـــﺳﻬم ﻓـــﻲ اﻟﺗﻧﻣﯾـــﺔ اﻟﺑـــﺷرﯾﺔ اﻟﻣــﺳﺗداﻣﺔ، واﻟﻘﯾــﺎدة اﻟــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟوطﻧﯾــﺔ اﻟﻣﺗﻧــورة واﻟﻌﺎﻣﻠــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺿــﻣﺎن ﺗﺣﻘﯾــق اﻷﻣــن اﻟــوطﻧﻲ واﻻﺳــﺗﻘرار اﻟــﺳﯾﺎﺳﻲ واﻻﻧــﺳﺟﺎم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ واﻟﺑﻧﺎء واﻷﻋﻣﺎر.
ﻓﻘـد دﻟـت ﺗﺟــﺎرب اﻟﯾﺎﺑــﺎن واﻟـﺻﯾن واﻟﻬﻧـد، أﻧــﻪ ﺑﺎﻹﻣﻛــﺎن اﻟﺗـوازن ﺑــﯾن ﺛﻣــرات اﻟﺗﻘـدم اﻟﻌﻠﻣــﻲ واﻟﺗﻛﻧوﻟــوﺟﻲ، ورﻓــض اﻟﻣﻘوﻻت اﻟﺳﻠﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗراﻓق ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻻﻗﺗﺑﺎس اﻟﺳﻬل اﻟﺗﻲ ﺗزﯾدﻣن ﺗﺧﻠف اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت، وذﻟك ﯾﺗطﻠب اﻟﺗﻣﺳك ﺑﻛل ﻣﺎﻫو إﯾﺟﺎﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ، واﻟﺗطﻠﻊ إﻟـﻰ ﻣـﺳﺗﻘﺑل اﻟﺑـﺷرﯾﺔ ﺑﻧظـرة ﺣـﺿﺎرﯾﺔ، وأﻛﺛـر إﻧـﺳﺎﻧﯾﺔ ﺗﺣﻣـﻲ اﻟﺗـراث واﻷﺻـﺎﻟﺔ دون أن ﺗﻘطﻊ اﻟطرﯾق ﻋﻠﻰ اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ ﻋﺑر ﺛورات ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﻟﻠﻌﻠوم اﻟﻌﺻرﯾﺔ واﻟﺗطور اﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﻲ.
ﻟﻘــد آن اﻷوان ﻟﻠﺧــروج من مفهوم اﻟﻌوﻟﻣـﺔ لأنه ﻣﻔﻬـوم ﻣرﻛـب ذو أﺑﻌـﺎد اﻗﺗــﺻﺎدﯾﺔ وﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ وﺗﻘﻧﯾــﺔ واﻋﻼﻣﯾــﺔ، وﻓــﻲ إطــﺎرﻩ ﯾــﺻﺑﺢ اﻟﺑﻌــد اﻟﺟﻐراﻓــﻲ أﻗــل ﺗــﺄﺛﯾرا ﻓــﻲ إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﺳﺗﻣرارﻫﺎ ﻋﺑر اﻟﺣدود واﻟﻣﺳﺎﻓﺎت.























الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين




[1] إﺳﻣﺎﻋﯾل ﺻﺑري ﻋﺑداﷲ، اﻟﻛوﻛﺑﯾﺔ: اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻹﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ، ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل اﻟﻌرﺑـﻲ.
[2] ﺟﻼل أﻣﯾن، اﻟﻌوﻟﻣﺔ واﻟدوﻟﺔ.

الأحد، 22 يونيو 2014

حقيقة سيناريو الديمقراطية الأمريكي في الوطن العربي



حقيقة سيناريو الديمقراطية الأمريكي في الوطن العربي
بقلم: أيمن هشام عزريل
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م، خرجت أمريكا بسياسة جديدة للمنطقة سياسة الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، حيث جعلت تطبيقها أحد أهم أهداف سياستها الخارجية، وتزايد الحديث عن قضية الديمقراطية في المنطقة ضمن أجندة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، مؤكدة من باب أن الدول تتحرك صوب الديمقراطية كما أشارت الباحثة الأمريكية جينيفر "أقوى بيان مؤيد للديمقراطية لحد ذلك الوقت"[1]، حيث تزايدت تصريحات وخطب بعض المسؤولين الأمريكيين التي راحت تؤكد على حرص الإدارة الأمريكية على تحرير العالم العربي والإسلامي من الأنظمة الدكتاتورية، ونشر الديمقراطية والحرية فيهما.
إن أهداف المبادرة هو الغزو الثقافي الأمريكي للمنطقة، من خلال تعزيز الديمقراطية في المنطقة وتدعيم جهود الإصلاح الاقتصادي، وتقوية المجتمع المدني، وتوسيع المشاركة السياسية، وتحديث التعليم، وتمكين المرأة...إلخ، فرصد مبلغ 29 مليون دولار لإطلاق هذه المبادرة[2]، لأنه في مرحلة ما قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، لم تشكل الديمقراطية في أي وقت من الأوقات هدفاً للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، لأن مصالح أمريكا في ذلك الوقت قامت على أساس دعم ومساندة نظم تسلطية فردية.
إن الحرب التي تبنتها واشنطن بسياسة ما يسمى الحرب ضد الإرهاب لم يكن لها سوى التأثير السلبي على التطور الديمقراطي في المنطقة، على الأقل، كما فرزت تناقضات جوهرية بخصوص موضوع قضية الديمقراطية تجاهها، هذا من ناحية أخرى، فتجارب التحول الديمقراطي التي جرت منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين، كان دور العوامل الخارجية ثانوي أو مساعد، ونفس الشيء ينطبق على الوطن العربي، خاصة أن تدخل الولايات المتحدة العسكري في بعض الدول من أجل بناء نظم ديمقراطية في مناطق عديدة من العالم منذ بدايات القرن الماضي كانت حالات الإخفاق فيه أكثر من حالات النجاح.         
فالغزو الثقافي يهدف إلى احتلال العقل، بخلاف الغزو العسكري الذي يهدف لاحتلال الأرض، وهو أكثر خطورة من الغزو العسكري، لأن الغزو الثقافي يبدو وكأنه إلقاء ستارة سوداء للواقع أو تجميل له، فيقبل للإخضاع على أنه شيء آخر لالتباسه بمفاهيم كثيرة تتصل بعمليات التكوين الذاتي مثل النمو والاستقلالية والوعي، ولا يزال أمر الغزو الثقافي محيراً لدى الكثيرين، إذ لا ترى فئة من الناس أنه غزو، فتختار له أسماء أخرى، وتروج له فئة ثانية على أنه وسيلة لتبادل الثقافات باعتبار أنه تواصل بين الحضارات الإنسانية، فالغزو الثقافي في واقع الأمر هو غزو من الداخل بدون جيوش لذا فهو أكثر خطورة لأنه يضمن الضعف الذاتي، ودوام الهيمنة.    
وأعلنت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي "أن رسالة أمريكا الحضارية هي نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي"، كما أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون جهازاً لتزييف الوعي لدى العرب والمسلمين تحت اسم مكتب التأثير الاستراتيجي، وتنفيذاً لبرنامج التأهيل تم دعوة 50 سيدة عربية في أربعة عشر بلداً إلى الولايات المتحدة ليخضعن لحملة تثقيف في المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي والمعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، ونظمت لهن لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية[3]، فلم تعد أساليب الغزو الثقافي الأمريكي للعالمين العربي والإسلامي سرية، فمشاهد هذا الغزو أصبحت علنية مرئية يومية لا يأتي على ظهر دبابة، بل يأتي داخل بيته ومكتبه وسيارته، من خلال الإعلام عبر المذياع أو جهاز التلفزيون أو الصحافة، لأنها تسعى إلى تمزيق هذه الدول وتحويلها إلى كيانات صغيرة، حيث يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة فرض المعركة الثقافية الفكرية على الدول العربية، تحت غطاء نشر الديمقراطية وحماية حقوق الاقليات واحترام حقوق الإنسان.
إن مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في المنطقة العربية ومشروع الشرق الأوسط، تجسد حالة من التناقض بين المبادئ والمصالح، لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية ضحت بالمبادئ الديمقراطية من أجل المصالح أو وظفت المبادئ في خدمة المصالح، كما أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على العديد من الدول لاتخاذ اجراءات غير ديمقراطية ضد أحزاب مشروعة داخلها، وضد حرية الإعلام فيها بذريعة محاربة الإرهاب، إن السياسة الحالية للولايات المتحدة بإدارة الرئيس أوباما، عزفت نسبياً عن فرض الديمقراطية في الشرق الأوسط والوطن العربي خوفاً من وصول أحزاب لا ترغب بها واشنطن، أو هي لا ترغب إدارة أوباما.        
الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين



[1]. Windsor Jennifer, Democratization can Combat Terrorism Promoting, The Washington Quarterly, Vol. 26.No. 3, summer, 2003, p. 5.
[2] نص مبادرة باول للشرق الأوسط، اسلام اون لاين، 12-13-2002، ص 1- 8.
[3]  نقلاً عن: علاء عبدالوهاب، خطة لغزو المنطقة العربية بالديمقراطية، صحيفة البيان الامارتية، العدد 987، 25 كانون الأول 2003، ص 3.

الثلاثاء، 10 يونيو 2014

نحو صياغة خطاب ثقافي موحد



نحو صياغة خطاب ثقافي موحد
بقلم: أيمن هشام عزريل
يتفق العديد بدءاً من المثقف إلى المواطن العادي على أن الثقافة عبارة عن حصيلة اجتماعية ومجالاً حيوياً للتعدد والتنوع في مختلف أشكالها التعبيرية والجمالية، وحساسيتها الفكرية، وممارساتها السلوكية والأخلاقية، إلا أن هذا التعدد وهذا التنوع يختلفان من مجتمع إلى آخر في طريقة تدبير كل منهما، تشكل الثقافة ذراع السياسة القوية التي بدونها تفقد السياسة قدرتها في التأثير، كما تشكل الثقافة أيضاً روح الديمقراطية، التي أصبحت ضرورة لازمة لنجاح النظم السياسية في عالم اليوم، وبمثل هذه الرؤية تكون الوحدة اليوم مطلب تاريخي على مختلف الصعد القومية والدولية.
إن الحاجة إلى التزود بمكتسبات الثقافة التقنية المستجدة، ومن ثم استثمارها في تكريس ممارسة ثقافية جديدة لابد أن توازيها حاجة أخرى إلى التزود بمكتسبات ثقافية أصيلة، كانت ثماراً لعقود عديدة من الإبداع والممارسة، إن الثقافة لا تنحصر بعصر محدد، مثلما أنها لا تنحصر بمكان معين دون آخر، مادامت المراجعة النقدية العقلانية هي الفيصل الأساسي في التزود بأي ثقافة أيا كان مصدرها أو زمنها، وذلك تلافياً لأية نزعة مقيتة أو قاتلة، هذه هي القاعدة الذهبية التي يتم اللجوء إليها. والقاعدة تقول أن الاستفادة من الآخر لا تلغي بالضرورة الذات، بل تكملها وتحصنها وتقويها.  
إن الثقافة بمثابة الروح إزاء الجسد، إن العالم الراهن يشهد صراعاً ثقافياً عنيفاً فيه كثير من الاستبداد، بحيث يسع مجالات السياسة والاقتصاد والتقنية مثلما يسع مجالات الفن والأدب والدين واللباس والمعمار وغير ذلك.
ونظراً لأهمية الخطاب الثقافي يستدعي ذلك من الدولة تجذير الروح الثقافية العقلانية المتنورة في إطار الشمولية في خدمة المواطن والوطن، ولتحقيق ذلك تدخل عناصر فاعلة متعددة، منها الدولة في مختلف قطاعاتها المباشرة وغير المباشرة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته وغير ذلك.    
في ضوء ما تقدم، يمكن القول أن تحديد معالم استراتيجية للخطاب الثقافي يستلزم التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن أولاً ومن ثم تدخّل جميع الفاعلين الثقافيين في إطار من الحوار الوطني الديمقراطي المجمع على الأهداف الكبرى الكفيلة بالنهوض بالبلاد نحو آفاق متطورة من الخلق والإبداع، وبالتالي التنمية بمختلف مجالاتها وفروعها.    
وضمن هذا السياق، أن الخطاب الثقافي ليس مجرد عقد ندوة هنا أو تنظيم مهرجان هناك إنه  ضرورة حيوية شاملة لمختلف عناصر الحياة المادية وغير المادية، إن الثقافة روح الشعب والأمة.
وللأهمية التي تحظى بها الثقافة لدى الشعوب، فإن من الطبيعي القول بضرورة تدخل أطراف عدة حكومية وغير حكومية في شكل شراكات نوعية من أجل النهوض بالخطاب، وبالتالي توسيع مجالات الاهتمام به ليشمل الإعلام، والمدرسة، ودور الشباب، والساحات العامة، وغيرها.
إن تثقيف المواطن لهو خير وسيلة لجعله منخرطاً بإيجابية في كل ما يهم شؤون بلاده من تنظيم الأسرة ومحاربة الرشوة وحماية المال العام، والحفاظ على البيئة، كل ذلك يساهم في تربية قيم الجمال لديه، وبالتالي قيم النظام والحب والخير والتسامح، بحيث لا يصير مجرد مستهلك للعالم من حوله بدون استثمار جوانب الاحساس فيه، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم تعميم المبادرات الإيجابية بحيث يستفيد منها عموم أبناء شعبنا على حد سواء.
من خلال هذا يتضح أن المجتمع بكامله بحاجة ماسة إلى مثقفيه، إلى ملاحظاتهم وآرائهم ومواقفهم بخصوص مختلف القضايا التي تهمه، وهكذا الحال فيما يتعلق بالارتقاء بالخطاب الثقافي تجاه قضايا المنطقة العربية، وكل ذلك يتوقف على إفساح المجال لهذا المثقف بالمشاركة في أي حوار كيفما كان موضوعه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وإشراكهم في صناعة القرار الوطني، وأن يحظى بقدر من الاهتمام والاعتبار، حتى ولو كان يعلن رفضه لأي موقف حزبي أو حكومي، عندها يسهم الجميع في صياغة خطاب ثقافي يشاركوا في تنفيذه بوعي ومسؤولية وطنية.        






الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين

السبت، 31 مايو 2014

الشفافية في مكافحة الفساد والإصلاح الإداري



الشفافية في مكافحة الفساد والإصلاح الإداري
بقلم: أيمن هشام عزريل
إن الفساد الإداري مشكلة مجتمعية قبل كل شيء، تمتد عبر الأجيال، وتتميز بالظهور في جميع المجتمعات، وتصبح ظاهرة مستعصية عندما تشغل مساحة غير ضيقة من المجتمع، وتتغلغل بين كافة الطبقات مما يهدد البناء الاجتماعي، وينذر بالفوضى، إن الفساد الإداري المستفحل في مجتمعاتنا العربية له أثاره على مجالات الحياة كافة فهو يضخ كماً هائلاً من المعوقات في جسم المجتمع، ويشكل تحدياً لجهود أية دولة، فضلاً عن المال المهدور في جيوب المفسدين.
إن ضعف الوازع الديني والأخلاقي وغياب القيم الدينية الحقيقية الموجهة للسلوك تزيد من ممارسة الفساد الإداري، فترى هذه الأيام يتردد مصطلح المحسوبية والواسطة كثيراً، لذا فالفساد يشير إلي وجود خلل متأصل في البناء الاجتماعي الثقافي القيمي للمجتمع، يقول ابن خلدون أن خلو الناس من الصبغة الدينية يضعفهم ويخرق عوائدهم فينغمسون في المنكر والمفاسد[1].
الفساد الإداري يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لأن الفساد يصيب أجهزة الدولة، كما يقول ابن خلدون[2]، المحسوبية أحد أخطر أمراض الفساد الإداري في العالم أجمع، فلا يوجد مجتمع في دول العالم مستثنى من هذه الظاهرة وحتى دول العالم الأول، وانتشار المحسوبية واستغلال النفوذ والواسطة والرشوة كلها تعد من صور الفساد الخطيرة.
إن ما يجري سواء بعلم قادة هذا البلد أو من دون علمهم، يعني ان النظام يكون مؤيداً للفساد الإداري ويلتزم الصمت، أو أنه يتخذ بحق المؤيدين لمظاهر الفساد إجراءات تأديبية لقمعهم.
يزداد خطر الفساد الإداري عند اختيار عناصر غير مؤهلة لتشغل مناصب وظيفية حساسة، ومن أمثلة ذلك تعيين أبناء المسؤولين في مناصب ذات نفوذ، ومؤهلهم الوحيد في هذا درجة قرابتهم من هذا المسؤول أو ذاك، وبالتالي التجاوز على القوانين التي ينبغي أن يتساوى أمامها الجميع.    
إن دول العالم الثالث تنظر إلى ظاهرة الفساد الإداري على أنها حالة ورم سرطاني، إن لم يعالج بقوة وبسرعة انتشر في جسم المجتمع، فيصل إلى درجة متقدمة وحالة ميؤوس منها، لأن المحسوبية والواسطة تنتشر كانتشار النار في الهشيم، مثلما نلاحظ اليوم أن كثيرين من أصحاب الشهادات العليا أو حملة البكالوريوس عاطلين عن العمل في حين أن أنصاف المتعلمين يحوزون على مواقع وظيفية متقدمة في الدولة.
ومن أشكال الفساد الإداري التي تكتسي ثوباً قانونياً ما تخصصه بعض الأحزاب والجماعات لنفسها من مناصب ومقاعد وظيفية أو إيفاد إلى خارج البلد أو مقاعد للدراسات العليا، وغيرها في مؤسسات الدولة المختلفة لأعضائها، وهذا يتناقض مع مبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة.
إن أضرار الفساد الإداري كبيرة للغاية، تؤدي إلى تدهور الإنتاج في المؤسسات الإنتاجية مما يؤدي إلى الهدر العام، وضعف في الأداء، وتغييب الجو الإبداعي عن بيئة العمل، وتغرس قيم تربوية فاسدة في المجتمع، وتغيب العدالة، ويشعر المواطن بالغبن الفاحش، ولن يؤدي واجبه بحماسة أو اندفاع، وقد يبلغ اليأس والتذمر بالمواطن لدرجة أن يعرقل المسارات الوظيفية لمعرفته أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من الظلم والتعسف، كما تؤدي إلى بث روح الكراهية والحقد في المواطن تجاه المسؤولين الذين لا يراهم مؤهلين للقيادة أو لإشغال المناصب الوظيفية المتقدمة.
لذلك على القيادات السياسية والإدارية في الدولة، أن تعالج مظاهر الفساد فيها أولاً، ولا يعقل أن تعالج مظاهر الفساد في الطبقات الوظيفية المتوسطة والدنيا، والقيادات العليا هي من تمارس الفساد بكل أنواعه.
إذا أردنا أن نرتقي إلى الدول العظمى فعلينا أن نفعل القانون، لأن الدول النامية أو المتخلفة في صراع دائم مع القانون، فالمسؤول يعيث في الأرض فساداً، ويسرق الملايين بل المليارات، ولا أحد يحاسبه، فعلاج المشكلة ليس في اكتشاف الفساد، فهو واضح للعيان، ولكن في إدانة ومحاسبة المقصرين محاسبة فعلية، ليكونوا عبرة لغيرهم، فلا يكفي أن نعاقب أو نحاسب مدير دائرة على فساده، في حين أن الوزير يمارس فساده بشكل واسع دون أدنى مساءلة له.
إن شعارات العدل، وحقوق الإنسان، والوطنية وغيرها من الشعارات التي نسمعها يومياً، ويرددها العقل الظاهري ولا يعمل بها، قد قلبت الحق باطلاً والباطل حقاً، أننا اليوم بأشد الحاجة إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يسود فيه القانون، وفصل حقيقي بين السلطات، والتعددية السياسية، وضمانات دستورية وقانونية للجهات الرقابية، حتى نستطيع التخفيف من الفساد أو القضاء عليه.





الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين



[1]. ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مطبعة المصطفي في القاهرة، 1945.
[2]. نفس المرجع السابق1.