الثلاثاء، 10 يونيو 2014

نحو صياغة خطاب ثقافي موحد



نحو صياغة خطاب ثقافي موحد
بقلم: أيمن هشام عزريل
يتفق العديد بدءاً من المثقف إلى المواطن العادي على أن الثقافة عبارة عن حصيلة اجتماعية ومجالاً حيوياً للتعدد والتنوع في مختلف أشكالها التعبيرية والجمالية، وحساسيتها الفكرية، وممارساتها السلوكية والأخلاقية، إلا أن هذا التعدد وهذا التنوع يختلفان من مجتمع إلى آخر في طريقة تدبير كل منهما، تشكل الثقافة ذراع السياسة القوية التي بدونها تفقد السياسة قدرتها في التأثير، كما تشكل الثقافة أيضاً روح الديمقراطية، التي أصبحت ضرورة لازمة لنجاح النظم السياسية في عالم اليوم، وبمثل هذه الرؤية تكون الوحدة اليوم مطلب تاريخي على مختلف الصعد القومية والدولية.
إن الحاجة إلى التزود بمكتسبات الثقافة التقنية المستجدة، ومن ثم استثمارها في تكريس ممارسة ثقافية جديدة لابد أن توازيها حاجة أخرى إلى التزود بمكتسبات ثقافية أصيلة، كانت ثماراً لعقود عديدة من الإبداع والممارسة، إن الثقافة لا تنحصر بعصر محدد، مثلما أنها لا تنحصر بمكان معين دون آخر، مادامت المراجعة النقدية العقلانية هي الفيصل الأساسي في التزود بأي ثقافة أيا كان مصدرها أو زمنها، وذلك تلافياً لأية نزعة مقيتة أو قاتلة، هذه هي القاعدة الذهبية التي يتم اللجوء إليها. والقاعدة تقول أن الاستفادة من الآخر لا تلغي بالضرورة الذات، بل تكملها وتحصنها وتقويها.  
إن الثقافة بمثابة الروح إزاء الجسد، إن العالم الراهن يشهد صراعاً ثقافياً عنيفاً فيه كثير من الاستبداد، بحيث يسع مجالات السياسة والاقتصاد والتقنية مثلما يسع مجالات الفن والأدب والدين واللباس والمعمار وغير ذلك.
ونظراً لأهمية الخطاب الثقافي يستدعي ذلك من الدولة تجذير الروح الثقافية العقلانية المتنورة في إطار الشمولية في خدمة المواطن والوطن، ولتحقيق ذلك تدخل عناصر فاعلة متعددة، منها الدولة في مختلف قطاعاتها المباشرة وغير المباشرة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني بأحزابه وجمعياته وغير ذلك.    
في ضوء ما تقدم، يمكن القول أن تحديد معالم استراتيجية للخطاب الثقافي يستلزم التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن أولاً ومن ثم تدخّل جميع الفاعلين الثقافيين في إطار من الحوار الوطني الديمقراطي المجمع على الأهداف الكبرى الكفيلة بالنهوض بالبلاد نحو آفاق متطورة من الخلق والإبداع، وبالتالي التنمية بمختلف مجالاتها وفروعها.    
وضمن هذا السياق، أن الخطاب الثقافي ليس مجرد عقد ندوة هنا أو تنظيم مهرجان هناك إنه  ضرورة حيوية شاملة لمختلف عناصر الحياة المادية وغير المادية، إن الثقافة روح الشعب والأمة.
وللأهمية التي تحظى بها الثقافة لدى الشعوب، فإن من الطبيعي القول بضرورة تدخل أطراف عدة حكومية وغير حكومية في شكل شراكات نوعية من أجل النهوض بالخطاب، وبالتالي توسيع مجالات الاهتمام به ليشمل الإعلام، والمدرسة، ودور الشباب، والساحات العامة، وغيرها.
إن تثقيف المواطن لهو خير وسيلة لجعله منخرطاً بإيجابية في كل ما يهم شؤون بلاده من تنظيم الأسرة ومحاربة الرشوة وحماية المال العام، والحفاظ على البيئة، كل ذلك يساهم في تربية قيم الجمال لديه، وبالتالي قيم النظام والحب والخير والتسامح، بحيث لا يصير مجرد مستهلك للعالم من حوله بدون استثمار جوانب الاحساس فيه، إضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم تعميم المبادرات الإيجابية بحيث يستفيد منها عموم أبناء شعبنا على حد سواء.
من خلال هذا يتضح أن المجتمع بكامله بحاجة ماسة إلى مثقفيه، إلى ملاحظاتهم وآرائهم ومواقفهم بخصوص مختلف القضايا التي تهمه، وهكذا الحال فيما يتعلق بالارتقاء بالخطاب الثقافي تجاه قضايا المنطقة العربية، وكل ذلك يتوقف على إفساح المجال لهذا المثقف بالمشاركة في أي حوار كيفما كان موضوعه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وإشراكهم في صناعة القرار الوطني، وأن يحظى بقدر من الاهتمام والاعتبار، حتى ولو كان يعلن رفضه لأي موقف حزبي أو حكومي، عندها يسهم الجميع في صياغة خطاب ثقافي يشاركوا في تنفيذه بوعي ومسؤولية وطنية.        






الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين

السبت، 31 مايو 2014

الشفافية في مكافحة الفساد والإصلاح الإداري



الشفافية في مكافحة الفساد والإصلاح الإداري
بقلم: أيمن هشام عزريل
إن الفساد الإداري مشكلة مجتمعية قبل كل شيء، تمتد عبر الأجيال، وتتميز بالظهور في جميع المجتمعات، وتصبح ظاهرة مستعصية عندما تشغل مساحة غير ضيقة من المجتمع، وتتغلغل بين كافة الطبقات مما يهدد البناء الاجتماعي، وينذر بالفوضى، إن الفساد الإداري المستفحل في مجتمعاتنا العربية له أثاره على مجالات الحياة كافة فهو يضخ كماً هائلاً من المعوقات في جسم المجتمع، ويشكل تحدياً لجهود أية دولة، فضلاً عن المال المهدور في جيوب المفسدين.
إن ضعف الوازع الديني والأخلاقي وغياب القيم الدينية الحقيقية الموجهة للسلوك تزيد من ممارسة الفساد الإداري، فترى هذه الأيام يتردد مصطلح المحسوبية والواسطة كثيراً، لذا فالفساد يشير إلي وجود خلل متأصل في البناء الاجتماعي الثقافي القيمي للمجتمع، يقول ابن خلدون أن خلو الناس من الصبغة الدينية يضعفهم ويخرق عوائدهم فينغمسون في المنكر والمفاسد[1].
الفساد الإداري يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون لأن الفساد يصيب أجهزة الدولة، كما يقول ابن خلدون[2]، المحسوبية أحد أخطر أمراض الفساد الإداري في العالم أجمع، فلا يوجد مجتمع في دول العالم مستثنى من هذه الظاهرة وحتى دول العالم الأول، وانتشار المحسوبية واستغلال النفوذ والواسطة والرشوة كلها تعد من صور الفساد الخطيرة.
إن ما يجري سواء بعلم قادة هذا البلد أو من دون علمهم، يعني ان النظام يكون مؤيداً للفساد الإداري ويلتزم الصمت، أو أنه يتخذ بحق المؤيدين لمظاهر الفساد إجراءات تأديبية لقمعهم.
يزداد خطر الفساد الإداري عند اختيار عناصر غير مؤهلة لتشغل مناصب وظيفية حساسة، ومن أمثلة ذلك تعيين أبناء المسؤولين في مناصب ذات نفوذ، ومؤهلهم الوحيد في هذا درجة قرابتهم من هذا المسؤول أو ذاك، وبالتالي التجاوز على القوانين التي ينبغي أن يتساوى أمامها الجميع.    
إن دول العالم الثالث تنظر إلى ظاهرة الفساد الإداري على أنها حالة ورم سرطاني، إن لم يعالج بقوة وبسرعة انتشر في جسم المجتمع، فيصل إلى درجة متقدمة وحالة ميؤوس منها، لأن المحسوبية والواسطة تنتشر كانتشار النار في الهشيم، مثلما نلاحظ اليوم أن كثيرين من أصحاب الشهادات العليا أو حملة البكالوريوس عاطلين عن العمل في حين أن أنصاف المتعلمين يحوزون على مواقع وظيفية متقدمة في الدولة.
ومن أشكال الفساد الإداري التي تكتسي ثوباً قانونياً ما تخصصه بعض الأحزاب والجماعات لنفسها من مناصب ومقاعد وظيفية أو إيفاد إلى خارج البلد أو مقاعد للدراسات العليا، وغيرها في مؤسسات الدولة المختلفة لأعضائها، وهذا يتناقض مع مبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة.
إن أضرار الفساد الإداري كبيرة للغاية، تؤدي إلى تدهور الإنتاج في المؤسسات الإنتاجية مما يؤدي إلى الهدر العام، وضعف في الأداء، وتغييب الجو الإبداعي عن بيئة العمل، وتغرس قيم تربوية فاسدة في المجتمع، وتغيب العدالة، ويشعر المواطن بالغبن الفاحش، ولن يؤدي واجبه بحماسة أو اندفاع، وقد يبلغ اليأس والتذمر بالمواطن لدرجة أن يعرقل المسارات الوظيفية لمعرفته أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من الظلم والتعسف، كما تؤدي إلى بث روح الكراهية والحقد في المواطن تجاه المسؤولين الذين لا يراهم مؤهلين للقيادة أو لإشغال المناصب الوظيفية المتقدمة.
لذلك على القيادات السياسية والإدارية في الدولة، أن تعالج مظاهر الفساد فيها أولاً، ولا يعقل أن تعالج مظاهر الفساد في الطبقات الوظيفية المتوسطة والدنيا، والقيادات العليا هي من تمارس الفساد بكل أنواعه.
إذا أردنا أن نرتقي إلى الدول العظمى فعلينا أن نفعل القانون، لأن الدول النامية أو المتخلفة في صراع دائم مع القانون، فالمسؤول يعيث في الأرض فساداً، ويسرق الملايين بل المليارات، ولا أحد يحاسبه، فعلاج المشكلة ليس في اكتشاف الفساد، فهو واضح للعيان، ولكن في إدانة ومحاسبة المقصرين محاسبة فعلية، ليكونوا عبرة لغيرهم، فلا يكفي أن نعاقب أو نحاسب مدير دائرة على فساده، في حين أن الوزير يمارس فساده بشكل واسع دون أدنى مساءلة له.
إن شعارات العدل، وحقوق الإنسان، والوطنية وغيرها من الشعارات التي نسمعها يومياً، ويرددها العقل الظاهري ولا يعمل بها، قد قلبت الحق باطلاً والباطل حقاً، أننا اليوم بأشد الحاجة إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يسود فيه القانون، وفصل حقيقي بين السلطات، والتعددية السياسية، وضمانات دستورية وقانونية للجهات الرقابية، حتى نستطيع التخفيف من الفساد أو القضاء عليه.





الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين



[1]. ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مطبعة المصطفي في القاهرة، 1945.
[2]. نفس المرجع السابق1.

الثلاثاء، 27 مايو 2014

صلاحيات الشعب ودوره في صياغة الدستور



صلاحيات الشعب ودوره في صياغة الدستور
بقلم: أيمن هشام عزريل
لقد كان نظام الدولة القانونية الذي يهدف في الأساس لحماية الحقوق الفردية ووضع القيود على سلطات الحكم، ثمرة تطور طويل في انتشار الوعي الديمقراطي وتأصيل نظرية الحقوق والحريات العامة، ومع انتشار الثقافة ونمو الوعي العام في دور الرأي العام كضمانة أخرى لمبدأ الشرعية، فالحكام بات يهددهم سخط الرأي العام مما يجدون أنفسهم في الغالب مضطرين إلى احترام رأي الشعب والأخذ بتوجيهاته.
إن رأي الشعب يلعب دوراً كبيراً في التشريع، فهو الركيزة التي تقوم عليها القوانين، وهو الذي يبين احتياجات وآمال الأمة، فرأي الشعب هو الحاكم الفعلي والمشرع الحقيقي وراعي الحق والحرية، وهو محور الارتكاز في الحياة السياسية المعاصرة ومصدر التشريع وسلطة الرقابة الشعبية.
فرأي الشعب (العام) يقف كممثل للإرادة العامة للشعب، ومشارك كبير في صنع القرارات التي تؤثر في حياة المواطنين ومصالحهم، ويمارس الشعب نشاطه السياسي في المجتمع بقوة وفعالية، بالاستناد إلى روح الديمقراطية من جانب الحاكم والمحكوم، لذا فإن الذين يمارسون السلطة في أي مجتمع من المجتمعات يعملون أكبر حساب للشعب، لذا تتجسد مشاركة الشعب في وضع الدستور، الأولي هي المشاركة في عملية إعداد وصياغة مشروع الدستور، والثانية تتمثل في الموافقة النهائية على مشروع الدستور.
وعلى سبيل المثال، في (20/ايار/1970)، في مصر طلب رئيس الجمهورية الأسبق أنور السادات من مجلس الأمة المصري أن يقوم بوضع المبادئ الأساسية لدستور جمهورية مصر العربية، فقام المجلس على أثر ذلك بتشكيل لجنة تحضيرية من بعض أعضائه، واستعان بصفوة من رجال الدين والقضاء والفكر والرأي، ووضعت اللجنة أمام أعينها الآراء والمقترحات التي عبرت عنها جماهير الشعب وانتهت إلى وضع مشروع للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدستور، وهذا يوضح مدى اسهام الشعب في مرحلة من المراحل في صياغة وإعداد مشروع الدستور[1].
من خلال الالتزام بالدستور يكون هناك ضمان الحفاظ على وحدة الشعب والأرض والسيادة مما يعزز الوحدة الوطنية، ويؤكد على التوزيع العادل للثروة الوطنية، والذي يؤدي بدوره إلى حل المنازعات السياسية وإلى الحد من التوترات الاجتماعية بين فئات المجتمع، ويؤكد أيضاً على تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون من ناحية الحقوق والواجبات، أي تطبيق المساواة المتوازنة للحقوق والحريات دون تمييز.
كما أن مشاركة الشعب في تغيير الدستور تمر بمراحل، وتبين مدى اسهام الشعب في عملية التغيير، فإما تكون مشاركة الشعب في تغيير الدستور مباشرة، مثال ذلك، الدستور السويسري عام (1999)، إذ اشترط أن يتم تقديم طلب المراجعة الشاملة من قبل مائة ألف شخص متمتع بحق التصويت، ويعرض الاقتراح على الاستفتاء الشعبي لمعرفة رأي الشعب فيه، أو المشاركة غير المباشرة في اقتراح تغيير الدستور، فتكون عن طريق ممثلي الشعب في \البرلمان.
لذا فإنه بالرغم من ذلك كله لا يعني اهمال دور الشعب والجماهير، بالرغم من اعتراف معظم الدساتير الحديثة في أكثر من مكان في العالم بقوة رأي الشعب (الرأي العام)، واحترامه وضرورة التوافق معه، فضلاً عن اهتمامها بإبراز دوره في إقرارها، بيد أنه يمكن القول أن هذا الحق يتأسس من الواقع والممارسة الفعلية، ويستند على أساس عملي وواقعي موجود وملموس في الحياة العامة للأمم والشعوب على مر العصور والأزمنة، فكم من الدساتير أنهيت وعدلت وكم من الحكومات سقطت طبقاً لهذا الأسلوب.
أن دور الشعوب (الرأي العام) لم يكن غائباً عن مسرح الأحداث التاريخية للأمم والشعوب، فهو من زاوية له القدرة على إحداث التغييرات الكبرى ورسم الاتجاهات السياسية في الدولة، ومن زاوية أخرى يلعب دوراً قائداً في إنهاء الدساتير، كما وجدنا أن الحكومات تعتمد على رأي الشعب في ادخال التغييرات الكبيرة في المجتمع.
إن رأي الشعب موجود في كافة النظم الديمقراطية أو غيرها، وبالنظر إلى التجارب العملية قد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن راي الشعب (الرأي العام)، يضمن سيادة القانون ويحميه ويحافظ عليه، فضلاً عن رعايته للحقوق والحريات ومشاركته في صنع القرارات المصيرية، وفق ضوابط أصولية تمشياً مع مبدأ وحدة الأمة وصيانتها وتجنب الفتنة وإراقة الدماء بغير ضرورة.            
    

الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين



[1] د. رمزي طه الشاعر، "النظرية العامة للقانون الدستوري"، الطبعة الخامسة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

السبت، 17 مايو 2014

الثقافة السياسية في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية



الثقافة السياسية في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية
بقلم: أيمن هشام عزريل
إن الوحدة الوطنية في أي مجتمع من المجتمعات، تعد ضرورة أساسية ومطلباً مهماً يقاس على ضوئه مدى انسجام المجتمع وتقدمه وقدرته على تحقيق حالة من الوفاق بين فئاته وقطاعاته المختلفة، والنظام السياسي هو المسؤول الأول في تحقيق الوحدة الوطنية من خلال طبيعة العلاقة التي يبنيها مع المجتمع، كون الوحدة الوطنية تقوم على أساس ومرتكزات، والتي تحدد طبيعة العلاقة بين الفرد والنظام السياسي وشكلها، لذلك بدت أهمية الثقافة السياسية وضرورة تفعيلها في المجتمع مطلباً ملحاً وأساسياً لبناء الوحدة الوطنية وتعزيزها.
تقوم الوحدة الوطنية بفرض وخلق حالة من التعايش السلمي وتوفير أجواء من الديمقراطية والحرية، فضلاً عن آلية التوزيع المتوازن للدخل وتوفير مستلزمات المعيشة الاقتصادية وحالة التوازن بين الانتماءات والهويات الفرعية وانضمامها تحت لواء الهوية الوطنية الأكبر، في حين عدم الاتفاق بين النظام السياسي والمجتمع وسوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي كل ذلك يخلق المعوقات وتصدع للوحدة الوطنية وانعدام التعايش، فالوحدة الوطنية هي مفهوم يشترك فيه الجميع لتحقيقه.
فعلى سبيل المثال، وجود القيم مثل المحبة، والمودة، والتسامح، والولاء، والانتماء، واحترام الرأي والرأي الآخر، والمسؤولية، وغيرها من القيم هي التي ترسم الشخصية الوطنية، فإن تم غرس هذه القيم في الفرد داخل المجتمع، استطعنا تحقيق معاني الوحدة الوطنية وفكرة التعايش السلمي. يشير "كرونباج" إلى أن أفراد المجتمع الواحد لا يتشابهون في إطارهم القيمي فهم يختلفون فيما بينهم في منظومتهم القيمية، فهناك اختلاف على المستوى الفردي في القيم وهناك أيضاً اختلاف على مستوى الجماعة التي ينتمي لها الفرد، ومدى توافق المجتمع وتجانسه هو متى ما استطاع أن يحقق القيم المشتركة ويتشابه مع الآخرين بها[1].     
فالوحدة الوطنية هي اندماج اجتماعي بين شرائح المجتمع كافة تحت حكم واحد، فالمؤسسات لها دور رئيسي في غرس المفاهيم الوطنية وتعزيز القيم المرتبطة بالوحدة الوطنية، وقد يتم استخدام الاساليب المباشرة وغير المباشرة في تعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية، كما أن الأسرة تمثل الصدارة في هذا الجانب، فينصب دورها التربوي الرئيسي في غرس المفاهيم المشتركة مع الآخرين لتحقيق الوحدة الوطنية، فالعملية فقط تحتاج إلى تحديد هدف واضح وسوف يتم خلق ذلك التواصل والتبادل الفكري الايديولوجي إلى تحقيق الهدف المنشود.
والإعلام له دور بارز هام في حياة المجتمع، كونه يعتبر من أبرز الأدوات الرئيسية في المجتمع المعاصر، ودور الإعلام المحلي الرسمي وغير الرسمي في خلق بيئة مناسبة لمواجهة الأخطار التي تحدق بالمجتمع فيما يتعلق بالوحدة الوطنية، فالمجتمع المدني هو الذي يقوم على تذويب الفروق الاجتماعية، وهو الذي يدفع في النهاية إلى تحقيق الهدف المنشود إلى الوحدة الوطنية، فالمجتمع المدني يسهم في بناء وحدة وطنية إذا قام على دعائم ثابتة وراعى المعايير الأخلاقية في تحقيق الوحدة الوطنية، وكان على وعي تام بأهمية هذه المؤسسات وماذا تقدم.   
أما الثقافة السياسية فهي تعبر عن مجموعة من القيم والاتجاهات والمعتقدات التي يتخذها الفرد أسلوباً للتعامل السياسي، فالتفاعل الإيجابي بين النظام السياسي والمجتمع بما يحتوي من ثقافات متعددة، في حين الثقافة السياسية المبنية على تجاوز النظام السياسي لحدود السلطة الشرعية وعدم التزامه بالقواعد القانونية والتعامل مع المجتمع وفق أسلوب القسر والإكراه، يؤدي ذلك إلى بروز ثقافات سياسية من النوع السلبي ينعكس سلباً في بناء الوحدة الوطنية، لذا يقصد في بناء الوحدة الوطنية تلك العملية التي تهدف إلى تحقيق الاندماج والتلاحم والتعايش السلمي بين عناصر الأمة، وذلك بمزج الجماعات المختلفة والمتميزة عن بعضها بخصائص ذاتية في نطاق سياسي واحد تسيره سلطة مركزية واحدة وبقوانين تنطبق على كل أفراد المجتمع، فضلاً عن تكريس الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وإلا ستبقي التحديات الداخلية في وجود فئات وشرائح مختلفة في المجتمع.
نحن بحاجة ماسة إلى وجود برامج وطنية داعمة ورئيسية تدعم من قيم الانتماء والمواطنة والولاء والتعايش، وتعزز من خلالها مفاهيم الوحدة الوطنية داخل المجتمع، ولا شك بأن الوعي واحترام بعضنا بعضاً وتقبل الآخر مهما بلغت درجة الاختلاف والإيمان بالمبدأ الديمقراطي وتحقيق العدالة التي يجب أن ننطلق من خلالها، إذا ما أردنا تحقيق الوحدة الوطنية.


الاسم: أيمن هشام عزريل
E-mail: uzrail@hotmail.com
فلسطين


             


[1]. Cronback . Educational psychology . New York : Har court , 1963